وفاز بالمرتبة الثانية الأديب الأستاذ صالح أهضير بنصه المتميز: " لهيب الذكرى " ألف مبروك الفوز
لهيب الذكرى / صالح أهضير
أعوام من بعد أعوام تمضي وترحل كطيف عابر..ما عاد بالإمكان أن تعود لسالف العهود..ما انمحت رسوم ذكراك من غور ذواتنا ولا جفت لفقدك مآقينا..أوقد لهيب الذكرى بين الضلوع شوقا إليك ما عهدنا له مثيلا..
يا من أبدعت أناملك "لحنًا على أوتار الهوى" ونسجَتْ بخيوط من حرير ملء الخاطر "أحلى فصول العشق" بعد أن طاردتَ بعزم وطيد "أشباحًا في ذاكرة غائمة" وأدليتَ بدلوك في "زمن البوح الجميل" وشدوت بغرة "القمر على قيثارتك" أنغامًا تنساب كالسلسبيل عذبًا نميرًا..يا من حلقتَ بروحك رقيقا شفافا في" فضاءات لعشق جامح " وملأتَ حياض الظامئين للمعارف بـ" نور الأدب" الوضاح..
يا من ترنمتْ شفاهه الثائرة،بشواظ من أحرف نارية،من بيروت إلى دمشق إلى الوطن الجريح،تهتف بـ"أغنيات فلسطينية" على ترانيم البيان وشدو النوارس التائقة لقبة الصخرة ورحاب القدس الشريفة..ألست أنت القائل : "يُضحكني الخيال الجامح المريض، حين يظنّ أنّ الوطن مفكرة تُطوى، وأنّ الأرض صورة تُهدى، وأن الهواء الفلسـطينيّ أنفاسٌ يُمكن أن تُوزع على اللصوص القادمين من آخر الدنيا..!!"؟؟ تقول ذلك بإصرار متين وعزم فولاذي..ملء الأسماع.. يا صوت الأمل الأخضر رغم الخطوب والنكبات وكيد الكائدين المغتصبين..
وها هي ذي "نقوش على جدران العمر" تنبئ برحيلك وقد جللتك سكينة الأبد الكبير بجلالها السرمدي...!!!
ثمانية وخمسون عاما تمضي كسحاب عابر،وومضة برق خاطف..كما لو انك قد جئت لتبصر وجه الشمس بين أحضان هذا الجرم التائه بين غياهب الكون،لتعود على حين غرة أدراجك عبر بوابة الغياب بعد أن ملأتَ الدنيا عطاء وحكمة وبهاء بين أقوام من أهلك ورفقاء دربك وعشيرتك الأقربين وكل الناس أجمعين..
الكائنات البريئة المأخوذة بمحكياتك تنعاك اليوم بحدسها الطفولي..هاهي ذي من غمرتَ أرواحها وأمتعتَ كيانها بـ"هيفاء في ضوء القمر" ترتسم على وجوهها أسارير الأسى فتنساب على وجناتها الغضة قطرات من دمع حارقة متسائلة في حيرة كبيرة غير معهودة : متى تعود؟؟
هاهي ذي حواء في ذكراك تذرف الدمع مستعيدة من سراديب الأحقاب الخوالي أنات وآهات الخنساء حسرات على " رفيع العماد"..هاهي ذي من أسميتها "الأنثى الملهمة" وخلعت عليها لبوس النورانية،أنت الشغوف بها شغف الروح لا الجسد،ها هي ذي تطرّز اسمك البهي بخيوط من لآلئ الوجد والوداد على أردية الخالدين..وتهتف به كما أنشودة الرهبان ملء الأشداق في محاريب الأزمان..
أيها الذائب عشقا في مروج القصيد..المترنح طربا بين درر الكلام المنثور..الهائم في رياض الفكر بعبق القراطيس ..يا من يرى الشعر حبيبا يحلق بجناحيه كما الطائر الطليق في سماءات الحق والخير والجمال..ممتلئة جوانحُه بهجة وحبورا..وتغاريده الصوفية تعمّ كيان الوجود..نحن هاهنا وبنو قومك،في عالم الشهادة،كلما حلّ يوم ذكراك اتقدت جذوة التوق إلى بهاء طلعتك وتنامى الشوق الكبير لاستعادة طيفك الساكن فينا..فإذا الأفئدة خفاقة بنشوة اللقاء،وإذا الروح في انتعاش بسكرة الوصال..
لم تمت يا "طلعت"..وأنت الطائر الصداح بيننا .. وكيف لا ويراعك ينبض نبض الحياة في شخوص حكاياك وشذرات قصيدك ومنثورك وعروض بنات أفكارك على كل مسارح الدنيا.. !!
فيا حاضرا لا يغيب..لم تزل بيننا،وما توخاك حمام الموت..وأنّى لك أن تموت وأنت إلى عالم الخلود قد رحلت...!!