تعليق بهلول على مسابقة الأدب الساخر
رسالة إلى السيدة هدى الخطيب..
الست هدى الخطيب، مدير نور الأدب، نَوَّرَ الله وجهك بالخير والنجاح، مثل ما نوَّرتي لنا الأدب بهذا الموقع الذي لا أَوْقَعَه الله، ونَوَّر الله وجوهَ زوار الموقع وأعضائه على ما يكتبون فيه من أدب أرجو أن يفتح الله عَلَيَّ حتى أفهمه كله، لأن فيه الكثير مما يرى أمثالي من الجاهلين أنه ينطبق عليه قول المثل: (الحكي منكَ والتفسير على الله)، وبعد،
أنا في سعادة لا أدري كيف أصفها لك وللسادة زوار موقعك الكرام، بعد أن رضيَ الأستاذ صواف أخيراً عن التعليق الذي كتبتُه على نصوص الأدب الساخر التي دخلَتْ مسابقتك.. فالحقيقة، دَوَّخَني هذا الرجل من كثرة ما انتقدني وطلب مني تعديل تعليقي الذي جئتُه به ليرسله إليكِ كي تنشريه لي..
وللحقيقة أيضاً، لم يتنقد في تعليقي أسلوبه فقط، بل مضمونه الذي ظلَّ يقول لي إنه ثقيل جداً، وجارح جداً، فاحذف من هنا، ولَطِّف عبارتك هنا، وخَفِّفْ نبرتك هنا، حتى مسخ لي التعليق وذَوَّبَ عافيته، وأصابه بثقل الدم فصار ــ الله وكيلك ــ مثل نصوص النقد التي يكتبُها النقاد المتخصصون والتي لا أحب قراءتها لثقل ظلها وثقل دمّ كُتابها، أجارني الله وإياكِ من أقلامهم وألسنتهم.
أمَّا أسلوبي، فتصوَّري يا سيدة هدى أنه يصفه بالعامي الفصيح، ويهزأ بي وبه قائلاً إنه يُذَكِّرُه بأسلوب أدعياء الثقافة العرب الذين يظهرون على شاشات الفضائيات ويتحدثون عن الأدب العربي حديثاً مليئاً بالأخطاء النحوية والكلمات الأجنبية. لقد هزَّ لي بدني بهذا التشبيه، لأنني لم أدَّعِ الثقافة والفهم في يوم من أيام حياتي، بل أنا أعرف أنني طفيلي على مجال الأدب، ولولا تشجيع المرحوم طلعت لي ما كنتُ نشرتُ شيئاً من كتاباتي.. أما المصطلحات الأجنبية فليس لها في كتابتي مكان لأنني لا أعرف أي لغة غير العربية، وأما الأخطاء النحوية والإملائية فأنا أعترف بأن الأستاذ يبذل مجهوداً كبيراً في تصحيحها لي، وهكذا كان يفعل المرحوم طلعت قبله، لكن الأستاذ صواف كثير التَّذمُّر سريع الغضب بعكس طلعت الله يرحم ترابه..
يبدو أني شردتُ عن الموضوع الذي كتبتُ هذه الرسالة من أجل إيضاحه.. وهو ما يسميه الأستاذ استطراداً في أسلوبي، ويعيبه عليَّ أيضاً.. وقد كنتُ قد قررتُ التخلُّصَ من هذا العيب، لولا أن قال لي الأستاذ يوماً أن أديباً كبيراً مثل الجاحظ كان مصاباً بالاستطراد أيضاً، فقررتُ المحافظة على هذا العيب في كتابتي لأشترك مع الجاحظ في أمر ما، مُقَلِّداً في ذلك صديقي البهلول أيضاً الشيخ باز ــ قدَّس الله سرَّه وجهره ــ الذي يضعُ على رأسه لفَّةً لم أرَ أكبر منها في حياتي، مع أن رأسَه صغير، فقد سألتُه يوماً عن سبب حجم لَفَّتِه الكبير فقال لي: لأنَّ عِلم العالِم في زماننا صار يُقاس بحجم لفَّته، وطول لحيته، ولذلك كَبَّرتُ الأولى وطَوَّلْتُ الثانية فصار يظنني كثيرون أنني أعلم علماء العصر، مع أنني كما تعلم.. ولَمَّا قلتُ له إن قوله ينحصر في علماء الدين فقط، سارع إلى تصحيح وجهة نظري قائلاً: أبداً يا أخي، فبالنسبة لغير علماء الدين، صار العلم يُقاس بالبذلة التي يرتديها الرجل وربطة العنق التي يضعها، وبشهادة الدكتوراه التي اشتراها أو يدعي أنه حصل عليها، وببعض الكلمات الإنكليزية أو الفرنسية التي يتَلَفَّظ بها أثناء حديثه متظاهراً أنها أفلتت منه عن غير قصد، ليُوهِمَ المشاهدين بأنه متقن لهذه اللغة الأجنبية أو تلك..
يبدو أنني استطردتُ من جديد.. يا إلهي ماذا أفعل؟ سأُركِّز كل انتباهي الآن، كي لا أُضيِّع وقتكِ الثمين في قراءة استطراداتي السخيفة.. وسأدخل في الموضوع مباشرة مثل ما يفعل المسؤولون الكبار، خصوصاً حين يُصدرون أوامرهم بِشَنِّ الحروب وقَتلِ الناس..
والموضوع الذي أريد الدخول فيه، يبدأ في الواقع، بِسِرٍّ أريد أن أعترف لكِ به هنا، وهو أنني حين قرأتُ تعليقي بعدما أَذْهَبَ الأستاذُ عافيتَه بالحذف والاختصار والتعديل، لم يُعجبني أبداً، بل وجدتُ أنه صار كأنه ليس لي، لكن لم أجرؤ على قول ذلك له، بل تظاهرتُ أمامه بالرضا عمَّا فعل وبالإعجاب به، وأنا أنوي في سري أن أرسل لكِ نصِّـيَ الأصلي، وليكن ما يكون.. وفي رأيي أن من حقي عدمَ الإعجاب بما فعله في تعليقي، لأن أسلوب الكاتب مثل هويته كما قرأتُ ذات مرة، لكن بعبارة مختلفة نسيتُها.. لكنَّني لم أنجح في تنفيذ ما نويتُ فعله، بسبب شدة انتباه الأستاذ الذي وضع العقدة بين حاجبيه، وهو يُخيّرني بصوت صارم: إما أن أُرسل لك التعليق المخفَّف، كما صار يصف تعليقي بعد التعديل، أو لن أُرسل لك شيئاً.. ولعلمي بمدى صلابته، نزلتُ عند رغبته..
لذلك، إذا لم يعجبكِ تعليقي الذي أرسلَه هو إليكِ، فليس لي ذنبٌ في هذا، وإذا أعجبكِ وأعجب الزوار الكرام، فسيصيبني التعجب حتماً..
التعليق:
السيدة هدى الخطيب المشرف العام على موقع نور الأدب...
ملاحظة: الأستاذ هو الذي أصرَّ على منعي من كتابة (المشرفة العامة) قائلاً إن هذا الاستعمال خطأ.. فلا تؤاخذيني يا ستي وتفكري أنني أسخر لا سمح الله... وللبيان حُرِّر..
السادة زوار الموقع وأعضائه...
السادة المشاركون في المسابقة...
اسمحوا لي جميعاً أن أتكلم على سبحانيتي، أي بلا تصنع، وأرجوكم أن تأخذوا في اعتباركم أن تعذروني إذا لم يعجبكم أسلوبي النقدي، فأنا لستُ ناقداً، بل مجرد قارئ وكاتب ساخر كما أحبُ أن أصف نفسي.. وإذا لم تعذروني، فسأصاب بخيبة أمل قد تدفعني إلى ترك الكتابة نهائياً.. ليس نهائياً.. لا أعرف، لكنني سأنزعج..
لقد قرأتُ النصوص التي دَخَلَتْ المسابقة، فكدتُ أُصاب بالجلطة الأدبية، ليس من شدة جمالها وبراعة كُتابها، بل لأنني حاولتُ أكثر من مرة أن أجد فيها شيئاً ساخراً، فلم أجد..
وحين قلتُ للأستاذ صواف إنني لا أجد في هذه النصوص أي سخرية، نَهَرَني قائلاً: لأنك قارئ متخلف، تظنُّ أن الأدب الساخر عبارة عن كتابة نكاتٍ من أجل إضحاك القراء، كما تفعل.. لا يا عزيزي.. الأدب الساخر ليست غايته الإضحاك بل النقد بطريقة مختلفة.. فاختلفتُ معه في الرأي، لكنه أصرّ، وطلب مني إعادة قراءة النصوص وتذوقها.. فقرأتها مثنى وثلاث ورباع، أي تسع مرات على طريقتي في العدّ، ومع ذلك لم أجد فيها للسخرية، كما أفهمُها وأعرفُها أثراً، ففكرتُ أنني يمكن أن أكون أنا السبب لأنني قرأتُها ولم أتذوَّقْها، وأنَّ عليَّ أن أتذوَّقَها كما قال لي لأجد السخرية المخبَّأَة فيها، ولهذا، شَقَقْتُ قطعة من الورق الذي طُبعت النصوص عليه، وعلكتُها في فمي طويلاً، لكنني مع ذلك لم أستطعم فيها غير طعم الحبر أَجَلَّكُم الله.. فرجعتُ إليه وأخبرته بما حصل معي فغضب مني غضباً شديداً، ووبخني على ما فعلت مُصِـرّاً أن النصوص من الأدب الساخر، وأنني لم أفهمها لأنني مجرد بهلول.. وعندما سمعتُه يقول ذلك لي، خرجتُ من عنده غاضباً، وأنا أتمتم بكلمات ذكرتُها في النص الأصلي لتعليقي، وأجبرني على حذفها، بحجة أنها سخيفة وقليلة الأدب أيضاً...
بالتأكيد، لم يَدُمْ خصامي معه سوى دقائق، كسرتُ بعدها على أنفي بصلة، كما يقول المثل، وعُدّت إليه معتذراً، لأنني صاحب حاجة عنده، و(صاحب الحاجة أهبل) كما يقول المثل عندنا، ولكن ليس المقصود فيه أن كل صاحب حاجة أهبل، وإنما القصد أنه يتصنَّع الهَبَل....
بلا طول سيرة، عدتُ إليه معتذراً، كما قلت، ولكي أراضيه، اتهمتُ نفسـي مرة ثالثة بالجهل وبلادة الحسِّ الأدبي والنقدي، وجلست على أريكة بعيدة عن طاولته، منتبذاً لنفسـي مكاناً قصياً، كما فعلت ستنا مريم رضي الله عنها حين حَضَـرَتْها الولادة، ثم ضغطتُ على نفسـي وأعصابي، وبدأتُ بإعادة قراءة النصوص من جديد، لكن بعصبية، بدتْ واضحةً عليَّ، كما أخبرني الأستاذ، من خلال قيامي بنَتْفِ لحيتي وشاربي من الطرف الأيسر، لأنني كنتُ أُمسك بالأوراق باليد اليمنى... وظللتُ أنتفُ فيهما غير شاعرٍ بما حصل في وجهي، حتى صرخ بي الأستاذ غاضباً: كفى.. توقَّف عمَّا تفعل.. ملأتَ أرض الغرفة بشعر لحيتك وشواربك، وشوَّهت منظر وجهك.. ماذا حصل لك؟
وما كاد ينتهي من صياحه بي، حتى فقدتُ أعصابي دفعةً واحدة، فلم أنتبه لنفسي إلا وقد وقفتُ مثل الذي مَسَّه سلكٌ كهربائي، فألقيت بالأوراق على الأريكة، ثم بدأتُ أشدُّ شعري، وأكملُ نَتْفَ شعرِ لحيتي وشاربي بقوة حتى كدتُ أصير مثل الفَرُّوج المسلوخ أي كدتُ أعود حليقاً بلا لحية ولا شارب من الجهة اليسرى، لولا أن لحقني الأستاذ، وأوقفني عن فعل الجنون الذي أصابني، وهو يقول لي: ماذا جرى لك؟ لماذا تفعل هذا بنفسك يا بهلول؟ هل فقدتَ عقلك؟
ــ نعم يا سيدي.. فقدتُ عقلي، وفقدتُ الرغبة في القراءة والكتابة أيضاً.. لأنني أقسم لك بالله وبكل مقدس عندي بعد الله، أنني لم أجد في هذه القصص أي سخرية، وأنتَ تقول لي إنها ساخرة، وأنني أنا الذي لا أعرف كيف أتذوق سخريتها.. يا أخي هي ساخرة، وأنا حمار في النقد، لكن من حقي أن أستمتع أيضاً.. فقل لي أين وجدتَ السخرية فيها؟ وإلا أُقسم بالله أن أضربَ رأسي بهذا الحائط حتى أفلقه، وعندها سيكون ذنبي في رقبتك..
وكم فاجأني حين ردَّ على تهديدي بغضب أشدَّ قائلاً: افلعْ رأسك بالحائط أو اقفز من سطح البناء وانتحر، فلن أساعدك في العثور على مواضع السخرية في هذه النصوص أبداً، لأنني إذا ساعدتك الآن لن تصبح ناقداً أبداً.. أنتَ الذي طلبتَ مني أن أُدرِّبكَ لتصبح ناقداً، أليس كذلك؟ وأنتَ الآن ناقدٌ تحت التدريب، وبالتالي فعليك اكتشاف مواقع الجمال والقبح بنفسك، وعليك اكتشاف مواضع السخرية بنفسك، ليكون لك رأيك الخاص فيما تقرأ، لا أن تأخذ رأيي ثم تَدَّعِيه لنفسك.. هل فهمت؟
هززتُ رأسي بالنفي، فتابعَ بنفس الصوت الغاضب والعينيين اللتين تقدحان شرراً:
يا لك من بهلول فعلاً.... حسناً.. سأشرح لك أكثر.. ماذا لو اشتهرتَ بسبب مساعدتي لك في بداياتك كناقد، ثم جاءني الموت فجأةً؟ ها؟ هل ستتوقف عن النقد بموتي، كما يحدث بالنسبة لكثير من المشاهير الذين اشتُهروا بِلَطْشِ أعمال غيرهم وادعائها لأنفسهم، فلما مات الذين كانوا يلطشون منهم ماتوا معهم أدبياً ونقدياً؟ هل فهمتَ الآن؟.. وظلَّ ينهرني على هذا الشكل، حتى خرجت عن طوري وبدأت أصيح مثل المجانين:
يا سيدي لم أعدْ أريد أن أصبح ناقداً، انبسطتَ الآن.. أنا حرٌّ بمواهبي يا أخي، وأنا بَطَّلْتُ أن أصبح ناقداً، كما أنني لا أحبُّ أن أصير مشهوراً.. بل كل ما أريده منكَ الآن، أن تدلَّني الآن على مواضع السخرية في هذه النصوص، وأنا أحلف لكَ يميناً بالطلاق ثلاثاً أن لا أعود إلى التفكير بكتابة أي نقد بعد الآن.. هيه.. تفضلْ دُلَّني..
ولمَا لم يُجبني ولم يُلبِّ لي طلبي، تابعتُ أقول:
حسناً إذا كنتَ لا تريد أن تساعدني، فاتركني إذاً أًعبِّر عن رأيي، بنفسي وبأسلوبي، لا بأسلوبك.. وإذا كان أسلوبي لم يُعجبكَ، وترفض إرسال تعليقي كما كتبتُه لتنشره الست هدى في موقعها، فأنا لم أعد أريد نشره.. هل ارتحت الآن..؟
أخي القصص ساخرة، كما تقول.. ومع ذلك لم تعجبني، أنا حر.. وأنا أؤمن بأن الأدب الساخر يجب أن يكون خفيف الظل ومضحكاً، وإلا فهو ليس ساخراً.. لأن السخرية، في رأيي المتواضع، إذا كانت خالية من النكتة، مثل الشعر إذا كان بلا موسيقى، أي إنها تصبح مثل الشعر المنثور، يكتبونه مثل النثر، ثم يُصرون على اعتباره شعراً، والآن أنتَ تصرُّ على اعتبار هذه النصوص ساخرة، وأنا مُصِرٌّ على أنها ليست ساخرة فقط، بل هي جدِّية أكثر من أستاذ جامعي من القرن الماضي، يلبس بذلة رسمية ويضع ربطة عنق على رقبته، ونظارة سوداء على عينيه، وفي يده سبحة (أقصد مَسْبَحَة) ثقيلة، وفي فمه سيجارة بلا فلتر، يمشي ويسعل ثم يمخط في منديل قماشي يضعه في جيبه.. حلَّ عني يا رجل.. والله كرهت الأدب الساخر والجاد من تحت رأسك..
هذا ما حدث بيني وبين الأستاذ صواف الذي وقف مذهولاً أمام انفعالي وصياحي.. ثم ازداد ذهولاً وهو ينظر إلي وأنا أُمزِّق تعليقي على نصوص المسابقة وأرميه من شباك الغرفة إلى الشارع.. ولهذا أرجو أن تعذريني إذا لم أرسل لك التعليق الذي وعدتُك به..
أما كيف وصلت لك هذه الرسالة؟ فعن غير طريق الأستاذ صواف.. لقد أمليتها على ابن صديق لي، بهلول مثلي، فطبعها لي على الكومبيوتر الذي عنده.. ومع أنه ابن بهلول، إلا أنه ولد شاطر ونبيه ويفهم في الكومبيوتر والانترنت، فطلبت منه أن يرسل الرسالة إليك، ففعل جزاه الله خيراً..
والآن أنا أعرف أن الأستاذ سيغضب كثيراً حين يقرأ هذه الرسالة، وسيعتبر تصرفي هذا طعناً له في الظهر وخروجاً على أوامره.. وربما يُنهي صداقتي معه، وهو أمر سيحزنني كثيراً.. لكن ماذا أفعل؟ لم أستطع أن أكتب كما يريدني أن أكتب، وإذا كان يظن نفسه أنه بعلمه يمكن أن يستعبدني فهو موهوم.. بل إنه يدفن موهبتي وهي حيَّة بدلاً من أن يُطَوِّرَني، كما كان يفعل معي المرحوم طلعت الذي كان طويل بال مع أمثالي رحمه الله.. والسلام ختام..
التوقيع
بهلول بن أبي بهلول الدمشقي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|