[frame="11 98"]
بين صمتي وهذياني
أرغب بالغناء ،الغناء بصوت عال ٍخارج أفق هذه الجزيرة ، صوت عال ٍ يخرق المدى ، يمزق الأذن الصماء
،يزلزل أرجاء السخط والضياع .
مللت الحديث بصوت مرتجف وهمسات مبحوحة وعبر أثير حنجرة تغتال الكلمات .
مللت تصفح الوجوه الغريبة وتفرس ملامح الخير فيها ومحاولة البحث عن ذاتي في خلاياها وسريرها .
مللت النظر إلى الصور المشوهة واستنباط الخلل فيها و لملمة الأحرف الساقطة وإعادة تثبيتها .
مللت ارتياد جزر الأحلام وانتظار مراكب الهوى علها ترسو على مرافئ قلبي الواهمة فنجمع أنات التائهين
من دروب العذاب وننثرها أملاً يحبو على شواطئ الغربة والنسيان.
مللت البحث فيك وطرق أبواب معالمك المجهولة واختراق نبضات قلبك والوقوف صنما ً في طوابير العشاق
وعلى أطلال المحبين .
مللت إيقاظ الشعلة كل فجر تحت قدر الحجارة وممارسة طقوس العبادة كي ينفلق الصخر وتنبلج منه عينا
اللبن والعسل وتتدفق من مآقيه انهار الخمر المعتق لتستحم بها جدائل العذارى .
مللت من إعادة رسم ملامحك وتظليلها بألوان الطيف ووضع يدي على مقتلي والتصفيق لخطب السلطان .
مللت استجداء قرص الشمس كي يستدير تجاه خيمتي فيضيء ليلها عوضا ً عن شموع الفقر والقهر وخيبة
الأمل وينير على جبيني العنوان .
مللت السباحة في جزر الآخر والعوم في مياهه وزرع شرفاته بالفل والزنبق علّ الصخور تزهر في بلادي
سنابل ويضيء الحجر .
مللت أواني ِالهذيان التي أصنعها فأسكب بها جمر هذياني وأرشفها كل صباح ومساء ، تعويذة ، أنشودة ،
لحنا ً صاخبا ً ، أغنية وجودي وفنائي .
مللت من احتراقي بصمتي ، واحتراقك بصمتك ، من احتراق تلك النظرات الخرساء ، وانتحار الكلمات على
لسان صلدٍ وشفاه جرداء .
مللت صمتي ، مللت هذياني ، مللت من تجوالي برا ً
وبحرا ً وجوا ً بين مآتم الصمت وعزاءات الهذيان.
[/frame]