المسجد الأقصى ( من مواد الموسوعة الفلسطينية - القسم الأول - المجلد الرابع )
كان اسم المسجد الأقصى يطلق قديما ً على الحرم القدسي الشريف كله وما فيه من منشآت أهمها قبة الصخرة المشرفة التي بناها عبد الملك بن مروان سنة 72هجري / 691 ميلادي وتعد من أعظم الآثار الإسلامية وأما اليوم فيطلق الاسم على المسجد الكبيرالكائن جنوبي ساحة الحرم .
ينسب معظم المؤرخين المسلمين بناء المسجد الأقصى إلى الخليفة عبد الملك بن مروان .ومن هؤلاء البشاري المقدسي وشهاب الدين احمد بن محمد المقدسي ومجير الدين الحنبلي والسيوطي . ويقولون إنه بناه سنة 72 هجري/ 691 ميلادي ، وينسبه بعض المؤرخين ومنهم ابن البطريق وابن الأثير وابن الطقطقي إلى الوليد بن عبد الملك ( حكم من 86-96 هجري/705-714 ميلادي) . وتؤكد هذا الرأي مجموعات من أوراق البردي تضم مراسلات بين قرة بن شريك عامل مصر الأموي (90-96 هجري / 709-714 ميلادي) وأحد حكام الصعيد وتتضمن ذكر نفقات العمال الذين كانوا يتولون بناء مسجد القدس . وتدل هذه الأوراق بصورة قاطعة على أن العمل في بناء المسجد كان جاريا حوالي سنة 90 هجري/ 709 ميلادي ويعني هذا أن باني المسجد هو الوليد بن عبد الملك ، أو هو الذي أتم بناءه .
ويختلف بناء المسجد الحالي عن بناء الأمويين اختلافاً كبيراً ، فقد بني المسجد بعد ذلك ورمم عدة مرات ، ففي أواخر الحكم الأموي (130هجري/747ميلادي) حدث زلزال سقط بسببه شرقي المسجد وغربيه ، وقد جرت إعادة بناء المسجد زمن الخليفة العباسي المنصور سنة 141هجري/759 ميلادي ، وفي سنة 158 هجري/774 ميلادي وقع البناء الذي أقامه المنصور بسبب زلزال آخر فأمر الخليفة المهدي بإعادة بنائه ، وبني المسجد هذه المرة بعناية كبيرة وأنفقت عليه أموال طائلة ، وكان يتكون من رواق أوسط كبير يقوم على أعمدة رخام وتكتنفه من كل جانب سبعة أروقة موازية له وأقل منه ارتفاعاً.
وفي سنة 425هجري/1033ميلادي خرب المسجد الأقصى خراباً كبيراً بسبب زلزال آخر فعمره الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله وضيقه من الغرب والشرق بحذف أربعة أروقة من كل جانب، والأبواب السبعة التي في شمال المسجد اليوم هي من صنع الظاهر، كما أن جزءا كبيراً من بناء الأقصى الحالي - قبل التعميرات التي جرت في هذا القرن - يرجع إلى الظاهر .
وعندما احتل الصليبيون القدس غيروا معالم المسجد فاتخذوا جانبا منه كنيسة وجانبا آخر مسكناً لفرسان الإسبتارية وأضافوا إليه من الناحية الغربية بناء جعلوه مستودعا لذخائرهم .
ولما حرر صلاح الدين الأيوبي القدس أمر بإصلاح المسجد الأقصى وإعادة البناء إلى ما كان عليه قبل الاحتلال الصليبي ، وجدد صلاح الدين محراب المسجد وغشاه بالفسيفساء وأتى بالمنبر الرائع الذي أمر نور الدين محمود بن زنكي بصنعه للمسجد الأقصى من حلب ووضعه في المسجد .
وفي سنة 614 هجري/1217 ميلادي أنشأ الملك المعظم عيسى بن أحمد بن أيوب الرواق الشمالي للمسجد ، وهو يشمل سبعة أقواس تقابل أبواب المسجد السبعة .
وقد أجرى السلاطين المماليك ، ثم العثمانيون ، إصلاحات وتعميرات كثيرة في المسجد الأقصى ، ولكن شكله العام لم يتغير منذ عهد الأيوبيين .
وفي القرن الحالي جرت عمليات تعمير واسعة في المسجد تمت واحدة منها سنة 1344 هجري /1925 ميلادي واستهدفت تدعيم القبة والبناء بصورة عامة ، وأخرى بين سنتي 1357 هجري/1938 ميلادي و 1363 هجري /1943 ميلادي هدم فيها الرواق الشرقي وأعيد بناؤه ، والرواق الأوسط الذي كان ما يزال قائماً منذ التجديد الفاطمي وأعيد بناؤه . وقد تم ذلك بإشراف المجلس الإسلامي الأعلى . يبلغ طول المسجد الأقصى من الداخل 80 م وعرضه 55 م وفي المسجد سبعة أروقة - رواق أوسط وثلاثة أروقة من جهة الشرق وثلاثة من جهة الغرب - ترتفع على 53 عمودا من الرخام و 49 سارية من الحجارة ، وفي صدر المسجد القبة ، وللمسجد أحد عشر باباً سبعة منها في الشمال وواحد في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب .
للمسجد الأقصى مكانة رفيعة في الإسلام بوصفه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسجد الإسراء والمعراج ، وكان له أثر عظيم على مدى التاريخ في الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية في فلسطين ، وقد حفل عبر القرون بالنشاط التدريسي فكان من أكبر مراكز التعليم الديني في الإسلام ، ومركز الاحتفالات الدينية الكبرى ببيت المقدس ، ومقر الحياة السياسية تعقد فيه الاجتماعات وتتلى المراسيم السلطانية وبراءات تعيين كبار الموظفين .