الأخ العزيز الأستاذ رأفت العزي تحياتي لك
لا شك وأنت تعلم أنك شخصية عزيزة، وأنت ابن حيفاي ، ولكن في السياسة والآراء الوطنية نحن أنت وأنا على طرفي نقيض، وبكل الأحوال أنا لست حزبية ولا أتبع أي زعيم ، ولهذا فأنا مع الحق حيث أراه وقد أغير رأيي بسهولة حين أجد نفسي على خطأ مع معطيات جديدة تتبين لي، وفق القول المأثور: " رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"
كنت لا أحب حالياً أن نبتعد في النقاش عن مجريات الحرب الهمجية على غزة إلى الجدل الطويل وأنا متعبة مرهقة محبطة لا أملك من الطاقة ما تملكه أنت ، لكني أجد نفسي مجبرة ، ولن أجيب على كل شيء لأنك ما شاء الله تحتاج شخصا متفرغاً ولو توقفت للإجابة عند كل ما تفضلت به لاحتجت أياماً .. ما شاء الله على هذا النفس الطويل الذي عندك..
الطائفية أخي العزيز ليست فيمن يراها ويوصّفها ولكن في من يمارسها ، وحين أرى الطائفية والاستهداف المسلّط على أهل السنّة لا بد أن ألاحظه وأشير له، وبهذا لا أكون أبداً طائفية ، فأنا لا أمارس الطائفية ولا أقيّم الناس أو أتعصب ضدهم بناء على طوائفهم ولا أقتل أو حتى أحرّض أحد على أحد ، أنا أعمل في مجال حقوق الإنسان وأعاشر الناس من كل الأديان والملل، وأقف مع الحق حتى مع الغريب ولو كان الجاني من ذوي القربى فما بالك والمستهدف أنا وقومي ومذهبي الذي أعتز به جداً ، وأردد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري " على ألا أكون مسلمة سنّية – عن قناعة لا عن عصبية - فلن أفعل وسأموت بإذن الله مسلمة موحدة على مذهب الخليفة أبي حنيفة النعمان، وأنا من جهة أبي من نسل أهل البيت وسيدنا الحسين تحديداً حقيقة لا زوراً كما يفعل الفرس حتى بات يبدو للناظر أن جدي الحسين كان فارسياً ما دام معظمهم يدّعون أنهم من نسله وهو عربي قرشي وهم فرس أباً عن جد.
للأسف على هذا الزمان الغريب ، نحن تحديداً أهل السنّة بتنا لا نثبت أننا لسنا طائفيين وأننا نحب كل الناس إلا إن كرهنا أنفسنا وخلعنا ثوب عزتنا وتنكرنا لمذهبنا وجرّمنا ضحايانا ونزهنا قتلتهم ، وحين أقول نحن يعني نحن أتباع المذاهب الأربعة الأشاعرة من أهل السنّة ولا أتحدث عن السلفية وما انبثق عنها.. وويلٌ لأمة تضعف قاعدتها الأساسية ، لأننا نحن سواد الأمة وقاعدتها الأساسية وعروبتها الحقيقية، فنحن أهل السنّة لا نتبع شرق ولا غرب ولا مرجع ولا بابا ولا إمام ولا سيّد لنا من أمم أخرى خارج عروبتنا.
نعم نحن مستهدفون لأننا قاعدة الأمّة وسوادها ولأننا بهوانا ومرجعياتنا عرب الهوى حتى نخاع العظم ، يتبعنا مسلمو الأرض من غير العرب ويتوجهون لنا بأنظارهم ( هذا ما خبرته في مغتربي) إن تعافينا وقويت شوكتنا تعافوا وإن ضعفنا واخترقنا ضعفوا واخترقوا وعانوا الذلّ والهوان.
أعرف أن شيعة العراق العرب من معظم العشائر العربية ، هواهم من هوانا وعضوا النواجذ على ما تفعل بهم الأطماع الفارسية، ولا يستطيعون قول كلمة فالسيف على رقابهم ، وبالأمس القريب رأينا ماذا حل بالسيد الصرخي وأتباعه
تقول : المسألة بخلاف ما ترينها
هل أنت يا أخي وابن بلدي تحمل ميزان الحقيقة، وما أدراك أني لست أنا التي على صواب لا أنت ، ما دام حتى التاريخ وأنا المتخصصة به، يكتبه المنتصر وكل منا يقرأه بصورة مختلفة عن الآخر، لا حقيقة مطلقة إلا الله سبحانه وهو وحده من يمتلك ميزان الحقيقة وعين الصواب؟؟
نعم نعرف من أيقظ الإسلام السياسي ومن شكلّه ولأي غرض ، كذلك الأمر نعرف من شكل الكثير من الحركات التكفيرية الدموية التي زرعت خنجراً في ظهر أهل السنّة لهدمها..نحن نعاني بين من يريدون تشيعنا وبين من يريدون تحويلنا عن أشاعريتنا وانضمامنا إلى المتشددين الذين يجففون الدين ويفرغونه من روحه.
معظم الناس يعرفون كل شيء وإن لم يصرحوا بما يعرفون ويصمتون على مضض أو تواطؤ أو حتى مجاملة أو حرصاً على عدم توسيع الخلافات.
من لا يعرف من سهّل لأميركا احتلال أفغانستان مقابل صفقة وضع اليد على العراق؟
كلنا نعرف أيضاً أن أيمن الظواهري يقيم في إيران، وأن عصابات الخوارج مخترقة وبعضها مثل داعش شكلتها ودعمتها إيران.
نعرف أن كل هذه التنظيمات أريد بها تفكيك طائفتنا واختراقها من الداخل بدءا بمن شكلتها أميركا ومطابخ المخابرات والخبراء الأميركية الصهيونية، وليس وانتهاء بمن شكلتها ودعمتها دول إقليمية.
نعم أتفق معك في جزئية أن الغرب يغذي النزاعات المذهبية ، ولكن أيضاً لا دخان دون نار ولا شيء يصدر من فراغ ، فالأطماع الفارسية واعتبار بلادنا مقاطعات إيرانية كما يفعلون ويصرح بعض مسؤوليهم وشراء الأراضي بغزارة زالعمل على التغيير الديمغرافي، وزرع النزاعات وجعلنا ظلماً وزوراً أبناء يزيد وقتلة جدي الحسين لم يعد خافياً ولا سرياً، طبعا وأشدد على غلو وكراهية الحركات السلفية المتشددة للمذاهب الإسلامية الأخرى وتكفيرها وأراهم معول هدم.
سامحك الله بإعطاء طرابلس – مدينة العلم والعلماء - مثلاً ، وسأجيبك وأنا غرسة نبتت في أرضها وتتنفس عشقها
لمعلوماتك باب التبانة ضاحية على مشارف طرابلس من الجهة الشمال شرقية يليها جبل محسن ثم المنكوبين ( منكوبين فيضان نهر أبو علي في الخمسينيات) ومدينة أو بلدة البدّاوي ومخيم البداوي للفلسطينيين.
منطقة باب التبانة ضاحية معزولة تماماً عن طرابلس، يفصلها عن المدينة القديمة أو يعزلها نهر أبو علي ويليه سوق الخضار الشعبي – حيث يبيع أهل القرى منتجاتهم الزراعية ، تطل عليها من هضبة قبة النصر منطقة عشوائية شديدة الفقر تعرف باسم: ظهر المُغر من جهة ومن الجهة الشمالية هضبة بعل محسن.
تعتبر باب التبانة منطقة شديدة الفقر وهي الأفقر في كل لبنان والأعلى كثافة سكانية وكذلك جبل محسن سكانه شديدو الفقر( ما عدا بعض العائلات المتزعمة ) وكذلك المنكوبين، معظم سكان باب التبَّانة حالياً ممن انتقلوا من بعض القرى إلى المدينة من العمال الفقراء وتعتبر المركز للقرى، وهذه المنطقة محرومة من كل الخدمات وأو أدنى اهتمام من الحكومة – للأسف لم أزر يوماً باب التبَّانة سوى مرور سريع في السيارة – لكني طبعاً أعرف عنها، طرابلس تعاني كلها من عدم الاهتمام لكن ولكونها العاصمة الثانية للبنان ويسكنها كبار الأثرياء تشعر بالفرق الهائل بين مركز المدينة وأحيائها الراقية ومنتجعاتها الفخمة وبين ضواحيها الفقيرة المعدمة، وهذا يظهر في كل مناحي الحياة وحتى اللهجة حيث يتميز أهل باب التبّانة وبعض تلك المناطق الشعبية بلهجة مختلفة تماماً عن لهجة المجتمع الطرابلسي والعائلات الطرابلسية.
الفقر الشديد والإهمال دائماً بيئة خصبة للجهل وأمراضه ينتشر فيها حتى عمالة الأطفال ، وهذا ما جعل البعض يتمكنون من استدراج أهالي باب التبانة والجبل ليحاربون بعضهم بعضاً، وكلهم من الفقراء المساكين على الطرفين.. للأسف أقولها بصراحة في عز أزمات باب التبّانة والجبل كانت مدينة طرابلس ومجتمعها مستمر بالحياة بشكل عادي حيث تعج الأسواق والمنتجعات وحفلاتها والمقاهي بروادها وكأن الذي يجري ليس على أطرافها، حتى وصلتها النار باستهداف المصلين والمساجد ، خصوصا مسجد السلام في أحد أحيائها الراقية وسقطت فيما بعد بعض القذائف على أحيائها.. وهنا أقف .. على ماذا تلوم طرابلس وتتخذها مثلاً ؟!
أرجوك.. أرجوك أنت ابن هذه الأمة .. ابتعد عن اللوحة قليلاً حتى تراها بوضوح من مختلف الجوانب وأغلق الأذن التي تسمع بها برهة وافتح الأخرى على الجهة الأخرى ثم وازن لتعرف الحقيقة ، ثم افتح الاثنتين واسمع على الطرفين.
لا أستطيع الآن الإجابة على كل ما ورد في مداخلتك فقد تعبت فعلاً .. ما شاء الله عليك..
أخي العزيز أستاذ رأفت تقبل أعمق آيات تقديري واحترامي لك