رد: لقاء الخريف
(4)
قلتُ فيما قلت .. لم يزرني أحد .. أمضيتُ الصيف وحيدة أتسلق جبال الوحدة , وأعدُّ الصخور التي من حولي , وأنه قد ينبت الزهر في الصخر لو أطلت المكوث والعدَّ .
قلتُ فيما قلت أيضاً أنَّ الرفاق قد رحلوا .. بعضهم هاجر , وبعضهم انتقل إلى الضفة الأخرى من الحياة , وبعضهم اعتكف في صومعة الصمت , وبعضهم غلَّف نفسه بأوراق النسيان .
وأنَّ الطيور التي كانت تقيم في العش المجاور رحلت .. وأنَّ ديك الجوار الذي كان يوقظني صوته كل صباح قد أصابه الخرس , وينتظر الذبح في أول ربيع قادم .. وأنَّ القطة المشاغبة التي كانت تمزق أوراق الورد أصابتها شيخوخة مبكرة , فذبلت الوردة قبل أن تُقِّطع أوراقها في لعبتها المفضلة يحبني أولا يحبني!
قلت كثيراً , صدقاً وكذباً , بكيت على صدر الخريف كما لم أبكِ قط .. ثم رفعت عينيَّ الممتلئة بالدموع إلى عينيه فوجدتها باسمة , ممتلئة بالحب , والدفء , والحنان , ففهمت على الفور أنه يريدني أن أكمل كذبي , وصِدقي , وبكائي , وأن أبقي رأسي متكئة على صدره إلى أن أنتهي من حديثي , أو يملَّ هو من كذبي .
|