عرض مشاركة واحدة
قديم 08 / 01 / 2008, 20 : 07 PM   رقم المشاركة : [1]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


الشاعر والكاتب / مصـــــطفى مـــــراد

مصطفى مراد فلسطين




من مواليد 1958. شاعر وكاتب من فلسطين (أراضي 1948).
عمل في الصحافة الفلسطينية لفترة طويلة.
أسس مكتب منشورات الطلائع، ومنتدى الطلائع الثقافي.
وبادر إلى تنظيم مهرجان الشعر الفلسطيني،
حيث تم تنظيم 3 مهرجانات في الأعوام، 2000، و 2001، و 2003.
من مؤلفاته الكثيرة أذكر:
1. من الوطن (شعر). 1982
2. أنت الحقيقة أين الفرح؟ (شعر) 1984.
3. قصائد مكسّرة (شعر) 1988.
4. قال البحار المدهش (شعر) 1996.
5. الله والناس (قصص) 1999.
6. كتاب الأشياء والأسماء (شعر) 2001.
7. محمد وأبو محمد وشهاب الدين (قصص) 2002.
8. موتا سوف تموت أيها النهر (شعر) ـ مخطوط.
9. بنت وصبي (شعر بالعامية) ـ مخطوط.



حوار الأستاذ / عبد الدايم السلامي مع الشاعر / مصطفى مرادhttp://80.175.158.98/alarabpreviouspdf/2008/01/01-03/p08.pdf



تقدمة:

الشاعر الفلسطيني مصطفى مراد لـ "العرب" العالمية

- أدعو محمود درويش وسميح القاسم إلى الاعتذار للشعب وللقضيّة التي صنعتهم
- هناك حكومة وطنيّة واحدة مقرّها في غزّة

- أسحب اعتذاري الآن للرئيس ياسر عرفات


عبد الدائم السلامي :

هو شاعر يشبه الشعراء قليلاً، ويختلف عنهم كثيرًا، يُشبههم في التواصل باللغة المَجَازِ في أوقات البذخ الفكريّ، ويختلف عنهم في التواصل باللغة الحقّ في أوقات الباطل لم يشتكِ الشاعر مصطفى مراد من آلامه الفلسطينيّة، ولم يركب موجةَ السياسة ليبلغ الشهرةَ، بل تألّم كثيرًا وبصمتٍ كبير، وراح يبحث عن روحه في متاهات الواقع، من برودةِ مطار عربيٍّ في انتظار تأشيرة دخول إلى حرارة جحيم مطار غربيّ في انتظار ساعة الإقلاع: هكذا ظلّ الرّجل، ينام واقفًا خوفًا من أن يهربَ منه قلبُه إلى قريتِه الصغيرة في "الهناكَ"، ويمشي مَرَحًا فوق أراضٍ لا يُشبِهها، وبالكاد ينظر إلى طينها، فلغته الشعريّة عالية الهمّة، لا تُجيد التوسّل بالمدح لتتسوّل الدولارات، وهو إلى ذلك كائن واضحٌ جدًّا: تراه يُطلّق زوجتَه مئات المرّات في اليوم الواحد خلال محادثاته مع الناس، ويعود إليها لطيفًا من طفلٍ يعرف الحُبَّ ولا يُجيد الاعتذار جلبت انتباهنا قصائد قرأناها له وتصريحات صحفيّة، فأعجبنا مُروقُ لغته عن المألوف، فحاورناه.

أسعى إلى الوصول إلى الآخر أكثر من التواصل معه


1- انطلقتم من عالم الرمز فكتبتم الشعر والقصّة، ثم دخلتم عالم الافتراض، فأنشأتم منتدى ثقافيًّا على شبكة النت، هل تقف وراء هذا المسار رغبة في التواصل مع الآخر؟ وما قيمة التواصل معه إذا كان غازيًا؟

أكيد انه تقف وراء الكتابة رغبة للتواصل مع الاخر. والاصح ان نقول الوصول للاخر والتأثير به، اذا كان الاخر قارئا. وكل انسان هو قارىء مفترض ومتوقع. ولهذا نكتب، ولهذا ننشر ما نكتبه ورقيا وفي شبكة النت. الوصول للآخر هو هم الكاتب الحقيقي الوحيد. والكتابة هي طرح للذات انسانا وموقفا وقضيةً. ويختلف الكاتب عن الاخرين انه يواجه الدنيا ويطرح نفسه وموقفه، ويريد ان يؤثر، او على الاقل يريد ان يعبر عن قلقه، او في اقل الاقل ان يتخلص من قلقه بحيث يكون فعل الكتابة علاجا نفسيا، لهذا يهمه ان يصل الى الاخرين.
هذا الاخر يمكن ان يكون اي قارىء. غازيا او عدوا او مختلفا. الكاتب لا يختار قارئه. وهو بالتأكيد مختلف عنا لانني لا أتشابه مع اي فرد اخر في الدنيا. ولهذا سأقول: لماذا لا يطلع الغازي والعدو ايضا على كتاباتي، التي هي أنا؟ وما المانع؟ ان هذا بالذات ما اريده واسعى له.
ما قيمة ذلك؟ قيمته ـ اذا كان ذلك القارىء غازيا ـ أنني افرض نفسي عليه. هنا يصبح لفعل الكتابة معناه الأكمل والأشمل: أنا اكتب إذن انا موجود.



نعتبر كلّ قضيّة عربيّة قضيّتنا


2- تصدرون في منتداكم "من المحيط للخليج" أدبًا وأخبارًا، فما آليتكم للتثبّت من صدقية بعض الأخبار؟

دعني اوضح اولا عزيزي ان منتدى من المحيط للخليج هو منتدى ثقافي فيه اربعين ركنا موزعة على كافة الاجناس الادبية والقضايا الابداعية والثقافية. ولكننا بالاضافة الى ذلك عندنا ركن "صحافة". نحن لسنا منبرا صحفيا، لا صحيفة ولا وكالة انباء، ولكننا نضع هذا الركن الهام، ونصر عليه، لان نسوِّق فيه الموقف السياسي. وموقفنا السياسي هو الدفاع عن قضايا امتنا العربية في كل مكان من المحيط للخليج. ونعتبر كل قضية في اي قطر قضيتنا، وهي طبعا قضيتنا.
الآلية الوحيدة للتثبت من صدقية اي خبر هي الاعتماد على مراسل يكون موثوقا من جهة، وفسح المجال امام كل من يريد نفيه من جهة اخرى. وهذا ما نفعله.
بالنسبة للشرط الاول فنحن نعتمد في الاخبار التي ننشرها (5 ـ 7 اخبار مختارة يوميا، وعدة مقالات) على صحف ذات مصداقية اكبر بكثير قياسا لغيرها، وهي "الخليج"، و"العرب" و"القدس العربي"، دون ان نعتبر ما نعيد نشره مقدسا. وقد حدث كثيرا ان أثارت بعض الاخبار عن السعودية وتونس والمغرب ومصر وغيرها اهتماما وضجة بين اعضاء وقراء المنتدى (940 عضوا، وحوالي 25 الف قارىء يومي)، وهنا وفرنا الشرط الثاني للمصداقية، وهو فسح المجال امام الجميع لمناقشة الخبر والتحقق منه، والادلاء برأي وموقف منه مهما كان.



تمرّ بعض الأقطار العربية بمرحلة "الفلسطنة"


3 ـ مع كل هذه المشاكل، والقضايا الأدبية والسياسية، واربعون ركنا.. كيف تتمكن من ادارة المنتدى؟ وهل انت راض عن أدائك؟

لا استطيع ان اقول انني راضٍ عن أدائي. انا اظلم نفسي قليلا وربما كثيرا. ولكننا ننجح في هذا بفضل التعاون مع عدد من الاخوة المسؤولين في المنتدى. هناك خامات رائعة تساعد في الادارة، هذا اضافة الى التنظيم الجيد والصارم الذي لا اتهاون به. وهذا يساعدنا على النجاح والتطور الذي يعني ايضا زيادة الأعباء. وقد قمنا مؤخرا بالاعلان عن بعض المشاريع الجديدة وتحويل بعض الاركان الى اقسام خاصة، فصار عندنا قسم للترجمة تتولى رئاسته الدكتورة أسماء غريب، وستصدر عنه عشرة كتب من نصوص الاعضاء مترجمة الى اغلب اللغات الاوروبية، كما انشأنا دار نشر للنت يتولى رئاستها الاخ ابراهيم درغوثي، واتوقع لها نجاحا طيبا، وبدأنا ايضا مشروع النشر الورقي الذي يتولى ادارته الاخ صالح سويسي، والذي سيصدر عشرة كتب ورقية خلال اقل من عام. أما أهم مشروع، وهو انطولوجيا الشعر العربي المعاصر، التي ستضم 500 نصا لـ 500 شاعرا من كل البلاد العربية، وتنشر نتيا في 6 لغات، والتي سيكون الدكتور يوسف شحادة مسؤولا عنها، فسوف نبدا بتنفيذه في الربيع القادم.
أكيد ان هناك تعب كبير في كل هذه المشاريع. ولكنه تعب لذيذ.


4 ـ قال إلياس خوري "إنّ فلسطين، صارت استعارة كبرى"، هل تذهبون مذهبه؟

يا ريت لو تصير فلسطين استعارة كبرى، ولو يتعلم العرب في كل مكان كيفية الصمود والثبات والتمسك بقضيتهم من شعبها. واتمنى ان يستعير العرب التجربة الديمقراطية الفلسطينية التي لم تبدأ بالانتخابات في ما يسمى السلطة الوطنية، بل بدات بالتجربة الديمقراطية والتعددية في منظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني. وعلى فكرة: هذا ما سيحدث. ان الاقطار العربية تمر بمرحلة فلسطنة.. وارى تحت الرماد وميض نار.
والحقيقة انني لم افهم ما يقصده الياس خوري (ولا افهمه احيانا!). اذا كان يقصد ان فلسطين صارت تجارة، فانها كانت تجارة للتجار وكانت مصنعا للرجال طيلة الوقت، مثلها مثل كل قضية اخرى. وهذا طبيعي لان التاجر يتاجر بكل شيء بما في ذلك القضايا الوطنية والقومية، التي تصنع الرجال والمواقف، وتصنع المال ايضا.



انكشف الوجه السياسي القبيح في أشعار درويش وسميح القاسم

5 ـ يذهب البعض إلى القول إنّ الحوار الفلسطيني الإسرائيلي ابتدأ قبل مؤتمر أوسلو عبر أشعار درويش وسميح القاسم وغيرهما المنادية بضرورة التواصل مع الآخر، ما مدى وجاهة هذا القول؟

يا اخي هذا كفر! قرأت درويش والقاسم عدة مرات، ولا انزههما، ولكن لا توجد في اشعارهم دعوات للتواصل مع الاخر. الاخر موجود في كتاباتهم كعدو وكانسان. وهذه هي عظمة الانسان العربي المسلم، النابعة من انسانيته ومن اعترافه بانسانية الاخر حتى لو كان عدوا. تشويه الاخر، انسانا وموقفا، هو نازية. ونحن لسنا نازيين كالصهاينة، الذين لا يستطيعون إلا ان يكونوا نازيين، والا سيفقدون الغطاء الاخلاقي لوجودهم في بلادنا.
يذكرني هذا بمحاولة ادونيس الحط من أهمية الشعر الفلسطيني بادعائه قبل سنوات بعيدة ان شعر المقاومة هو "شعر معارضة"، متجاهلا ان "المعارضة" ايضا (ولها شروطها / قوانينها وظروفها) هي مقاومة ايضا، وان المقاومة انواع.
واذا كان لا بد من قول شيء عن درويش والقاسم، وقد آن ان نقول ذلك، فقد كانا شاعرين وسياسيين ايضا. وقد انكشف وجه السياسي القبيح فيهما في السنوات الاخيرة بعد أوسلو، اكثر من مؤخرة هيفاء وهبي. وادعوهما لان يخجلا ويجلسا في البيت، بدل التسكع على ابواب "أمراء" انظمة النفط واحتراف مهنة المهرج الرسمي لعصابة محمود عباس كما ارتضى درويش لنفسه. ادعوهما ان يعتذرا للشعب وللقضية التي صنعتهم وان يذهبا للقبر نظيفين.



6 ـ كثرة كثيرة من الشعراء الفلسطينيّين ما كانوا ليظهروا على المستوى العالمي لولا اتكاؤهم على ما يُسمّى "قضية فلسطين"، بحيث سبقتهم القضية للتعبير عنها، هل الأمر مخصوص بشعراء فلسطين أو هو يطال بقية الشعراء العرب الذين كتبوا في هذا الغرض؟

هذا الامر يطال الجميع اخي العزيز، وليس مقصورا او مخصوصا على الشاعر الفلسطيني او العربي فقط. كل قضية يتبناها او يكتب عنها شاعر ما ستزيده تألقا وتوهجا. وبالنسبة للقضية الفلسطينية فقد ساعدت الشعراء الفلسطينيين على الشهرة بالتأكيد، لانها طالت كثيرا زمنيا ولانها كانت الاكثر احتراقا والأكثر وجعا بين قضايا الامة العربية وحتى الانسانية جمعاء. ولكن، هل لم تساعد القضية الفلسطينية غير الفلسطينيين الذين كتبوا فيها؟!
من ناحية ثانية يجب القول ان الشعراء الفلسطينيين البارزين نالوا ما يستحقون من شهرة وبروز، كل حسب حجمه واستحقاقه.



7 ـ ماذا تقولون عن قضية "فلسطين" والابتزاز السياسي لها من قبل بعض الساسة العرب لمآرب يعرفها الله؟

اقول: القضية الفلسطينية راح تجيب آخرتهم. ومثلما انه لا يمكن افناء شعب فانه ايضا لا يمكن ابتزاز شعب او شراء شعب. يمكن شراء عدة افراد او قيادات قد تؤثر على المسيرة قليلا جدا، ولكنها لن تعطلها. ولا يصح الا الصحيح. ونحن نسير للأمام.
المرأة في الشعر غير المرأة في الحياة



8 علاقتك بالمرأة في أشعارك تقوم على "مثال" متخيَّلٍ لها، هل المرأة صنم أو هي حمّالة معانيَ و هي ماذا؟

المرأة في الشعر هي غير المرأة في الحياة. في الشعر هي متخيلة عند الجميع، وعندما يتحدث الشاعر عن واحدة فانه يتمثل فيها كل ما يجده فيها وفي سواها. انها المرأة التي لم توجد بعد كما كتبت في احد نصوصي القديمة. ويخيل لي اننا عندما نخاطب الاخر، وبالذات المرأة خلال حالة الاستغراق الشعري الصادقة، الاشبه بالاستغراق الصوفي، اننا نكون عندها نتحدث الى انفسنا وعن انفسنا، حتى لو كنا نخاطب المرأة.
وما دمت تسأل هل المراة صنم ام ماذا؟ ويخيل لي انك تعني المراة الحقيقية وبشكل عام، فاسمح لي ان اسجل ان موقفي من المرأة العربية لن يعجب احدا.. انني اعتقد ان تهذيب الذات والاحساس بالقيمة الذاتية يمكن ان يتوفر فقط لمن ينتج او يقدم شيئا. لهذا اعتقد ان المرأة يمكن ان تكون محترمة وعاقلة فقط اذا كانت امرأة عاملة تعتمد على نفسها وتحس بأهميتها. وبدون ذلك سيكون عندها الكثير من الوقت للانشغال بتوافه الامور، وهذا هو حال اغلب النساء العربيات.



ليس بوش إلاّ صبيًّا مُطيعًا لأوامر الرأسمال الصهيوني


9 اللوبي اليهودي يحكم العالم اليوم، والفلسطينيون ما يزالون يعانون ظاهرة الشتات في علاقتهم بالعالم وكذا في علاقتهم فيما بينهم وخير مثل على ذلك وجود حكومتَيْن ولا توجد دولة، لمَ لم تتعلّموا من يهود إسرائيل في الخارج؟

لن يكون بامكان احد ان يتعلم من يهود الخارج، اذا كنت تقصد بـ "يهود الخارج" الحركة الصهيونية التي اقامت اسرائيل كمشروع استثماري استعماري والتي تحمي بقاء هذا المشروع الذي لن يطول. هؤلاء لا يمثلون اليهود، هؤلاء تجار / رأسماليي اليهود الذين حذر هتلر منهم وتوقع ان يسيطروا على العالم، وكان محقا ومصيبا. ولست نازيا. وارفض النازية بالتأكيد. ولكن هذه هي الحقيقة كما اراها. وهذه الحفنة المسيطرة من "الصهاينة" / التجار، موجودة في كل شعب. وهي التي تسيطر على سياسة السياسيين. ولا اعتقد ان بوش وحزبه هو من يحدد السياسة الامريكية، بل ان الشركات الرأسمالية هي التي تحدد ذلك. وبوش ليس اكثر من صبي منفِّذ لها.
ليس بامكاننا نحن الفلسطينيين ان نكون مثل اليهود لاننا لسنا ضعفاء مثلهم. ضعفهم هو مصدر قوتهم وتكتلهم، وهو سبب وقوعهم في فخ الصهيونية العالمية وسبب احتياجهم لها. وهو سبب تحولهم الى مجرمين.
واصحح معلوماتك عن الحكومة الفلسطينية. لا توجد حكومتان فلسطينيتان. هناك حكومة وطنية واحدة مقرها في غزة. المجموعة الموجودة في رام الله هي حفنة متعاونين اصطنعهم الاحتلال ويحميهم، ولا يستطيعون السيطرة على حارة في رام الله


لقد أفردوني إفراد البعير المعبد بعد نشري مقالاتٍ عن عرفات.


10 هاجمت الزعيم ياسر عرفات، ألم تندم على تجريحك له بعدما انكشفت الحقائق بموته وتبيّن العالَم صدقَ الرجلِ؟

اي حقائق انكشفت بموت عرفات عزيزي؟ الحقيقة الوحيدة الواضحة هي انه ظل متمسكا بالكرسي حتى الرمق الاخير. هل كان يجب ان يموت او ان يقتل وهو السيد الرئيس؟ وهل كان يجب ان يوقع على اوسلو اصلا؟
كان بامكان عرفات الذي وجد نفسه امام الضغوطات العربية والحصار العالمي وليس الاسرائيلي، لأن العالم كله صمت على هذا الحصار، ان يستقيل وان يصارح شعبه. فلماذا لم يفعل ذلك؟
ربما اكون ندمت قليلا على بذاءتي. ويحدث هذا احيانا.. ولكنني اتمسك بصحة ما كتبته وما نشرته. انني انتهز اثارتك لهذا الموضوع لاوضح ما يلي: لقد أفردت افراد البعير المعبد بعد نشر تلك الكاريكاتيرات عن عرفات. واضطررت ان أكون "لينا"، وأشرت الى ذلك الموضوع على احدى المنصات وقدمت اعتذارا نشرته بعض الصحف انذاك. وقد افادني ذلك طبعا.. فبعد ان لم يكن احد يجرؤ ان يقول لي مرحبا، تمت دعوتي على رأس وفد لاتحاد الكتاب في رام الله، وعادت المنابر الفلسطينية تغطي بعض نشاطي.

انني اعلن الان سحب ذلك الاعتذار.


نموذج من كتاباته:


محمد
من بعيد بعيد صاح الولد: " يا باااااااا...".
هرعت للشباك. كنت أعرف.
ـ يابااااااا.....
سمعتها، وعرفت ما ينتظرني.
ـ شو؟
ـ مِيِّه يابا.. مِيِّه... كلّها مِيِّه...
كان قد وصل الى البئر القديمة التي تبعد حوالي 200 متر عن البيت. وكان، وحده، أول العائدين.
رأيته يركض. كانت شنطته الثقيلة ترتجّ على كتفيه وتدفعه الى الأمام. خُيِّل إليّ أنها كانت تشاركه فرحته، وتشاركه ركضه معتزّة بالشهادة المدرسية التي تختبىء فيها.
أدركت أنّ ساعة الحقيقة قد دقّت. وندمت أنني لم أحسب حساب هذه اللحظة. ولكن هيهات. تابعته عيناي من الشباك يندفع نحو البيت، وشعور من السعادة والاعتزاز يتدفّق في ضلوعي، يخالطه شعور عميق بالحزن
يطغى عليه.

******

قبل شهرين، جاء ووقف أمامي مثل القطّ المتحفِّز للانقضاض: يابا.. بدِّي بسكليته.
نظرت إليه وابتسمت. أعرف حركاته هذه، وأحفظها عن ظهر قلب. وأحبّها.
يابا..، أعاد آمرا، بدِّي بسكليته. روح إلعب. بدِّي بسكليته. روح إلعب. بدِّيش. طيب.. روح أدرُس. بدِّيش.. بدِّي بسكليته. إنتِ واحد مفطِّس.. بِكفِّيش إنَّك تيس؟! وبِدَّكْ بسكليته؟! أنا مش تيس. تيس. لأ مش تيس.. إمبلى تيس.. جبت 90 بالحساب. جبت ميِّه. بالعربي لَكان جبت 90. جبت ميِّه بالعربي، بالدين جبت 90. آه، وشو بِدَّك؟! بدِّي بسكليته. إطلع برَّا. بِدِّيش. إطلع برّا قبل ما أدبحك. إدبح.. إسّا بَقوم. قُوم. وقمت ولكنه لم يتزحزح من مكانه.
ظلّ منتصبا أمامي مقهورا متنمّرا، يدقُّ، بين الفينة والأخرى، الأرض، بقدمه اليمين، ويكرّر اللازمة. بدِّي بسكليته.. بدِّي بسكليته. قررت أن أتجاهله. وضعت عينيّ في الكتاب. صمَتَ. حين قال لآخر مرّة، بدِّي بسكليته.. كل الأولاد عندهن بسكليته، كان صوته قد تغيّر. خالطه شيء من البكاء. انتبهت لتغيّر صوته. رفعت رأسي. كانت دمعتان كبيرتان قد بدأتا تنزّان من عينيه.
صمت.
نظر الى لا شيء.
كانت دموعه تملأ وجهه.
نكّس رأسه قليلا ومسح أنفه بطرف كمه.
استدار وسار نحو الباب وهو ينظر للأرض.
خرج.
وذبحني.
سمعت صوت أقدامه على درجات البيت. طقطقَ صوتها الثقيل في أذنيّ، فيما كنت أنظر الى الكتاب المفتوح. كانت دموعه ما تزال تسقط في عينيّ، وتغرغر على الحروف التي كنت أحاول أن أقرأها ولا استطيع.
حين تلاشى صوت أقدامه، كان صوت بكائه ما يزال يذبحني.

******

في المساء، كان أحد الخمسة الذين التفّوا حول الطاولة المنخفضة. لملموا بعضهم حولها، فيما تناثرت الكتب والدفاتر على كل أرض الغرفة حولهم.
زِيحي. زيحْ إنتِ. هذا محلّي أنا... يابا... شوف محمّد.. هذا محلّي. كان يحاول أن يجد موقعا لركبتيه في فسحة بين اثنين أصرّ أن يملأها. هاي مِش طاولتك لَحالك. فتح كتاب الصفّ الثاني وأخذ ينسخ. راقبته. كان قد نسي البسكليته مثلما نسي أشياء كثيرة لم أنس شيئا منها. توقّف عن النسخ فجأة وزاغت عيناه. نظر إليّ. ابتسم. رأيت الله في عيونه.
ـ إكتِب وَلَه... إنسخ..
ـ بَنسخ..
ـ إنسخ مرّتين.
ـ لاه!!.. مرتين؟! المعلّمة قالت مرّة.
ـ إنسخ مرتين.
ـ لاه..! بَنْسَخِش غير مرّة.
العرص. كان معدّل علاماته 97، ولم يكن يهمّه أن يعايره أحد بذلك. أنا شاطر، كان يقول دون اهتمام وبثقة مطلقة . المعلّمة بِتخاوز. وحياة الله المعلّمة بتخاوز. كان مقتنعا بذلك تماما.
كُنّا حين نتحزّر وأسألهم: "مين البطل؟" نسمع خمسة أصوات "أنا". يتّفق الجميع وكلٌّ يدّعيها لنفسه. "مين الشاطر؟" يقول الكل "أنا". يتفق الجميع. مين الـ.. ومين الـ.... وتظلّ اللعبة تدور حتى يقول أحدهم:
ـ مين التيس؟
ـ محمّاد.......
يصيح الثلاثة الآخرون، بصوت واحد، ويمطّونها قدر ما يستطيعون، حتى تفعل المماحكة فعلها، فيما يقول السائل بصوت يحاول أن يجعله أعلى ما يستطيع: ـ صَحّ....
وأسارع عندها لمنع الاشتباك، الذي لا بدّ سيبدأ بعد سِدّ نيعك، وسدّ نيعك إنت.
ترك مكانه، وجاء إليّ يحمل كتابه.
ـ يابا..
ـ ها؟!
ـ يا ريت لو أنا محلّ هذا الولد.. يا ريت لو أنا زيُّه.
ـ أيّ ولد؟!
ـ هون.. في الصورة.. بِدِّي أفوت بالصورة.
نظرت الى الصورة في كتاب القراءة. كان هناك بحر وقارب صغير فيه ولد. وكان ما يزال ينظر الى الصورة ونظرة حالمة تسبح في عيونه.
ـ لويش بِدَّك تصير زيُّه؟!
ـ عشان أسبح بالبحر. قال ببراءة، وعاد الى مكانه يزاحم. زيح. زيحي.
كنت أفكّر بالبسكليته التي نسيها، حين لمعت في خاطري فكرة عبقرية. كنت قد عوّدته: جيب مِيِّه بالامتحان وخذ عشرة شيكل. كان الآخرون يحتجّون. وكنت أقول للكبير موضحا: يابا إنتِ شاطر. بِدّي أشجّعه. ومع ذلك، ورغم كثرة المئات التي حملها للبيت، لم يأخذ عشرة شيكل إلاّ وتدبّرت طريقة لاسترجاعها. كنت أوصيه، حين أعطيه القطعة النقدية، بصرامة: إصرف شيكل كل يوم. طيب. وفي المساء، أو في اليوم التالي أسأله كم بقي؟ تسعة؟ ثمانية؟ وأستعيد المبلغ كلّه. أو تكون أمّه قد تولّت هذه المهمة. المرّة الجاي بعطيك عشرة شيكل إصرفها كلها.. بس اثنين شيكل كل يوم.
يسكت مغلوبا على أمره. طيِّب.
ـ يابا محمد...
ـ شو؟ ورفع عينيه.
ـ بِدِّي أشتريلك بسكليته.
ـ عن جدّ؟ هتف بفرح، وتذكّر واقعة الصباح، وترك موقعه واقترب مني.
ـ آه.. عن جدّ. بسّ بشرط..
واتفقنا.
اذا استطاع تحصيل 100 في كل العلامات على الشهادة، فسأشتري له بسكليته. حسبتها جيدا قبل أن نتّفق، وقبل ان اعرض عليه هذه الفكرة التي اعتبرتها في حينه فكرة عبقرية لتشجيعه على الدراسة، وحلاًّ ذكيا هنأت نفسي عليه.
ـ إحلف
ـ وحياة ألله
ـ وينتا؟
ـ بس تجيب الشهادة

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس