ثانياً ضرورة التأويل:
لقد أجمع فلاسفة العرب على اعتبار العقل والوحي مصدرين للمعرفة والوصول إلى الحقيقة وأن للنصوص ظاهراً وباطناً لذا لا بد من التأويل للوصول إلى الحقيقة على أن أغلب الفقهاء يرون أنه يجب ألا تحمل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها ولا أن تخرج كلها من ظاهرها بالتأويل.
وقد عمد رجال الفقه والدين منذ الصدر الأول للإسلام إلى التفسير والتأويل الذي لجأ إليه الفلاسفة أيضاً بطريقتهم الفلسفية وابن رشد يرى ضرورة التأويل العقلي ويؤيد رأيه بأن يقول: ((للتأويل قانون لا بد من التمسك به وليس لكل إنسان أن يؤول مايرد من النصوص أو أن يصرح بتأويلاته لمن يشاء))
((فالناس على ثلاثة أصناف:
_صنف ليس هو من أهل التأويل وهم الخطابيون الذين هم الجمهور الغالب.
_ صنف هو من أهل التأويل الجدلي وهو الجدليون..
_صنف هو من أهل التأويل اليقيني وهؤلاء هم البرهانيون))
والفلاسفة هم البرهانيون ولهم وحدهم الحق في التأويل.
وهذا يدل على أن للعقل عند ابن رشد قيمة كبرى ويعتبر القياس العقلي اسمى أنواع القياس.
كان ابن رشد من أعمق فلاسفة العرب نظراً وأبعدهم أفقاً وأكبرهم جرأة في الحق وأشدهم أنتصاراً للعقل والحكمة حتى كان بحق فيلسوف العقل عند العرب .صحين أن اتبع أرسطو في مجمل فلسفته ولكنه حاول أن يستخرج الحقيقة من خلال النصوص لأن رائده الحقيقة ليس غير وكان حر التفكير لا يؤمن إلا ماهداه إليه عقله وقد أظهر مقدرة عجيبة في تقصي الموضوعات وفي التوفيق بين الفلسفة والدين .لقد قال بالأخذ عن القدماء وأن الحقيقة ليست عند قوم دون غيرهم.وقال بالعقل وأن العقل متطور وأن مابلغناه من معارق قد يتخطاها العقل في المستقبل لقد فتح الباب أمام حرية العقل والفكر. لهذا يعتبر مبتدع مذهب الفكر الحر وهو الذي يتعشق الفلسفة ويهيم بالعلم ويدين بهما وهو الذي قال عند موته كلمته المأثورة:(تموت روحي بموت الفلسفة)
عرفت مؤلفات ابن رشد انتشاراً واسعاً في العصور الوسطى الأوربية بعد أن نقلت إليها مترجمة إلى اللاتينية.ويعترف المؤلفون الغربيون بتأثير المذهب العقلاني الرشدي في فلاسفة غربييين كثيرين منهم سبيوزا الهولندي(1623-1677) لايينز الألماني(1646-1716) وفي توما الأكويني قبلهما (1225-1274)