عرض مشاركة واحدة
قديم 14 / 06 / 2014, 20 : 05 PM   رقم المشاركة : [3]
فهيم رياض
كاتب نور أدبي يتلألأ في سماء نور الأدب ( عضوية برونزية )
 





فهيم رياض is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: البابور أو سيارة الفقراء ......


إتفق عبدا الرحمان و سالم على المخاطرة بما لديهم من مال لفك
العزلة عن قريتهم البائسة و لرفع المعاناة و الإرهاق عن
ساكنتها بشراء شاحنة صغيرة لنقل الأشخاص و البضائع .
اشترى الثلاثة بالقليل من المال المجموع سيارة نفعية قديمة من
نـوع " رونو" مخصصة في الأصل لنقل البضائع، مصنوعة من
الحديد الذي فيه منافع و بأس شديد و من الخشب مؤطرا الحيز
المخصص للمنقولات.
بلغ خبر الشراء القرية و سرى بين سكانها سريان النار في الهشيم
ففرحوا كثيرا و استبشروا خيرا؛ آملين أن تضع هذه الوسيلة حدا
لمعاناتهم في التنقل و أن تكون بمثابة نافدة يطلون منها على العالم
الآخر دائم التغير و التطور .
قدمت الشاحنة إلى القرية يقودها سائق أستقدم من بلدة أخرى لعدم
وجود كفل له على المستوى المحلي، و انطلقت أولى رحلاتها نحو
المدينة الكبيرة حاملة عددا كبيرا من الركاب والأمتعة يفوق قدرتها
على الحمل و كذلك كانت رحلة العودة فأطلق عليها الناس بسبب ذلك
إسم "البابور " ؛ و البابور عندنا هو الباخرة أو السفينة الكبيرة .
و هكذا توالت رحلات البابور التي كانت في الغالب تتم بين المدينة
الكبيرة و هذه القرية التي نالت تقدير و احترام ساكنة جاراتها من
القرى القريبة منها لتضامن أبنائها و تكاثفهم وإصرارهم على فك
العزلة القاتلة التي ضُربت عليهم ردحا من الزمن. غير أن أمرا
ذو بالبات يثبط تنفيذ هذه الرحلات بيسر و دون كثير عناء تمثل في
الأعطال التي أصبحت تصيب الشاحنة بسبب قدمها و اهتراء محركها
و باقي لواحقه؛ و ما فتئت هذه الظاهرة الكابحة تتزايد و تتعاظم
حتى أعتبر الذاهب في الرحلة مفقودا والبالغ مقصده مولودا ؛ و
تبعا لذلك تناقص تقدير الناس واحترامهم لأهل القرية و لمبادرتهم
تناقصا متزايدا تمشيا مع الأخبار السيئة المتناهية إلى مسامعهم
عن البابور و عن رحلاته المفجعة إلى أن تحولت لديهم في الأخير
إلى نوادر و نكت يتفكهون بها. و لا يمكنني هنا أن أمشي نحو القفلة
أو خاتمة الموضوع دون أن أستعرض بعض الأحداث التي وقعت
أثناء بعض رحلات هذه السيارة العجيبة، ففي إحداها وبينما كان
الجيهلي (و هو الاسم العرفي للسائق) متماهيا مع شاحنته ومتناغما
معها إذا بدائرة المقود تنفصل عن مكانها فقفز نحوه عبدا الرحمان
ليساعداه على التوجيه الصحيح للمركبة و مما زاد الطين بلّة انطفاء
الأضواء وتعطل الكوابح، فاختلط الحابل بالنابل فهذا يدير نحو اليمين
وذاك نحو اليسار و الثالث لا يدري ماذا يفعل و لحسن الحظ أن هذا
الحادث الذي كان يمكن أن يأتي على الجميع وقع على طريق غير
معبدة في أرض منبسطة و مستوية. و في رحلة أخرى أقل
البابور في طريقه عونا من أعوان الدرك الوطني و ما هي إلا أمتار
بعد الإقلاع حتى توقفت الشاحنة و بعد جهد مضني تحركت من جديد
ثم توقفت و هكذا بقيت بين توقف و تحرك و بعد قضاء ليلة كاملة
على هذا الحال وصلت إلى المقاطعة الواقعة في منتصف الرحلة.
نزل الدركي مع بقية الركاب شعثا غبرا ، ثم أوقف سيارة و ظن
الركاب أنه يريد الركوب فيها لوحده لكن ابن الناس، لمّا طلب
منه صاحب السيارة المتوقفة تحديد وجهته رد عليه : أرجوك،
رحم الله و الديك، أن أول شيء تفعله هو نقل هؤلاء المساكين من
المسافرين إلى وجهتهم، فحالهم قد أثار شفقتي ".
ومن النكت التي كان يرويها الناس عن البابور أن امرأة حملت في
المدينة الكبيرة تنقلت عبر البابور ؛ وضعت حملها مباشرة بعد
وصولها القرية . وأن ملتحى أنتقل على متن البابور بلحية
سوداء، وصل إلى مبتغاه و قد غزاها الشيب. و أن عروسا
صغيرة السن؛ جريا على عادة الناس في ذلك الوقت؛ زفت
لزوجها القاطن بالقرية و عند وصولها وجدت أن مقاسات
أثوابها وأحذيتها من الجهاز قد أصبحت أقصر وأضيق.

الأعرابي و الرحلة الأخيرة :
تعافى البابور قليلا ما حفّز مالكيه على تنظيم سفرة بعد طول غياب
فركب المسافرون إلاّ أعرابي إسمه " غادي " رفض السائق
حمله، لأمر ظل مجهولا، فشعر الأعرابي بالاحتقار و الهوان
بين الناس، فاتيع الشاحنة بعد انطلاقها بقصيدة عبّر فيها عن
غيظه و حنقه عما بدر من السائق و عمّا يرجوه من الله
سبحانه و تعالى حيال البابور و سائقه؛ جاء في آخرها:

وصّل يا ربي البابور
وما يزيد على شعبة كركور .....(منطقة قريبةليست بعيدة).
و تمّاك يضربها منكور ...........(منكر و نكير)
ما يبقى فيه لا بولون و لا روسور.....(لا برغي و لا نابض)
ياربي أحفظ الجماعة و احرق الشوفور...( السائق)

وما هي إلاّ سويعات حتى تناهى إلى مسامع الناس أن البابور
قد تعطّل في مكان يسمى شعبة كركور وأن السائق ( الجيهلي )
عند نزوله في محاولة منه لمعاينة العطل قام بفتح غطاء المبّرد
فطار الماء المغلي على أدنى رقبته و على يمناه فحرق أجزاء
منهما .
قُطر البابور إلى مثواه الأخير بالضفة الأخرى للوادي و تحول؛
بعد أن فصل منها أصحابه ما يصلح من قطع بغية بيعها في
السوق؛ إلى لعبة يتسلى بها المراهقون و الأطفال و لبث هناك
على هذه الحال شاهدا يروي حكاية أول مبادرة أفضت إلى اقتناء
أول وسيلة نقل بعجلات أربع في تاريخ قرية بائسة أحاطت بها
العزلة إحاطة العنكبوت بخيوطها على الفريسة؛ يقراؤها الناس
قراءات مختلفة، وكأنها تطرح في الأفق سؤالا، هو: من يقتدي؟
توقيع فهيم رياض
 إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ....
اللّهم إني عبدك ابن عبدك ابن آمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك ، أسألُك بكل إسم هو لك
سميت به نفسك أو انزلته في كتابك او علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل
القرآن ربيع قلبي و نور صدري و جلاء حزني وذهاب همي .
فهيم رياض غير متصل   رد مع اقتباس