15 / 05 / 2014, 07 : 07 AM
|
رقم المشاركة : [2]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: ما هي النكبة؟ وهل مازالت النكبة مستمرة؟
[align=justify]نتابع: هل حق العودة أصبح مهدداً على يد القيادة الفلسطينية نفسها؟
هذه العودة إلى الماضي والذكريات اكتسبت زخماً أكبر بعد اتفاقيات أوسلو، وفي سياق التهديدات التي تطال حق اللاجئين في العودة إلى منازلهم وأراضيهم كنتيجة لتلك الاتفاقيات. وفي هذا السياق – أو اللجوء للذكريات في مواجهة تهديد الازالة السياسية- فقد قاد هذا التوجه إلى تركيز محدد على ذكريات النكبة، خصوصاً في مجتمعات اللاجئين، وجيل 1948، وهو الشاهد الوحيد المتبقي على الكارثة التي حاقت بالشعب في 1948، والتي أصبح حلها عن طريق تطبيق حق العودة مهدداً – للمرة الأولى-على يد القيادة الفلسطينية نفسها.
حدث هذا الأمر في سوريا على نطاق واسع كنتيجة لما عرف بحركة العودة. هذه الحركة ظهرت كرد على اتفاقيات أوسلو، وكمحاولة لإضعاف أجندة منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية التي خلقتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخصوصاً فيما يتعلق بالتمثيل الشرعي للاجئين، وإمكانية أن تقوم المنظمة/السلطة بلتراجع عن حق العودة في المفاوضات. على المستوى المحلي، بدأ الناشطون بحشد الذكريات المرتبطة بفلسطين التاريخية والنكبة كمصادر لحركة جماعية. ومن خلال هذا الحشد الخاص بالذكريات كمصادر – ما فعله الناشطون حقيقة هو أنهم أفسحوا المجال لظهور حوارات "الذاكرة كضمان للعودة" في مجتمعاتهم.
***
وعلى خلفية المضامين المتعددة والمتغيرة للنكبة، فإن السؤال هو كيف يمكن لأفراد المجتمع أن يختاروا أن "يتذكروا" أو حتى أن "ينسوا" هذه الحادثة التي حولتهم وعوائلهم إلى لاجئين من الجيل الثالث أو الرابع في ضوء المعاني التي أصبحت النكبة تتضمنها، وخصوصا فيما بعد أوسلو؟ وما الذي يمكن لهذا أن يخبرنا عن معنى النكبة اليوم؟ إحدى الطرق الممكنة للتعامل مع هذا السؤال هو عن طريق استقصاء ماهية الأشياء من نكبة 1948 التي اختار من تمت مقابلتهم من جيل النكبة الذي يختفي سريعاً أن "يتذكرها" "ينساها" وكيف؟
أحدد موقع ذكريات هذا الجيل في مكان بين دورهم المتوقع في حوارات ذاكرة النكبة الجديدة، وتأثيرات تلك الحوارات فيما يخص الذكريات الخاصة لكل منهم، إضافة إلى المناسبات العائلية "الاعتيادية"، تلك التي يعود فيها الأجداد إلى البداية عند النهاية. وفي مقابل هذا، فإن إحدى ذكريات النكبة، مثل مذبحة كفر عنان، يمكن لها أن توفر مدخلاً إلى معنى آخر محتملاً للنكبة اليوم. هذا المعنى متجذر في كل من ذاكرة أولئك الذين شهدوا الموت والدمار عام 1948، والذين يحاولون أن يتذكروا بعد ستة عقود حتى يضمنوا حلا للنكبة وللعودة المستقبلية.
استقيت أول معلوماتي عن مذبحة كفر عنان خلال مقابلة مع المرحوم الحاج أبو خليل. كان عمه قد سمع أخباراً عن محاصرة القرية في ياقوق، القريبة من طبريا، واتجه إلى هناك حيث كان لهم أقرباء يعيشون في تلك القرية التي أصبحت محتلة. وحين وصل عمه، شاهد من مسافة آمنة كيف تم اختيار أربعة عشر رجلا ممن استسلموا ليتم إعدامهم على يد فرقة إعدام صهيونية من أربعة رجال. بعد أن سمعت بمصير ابنها،عادت إحدى أمهات الضحايا إلى موقع المذبحة بعد ستة أيام وحملت جثة ابنها على حمار وأخذته معها عائدة إلى الجولان السورية. ورغم أنه كان مصاباً بما يقرب من خمسين طلقة، فقد أخبرني الحاج أن الرجل عاش ليصبح الناجي الوحيد من المذبحة. نجا الرجل، وتعافى وتزوج ورزق بأولاد في مخيم خان الشيخ، الذي يقع على بعد 30 كيلومتراً جنوب غرب دمشق على الطريق إلى الجولان المحتلة وقريباً من كفر عنان، ثم مات لاحقا دون أن يعود إليها.
تحدثت فيما بعد أم عبد العزيز، والتي كانت طفلة حين هربت من صفد مع عائلتها بعد الهجوم الصهيوني على قريتها، وقصت نفس القصة عن رجل من عشيرة المواسي من كفر عنان. قالت إنه نجا من الموت رغم أن جسده كان مثقبا بالرصاص لأن والدته جاءت لتحمله على ظهر حمار حيث عادت إليه بعد رحلة دامت ستة أيام. علمت أم عبد العزيز بنجاة الرجل لأنهم أصبحوا جيراناً في جرمايا، وهي قرية في الجولان السوري حيث أقامت عائلتها كلاجئين إلى أن احتلتها اسرائيل وقامت بتدميرها وتهجير سكانها في عام 1967. وفيما بعد، قص أبو عمار، والذي هرب من نصر الدين في طبرية إلى هضبة الجولان السورية وهو طفل مع عائلته بعد الهجوم الصهيوني على قريته ووقوع مجزرة أخرى هناك، نفس هذه القصة. وقد ركز على نفس النقاط، أي النجاة المعجزة، والجروح المتعددة، وإصرار الأم على إعادة إبنها إلى الجولان.
إن "التطابق" الداخلي والخارجي في هذه "القصة داخل القصة"- إذا صح التعبير- مبهر، وبشكل خاص فيما يتعلق بالنقاط المثيرة: الطلقات العديدة، الطلقة في الفم، عودة الأم- وكلها تم تذكرها وروايتها من قبل أشخاص تمت مقابلتهم وجاءوا من مناطق قريبة في فلسطين التاريخية. كل هؤلاء ذهبوا كلاجئين في الجولان السوري، وكانوا في وقت المقابلة يعيشون في المخيمات الفلسطينية في داخل أو قرب دمشق.
عندما نقرأ قصة النكبة هذه التي ترويها الذاكرة في سياق "موت المجتمعات الفلسطينية في الجليل" والتي صنعتها أحداث 1948، يمكن لنا أن نقول إن هذا "التطابق" المبهر لا يحتوي على فهم واحد محدد ومطلق للنكبة، ولكن من الممكن جدا أن أفراد هذا الجيل قد يشكلون "مجتمعات الذاكرة" لروبرت بيلا وزملائه، و"مجتمعات الضياع" لجوديث بتلر. هذه إمكانية يمكن أن نقرأها في هذه القصص التي تشاركنا بها ذاكرة عام 1948، وكما هي مروية من قبل فضاءات وأزمنة تم انتزاعها من جذورها كما وصفت سابقاً.
وفي حين أن التناسقية الرائعة في الذاكرة المروية يمكن أن تضعف من "قيمة الحقيقة" فيما يخص التاريخ الوضعي، وبالتأكيد في الحاجة للنكبة كتاريخ مضاد للمشروع المستمر في الاستيطان الصهيوني والإزالة، فإنها في الوقت نفسه لا تضعف قيمة الحقيقة فيها فيما يخص وصف التفاصيل لفداحة كارثة عايشها أولئك الذين لا زالوا أحياء رغم الافتقار المستمر إلى الاعتراف بهذا المعنى وتداركه. إن مشاهدة المجزرة، والنجاة المعجزة للرجل، والبطولة الضمنية للأم في هذه القصة من الذاكرة تعبر كذلك عن التدمير المتوحش والقتل الذي شهدته النكبة، وأن النجاة الوحيدة الممكنة كانت عبر الحدود التي رسمت خلال 1948، ودور المرأة الرئيسي في إعادة تجذير العوائل التي تم اقتلاعها وتشتيتها في مجتمعات في المنافي. أنا أجادل هنا أن هناك معنى آخر للنكبة اليوم، معنى ساكن في مجتمعات حية، وهو الذي يعطيها صفة الحياة.
*** [/align]
يتبع
|
|
|
|