[حسن الحاجبي]

الحمد لله الذي جعل لفيض رحمته إبانا وكل شيء عنده بمقدار,وأشهد ألا إله إلا الله الواحد القهار, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المختار, اللهم صل وسلم عليه وعلى آله الأخيار ومن تبعهم بإحسان صلاة تنفعنا في الدنيا وفي تلك الدار... آمين .
من الناس من همته في الثرى ومنهم من همته في الثريا.هناك من يعتبر أن رمضان هو شهر الطعام والشراب والسهرات والنهش في الأعراض , وهناك من يصوم رمضان صوم المضطر , فلا هو من الذين عن صيامه تقاعسوا ولا هو من الذين في أجره تنافسوا,وهناك من يصومه فيقدره حق قدره,يظمأ في نهاره ويتهجد في ليله , ويسعى لتحصيل أجره وثوابه, لذلك قال العلماء:الصائمون ثلاثة أنواع , الهوام والعوام والكرام. أما الهوام فأولئك الذين حق فيهم قول رسول الله (ص) في الحديث الذي أخرجه البخاري :" من لم يدع قول الزوروالعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وعن أبي هريرة (ض) أن النبي (ص) قال :" ليس الصيام في الأكل والشراب, إنما الصيام عن اللغو والرفث ,فإن سابك أحد أو جهل عليك فلتقل إني صائم", وروى الطبراني عن أبي هريرة (ض) عن النبي (ص) أنه قال :" الصوم جنة مالم يخرقها , قيل وبم تخرق يا رسول الله ؟ قال (ص) : بكذب أو غيبة". فالهوام هم الذين لم يقولوا للسان أنت صائم عن الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والباطل والبهتان, هم الذين لم يقولوا للعينين أنتما صائمتان عن النظر إلى ما لا يحل لكما, ولم يقولوا للأذنين أنتما صائمتان عن الإستماع إلى ما يغضب ربكما, الهوام هم الذيم لم يقولوا لليدين أنتما صائمتان عن البطش فيما حرم الله عليكما من غش في بيع وشراء وأخذ وعطاء وقبض للرشوة, الهوام هم الذين لم يقولوا للبطن أنت صائمة عن المطعم , فانظري على ماذا تفطرين, وتجنبي الخبيث الذي إليه تدعين فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا , الهوام هم الذين لم يقولوا للقدمين أنتما صائمتان عن السعي فيما يغضب الله تعالى .. إذا صمت ففرغ بطنك من الطعام ,وتغير فمك وتعب جسدك, لكن لم يرق قلبك ولم يرتفع إيمانك ولم يزد يقينك,ولم يكثر إقبالك ولم تعظم طاعتك, فما حاجة الله تعالى إلى صيامك , وما أنت في الصائمين إلا هامة من الهوام .
وأما العوام فأولئك الذين حق فيهم قول المصطفى (ص) :" رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" إذ هم من الصائمين لكنهم ليسوا من التائبين ولا من النادمين ولا من المستغفرين ولا حتى من المصلين,حفظواجوارحهم من الآثام لكنهم بالليل ساهرون وبالنهار نيام,فضاع عليهم أجر الصيام , ضاع عليهم أجر المجاهدة والمكابدة ولم يبلغوا في درجات الصائمين أي مقام,ولم يحققوا معنى التقوىلرب الأنام ,إذا صمت فكنت في النهارمن النائمين وللصلاة من المضيعين, وكنت في الليل من الساهرين وعلى القيام لم تك من الحاضين إذا صمت صوم المضطر فلم تتحقق التقوى في قلبك, والخشية و الإنكسار في نفسك , والذل لرب العالمين , فما الحاجة إلى صيامك ؟ وما أنت في الصائمين إلا من العوام.
إذا لم يكن صومي إلا في نومي // وما سعيت في رزق ولا شقيت
فحظي من صومي الجوع والظمأ // وإن قلت صمت يومي فما صمت
وأما الكرام فأولئك الذين أقبلوا على الله تعالى وفرحوا برمضان كما يفرح المرء بضيف عزيز,وكيف لا يفرح مسلم برمضان وهذا رسول الله (ص) يقول :" إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ونادى منادي يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر". الكرام هم الذين عرفوا فضل الصيام وأيقنوا بوعد المصطفى(ص) حين قال :" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه". الكرام هم الذين جعلوامن رمضان فرصة سانحة لتجديد النية , فاغترفوا من حياض فضله, وصاموا نهاره وتهجدوا في ليله . أتكره أيها المسلم أن تكتب عند ربك من العتقاء؟ أقبل أقبل فهذا موسم الغفران أقبل على ربك سبحانه وتعالى كما أقبل عليك , واسع إليه عز وجل فيما عرض عليك.أقبل فإن في الصيام حلاوة لا يدركها إلا من صام لله بصدق, ولا يعرفها إلا الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم, أقبل إلى شهر حرثه جوع وزرعه دموع وسقيه ركوع وحصاده خشوع وثماره مفازة يوم تقف بين يدي الله الجموع.