عرض مشاركة واحدة
قديم 08 / 01 / 2008, 22 : 07 PM   رقم المشاركة : [2]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: الشاعر والكاتب / مصـــــطفى مـــــراد

حوار آخر مع الشاعر و الكاتب الفلسطيني مصطفى مراد

مصطفى مراد شاعر و قاص وصحفي فلسطيني ، أصدر إلى حد الآن عددا من الكتب الشعرية ومجموعة قصصية ، و أنشأ ” منشورات الطلائع التي أصدرت أكثر من (51) كتابا ، ثم نظّم مهرجان الشعر الفلسطيني في الداخل ، و هو الآن مؤسس و مدير منتدى ” من المحيط إلى الخليج ” الذي يعتبر من أنجح المنتديات العربية على النت و أبرزها نظرا لما يضمه المنتدى من أسماء فاعلة في المشهد الإبداعي العربي و كذلك لهامش الحرية الذي ينعم به أعضاؤه ..

عن تجربته في الكتابة و مواقفه التي يراها البعض حازمة أكثر من اللازم و عن “منشورات الطلائع” و مهرجان الشعر الفلسطيني وعن المنتدى خاصة، كان لنا هذا الحديث مع المبدع الفلسطيني مصطفى مراد، الذي استفززناه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، و كانت إجاباته واضحة و لا تخلو من مواقف ..

أصدرت ثلاث مجموعات شعرية حمّلتها كلها نصا عموديا أو نص تفعيلة ثم وجدناك تقطع تماما مع هذا النسق الشعري الكلاسيكي في كتابك الرابع ، ثم تفاجئنا بكتاب خامس جمع بين قصيدة النثر و الشعر العامي ، هل تسعى لكتابة نص مفتوح ؟

أصحح أولا قليلا من معلوماتك. الكتابان الأول والثاني التزمت فيهما بالتفعيلة وبالعامود. في الكتاب الثالث “قصائد مكسرة” بدأت تجربتي الجديدة. هنا حاولت أن اكتب نصا ارتاح إليه رغم ما يمكن أن يعتريه من هنات بسيطة في الإيقاع. لقد كنت أحاول كتابة نفسي، كتابة الجملة الشعرية التي تريحني. وكانت هذه بدايات الخروج عن الأوزان الشعرية المنضبطة. واذكر أنّ هذه التجربة لقيت تقريظا كبيرا من عدد من النقاد والشعراء، على رأسهم الأستاذ حنا أبو حنا الذي قال أنّ هذه المغامرة تذكره بتجربة عبد الوهاب البياتي في ” أباريق مهشمة “.
وكان من الطبيعي أن يقودني ذلك إلى محاولة كتابة قصيدة النثر. وهذا ما فعلته. وأتذكر إنني قمت بإرسال أول قصيدة نثرية لي للنشر في مجلة “الفجر الأدبي” في اواسط الثمانينات بنسختين، إحداهما الأصلية وهي قصيدة نثرية، والأخرى “موزونة” بعد أن قمت بنظم النص حرفيا. وما أسهل أن تنظم أي شيء حتى الخبر الصحفي.. ولكن ما أصعب أن تكتب الشعر. وقد جمعت قصائد تلك الفترة في كتابين هما “قصائد مكسرة” و”قال البحار المدهش”.

بالعودة إلى سؤالك: هل أسعى إلى كتابة نص مفتوح؟ جوابي هو: لا.. أسعى إلى كتابة الشعر، وكتابة النص، الذي ارتاح له وأحس أنه “يمثلني”. وما أزال أجدني بعد عشرين عاما أحاول ذلك..
” أريد أن أكتب نفسي.. أريد أن أكتب نصا أرتاح إليه، ولم يكن للقارئ عندي، ولن يكون، أي اعتبار في يوم ما. وليس يهمني ما سأتركه من أثر ورائي، سواء ظل لي أي أثر أم لم يظل “.. ألا ترى أنك تزيد من تعميق الفجوة بين النص و المتلقي المفقود أصلا ؟

ما قصدته هنا أخي العزيز هو الذهاب في الصدق حتى النهاية.. وعدم كتابة نصوص يرضى عنها الجمهور لتنال التصفيق، سواء من حيث المضمون أو الشكل.
وما يزيد الفجوة بين الكاتب والقارئ المتلقي هو الإغراب والتجريب الذي يعتمد على الفذلكة بديلا للنص الحقيقي / النص الصادق. ويخطئ من يعتقد أن القارئ ليس ذواقا. كما يخطئ من يعتقد أن القارئ ليس موجودا. قدم للقارىء نصا جيدا وسوف تجده دائما.
ومن جهتي، يكفيني أن يكون عندي عشرين قارئا جيدا بدلا من آلاف القراء الذين يعجبهم النص الشعبوي. وهؤلاء هم القراء الحقيقيون.
ثمة رأي يقول إن المشهد الشعري العربي اليوم أصبح يعاني كثرة الشعراء و قلة الشعر ؟

وجهة النظر هذه مغلوطة.. وكانت موجودة في كل العصور. في زمن المتنبي كان هناك أكثر من ألف شاعر، ولم يبق منهم ومن نصوصهم سوى الشعر والشعراء واختفى الآخرون. في عصرنا هذا هناك شعر. وهناك شعر جيد. ولكن مثلما انه كان هناك نظّامون في العصور الماضية، فان هناك متشاعرون يكتبون ما يعتقدون انه “شعر”. وقد أتاحت قصيدة النثر لهم ذلك .
ولا اعتقد أن المشهد الشعري العربي يعاني من قلة الشعر. بالعكس تماما، هناك أصوات طيبة في كل مكان وعلى الأخص في دول المغرب العربي أتابعها على ” النت ” وقد أدهشني ذلك كثيرا.
في رأيك هل استطاعت قصيدة النثر أن تنتزع لها مكانا في منظومة الحس العربي ؟ و هي التي أتاحت لعدد غير قليل أن يدخلوا مدينة الشعر بدون حق ؟
قصيدة النثر ليس فقط انها استطاعت ان تنتزع لها مكانا في خارطة الشعر العربي المعاصر، بل انها تتصدر الان المشهد الشعري وبجدارة. واذا كان الشكل القديم المنظوم عموديا او بالتفعيلة ما يزال يجد انصارا له، فان اولئك الانصار شعراءا وقراءا في تناقص. لقد تم نزع “القداسة” عن “نظام” القصيدة القديم. وتلك من اجمل الثورات التي حققتها الاجيال الجديدة من الشعراء.
قلت عن مجموعتك القصصية ” الله و الناس ” : “ولم أكن اثناء كتابة نصوص الكتاب قد هدفت إلى كتابة قصص …. ” إذن كيف أصبحت كاتب قصة ؟
إنني أعاني ما اكتبه. ولا يهمني أن اترك ورائي خمسة كتب أو خمسين. وإذا شئت الصراحة فان بإمكاني كتابة مجموعة شعرية كاملة على التفعيلة أو على العامود في ليلة واحدة.. ولكنني لا اكتب إلا ما أرضى عنه. ولا انشر شيئا إلا بعد الغربلة. وقد يحدث أن يمر عام كامل أو أكثر دون أن اكتب شيئا.
ما حدث بالنسبة لكتابة القصة كان أشبه بمزحة.. لقد شكوت أمام احد الأصدقاء، وهو محاضر جامعي، أن هناك أفكارا في راسي من عشرة أعوام وأكثر ولم استطع وضعها في قصيدة. فإذا به يقول لي وبكل برودة: “طيب.. اكتب قصص”.. وفعلت ذلك كنوع من التحدي..

المدهش أن هذه القصص لقيت ترحيبا كبيرا ؟ واذكر أنني سلمت ذلك الصديق عدة قصص بعد عدة أيام، وكان يحاضر في دورة خاصة لمدراء المدارس. وفاجأني بعد أسبوع بقوله: قمت بتدريس إحدى قصصك في الدورة. كما أن قسم اللغة العربية في جامعة حيفا، اختار إحدى قصص مجموعتي الأولى لتدريسها لطلبة القسم قبل سنوات.
الآن انظر إلى الوراء وأقول: ما أسهل أنني أصبحت كاتب قصة.. ولكنني بقيت شاعرا..
منتدى ” من المحيط إلى الخليج ” يمثل نقطة تحول كبرى في حياتك الإبداعية و الإنسانية أليس كذلك ؟ كيف جاءت فكرة المنتدى و كيف بدأت بلورتها ؟
ربما يمثل منتدى ” من المحيط للخليج ” نقطة تحول ما، ولكنها ليست نقطة تحول في حياتي الإبداعية. بل على العكس من ذلك، فقد انشغلت بالمنتدى وتطويره عن كل شيء، ونسيت نفسي كمبدع وتحولت إلى “رجل إدارة وتنظيم”. وهذا يقلقني كثيرا ويزعجني كثيرا.

فكرة إقامة منتدى بدأت منذ حوالي عامين، على ضوء ما لاحظناه من سيطرة اتجاه سعودي على المنتديات الثقافية، يفرض آليات وسلوكيات غير صحيحة وتخريبية وتدميرية للإبداع. ومن هنا جاءت الفكرة لإقامة منتدى حر، يحترم رواده وقراءه، ولا يقوم مالكه بتوجيههم وإخضاعهم لرأيه، وحصرهم ضمن هذا الرأي فقط. علما بأن آراء أصحاب هذه المنتديات خاضعة لانتماء أصحابها وللوضع السياسي في السعودية الذي لا يتيح أي هامش من الحرية والذي يجعل من المواطن ومن الكاتب بهلوانا فقط. ولهذا تكثر أعمال ” الزعرنة ” في مثل هذه المنتديات.
أما التنفيذ لفكرتنا فكان فجائيا.. وذلك بعد أن انسحبت من احد المنتديات، الذي يملكه أحد السعوديين. علما بأنني كنت قد فصلت من أربعة منتديات أخرى، هي كلها سعودية. ويومها.. قمنا خلال أسبوع بإقامة المنتدى.. وأدهشتني كثرة الأنصار لمثل هذا الاتجاه الوطني الحر.. فبعد شهر واحد كنا في المقدمة. و هذا هو رابط المنتدى : http://menalmuheetlelkaleej.com/forum/index.php
المنتدى شهد تدفقا كبيرا من عديد الأسماء العربية البارزة و هو الآن يزخر بأسماء لها وزنها عربيا و عالميا، هل ترنو أن يصبح المنتدى عالميا ؟
نعم. واعتز بذلك التدفق، واعتبر أن وجود كل تلك الأسماء هو تعبير عن الثقة التي أثمنها عاليا. وهو، إضافة لذلك، يشهد تدفقا واسعا لأسماء جديدة. وقد حدث أن انتسب إلينا في أسبوع واحد 24 كاتبا من الكتاب المعروفين الموزعين على اغلب الدول العربية.

أما الشق الثاني من السؤال فجوابي عليه: نعم نحن نسعى لاقامة منتدى عالمي. ويمكن الإشارة هنا إلى كون منتدى “من المحيط للخليج” يشمل أعضاء من كافة البلاد العربية إضافة إلى كتاب ومهتمين عرب معروفين من عدد من الدول الغربية من أمريكا وكندا وسويسرا وايطاليا والسويد وفرنسا والدانمرك وغيرها. وعليه بإمكان اعتبار هذا المنتدى منتدى عربيا عالميا.
هذا إضافة إلى اشتغالنا المكثف على تطوير ركن الترجمة في المنتدى. فكما تعلم تم إصدار أول مجموعة مشتركة لأعضاء المنتدى باللغة الايطالية، ويجري العمل على إصدار كتب مشتركة بالانجليزية والسويدية والفرنسية والاسبانية. هذا إضافة إلى نيتنا الارتباط بعدد من المواقع الأجنبية المهتمة بالأدب العربي المعاصر، بحيث يتمكن روادها من الدخول لمنتدانا وقراءة المواد المترجمة فيه. وهو ما نقوم حاليا ببحثه في ركن الترجمة. وكل هذا يعني أننا نسعى للعالمية.
البعض يرى أنك تتعامل مع أعضاء المنتدى و مشرفيه بكثير من التسلط و هذا ربما ما جعل البعض ينسحب في صمت رغم أنهم من المؤسسين. ما رأيك ؟
اتهامي بالتسلط هو اتهام ظالم يا أخي صالح.. وليتك كتبت ” الحزم ” أو “الصرامة” وهذا اقبله ولا أراه عيبا.. ولو كان كلامك صحيحا لما كنا قد وصلنا إلى المرتبة الأولى على كافة المنتديات الثقافية العربية بعد شهر واحد من تأسيس المنتدى. ولما كنا نحافظ على وجودنا هناك رغم الكثير من المتاعب التي واجهناها.
أضف إلى هذا أننا المنتدى الوحيد الذي بادر لوضع نظام داخلي يحدد عمل المنتدى، ويحفظ حقوق الأعضاء، بما في ذلك حق تقديم شكوى ضد المدير، وحق إقالة المدير. وقد أتحنا النقاش الحر لجميع الأعضاء.
وأصحح أولا معلوماتك، مؤكدا أن أحدا من المؤسسين لم ينسحب من المنتدى. المؤسسون هم أصدقاء جميلون يعرفونني ويعرفون طريقتي في العمل. أما ما وقع من مشاكل في المنتدى فهي مشاكل عادية تحدث في كل المنتديات، التي يكون الانتساب إليها مفتوحا للجميع. وقد ظهرت هذه المشاكل للسطح عندنا لأننا أعطينا هامش حرية واسعا بحيث استغلها البعض استغلالا بشعا. وقد تداركنا هذا الوضع ومنعنا طرح القضايا التنظيمية على صفحات المنتدى.
ولا تنس أن كل المنتديات لا بد أن تواجه بعض الأزمات في فترة البناء. ونحن ما نزال في فترة البناء، التي لا بد أن تحدث فيها غربلة للأعضاء.
واهمس باذنك يا أخي: لقد فصلنا 3 اعضاء فيمدة ثمانية اشهر. وتم اقرار قرارات فصلهم في الهيئة الادارية، ولم يكن القرار قرار المدير او صاحب المنتدى. فهل هذا كثير؟!
ثمة من يعيب على المنتدى أنه يفتح الباب أمام النكت و ” التخبيص ” و عديد المواضيع البسيطة و السطحية بينما المفروض أن يكون للمنتدى أهدافه الإنسانية و الفكرية و الثقافية الأرقى و الأعمق ؟
لو فحصت الأمر في كل المنتديات الأخرى أيها العزيز فستجد أن هناك أبوابا للمنوعات ونشر النكات والتسالي وغير ذلك، هي اكثر بكثر جدا من الموجود في منتدانا. ويجوز أن هذه المواضيع تظهر عندنا بشكل بارز لان المدير وصاحب المنتدى قرر أن يكون مثل جميع الأعضاء فشارك فيها بكثافة.. وتذكرني ملاحظتك هذه بقول لغورباتشوف في كتابه عن الغلاسنوست. يقول: بعد البريسترويكا اكتشفنا أن “الأصنام الجامدة” في الدوما، التي تجلس لساعات دون أن تريح عضلات وجهها، هم بشر مثلنا وبإمكانهم أن يبتسموا وان يضحكوا..
الكاتب أيضا.. والكاتب المهم.. والمدير.. يمكنه أن يبتسم وان يمازح وان ينشر نكتة.. ولا أرى في هذا أي عيب. بل أرى فيه وسيلة لتقريب القلوب وتقوية الصداقات. وربما من هنا جاءك هذا الانطباع.
ولكن يجب أن لا ننسى أن ركن “التخبيص” الموجود في المنتدى هو ركن واحد من بين 24 ركنا إبداعيا.. ويجب أن لا ننسى ان التخبيص نفسه هو إبداع.
ويكفي أن اذكر هنا أن النشاط في الأركان الأساسية (الشعر والقصة والنقد) يفوق النشاط في كل واحد منها منفردا، مجمل النشاط في عدد من المنتديات الأخرى. وقد حدث في احد الأيام أن بلغ عدد المشاركات في ركن ” القصة ” وحده 46 مشاركة. وقد نشرنا يومها خبرا عن ذلك. وفي هذا رد كافٍ على تلك الأقوال.
و ماذا يمكن أن تخبرنا عن “منشورات الطلائع” ؟

أقمت منشورات الطلائع في عام 1994، وقد ظلت موجودة لمدة عشر سنوات، أصدرنا خلالها (51) كتابا من الإبداعات الفلسطينية، لعدد كبير من الكتاب والشعراء على رأسهم حنا أبو حنا رائد شعر المقاومة، د. تيسير الناشف ـ رئيس قسم الترجمة للعربية في الأمم المتحدة، المناضل عبد الرحيم عراقي ـ رئيس جمعية أنصار السجين، عبد العزيز أبو إصبع ـ رئيس حركة النهضة، والشعراء أميمه جبارين، عبد الرازق أبو راس، سهيل عيساوي، يعقوب احمد وآخرين كثيرين.
ولم يكن نشاطنا في منشورات الطلائع مقتصرا على إصدار الكتب فقط، بل قمنا بتأسيس منتدى ثقافي هو “منتدى الطلائع” وتم تنظيم أكثر من خمسين ندوة في مدينة الناصرة وغيرها من البلدات العربية. هذا إضافة إلى انه تم استضافة مجموعات من أعضاء المنتدى في عدد كبير من البلدات العربية والمنابر الثقافية على رأسها جامعة حيفا، وجامعة بئر السبع وكلية إعداد المعلمين وغيرها.
ويؤسفني أنني اضطررت لوقف نشاط المنشورات والمنتدى لابتعاد القارئ عن الكتاب بعد شيوع شبكة ” النت ” وأيضا بسبب بعض المتاعب الصحية.
إذن أنت ترى أنّ للنت دور في ابتعاد القارئ عن الكتاب ؟
هذا اكيد. وقبل النت كان هناك شيوع التلفزيون والفيديو، ثم ظهور القنوات الفضائية، ثم قصم النت ظهر الكتاب قصما تاما. وهذا لا يعني الابتعاد عن القراءة، (التي هي شكل من اشكال التلاقي)، لان التعويض او البديل موجود. واعتبر ان ظهور النت قد شجع القراءة كثيرا وزاد عدد القراء.. واغلب الظن انه سيكون احد الاسباب الهامة في القضاء على الأمية في المجتمعات العربية.
لنتحدث عن مهرجان الشعر الفلسطيني؟
جاء تنظيم مهرجان الشعر الفلسطيني تتويجا لنشاطنا في “منتدى الطلائع”. فقد شجعنا ما لقيته ندواتنا من متابعة واهتمام إلى التفكير في تنظيم مهرجان للشعر الفلسطيني، هو أول مهرجان للشعر يعقد داخل الأراضي المحتلة عام 1948. وقد عقد المهرجان لثلاث مرات في السنوات 2000 ـ 2003 في بلدة كفرمندا ومدينة طمرة وكان الأخير في مدينة الناصرة. وشارك في كل مهرجان أكثر من 150 شاعرا من كافة أنحاء فلسطين (من 55 بلدة فلسطينية) كان على رأسهم كبار الشعراء. فيما وجه الأخ محمود درويش تحية للمهرجان وأرسلت الشاعرة المرحومة فدوى طوقان قصيدة للقراءة لعدم تمكنها من الحضور.
ولأسفي فقد توقفنا عن تنظيم المهرجان الذي أردناه أن يكون ملتقى سنويا، وتابعنا نشاطنا في عقد الندوات الثقافية ثم توقفنا أيضا عن ذلك، بعد أن أصبحت نشيطا في المنتديات الثقافية ” النتية.”
لو نسألك عن حياة المبدع في قلسطين المحتلة ، لاشك أنك تعيش الأوضاع بشكل يختلف عن المواطن العادي؟
نعم.. لا شك أن المبدع يعيش آلام الناس بطريقة تختلف عن الإنسان العادي. ولكن الفت الانتباه أن المبدع الفلسطيني ـ لو وضعت نفسي مثالا ـ لا يعيش الهم الفلسطيني فقط، بل يعيش الهم العربي، ويعيش الهم الإنساني العام. وهذا هو الشيء الطبيعي.
ما يحدث في بلادنا فلسطين يؤلمنا كثيرا.. ونكرس له اغلب كتاباتنا، ولكن ما يحدث في بلادنا العربية يؤلمنا أيضا. ونحن نعيش أزمة العراق واحتلاله وتمزقه وكأننا أبناء هذا البلد العظيم، الذي نرجو زوال الاحتلال عنه سريعا.
ويخطئ من يعتقد أن المبدع الفلسطيني يقصر اهتمامه على قضيته فقط. إنني إنسان.. و ان العالم كله في قلبي، مثلما هو في قلب كل مبدع.
ما مدى حضور الهمّ الوطني في كتاباتك؟
أقول لك بصراحة أن اغلب كتاباتي الأولى كانت قصائد وطنية وسياسية. وكان الهم الوطني فيها حاضرا بشكل طاغ. ولكنني مع التقدم بالسن واتساع آفاق التفكير وجدتني انساق إلى البحث عن أسئلة كونية، دون أن يكون هذا على حساب حضور القضية الوطنية في كتاباتي. ربما لهذا لجأت إلى كتابة المجموعة القصصية ” الله والناس” التي تعالج مواضيع إنسانية عامة وتحاول التطرق إلى قضايا تشغل بال الإنسان في كل مكان. وقد ذهبت نفس المذهب في مجموعتي الشعرية الأخيرة “كتاب الأشياء والأسماء”.
ويجب أن نلاحظ أن القضية الوطنية هي قضية إنسانية أيضا، وليست سياسية فقط. لهذا فإننا حين نحاور ألمنا الإنساني فإننا نحاور بذات الوقت ألمنا الوطني. بل إن الإبداع الذي يصنف على انه إبداع وجداني يمكن اعتباره إبداعا وطنيا، لان التمسك بالحبيبة هو تمسك بالوطن وهو أيضا تمسك بالإنسانية وغاياتها النبيلة.
وكفلسطيني أقول لك: أن القضية الفلسطينية تهمني كثيرا بالطبع.. ولكن القضية الأهم والأعمّ هي: الإنسان.
صورة الواقع العربي اليوم تبدو أكثر ضبابية و أحيانا أكثر قتامه ، كيف تنظر لهذا الواقع من موقعك كمبدع؟
أنا متفائل جدا بالواقع العربي.. رغم كل شيء. وعلى العكس تماما، أرى أن إمكانيات تحقيق الوحدة بين بعض البلدان العربية باتت اقرب. كما أرى أن المطالبة بالتقدم الاجتماعي والثقافي والسياسي أضحت أكثر اتساعا. هذا إلى جانب ظهور شريحة كبيرة من المثقفين التي لن يستطيع احد وقف تزايدها، والتي تبحث عن دور فعال لها في مجتمعاتها. ولهذا كله أنا متفائل.
زد على ذلك، إن مجرد الانتصار الذي حققه حزب الله في لبنان هو درس كبير، ودافع للتفاؤل إلى ألف عام. وأما فلسطين فيكفي أن الحرب قد انتقلت إلى الداخل، وهذا يعني الشيء الكثير. وأما العراق المحتل فلن يظل محتلا، ولا خوف عليه.
وأقول لك كمبدع، وككاتب وصحفي سياسي: نحن بألف خير.
يرى البعض أن الشعر الفلسطيني كله تلخص في اسمين أو ثلاثة و يرى آخرون أن درويش كان الأكمة التي غطت ما وراءها ، ما واقع المشهد الشعري الفلسطيني اليوم؟
هذا الرأي نسمعه كثيرا و هو غير صحيح، وارى فيه شخصيا خطلا كبيرا. مشكلة الشعر الفلسطيني انه قدم عددا من الأسماء نالت شهرة واسعة جدا، لم ينلها احد من الشعراء في كل الدول العربية الأخرى. وقد غطت هذه الشهرة على كثيرين. وهي لم تغطِّ على شعراء فلسطينيين جاؤوا بعدهم، أو شعراء فلسطينيين مجايلين لهم، ويستحقون الالتفات، بل غطت أيضا على حظ شعراء عرب كثيرين، وهذا شيء طبيعي.
الشهرة التي نالها الشعراء الفلسطينيون كانت لأنهم فلسطينيون. وقد نالوها في ظروف المد القومي التي ساعدتهم على الانتشار. وحيث أن مثل هذه الظروف غير متوفرة الآن فمن الطبيعي أن لا يحقق شعراء فلسطينيون آخرون مثلها. غير أن هذا لا يعني أن الشعراء الفلسطينيين الآخرين مغمورون. هم موجودون ومشهورون مثل كل الشعراء العرب المعاصرين، ولم يشكل محمود درويش أيّ أكمة أو عقبة أمامهم. وهناك أسماء كثيرة فرضت نفسها، ولن اسمّّي أحدا حتى لا أقع تحت طائلة إغفال هذا أو ذاك.
وإذا تحدثت عن نفسي على سبيل المثال، فيكفي أن اذكر أن إحدى دور النشر الأردنية (دار البشير) قامت قبل عدة سنوات بإعادة طبع احد كتبي الشعرية دون علم مني. و أن تقوم دار نشر بذلك فهذا اعتراف هام بالشاعر. واغلب الظن أن كتبي كلها كان سيعاد طباعتها لولا طغيان ” النت ” واختفاء عادة قراءة الكتب، الغائبة أصلا في المجتمعات العربية.
ما هي مشاريعك الأدبية المستقبلية؟
والله يا أخي هناك مشاريع كثيرة، منها كتابين مترجمين للفرنسية سيصدران إلكترونيّا ، يقوم بعض الأصدقاء بإعدادهما. غير أن أكثر ما يهمني وما سأعمل على انجازه قبل أن أموت، هو جمع ما كتب عني في السنوات الماضية، وبعض اللقاءات، واختيار ما يستحق القراءة منه ونشره في كتاب. وأرجو أن أتمكن من التفرغ لهذا الموضوع الذي اعد نفسي بالبدء به من خمس سنوات. وبيني وبينك.. اعتقد أنني لن افعل ذلك!
  رد مع اقتباس