رد: المرأة الفلسطينية في المهجر
[align=justify]نتابع: المرأة الفلسطينية في المهجر
ولا يكاد الوضع يتغير أينما توجهنا في المخيمات؛ فالمعاناة واحدة. وحتى اليوم وبالرغم من الإجراءات والمساعدات التي تقدمها وكالة الغوث (الأنروا)، إلا أنها لا تحد من المشاكل إلا اليسير، فما تزال أوضاع المرأة الصحية صعبة وفي ترد؛ لقصر حجم المساعدات أمام زيادة أعداد اللاجئين المطردة بسبب الخصوبة المرتفعة، حيث تفيد الإحصاءات الرسمية أن معدل الخصوبة لدى النساء في المخيمات تصل إلى 3.5 مولود لكل إمراة في الفئة العمرية (25-29). ويقابل هذه الخصوبة المرتفعة أوضاع صحية صعبة يعيشها كل من المرأة والطفل معاً.
ويعد ارتفاع نسب وفيات الأطفال الرضع والأطفال دون الخامسة، من أهم المؤشرات التي تقيس صحة كل من الأم والطفل. حيث وجد أن معدل وفيات الأطفال الرضع في مخيمات الأردن يصل إلى 24.9%، ووفيات الأطفال دون الخامسة 27.4% (بين الأعوام 1994-1998). إلا أن هذه النسب ترتفع في لبنان لتصل إلى 32% بين الرضع، 37% للأطفال دون الخامسة. ويعد سوء التغذية والفقر والجهل والظروف البيئية السيئة التي تعيشها المرأة الفلسطينية من أهم الأسباب لذلك. وليس قصر حجم مساعدات الأنروا هو السبب الوحيد، بل السياسات والقوانين التي اتبعتها الدول المضيفة ولا سيما في لبنان وسوريا ساهمت إلى حدٍ ليس ببعيد بتردي أوضاع اللاجئين ولاسيما النساء.
وليس بعيداً عن الأوضاع الصحية الصعبة ظروف المعيشة والوضع الاقتصادي للأسر. حيث تعد مؤشرات الظروف المعيشة، مثل: الدخل والمسكن من أهم الدلائل التي تعكس الواقع الاقتصادي للأسر الفلسطينية في المهجر خاصة في مخيمات اللاجئين. حيث تشير الإحصاءات العامة أن 80% من الأسر الفلسطينية في لبنان أفادت بأنها تعاني من فرص عمل سيئة جداً. وأن 50% من الأسر لها مصدر دخل واحد فقط. حيث أن 70% من الأسر تعاني ظروف سكانية غير صحية خاصة في فترة الشتاء. في حين تعتبر أوضاع الأسر الفلسطينية خارج المخيمات أفضل نوعاً ما بسبب ما يتاح لها من فرص عمل خاصة للفئات المتعلمة والمقيمة في دول الخليج العربي وأمريكا وأوروبا.
وترتبط الظروف المعيشية لفلسطينيي الشتات في فرص العمل المتاحة لهم، حيث أن العمل هو مصدر الدخل الرئيسي. حتى أن العائد لهم لا يكاد يكفي إلا القليل، ولا يسمح لهم بأي محاولة للتطوير الدخل. ولفهم واقع المرأة الاقتصادي في المهجر يجب التركيز على واقع قوى العمل والبطالة للأسر الفلسطينية في خارج الوطن خاصة في المخيمات. فتقارير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (unrwa) تورد نسبًا عالية من العمال غير المهرة المشاركين في القوى العاملة، ونقص كبير في الادخارات وانعدام في شبكات الأمان. وهذا يعكس أن نسبة الفلسطينيين المساهمين في القوى العاملة للدول المضيفة قليلة جداً.
وتتركز القوى العاملة الفلسطينية في المخيمات على تقديم مهن خدماتية في مجالات البناء والخدمات العامة كالنظافة العامة (عمال تنظيف)، ويقل تواجدهم في المجالات الإدارية والحرفية. وكثيراً ما خضع الفلسطينيون إلى ظروف قانونية صعبة في البلدان المضيفة. ففي لبنان مثلاً يمنع الفلسطينيون من العمل في المؤسسات الحكومية، وحصر عملهم في مختلف القطاعات وفق قانون عمل الأجانب، ولا يوجد استثناء لهم، بل يخضعون إلى ضرورة الحصول على إجازة عمل.
إن ظروف العمل القاسية التي يعاني منها الفلسطينيون في الشتات خاصة في المخيمات، عكست أثرها على فرص النساء في العمل. وبالتالي خلقت ظروف عمل صعبة ومعيقات أمام عمل المرأة، وبطالة مرتفعة بين صفوف النساء الشابات.
وقد لاحظت الدراسات وتقارير وكالة الغوث أن نسبة اللاجئات الفلسطينيات العاملات في قطاع الخدمات، تفوق نسبة النساء المشاركات في القوى العاملة للبلد المضيف؛ وقد يعود ذلك إلى توظيف النساء في قطاعات محددة ضمن الخدمات العامة كالصحة والتعليم في داخل المخيمات؛ فلا يسمح لهن بالعمل خارج حدود المخيم. وهذا يفسر ارتفاع معدلات البطالة بين النساء اللاجئات على وجه الخصوص. ولا غريب إذا علمنا أن معدلات البطالة الخاصة بين الأجيال الشابة في المخيمات تفوق معدلاتها في خارج المخيمات، فعلى سبيل المثال: تبلغ معدلات البطالة بين الفئات الشابة داخل المخيمات اللاجئين في الأردن 16%، في حين تبلغ البطالة بين النساء لهذه الفئة 30% للعام 2000، في حين تبلغ معدلات البطالة بين النساء في سوريا 37% لنفس العام. وبشكل عام تشكل ربات البيوت داخل المخيمات ما نسبته 70%؛ ما يستثنيهن من القوى العاملة؛ لهذا كانت النساء هن الأكثر فقراً وبطالة في المجتمع الفلسطيني في الشتات.
وليست الظروف المحيطة بالعمل والفرص المتاحة هي التي تؤثر على مشاركة المرأة في المهجر في العمل، بل تلعب القيود الاجتماعية دوراً مهماً على عمل المرأة خارج البيت، خاصة لدى الجاليات العربية في الدول غير العربية. حيث أثبتت الدراسات التي أجريت حديثاً على أوضاع النساء الفلسطينيات في أوروبا من حيث فرص العمل المتاحة، بأن 50% من النساء الراغبات في العمل لا يمتلكن تصريح عمل، بسبب افتقارهن إلى إقامة مضمونة (وهو شرط مسبق للحصول على عمل). كما أن فرص اشتراك النساء المتزوجات والمؤهلات للعمل كانت محدودة بسبب المفاهيم الاجتماعية الشرقية لدى الرجل حول أهمية عمل المرأة. فقد ذكرت إحدى المشاركات في الدراسة: "أرغب بالعمل لكن زوجي لا يسمح لي بذلك ويقول لي بأن دور المرأة هو القيام بإدارة منزلها وتنشئة الأطفال".
وهكذا نجد بأن المعيقات أمام عمل المرأة الفلسطينية وتطورها في بلاد المهجر عديدة ومتنوعة، ولكنها ترتبط بشكل مباشر بوضع المرأة نفسها وبنقص مؤهلاتها التي تسمح لها باقتحام سوق العمل. ونلاحظ التباين بوضوح بين الواقع العملي للمرأة اللاجئة في المخيم، والمرأة غير اللاجئة المقيمة في البلاد العربية أو في العالم الغربي.
ولكي نفهم الفرص المتاحة أمام المرأة في الشتات لاقتحام سوق العمل الرسمي، يجب التركيز على فرص التعليم العالي المتاحة للنساء الفلسطينيات، إذ أن التعليم هو من أهم الوسائل المؤدية إلى تمكين النساء في سوق العمل.
وقد لاحظت الدراسات ارتفاع معدلات الالتحاق بالتعليم الإلزامي لدى الذكور والإناث في مخيمات اللاجئين. وذلك بسبب البرامج التي اتبعتها الوكالة في المخيمات، حيث يعدّ البرنامج التربوي التعليمي الخاص من أضخم البرامج بوكالة الغوث الدولية، إذ يحتل 50% من الميزانية الكلية للوكالة. وبالرغم من ذلك، لا زالت هناك أميّة، حيث تشير الإحصاءات الرسمية أن معدلات الأمية في المخيمات في لبنان لدى النساء في الفئة العمرية (20-24)، 17.8%، وتزداد في الفئة العمرية (25-29) لتشكل 27.9%. هذا وبسبب صعوبة الالتحاق بالتعليم الجامعي لدى اللاجئين/ت، فإن معدلات الالتحاق في التعليم الجامعي والعالي ما زالت منخفضة خاصة لدى النساء.
كما أن فرص التعليم المهني والتدريب التقني خارج برامج الوكالة هي محدودة أمام الفلسطينيين. كما تقلص معظم برامج التعليم التقني في الوكالة بسبب اعتمادها على التمويل من التبرعات والمساهمين المحليين. كما أن برامج التعليم التقني للنساء محدودة جداً، وجل البرامج تقدم مهن يعدها المجتمع مهن ذكورية لا مجال للنساء في تعلمها، وانحصرت البرامج التي تقدم للنساء على برامج التوعية الاجتماعية اتجاه حقوق المرأة، بالإضافة إلى الظواهر الخاصة بوضعية المرأة الفلسطينية، مثل: الزواج المبكر، والعنف ضد المرة والطفل، والإدمان، والتدخين وغيرها.
وهكذا نجد أن انخفاض معدلات التعليم لدى اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام، والتعليم العالي عند النساء في المخيمات بشكل خاص، يحد من فرص العمل المتاحة لدى النساء بشكل خاص.
أما بالنسبة إلى التعليم لدى النساء في المهجر؛ شهدت الدراسات التي أجريت على مستوى التعليم لدى النساء الفلسطينيات في المهجر خاصة في أوروبا، تدني مستوى التعليم. فقد لوحظ أن انخفاض مستوى التعليم لدى الفلسطينيات اللاتي قدمن مهاجرات إلى ألمانيا، كذلك للواتي نشأن وترعرعن في ألمانيا. وهذا بالتالي أثّّر على فرص العمل المتاحة لهن ومستوى الأجر. كما أظهرت دراسة أجريت على مستوى التعليم بين النساء لدى الجاليات الفلسطينية في ألمانيا سنة 1999 أن: 13% من نساء العينة هن أميات، 66% منهن أنهين التعليم الأساسي، وأن %10 فقط حصلن على شهادات جامعية.
ولعل من أهم المشاكل التي تواجه النساء في مجال التعليم في المهجر، وضعية الإقامة، أي الوضع القانوني، وذلك أن العديد من النساء يأتين إلى أوروبا لاحقات بأزواجهن وفي كثير من الأحيان لا يتمتعن بحقوق الإقامة. خاصة وأن الرجل العربي يأتي إلى أوروبا ويتزوج بامرأة أجنبية للحصول على الإقامة والجنسية، وكثيراً ما يفشل هذا الزواج، ثم يتزوج مرة أخرى بعربية بعقد في بلده أو في بلد إسلامي ويأتي بها إلى أوروبا، وهنا المرأة الفلسطينية بهذا الوضع، غير معترف بها لدى السلطات بأنها زوجة خاصة، إذا لم يحصل طلاق مع الزوجة الأجنبية. وبالتالي تكون المرأة غير قادرة على المطالبة بحقوقها- خاصة بالعمل- في حالة عدم الحصول على تصريح إقامة دائم.
وهكذا نجد بأن وضعية المرأة الفلسطينية في الشتات اختلفت وتنوعت حسب حالة اللجوء. ولكن المعيقات بدت واحدة في معظمها، وعلى رأسها أن المرأة الفلسطينية وبعد تقديم العديد من التضحيات المستمرة، لا تزال تعد في واجهة المجتمع الأضعف والأدنى. ولا تزال تبعيتها للرجل مستمرة بالرغم من الجهود العديدة التي بذلت للتغيير، إلا أن القيم الاجتماعية لا تزال هي الأقوى. ولا نستطيع أن نغفل دور الاحتلال المسبب الوحيد لحالة التشرذم الفلسطينية. وهو أهم معيق أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يتبع[/align]
|