عرض مشاركة واحدة
قديم 08 / 01 / 2008, 16 : 04 PM   رقم المشاركة : [1]
فابيولا بدوي
شاعرة وكاتبة صحفية

 الصورة الرمزية فابيولا بدوي
 





فابيولا بدوي is a jewel in the roughفابيولا بدوي is a jewel in the roughفابيولا بدوي is a jewel in the roughفابيولا بدوي is a jewel in the rough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

التلفزيون هل يصقل أناسا أم خرافا

داني ـ روبير دوفور
الأنانية هي مرض عصرنا هذا، "حب الذات" هذا العزيز على قلب آدم سميث الذي يتغنى به الفكر الليبرالي بمجمله. إنه عصر الترويج للأنانية، وإنتاج العديد من "الأنا" العمياء، لدرجة أنها لم تعد تلاحظ لأي درجة يمكن تجييشها داخل مجموعات جماهيرية. إنها "الأنا" تحديدا، ذلك أن الناس يعتقدون بأنهم متساوون في حين يخضعون، في الواقع، للسيطرة على ما يجدر تسميته في هذه الحالة، قطيع المستهلكين بالتحديد.
إن العيش ضمن قطيع مع التظاهر بالحرية لا يشهد على شيء سوى على علاقة بالذات مرتهنة بصورة كارثية، كونها تفترض إرساء علاقة كاذبة مع الذات كقاعدة حياتية. ومن هنا، مع الآخرين أيضا. هكذا، نكذب على الآخرين، هؤلاء الذين يعيشون خارج الديموقراطيات الليبيرالية، عندما نقول لهم بأننا جئنا ـ مع بعض الأدوات كهدايا أو مدججين بالسلاح في حال رفضوا ذلك ـ لمنحهم الحرية الفردية، في حين أننا نتطلع قبل كل شيء إلى إدخالهم في قطيع المستهلكين الكبير.
لكن ما ضرورة هذه الكذبة؟ الجواب بسيط. يجب أن يتوجه كل شخص "بحريّة" نحو البضائع التي يصنعها من أجله نظام الإنتاج الرأسمالي الجيد. "بحرية"، لأنه في حال إرغامه على ذلك سيقاوم. لذا يجب أن يترافق الإرغام المستمر على الاستهلاك دوما بخطاب عن الحرية، حرية مزيّفة طبعاً، بمعنى تلك التي تسمح بالقيام بـ" كل ما نريده".
ومجتمعنا في سياق اختراع نموذج جديد لخليط اجتماعي يضع على المحك تركيبة غريبة من الأنانية. وتشهد هذه التركيبة على أن الأفراد يعيشون منفصلين عن بعضهم، الأمر الذي يمدح أنانيتهم، مع إبقائهم على ارتباط بنمط افتراضي من أجل توجيههم نحو مصادر الوفرة. وتلعب الصناعات الثقافية هنا دورا كبيرا: التلفزيون، الإنترنت، وقسم كبير من السينما التي يرتادها الجمهور الكبير، وشبكات الهاتف المحمول المتخمة بالعروض "الشخصية".
ويشكل التلفزيون، قبل أي شيء، وسيطا منزليا، وقد أتى ليستقر في أسرة كانت تعاني أساسا من أزمة في كيانها. فقد تم الحديث عن "فردانية"، و"خصخصة" و"تعددية" الأسرة، الناتجة عن تفككات لم يسبق لها مثيل للعلاقات الزوجية وللعلاقات بين الأهل والأولاد. حتى أن البعض من الكتاب يتحدث عن "تفكك مؤسساتي"، يجب إرجاعه إلى تداعي الروابط السلطوية لمصلحة روابط قائمة على المساواة. هكذا تحولت العائلة من مجموعة مبنية على أقطاب وأدوار، إلى مجرد تجمع وظيفي بسيط لمصالح اقتصادية ـ عاطفية: يستطيع كل واحد الاهتمام بأشغاله الخاصة، دون أن يترتب على ذلك حقوق أو واجبات محددة لأي منهم.
تلك نواح معروفة. لكن ما لا يعرفه الناس جيدا هو التعديلات التي أدخلها استخدام التلفزيون. إذ يغير هذا الأخير أطر الحيز المنزلي، عبر إضعاف أكبر للدور الذي أساسا تقلص للعائلة الحقيقية، ومن خلال إنشاء ما يشبه العائلة الافتراضية التي أتت لتلتصق بالعائلة السابقة. ومنذ وقت طويل، أطلقت بعض الدراسات التي أجريت في أمريكا الشمالية اسم "ولي الأمر الثالث" على التلفاز يجب تناول هذا التعبير بمعناه الحرفي وعدم اعتباره مجرد صورة مجازية.
ولي الأمر الجديد هذا يجلب معه، داخل الحيز المفكك البنية للعائلة القديمة، حيزه الخاص الذي بالرغم من كونه افتراضيا لا يقل اجتياحا. ففي النهاية، يشكل ولي الأمر الثالث هذا للأولاد، وهو في الوقت نفسه صديق العائلة المفضل بالنسبة للأهل الحقيقيين، المحور الذي يسمح بربط بقايا العائلة الحقيقية بعائلة افتراضية جديدة
لم تتنبه العلوم الاجتماعية جيدا لهذا التوسع الافتراضي للعائلة من خلال ولي الأمر الثالث. علما أنه تم تحديد هذه الظاهرة بصورة جلية كاملة من قبل الأدب، فمنذ بدايات عهد التلفزيون. ففي العام 1953، وفي رواية مدهشة، أظهر الكاتب الأمريكي راي برادبوري عن نواح عدة من المشكلة في وقت كانت الرؤية تقتصر غالبا على تناول ناحية واحدة: مجتمع حل فيه التلفزيون مكان الكتاب. وقد استوحي من هذا الكتاب فيلم من إخراج فرانسوا تروفو في العام 1966: تدور أحداثه في مستقبل قريب يعتبر فيه المجتمع بأن الكتب خطيرة، وبأنها تشكل عائقا في وجه ازدهار البشر.
وإن تم إدراك مسألة العلاقة بين التلفاز والكتاب بشكل جيد، إلا أن المسألة المصيرية الثانية التي تطرحها هذه القصة لم تؤخذ كثيرا بعين الاعتبار: التلفزيون كعائلة جديدة.
تكمن قوة هذه الرواية في كونها كشفت باكرا جدا عن هذه السمة: في حين كانت العائلة الحقيقيّة ـ مع أنظمتها وأماكنها وتراتبياتها ـ تتلاشى تدريجيا، وكان يتم استبدالها بمجتمع جديد ضخم ومتبخر، يخلقه التلفزيون. ومنذ العام 1953، فهم برادبوري أن المشاهدين بدأوا ينتمون، من خلال تخليهم عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية القديمة، إلى "عائلة" واحدة، إذ أصبح لديهم فجأة نفس "الأعمام" الذين يروون عادة القصص المضحكة، ونفس "الخالات" المازحات، ونفس "الأقارب" الذين يكشفون عن حياتهم الخاصة.
هكذا فإن برامج النقاش العديدة جدا وغيرها من البرامج الترفيهية التي تبث اليوم على القنوات العمومية، تؤمن مجموعة كبيرة من صور العائلة: من الخجول المثابر إلى الثرثار الذي لا يمكن إصلاحه، مرورا بصاحب امتياز الامتعاض، والمناضل السابق المنتقل إلى صفوف الشهرة، والأستاذ الأبله، ومناصر البيئة ممن يحبون المأكولات الجيدة، والصلف بالأسلوب الغالي، والشقراء ذات الجسم المقوى صناعيا، ومعبود الشباب الدائم، والمغني العاطفي المتقدّ في السن، ونجمة السينما الإباحية المدافعة عن حقوق الإنسان، والمثلي الجنسي في كافة تنويعاته، والمعاق المضحك، وابن المهاجرين المهذار، والممثلون مع نزواتهم، والرياضيون كريمي الأخلاق، والمدافع عن القضايا الخاسرة سلفا، أي حوالى المائة من الشخصيات المتنقلة باستمرار من قناة إلى أخرى والذين يزنون ثقلهم ذهبا، باختصار أولئك الذين يدعونهم اليوم أهل المجتمع، ويتبعهم المسئولون السياسيون الذين يعانون من نقص في جمهورهم.
وأصبح المشاهد يجد اليوم عائلته وهو ينقل القنوات، إضافة إلى أنهم مرحون أو يفترض كونهم كذلك. وما لم تعد القصص العائلية تؤمنه، أصبحت "عائلة" التلفزيون هي التي تعزي الباقين وحيدين وتحيي المجموعات التي تنقصها الحيوية. هكذا، إن "التلفزيون" لا يؤمن فقط "عائلة"، لكنه يحول أيضا مشاهديه إلى عائلة كبيرة. كل واحد يكشف عن مكنونات نفسه للجميع، وسط مثالية من الشفافية لا يعود من الممكن فيها إخفاء أي شيء عن الآخر. وعلى مر البرامج، يتم الكشف عن "الأسرار العائلية" الأكثر حميمية، وما من أحد يقاوم هذه الاعترافات الجياشة.
يمكننا أن نتساءل: في النهاية، لماذا نرفض هذه الافتراضية للروابط العائلية؟ أليست هذه مسيرة التاريخ بحد ذاتها؟ فشعار "أيتها العائلة، إنني أكرهك" الذي أطلقه أندريه جيد، والذي استعاده طلاب ثورة 1968 الطلابية، لا يرجع سوى إلى جيل أو جيلين. بهذا المعنى، أليست "العائلة" الافتراضية أفضل من العائلة الحقيقية، مع العلم أنه، في حال الشعور بالتعب الحقيقي، تكفي كبسة زر دون الاضطرار، كما في الماضي، لـ"قتل الأب".
الإجابة على هذا السؤال بسيطة: فالمشاهد الذي يحب شخصيات هذه "العائلة" لا يمكنه أن يحصل على شيء منها في المقابل، لأن هؤلاء، كونهم وهميين، لا يمكنهم سوى أن يكونوا لامبالين تماما لمصيره. إلا طبعا في حال أصبح المشاهد نفسه شخصية في وسائل الإعلام . من هنا يتبع سؤال جديد وجواب جديد. لما القيام بكل هذا الإنفاق في مجال التكنولوجيا (كاميرات، تقنيون، شبكات برامج، أقمار إصطناعية، شبكات، الخ.) والاستثمارات المختلفة (مالية، شبقية، الخ.) إن لم يكن ذلك لجعل الأشخاص الذين يشاهدون التلفزيون يعيشون فعلا من خلال تمضية كل هذا الوقت أمامه؟ فهل تمثل هذه "العائلة" عهد التسلية الصرف؟ نعلم أن التسلية كانت في الماضي محصورة بالملك ضمن نطاق دعمه للجميع، في حين لم يكن يلقى دعما من أحد. وتفاديا للخطر الكبير بإصابة الملك بالسويداء، لم يكن هنالك من وسائل أخرى سوى تسليته باستمرار. قد نكون اليوم في وضع مشابه، بفارق أنه اليوم، وفق ما تفرضه ديمقراطيات السوق، يجب تسلية الجميع.
لكن تسلية المتفرج لا تكفي. هنالك حاجة إلى المزيد. ويمكن القيام بأفضل من ذلك. إذ إن لم يكن الوجود الذاتي للآخر من الأولويات التي تشغل هذه "العائلة"، فذلك بكل بساطة لأن لا شيء يشغلها، كونها هي ذاتها مجرد خديعة. فوراءها، تختبىء الحقيقة الوحيدة المتينة، وهي المشاهدون (ونسب متابعتهم وتعويدهم عبر الوهم) الذين يقاسون ويقسمون إلى أجزاء للتمكن من بيعهم وشرائهم في سوق الصناعات الثقافية.
وإن بقي عقل واحد ساذج لدرجة تجعله يعتقد أن وضع البرامج يأخذ بعين الاعتبار نوعية تلك البرامج، فهنالك إمكانية كبيرة في أن يفقد أوهامه منذ التحقيق الأول. فالاهتمام محصور بنسبة المشاهدين فقط لأنهم الوحيدون الذين يؤثرون على الأعمال الجدية. وهي أسعار المساحات الإعلانية.
من الضروري إذن أخذ هذه "العائلة" بعين الاعتبار لمن يريد فعلا وصف عالمنا وناسه والتعمق بهم. فذلك سيسمح له بالكشف عن طبيعته الحقيقية. هكذا، يشير برنار ستيجلر في كتاب حيوي صغير حول التلفزيون والبؤس الرمزية، إلى أن "(المرئي والمسموع) يؤدي إلى تصرفات قطيعية وليس إلى تصرفات فردية، بعكس إحدى الأساطير. إن القول بأننا نعيش في مجتمع فرداني ليس سوى كذبة واضحة وخدعة مزيفة بصورة مذهلة. إننا نعيش في مجتمع ـ قطيع، كما فهمه واستبقه "نيتشه" ".
إن العائلة المعنية هي إذن في الواقع "قطيع"، يقتصر الأمر فقط على أخذه إلى حيث نريده أن يشرب ويأكل، أي نحو منابع ومصادر محددة بوضوح. لن أستند إلى "نيتشه" الذي لم تثبت بعد مزاياه كديمقراطي كبير، إنما إلى "كانت" و"أليكسي دو توكفيل".
ففي كتابه "ما هي الأنوار؟"، يطور "كانت" موضوع تحويل الناس إلى قطيع. إذ يعتبر أن هذا التحويل يحصل عندما يعدل الناس عن التفكير بعقولهم الخاصة ويضعون أنفسهم تحت حماية "حرّاس يقترحون "من كرم لطفهم" السهر عليهم. فبعد أن يجعلوا قطيعهم ساذجا (وتعني حرفيا "قطيع منزلي")، ويتوخون كل الحذر من أن تتمكن هذه الكائنات المسالمة من التجرؤ على القيام بأية خطوة خارج الحديقة التي حبسوا داخلها، ينبهونه إلى المخاطر الذي ستواجهه في حال ذهبت إحداهم وحدها".
أما بالنسبة لتوكفيل، فمن المدهش أن يكون هذا المفكر البارز الذي تناول الديمقراطية قد بحث في إمكانية تحويل الشعوب إلى قطعان، عندما تساءل عن نوع الاستبداد الذي يجب أن تخشاه البلدان الديمقراطية. إذ يظهر مفهوم "القطيع" تحديدا في 1840، عندما يشير إلى أن الشغف الديمقراطي بالمساواة يمكنه "تحويل كل بلد ليصبح مجرد قطيع من الحيوانات الخجولة والشغالة"، محررة من "الاضطراب الذي يولده التفكير". وفي الواقع هذا الأمر صحيح: فضمن القطيع، نحن جميعا متساوون حقا.
هكذا بعد تحويل العمال إلى بروليتاريا، بادرت الرأسمالية إلى "تحويل المستهلكين إلى بروليتاريا". ولامتصاص الإنتاج الفائض، طور الصناعيون تقنيات تسويقية تهدف إلى جذب رغبات الأفراد من أجل حثهم على شراء المزيد دائما. تمت عندها الاستفادة من نظريات سيجموند فرويد، من خلال تطبيقها على عالم الصناعة من قبل قريبه الأمريكي إدوارد برنايز. فقد استثمر هذا الأخير (في البدء لمصلحة صانع السجائر فيليب موريس) الإمكانيات الضخمة للحث على الاستهلاك لما كان يدعوه زوج عمته بـ"الاقتصاد الشبقي".
وتكمن عبقرية بيرنايز بأنه رأى باكرا جدا الاستفادة التي يمكنه الحصول عليها من أفكار فرويد. وفي الواقع، منذ العام 1923، شرح في كتابه "بلورة الرأي العام"، بأنه يمكن للحكومات وأصحاب الإعلانات "تطويع الأذهان كما يطوع العسكريون الأجساد". ويمكن فرض هذا الانضباط بحكم "الليونة المتأصلة في الطبيعة البشرية الفردية". ويشير برنايز إلى أن "الوحدة الجسدية تشكل رعبا حقيقيا بالنسبة للحيوان القطيعي، وبأن وجوده ضمن القطيع يشعره بالأمان. ولدى الإنسان، يثير هذا الخوف من الوحدة رغبة بالتماثل مع القطيع وآرائه".
لكن بعد دخوله إلى "القطيع"، يبدي "الحيوان القطيعيّ" دائما رغبة في إبداء رأيه. وبالتالي، يجب على خبراء التواصل أن "يتوجهوا إلى فردانيته (التي) تتماشى، بشكل وثيق، مع غرائز أخرى، كنرجسيته". لذلك، يوصي برنايز دائما بالتحدث معه عن رغبته "هو". ويهدف هذا الجمع للأفراد داخل قطيع إلى خلق تجانس في التصرفات، بطريقة تسمح باكتساح الأسواق وبالتالي تحقيق أقصى حد ممكن من الأرباح، بالاعتماد خصوصا على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الجماهيرية، ومنها الراديو والسينما، ثم التلفزيون الذي تم اختراعه فيما بعد، والتي يتم استخدامها لتوظيف الناحية الجمالية للفرد.
والمدهش في الأمر هو أن الحديث عن مجتمع ـ قطيع من المستهلكين الذين تم تحويلهم إلى بروليتاريا، لا يتناقض أبدا مع نشر ثقافة للأنانية نصّبت قاعدة حياتيّة ـ بل على العكس: إذ أن تلك المفاهيم تترابط وتدعم بعضها بعضا. هذه الحياة ضمن قطيع افتراضي، يتم قيادته باستمرار نحو منابع سماوية مليئة بالحوريات وعرائس البحر، تفترض في الواقع أنانيّة مضخمة يتم تقديمها كإنجاز ديموقراطي. "كن دائما نفسك أكثر بالمشاركة دائما أكثر في العائلة"، "معنا ستكون في وسط النظام"، أو "في وسط البنك، وكل ما تشاء" – هكذا يمكننا رصد آلاف الإعلانات التي تضرب على الوتر نفسه.
مع هذه "الأنانية القطيعية" لا شك أننا أمام نموذج جديد نوعا ما من "التجمع"، يفترض تحليله بسرعة، ذلك أن منحاه الأناني يمنعه أبدا من اكتشاف نفسه ككائن جماعي. فنحن أمام تلك التركيبات الأنانية القطيعية كمن يقف أمام وحوش تفرزها الديمقراطية. وحوش، نعم، لأن تلك التركيبات معادية للديمقراطية في الجوهر: تعمل على الإغفال الطوعي والنهج المخادع اللذين يتكرران باستمرار، وعلى شراء الضمائر، وضربات الحظ، والربح السريع والأقصى، وهي، علاوة على ذلك، تصيب بالعدوى بصورة متزايدة الآلية الديمقراطية الفعلية الباقية إذ أنها تساهم، بشكل خاص، في تحويل السياسة إلى نجومية اجتماعية.
كل شيء ينطلق من عقد كاذب يعتقد المشاهد بموجبه أنه قادر على المشاهدة دون أن يراه أحد. من هنا، يولد هذا الشعور بالقوة الفائقة الأنانية التي تطال ذلك الذي يعتقد بأنه "يقوم بما يريده" عبر مشاهدته ما يريد فعلا مشاهدته. كون الإثبات النهائي على ذلك هي قدرته على تغيير القنوات على هواه. ولكن في الواقع، هذا المشاهد ليس فائق القوة، بل بعيدا عن ذلك: إذ لا شك أنه محط مشاهدة، بل هو محط تدقيق أكثر مما هو مشاهد. ولا ننسى أنه ما من نشاط اجتماعي آخر يتم تقييمه وقياسه أكثر من ذلك المرتبط بالممارسات التلفزيونية.
في الواقع، تسري الظاهرة نفسها على كافة تلك المجموعات الأنانية ـ القطيعية الجديدة. فحتى مع الإنترنت، تسجل العديد من البرامج ـ الجاسوسية المحلية أو عن بعد، نظرة مستخدم الإنترنت من خلال علاقته بالفأرة، بطريقة تسمح بوضع رسم آلي يجعل من الممكن النظر إليه بكافة أشكاله وعاداته، هكذا تسجل العديد من العلب السوداء أدنى ردات فعل المشاهد. وعندما ينظر يكون أيضا محط أنظار.
التلفزيون هو إذن عين موجهة نحو كل عضو أو مجموعة من أعضاء القطيع. بالتالي إن القول الاعتيادي بأنني "أريد الإسترخاء قليلا ومشاهدة التلفزيون" لهو مخادع حقا. لأنه عندها، يكون الآخر هو الذي ينظر إليك، أنت، لكن ليس أنت فقط، كونه ينظر في الوقت نفسه إلى كل عضو من القطيع. وطبعا إن جميع عيون التلفزيون الخفية تلك، الموجهة نحو أعضاء القطيع الافتراضي، متصلة في ما بينها. ما يشكل شبكة ضخمة، حيث كل فرد معرض باستمرار ومراقب من قبل ما ينظر إليه. ويقاد مباشرة إلى المنابع، حيث يريده هذا الآخر أن يذهب ليقتات ويرتوي مع أمثاله في القطيع (ونعلم أنه، بالنسبة للرئيس المدير العام للقناة التلفزيونية الفرنسية الرئيسية الذي قبل بعرضه لأنه "الأفضل ثقافيا"، الأولوية هي لمنابع الكوكا كولا).
يعمل التلفزيون إذن على غرار "مُشتمل بنتام" بالمقلوب. ففي مُشتمل "بنتام"، وفق ما برهنه فوكو، "(كل واحد) مرئي لكنّه لا يرى"، بطريقة "تولد لدى المسجون شعورا واعيا ودائما بأنه محط الأنظار، ما يجعل آلية السلطة تعمل بصورة أوتوماتيكيّة ." هنا، تفنن إضافي (هذا هو التطور): لا أحد مرئي، لكن كل واحد محط أنظار هذا "الآخر" الأعمى الكبير الذي ينظر إليه. وفي الواقع، لم يعد يقتصر الأمر بالنسبة لهذا الآخر على مشاهدة كل من الأعضاء من مركز الرؤيا المركزية نفسه، لكن أن يجعل كلا منهم ينظر في اتجاهات محددة جدا، وهي تلك التي تعد بالسعادة من خلال التحقيق المعمم والأوتوماتيكي للحاجات، طبعا المجدولة بشكل لائق... والمتوقعة.
ــــــــــــــــــــ
أستاذ العلوم التربوية في جامعة باريس 8

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
فابيولا بدوي غير متصل   رد مع اقتباس