أنا أمك التي حملتك وهْناً على وهن.. وكلما شعرت بحركاتك ونبضاتك، تحسست نموك في قلبي، وكلما شعرت بك تكبر بي دعوت الله أن أبقى حبلى بك، وأن لا ألدك أبداً. ...
أنا أمك التي أيقظتك باكراً، وغسلتْ وجهك، ومشطتْ شعرك المبلل بأطراف أناملها، ووضعتْ لك وجبتك الغذائية في حقيبتك المدرسية، وغلفتْ كتبك الجديدة،
واصطحبتك إلى روضتك في أول يوم دراسي، وغافلتْ طفولتك وهي تمضي بعيداً عنك، كي تمنحك فرصة التأقلم مع صحبة جديدة، وعالم جديد.
أنا أمك التي حين أجوع تقلقني لقمتك، وحين يتسلل برد الشتاء إلى عظامي يقلقني أمْرُ شتائك، وأمْرُ دفئك، وأمْرُ عظامك.. ثم أتساءل هل حفظت وصاياي لك، أم
أنك بقيتَ فريسة لألم الجوع، وبرد الشتاء، ووحشة الليل !؟
أنا أمك.. التي كنتُ أشعر بألمك قبل إصابتك به، وبهمك قبل استقراره بك، وبمرضك قبل وصوله إليك..
كان الحب كالمشيمة يربط بيني وبينك، قلبي وقلبك، متحدياً مسافات الزمن، وظلمة الليل ومساحات العتمة.
أنا أمك.. التي انتظرتك في ليلة العيد بلهفة، وافتقدتك في صباح العيد بألم، وبحثت عنك في وجوه الفرحين بصمت، وخبأت لك حلوى العيد علَّك غداً تأتي, فتحدثك عني الكثير، وتعاتبك على الكثير.
أنا أمك.. التي أضحتك وأبكيتها؛ أسعدتك وأشقيتها؛ حفظتك وضيعتها؛ أشعلتَ رأس قلبها بالشيب، حزناً وخوفاً عليك، وحنيناً إليك.. فلا هي كرهتك، ولا هي غضبتْ منك، ولا هي دعت بالشر عليك، بل واصلت الدعاء لك..
وقفتْ كالسد المنيع بينك وبين حجارة الزمن وخناجر الأصدقاء ورصاص الأيام ونوائب الدهر..
سيؤلمك اليتم بعدي، وستبحث عني بين نساء الأرض..
لكنك لن تجدني, وستدرك بعد الأوان، أني أنا من أحببتك.
(بقلم شهرزاد الخليج بتصرف)