من هم المؤرخون الجدد ؟ وما هي توجهاتهم ؟ وما هي أطروحاتهم وأيدلوجياتهم ؟!
[align=justify]حقيقة المؤرخين الجدد
من هم المؤرخون الجدد ؟ وما هي توجهاتهم ؟ وما هي أطروحاتهم وأيدلوجياتهم ؟!
لجنة البحث العلمي في مركز بيت المقدس
المقدمة:
المؤرخون الجدد أو ما يطلق عليهم "حركة المؤرخين الإسرائيليين الجدد"، حركة عملت وما زالت تعمل على إماطت اللثام عن كثير من أكاذيب اليهود التي ترادفت مع قيام الكيان اليهودي على أرض فلسطين، على ضوء الوثائق التي أفرج عنها الكيان اليهودي بعد مضي عشرات السنيين.
وقد كثر الحديث على "المؤرخون الجدد" داخل وخارج الكيان اليهودي، ما بين مؤيد لأعمالهم وما بين مشكك في نواياهم وانتماءاتهم، وآخرون فضلوا التزام الصمت ووقفوا على الحياد حتى يستبين أمرهم !!.
وهذه الصفحات إضاءات سطّرتها لعلها تلقي الضوء على جوانب متعددة في حقيقة "المؤرخون الجدد"، للكثير من التساؤلات حولهم أهمها:
من هم المؤرخون الجدد ؟ وما هي توجهاتهم ؟ وما هي أطروحاتهم وأيدلوجياتهم ؟!
وهل هم ـ حقاً ـ منصفون أرادوا أن يعيدوا صياغة الأحداث بصورتها الصحيحة ؟!
وهل هم ـ فعلاً ـ منتقدون لسياسة الكيان اليهودي، وهل كتبوا بحق لدحض الأكاذيب ؟!
وهل هم عاملون لمناصرة العرب وأهل فلسطين وذكر الحقائق لخدمة قضيتهم ؟
أم أنهم ممهدون للتسوية السلمية بنظرة جديدة ولباس جديد ؟!
كل هذه الأمور تدفعنا للبحث في ماهية تلك الحركة وأهدافها وأبعاد أطروحتها.
"المؤرخون الجدد"
من هم " المؤرخون الجدد " ؟
هم مجموعة من المؤرخين اليهود الداعين إلى مراجعة تاريخ الصراع العربي- الصهيوني على ضوء الوثائق التي أفرج عنها الكيان اليهودي - بعد مضي ثلاثين سنة- وهذه الحركة تحاول إعادة النظر في الروايات التي ترادفت مع قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، من خلال مراجعة الصيغة التاريخية الرسمية، وتنقيتها من الأكاذيب ومن حيل الحرب النفسية التي تحولت إلى مسلمات في الطرح الصهيوني!! .
متى ظهر " المؤرخون الجدد ":
يحدد تأريخ ظهور ما يطلق عليهم " المؤرخون الجدد " في نهاية السبعينيات، وترى بعض المصادر -كموسوعة اليهود واليهودية وغيرها- بأنهم أخذوا في الظهور منذ بداية الثمانينيات، ويرى البعض أن "المؤرخون الجدد" لهم جذور تسبق تاريخ ظهورهم في الثمانينات، ويحدد البعض تاريخ ظهورهم بظهور كتاباتهم وآرائهم عبر الصحف والمحاضرات والمؤلفات.
وكان هذا الظهور في الأوساط الأكاديمية عبر نوع جديد من الكتابات التاريخية، ولهذا اعتبر ظهورهم في الثمانينيات مع ظهور كتاباتهم وصياغتهم للوقائع بطرق مغايرة لما اعتاد عليه المجتمع اليهودي.
أشهر المؤرخين الجدد ":
يعتبر بني موريس نفسه مؤسس حركة "المؤرخون الجدد" ، وهو من المؤرخين المعروفين وأستاذ التاريخ في "جامعة بن غوريون" ، وكذلك "يوسي بيلين" واسرائيل شاحاك و" ايلان بابيه " و "زئيف ستيل نهيل" و "موشي سميش" و "سيمحا فلابان" و"بار يوسف" وأروي رام وسامي سموحا وباروخ كيفرلنج وتامار كارتيال وسارا كازير وجيرسون شافير وبارون ازراحي وشلومو سويرسكي وتوم سيجيف ويناثان شابيترو يورين بن اليعازر وباجيل وايلا شوحات وآفي شلايم وايلان باي وغيرهم.
مسميات مختلفة لمعنى واحد:
وحركة "المؤرخون الجدد" يطلق عليهم أحياناً مدرسة "التاريخ الإسرائيلي الجديد"" ، ويطلق عليهم أيضاً مصطلح "ما بعد الصهيونية"، وكل ذلك يشير إلى مجموعة من المؤرخين والأكاديميين والكتاب والمثقفين وعلماء الاجتماع الانتقادين الذين أخذوا وبدأوا في مراجعة الرواية الأكاديمية اليهودية للصراع "العربي – اليهودي الصهيوني"، وعلى وجه الخصوص حرب 1948م التي جرى صياغتها في السابق ضمن إطار يهودي صهيوني يعيد ترتيب الوقائع، بما يخدم الوجود اليهودي على أرض فلسطين.
المبادئ التي اعتمدها " المؤرخون الجدد " في صياغتهم للتأريخ:
يرى هؤلاء المؤرخون أن التاريخ الرسمي للدولة اليهودية قد عمد إلى تقديم تفسير سطحي ومتحيز للأحداث التي واكبت قيامها وحذف كل ما يمكن أن يعطي صورة سلبية لها، وذلك لسببين أساسيين:
أولهما: أن الذين كتبوا هذا التاريخ لم يكونا مؤرخين بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل كانوا مسجلين للأحداث ولم يكونوا من المحايدين في رواياتهم.
وثانيها: أن وجهة نظر الكيان اليهودي الرسمية كانت ترى في كتابة التاريخ بهذا الشكل أمراً ضرورياً نظراً لأن استمرار الصراع العربي الصهيوني كان يهتم برسم صورة إيجابية للدولة العبرية، لأن إبراز أخطائها من شأنه أن يضعف موقفها السياسي في صراعها على البقاء.
أما الآن فيعتقد المؤرخون الجدد أن الكيان اليهودي قد اكتسب نضجاً يجعله في غنى عن الأساطير التاريخية التي عاش فيها، والتعرف على جذور الصراع العربي الصهيوني مما قد يسهم في التعرف على أفضل الحلول له، في ظل المسيرة السلمية، وما بعد أوسلو على وجه الخصوص.
انتماءات المؤرخون الجدد:
حركة "المؤرخون الجدد" تبنت التكليف من حزب العمل للتمهيد للتسوية السلمية على أن يبدأ ذلك بالتمهيد لنشر حقيقة استحالة استمرار العداء الإسرائيلي للعرب على المستوى الذي كان عليه منذ عام 1948 م وحتى اليوم.
ومشروع المؤرخون الجدد انطلق برعاية " إسحاق رابين" الذي يبدو وكأنه الراعي الأساسي للمؤرخين الجدد ليتماشى مع مشروع " الشرق أوسطية " الذي طرحه رابين تحت شعار " نحو شرق أوسط جديد "، الذي يتماشى مع استبدال "إسرائيل الكبرى" "بإسرائيل العظمى".
ويعتبر "يوسي بيلين" -وهو أحد مفكري حزب العمل ومنظريه- من المتحمسين لإدخال أفكار المؤرخين الجدد إلى المدارس في الكيان اليهودي "غير الدينية" وتدريسها للطلاب، وقد تسلم منصب وزير العدل في حكومة باراك ، وهو من مهندسي اتفاق أوسلو.
وأصدر وزير التعليم في الكيان اليهودي "يوسي ساريد" تعليماته لإدخال أفكار هؤلاء المؤرخين إلى المدارس وتدريسها للتلاميذ، وهذا مما أعطى الحركة تأييد سياسي على مستوى عالي، يؤهلها للاستمرار ولإدخال أفكارها إلى عقول تلامذة المدارس وأيضاً نشر أعمالها بحرية، وتلك الدلائل تشير إلى علاقة هؤلاء المؤرخون بحزب العمل وبملكيتهم لخلفيات " ليبرالية ".
" طروحات " المؤرخون الجدد:
يحاول "المؤرخون الجدد" مراجعة الصيغة التاريخية الرسمية وتنقيتها من الأكاذيب التي تحولت إلى مسلمات، ويرون كذلك أنه تم طمس الحقائق التاريخية بدون أي شعور بالمسؤولية، وخدمة للأغراض الصهيونية، وعملوا على إعادة النظر في الروايات التي ترادفت مع قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
وبدأ هذا الجيل من المؤرخين بالاهتمام بالمسألة الفلسطينية وبآثار حرب 1948م، وانعكاساتها على الفلسطينيين، فلجأوا إلى إعادة كتابة الأحداث بأسلوب جديد خارج عن الرواية السابقة التي تجنبها التاريخ اليهودي الرسمي، ويمكن تحديدها بنقاط خمس:
1-الإقرار بأن اليهود قد دمروا الكثير من القرى والمدن، وقتلوا الكثير من أهل فلسطين خلال فترة قيام الكيان اليهودي، حيث الرواية الصهيونية السابقة لم تشر تماماً إلى الخسائر اللاحقة بالمدن والقرى الفلسطينية.
2-الحديث عن طرد السكان من قراهم ومنازلهم وتدميرها بعد ذلك.
3-نقض رواية أن نزوح الفلسطينيين حصل بسبب نداء من القادة العرب الذين طلبوا فيه من الفلسطينيين مغادرة أرضهم بصورة مؤقتة تسهيلاً لدخول الجيوش العربية.
4-ومراجعة المقولة بأن "إسرائيل" كانت مستعدة لإقامة السلام مع العرب لكن هؤلاء كانوا يرفضون الاعتراف بها.
5-وإعادة النظر في مقولة أن اليهود حققوا المعجزة التاريخية بانتصارهم على العرب في حرب 48م.
وهكذا توصل المؤرخون إلى الطعن بالرواية الرسمية واتفقوا على كونها مركبة من مجموعة مقولات أو ادعاءات باطلة أو غير دقيقة على الأقل، واتفقوا على تسميتها بـ " الأساطير الصهيونية " كون الصهيونية نجحت في ربط كل كذبة من أكاذيبها بواحدة من الأساطير اليهودية، وذلك حتى تقنع الرواية الرسمية بالمنطوق التاريخي الموحد بأن الصهيونية قد حققت معجزة إقامة "دولة إسرائيل" .
" يقول بني موريس أحد ابرز المؤرخين الإسرائيليين الجدد – الذي يعرف نفسه بأنه صهيوني – وهو معروف بين زملائه بأنه الأقل اهتماماً بالسياسة – وهو باحث ومراسل ميداني وصحفي، أن مهمته تتمثل بعرض المعلومات ويترك للقارئ استخلاص النتائج فهو يقول مثلاً: "نحن الإسرائيليين كنا طيبين، لكننا قمنا بأفعال مشينة وبشعة كبيرة، كنا أبرياء لكننا نشرنا الكثير من الأكاذيب وإنصاف الحقائق، التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها، نحن الذين ولدنا لاحقاً بعد إنشاء الدولة – عرفنا كل الحقائق الآن – بعد أن عرض علينا زعماءنا الجوانب الإيجابية فقط من تاريخ " إسرائيل " لكن للأسف كان ثمة فصول سوداء لم نسمع شيئاً عنها ، لقد كذبوا علينا عندما أخبرونا أن عرب اللد والرملة طلبوا مغادرة بيوتهم بمحض إرادتهم، وكذبوا علينا عندما أبلغونا أن الدول العربية أرادت تدميرنا، وإننا كنا الوحيدين الذين نريد السلام طوال الوقت، وكذبوا عندما قالوا: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض "، وكذبة الأكاذيب التي سموها الاستقلال – ويضيف بني موريس " لقد حان وقت معرفة الحقيقة، كل الحقيقة، وهذه مهمة ملقاة على عاتقنا نحن المؤرخين الجدد".
فقد أقر "المؤرخون الجدد" ببطلان المبررات التي ساقتها الحركة الصهيونية في رفضها الاعتراف بارتكاب أية أخطاء في حق الشعب الفلسطيني والتي كان من أهمها "إنها لم تكن تريد طرد الفلسطينيين، بل كانت تريد العيش معهم في سلام، ولكن هم الذين رفضوا قرار التقسيم، وهم الذين شنوا الحرب على اليهود بغرض القضاء عليهم، وهم الذين تركوا ديارهم طواعية ليتركوا الفرصة لتدخل الجيوش العربية لقتال اليهود.
وأعادوا بذلك النظر في الدعاية الذي ظل يروج لها الإعلام اليهودي لعقود طويلة وهي أن "إسرائيل" لا ذنب لها في هذه المشكلة لأن الفلسطينيين هم اللذين تركوا ديارهم بكامل إرادتهم.
والمؤرخون الجدد الآن تنصب بحوثهم على إثبات أن المنظمات العسكرية الصهيونية التي شكلت جيش الكيان اليهودي قبيل الحرب، انخرطت في برنامج تهجير واع للفلسطينيين يستهدف طردهم من فلسطين انسجاماً مع الفكرة الصهيونية الأساسية حول الترانسفير بضرورة إخلاء الأرض للمهاجرين اليهود وعدم إمكانية وجود شعبين في البقعة ذاتها.
وهذا الطرح "للمؤرخون الجدد" – المتفاوت من مؤرخ لأخر – يناقض الرواية اليهودية الرسمية التي تنص على أن الفلسطينيين هاجروا بمحض إرادتهم، نزولاً عند طلب الحكومات العربية لهم كي يخلوا المناطق التي ستتعرض للعمليات الحربية العربية التي ستقضي على "الجيش الإسرائيلي" .
ورسم المؤرخون الجدد صورة أكثر واقعية تقترب إلى حد ما من الرواية الفلسطينية لوقائع تلك الحرب، والتي تبين أن تلك المطامع الصهيونية قد تم تحقيقها على حساب السكان الفلسطينيين وأن العرب أبعدوا عن طريق الطرد.
حقيقة المؤرخون الجدد
بعد أن أوجدت الصهيونية كياناً مزروعاً في القلب الإسلامي، أحس قادة اليهود أن الكثير من المصطلحات والأساطير والأكاذيب بحاجة إلى إعادة صياغة لما يحقق لليهود التلون حسب المرحلة والزمن، واستحدث "المؤرخون الجدد" أسلوباً جديداً، حيث أعادوا صياغة التاريخ المعاصر والذي ترادف مع قيام الكيان اليهودي على أرض فلسطين، وانتقدوا بل دحضوا الكثير من الأساطير والأكاذيب، لمتطلبات المرحلة القادمة من الانفتاح على العرب وأسواقهم تحت مسمى " شرق أوسطية جديد ".
وفجرت كتاباتهم الكثير من الجدل في الأوساط الصهيونية ... بسبب ما قام به هؤلاء المؤرخون من مراجعات للتاريخ الرسمي للدول العبرية، ولا سيما لمرحلة تأسيسها، وكشف حجم العنف والمجازر التي رافقت قيام هذه الدولة، كما كشفت أيضاً عند الرفض المستمر لقيادتها لمحاولات السلام مع العرب، إذ كان ذلك جدير بأن يحد من توسعتها على حسابهم.
وحتى اليوم لا تتعدى حركة المؤرخين الجدد كونها مجموعة من الأكاديميين الذين يجرون بحوثاً للتحقق من بعض الملابسات والتفاصيل المتعلقة بالصراع العرب الصهيوني منذ تأسيس الكيان اليهودي وحتى اليوم.
ويرى هؤلاء المؤرخون أن ولاة الحركة الصهيونية كانت ردة فعل على الاضطهاد الذي تعرض له اليهود، وجاءت إسرائيل لتكون حلاً ولو جزئياً لمشكلة يهود الشتات.
لهذا فأول ما تهدف إليه هذه الحركة تبرئة اليهودية من الصهيونية التي لم تعد مؤامراتها وأساطيرها قادرة على الصمود طويلاً مع ظهور وثائق ومستندات جديدة تدينها بصورة مستمرة ولذلك كان ميل الحركة لتبني شعار "ما بعد الصهيونية"، وذلك لتأمين استمرارية الكيان اليهودي، وإزالة قسم بسيط من العداء المتراكم ضدهم نتيجة لخضوعهم لإيحاءات الإرهاب الصهيوني ومشاركتهم فيه.
فالأوساط النخبوية لا تجد بأساً من تقديم اعترافات مر عليها الزمن ولم تعد تستوجب العقوبة، فالكيان اليهودي أصبح بحكم الواقع دولة موجودة وقوية ومتفوقة ويبقى إيجاد الصيغة المناسبة لاستمراريتها.
يتبع[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|