[align=right]
12 - صحيفة لسان العرب المقدسية للنجار تحت عنوان أقلام وضمائر للبيع استهل ابراهيم سليم النجار افتتاحيـة العدد 61 الــصادر في 8 ايلول (سبتمبر) 1921 بالقول إن في فلسطين حركة إفساد حديثة العهد يبرأ منها العقلاء الي ربهم، يجب أن تقطع عروقها، يقوم بها أناس استأجرهم الطامع الغاضب لإضرام نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد واللغة الواحـدة وخــدمة لأغراض أجنبية ومطامع ذاتية، نود اليوم أن توجه اليها الأنظار، وان نكـشف الســتر عن خــفاياها لــيقف العقلاء علي سرّها ويعلم أهل هذه البلاد الي أين يُساقون . من هو الطامع؟ وما هي الأغراض الأجنبية؟ أجاب الكابت في سياق الافتتاحية ان الأمة العربية كانت تؤلف كتلة واحدة في عهد الدولـة العثمانية تمتد من خليج العجم الي عريش مصر، وان فلسطين كانت وما برحت قطعة من سـورية تربطها بها روابط لا تتجزأ. فلما وضعت الحرب أوزارها وعلمت الحكومة الفرنسية ان لا سبيل لتأييد نفوذها في سورية إلا بتجزئة البلاد السورية، قسمتها الي الأقسام التي يــعرفــها الـــقراء، ثم وضعت الكمامة علي أفواه الصحف السورية الحرة إسكاتاً لها. غير ان هذا العمل الذي يراد به محاربة الحركة العربية والسـياسة الانكــليزية بصــفة خاصة، يحتاج الي لباقة كبيرة ومهارة في ادخاله علي عقول البسطاء من الناس. فبأي ستر يتسترون وبأي صورة يظهرون للــبلوغ من الســـياسة الانكــليزية أولاً وبالتالي من أصــدقائها؟ لا يحتاج المرء الي ذكاء نادر للجواب عن هذا الـسؤال. فقد وجدوا القضية الصهيونية حـاضرة فتستروا بسترها ليرموا من ورائـها خــصوم مستأجريهم بكل فرية وكل تهــمة . وبالــطبع لم تنج لسان العرب من الاتهام. فاتـهموها بأنها لسـان حـال الحــكومة، وانها أنشئت بأموالها. فضاقت حليتهم في مقاتلة جريدة عربية وطنية مقاوِمة للصهيونية ولكنها غير سبّابة وغير نهّاشة للأعراض. وكل ذلك لأننا أنــشأنا في هذه المدينة جريدة يومية وطنية النزعة جميلة الأحرف نظيفة الطبع حسنة الورق صادقة المبدأ عربــية الروح جــيدة اللغة تحسن اختيار مواضيعها. وقد كانوا يودون، بل يدفعون، علي فقرهم، مئة ليرة لو أصدرناها صهيونية رديئة الطبع سيئة اللغة . قبل الانتقال الي افتتاحية أخري في صحيفة لسان العرب التي صدر عددها الأول في مدينة القدس في 24 حزيران (يونيو) 1921، لا بأس من مناقشة صاحبها اللبناني ابراهيم النجار الذي أصدر صحف عدة في القاهرة منذ مطلع القرن العشرين، اضافة الي اللواء البيروتية و لسان العرب المقدسية. قبيل انتقاله من القاهرة الي القدس، كتب النجار مقالاً في المقطّم بتاريخ 28 حزيران 1919 تبنّي فيه ما ردده دعاة الصهيونية بالحرف وهو ان الاسرائيليين مثل السوريين والأرمن والتشيكوسلوفاك وغيرهم من الشعوب، يلزمهم أيضاً أن يرجع اليهم وطنهم فلسطين القديم الذي له تـاريخ خصوصي منفصل عن سورية، كما ان لـسورية تاريخاً خصوصياً منفصلاً عن فلسطين . صحيح انه لم ينشر في صحيفته المقدسية كلاماً مباشراً يؤيد فيه المشروع الصهيوني كالذي نشره في المقــطم قبل عامين، ولكن متهميه الذين لم ينسوا كتاباته في الجريدة القاهرية الشهيرة الواسعة الانتشار، انطلقوا في اتهامهم من معطي آخر وهو موالاته للانكليز الذين وعدوا اليهود بوطن قومي لهم في فلسطين خلال الحرب العالمية الأولي، وبدأوا يساعدونهم في تنفيذ ذلك الوعد منذ اليوم الأول الذي احتلت جيوشهم فلسطين في نهاية الحرب. ولعل أغرب ما ورد في دفاع النجار اتهامه الفرنسيين وحدهم في تجزئة سورية أو بلاد الشام واحتلالها. والحقيقة ان قرار التجزئة السرّي اتخذ من قبل باريس ولندن وموسكو قبيل الثورة البلشفية. وفي حين انسحبت روسيا الشيوعية من الاتفاق الثلاثي، استمرت فرنسا وبريطانــيا العــظمي تتشبثان به علي رغم معارضة الولايات المتحدة في عهد الرئيس ولسن. وهو ما أصـبح يُعرف بـ اتفاقية سايكس بيكو . لم يتراجع النجاح عن نهجه التطبيعي في صحيفته علي رغم ضراوة حملات خصومه الذين رفضوا الاستيطان اليهودي برمته. وها هو في افتتاحية 11 آذار (مارس) 1922 يثني علي المشروع التطبيعي المتمثل في مسودة الدستور الذي وضعه المنتدِب البريطاني ووافق عليه الوفد الفلسطيني . يقول النجار في القسم الأول من الافتتاحية التي احتلت كامل الصفحة الأولي: يذكر قراء اللسان ان هذه الجريدة (الصهيونية) تفردت دون أخـواتها كلها، من الساعة الأولي، بتأييد الوفد وتحبيذ صنعه . يضيف ان الدفاع عن الحقوق لا يقوم بالشغب أو بإحداث المشاغب والتشويق عليها، بل بمثل عمل أعضائنا في لندن. فلقد أحـسنوا الي اليـوم الصنع في بيان خطتهم السلمية الودية ورغبتهم في التوفيق بين أبناء جميع العناصر في فلسطين . والطريف ان النجار، وهو الصحافي البارع، لا يتردد في تبني صفة الصهيونية لجريدته التي أطلقها خصومه، ولكنه يضعها بين هلالين، مما يعني أنها ليست بريئة وحسب، بل هي وطــنية، ولكن بعيداً من التطرف. وإذا كان صاحب لسان العرب ورئيـس تحـريرها حذرا في التعبير عن نهجه التطبيعي كأن يستعمل عبارة جميع العناصر في فلــسطين بدلاً من تسمية تلك العناصر ومنها بيت القصيد أي اليهود، فإنه غير متحفظ أبداً في موالاته للانكليز. ولنأخذ عدد 4 شباط (فبراير) 1922 علي سبيل المثال. احتل مكان الافتتاحية التي تستــغرق الصـفحة الأولي خبران انكليزيان تُوّجا بالعنوانين الآتيين: اللورد نورثكليف ضيف القدس و زيارة جريدة الدايلي مايل في لندن . ولنختم هذه العجالة بما ورد في الخبر الأول أو بالأحري التعليق عليه: الأمم الضعيفة تحيا بقوة معنوياتها فوق حياتها بقوتها المادية الضئيلة التي لا تملكها حرّة مطلقة. وهذه القوة المعنوية انما تتم بمصادقة دولة كبيرة كإنكـلترا والإخلاص لها. فالأمة الانكليزية هي صديقة العرب، والصحافة الانكليزية هي مرشدة شقيقتها العبرية، عنها تأخذ وفي سبيلها تسير. فالبلاد العربية التي اشتركت مع الحلفاء في هذه الحرب لبلوغ استقلالها وحريتها، تأمل بمساعدة إنكلترا أخيراً . يبقي أن النجار الذي رحل قــبل أن يشــهد كيف ان الصهاينة الذين ظهروا في العشرينات دعاة تطبيع وسلام في فلسطين رفضوا السلام والتطبيع في ما بعد... وشهد قبل عشر سنوات من رحــيله كيف ان انكلترا صديقة العرب حــرصــت عــلي توفير كل الشروط التي تحقق وعد وزير خارجيتها اللورد بلفور، قبل ان تطوي صفحة الانتداب في فلسطين.
صحيفة الكرمل الحيفاوية و صحيفة الحياة المقدسية
13 ـ صحيفة الكرمل الحيفاوية لصاحبها اللبناني نجيب نصار كان بإمكان اللبناني نجيب نصار أن يصدر في بيروت جريدة باسم بلدته عين عنوب أو باسم أية مدينة أو دسكرة لبنانية، فقد ذاق طعم السلطة الرابعة، يوم كان طالباً في الجامعة الأميركية البيروتية في مطلع القرن العشرين، وهو طعم حلو مهما بلغت درجة مرارته. ولكن نصّار الذي وعي مخاطر الحركة الصهيونية باكراً، صمّم علي محاربتها في عقر الدار التي قطعت شوطاً في استيطانها. وهكذا، ما إن تخرّج من الجامعة حتي ودّع الأهل في لبنان، لينتقل الي فلسطين، ويصدر باكورة دوريات مدينة حيفا في غرة العام 1909. وإذا كانت الكرمل أولي الدوريات الحيفاوية في القياس الزمني، فهي أيضاً وأولاً باكورة جرائد ومجلات فلسطين التي التزمت الدفاع عن عروبة فلسطين عبر فضح خطة الاستيطان اليهودي ومحاربته. لم تتوافر أعداد السنوات الأولي من الكرمل في مركز الدراسات الفلسطينية ولا في أي مكتبة عامة أخري كالجامعة الأميركية. ولكن الكراس المعنون الصهيونية والمطبوع في مطبعة الكرمل بشارع دير الروم، حيفا، سنة 1911 يؤكد أن نجيب الخوري نصّار قد ركب ذلك المركب الخشن منذ العدد الأول من صحيفته، بدليل ما ورد في مستهل الكراس. قال الكاتب في الأسطر الأولي من كراسته: دلتنا الأبحاث التي دارت في مجلس الأمة حول المسألة الصهيونية ان حقيقتها ما زالت مجهولة. وأن الذين يديرون دفّة السياسة في الآستانة ليس لهم وقوف تام علي أهمية حركة الصهيونيين رغم كل ما كتبناه نحن وغيرنا عنها. فبينما نحن نتوقع من مجلس الأمة أن يعيّن لجنة خصوصية يكل إليها درس تاريخ الصهيونيين والبحث عن غرضهم وسبر غور أهمية حركتهم وعلاقتها بحياة الدولة والأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذا بالصدر الأعظم حقي باشا يقول علي منبر الأمة: ليست الصهيونية سوي رواية، وما القائمون بها إلا أفراد متهوسون. فراعنا هذا الاقتناع . طبعاً، لم يؤثر رأي رئيس وزراء السلطنة العثمانية التي كانت فلسطين تابعة لها، برأي نصّار، بدليل متابعته في الكرمل الرد علي الصهاينة والمتعاونين معهم أو الذين لم يعوا خطرهم. في العدد 422 الصادر في 17 نيسان (ابريل) 1914، يؤكّد صاحب الكرمل ومحررها ومديرها المسؤول في مستهلّ الافتتاحية ان الصهيونية خطر عظيم علي فلسطين وأهلها، بل علي الأمة العربية والدولة العثمانية، إذا بقي الفلسطينيون خصوصاً والعرب عموماً جامدين نائمين لا يعملون علي حفظ كيانهم ودفع الخطر الذي ينازعهم بقاءهم في سلب وطنهم، لأن الصهيونية تبقي تمتد وتنتشر بلا ممانع، وكلما كثر عدد المستعمرات الصهيونية قلّ عدد الأهلين في الداخلية، فلا يبقي وطن ولا رزق للأهلين فيغادرون . يضيف في العمود الرابع من الافتتاحية التي احتلت الصفحة الأولي كاملة: بهذه المناسبة أقول للكتبة المموّهين الذين يكذبون علي الحقيقة ويقولون إن الصهيونيين قرروا ان يتفقوا مع العرب ليعيشوا معهم باتفاق، كيف توفقون بين أقوالكم التمويهية وأعمالكم؟ أي مزرعة اشتريتم وأبقيتم علي واحد من أهلها العرب فيها؟ وهل تدلّونا علي قومكم الذين يدخلون مخازن الوطنيين ويشترون منها كما نفعل نحن مع تجاركم؟ إني أعتب علي جريدة كبيرة معتبرة كالمقطم كيف تقبل علي نفسها نشر هذه التمويهات التي لا نشك أنها لا تنطلي علي العالمين الكبيرين والوطنيين العظيمين نمر وصروف . ويذكر ان الدكتورين فارس نمر ويعقوب صروف وشريكهما شاهين مكاريوس وافقوا علي نشر مقالات نسيم ملّول وغيره من الكتّاب الصهاينة. ولكن اللّوم يقع في الدرجة الأولي علي فارس نمر الذي كان رئيس تحرير المقطم ففي حين تفرّغ صروف لمجلة المقتطف ومكاريوس للمجلة الماسونية اللطائف المصورة إضافة الي مشاركته في تحرير الجريدة. كان نصّار معجباً بالفيلسوف الاجتماعي الدكتور شبلي شميّل. ومع ذلك، فهو لم يتردد في توجيه نقد لاذع له بسبب مقال نشره في الأهرام وندد فيه بخصوم الصهيونية الذين اتهمهم بالرومنسية، وبرّر استيطان اليهود لفلسطين انطلاقاً من نظرية الأرض ميراث المجتهد . قال نصار لشميّل في سياق ردّه: قلت إنك تكتب ما تكتبه انتصاراً للأرض. فإن كنت أيها الفيلسوف شغوفاً بهذا المقدار علي الجماد، أليس الأحري بك أن تشفق علي أخيك وابن أمتك وتسعي بنفسك لعمران وطنه . أضاف متوقفاً أمام المنحي الاشتراكي الإنساني الذي كان شميّل من دعاته إذ اتهم في ضوئه خصوم الصهيونية بالقومية الشوفينية: متي رفعت الفوارق من بين البشر وأبطلت القوميات والعصبيات وجمعت الناس تحت راية واحدة، يمكنك حينئذ ان تلوم خصوم الصهيونية إذا انتصروا لقومهم ووطنهم. ولكن ما دام العصر عصر قوميات فمن الخطل لوم عنصر مدافع خدمة لآخر مهاجم . ولم يكن رد نصّار علي نجيب سرسق أقل ضراوة من الرد علي شميّل، بسبب بيعه 11 قرية في مرج ابن عامر للصهيونيين. قال الناقد: كنا نتوقع من بعد الاحتلال أن يتمثل سرسق وغيره من اغنيائنا المحترمين بأغنياء اليهود ويناصروا الوطنية والوطنيين كما يناصر زعماء اليهود الصهيونية. كنا نتوقع أن يشرع سرسق من بعد الاحتلال بعمليات زراعية فنية في مزارعه، وأن يفتح لها مدرسة زراعية ليرقي الفلاح فناً ومادة ويستفيد هو فوائد كبري من زراعته، وإذا به يهتم بكل قواه ليبيع هذه القرايا للذين ينازعون قومه البقاء في وطنهم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً . وانتقد نصار في العدد نفسه الصادر في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1920 صحيفة التايمز البريطانية بسبب مطالبتها فرنسا تعديل الحدود بين لبنان وفلسطين لأن الحد الذي يلائم الفرنساويين يحرم فلسطين من الوصول الي مياه الليطاني ويجعل شواطئ بحيرة طبريا الشرقية تابعة لسوريا . ولم يخل الرد من السخرية حيث استدل الناقد من لهجة الصحيفة البريطانية أنها مخلصة كل الإخلاص للقضية الصهيونية، وأنها تتطلب كل شيء صالح لها بقطع النظر عن مصالح الغير . يبقي نجيب عازوري الذي كان يقيم في القاهرة ويترأس تحرير جورنال دي كير الفرنسية اللغة. فقد أعاد نصّار في 6 حزيران (يونيو) 1914 نشر رد عازوري علي رفيق العظم الذي دعا الي عقد مؤتمر سلام بين العرب والصهيونيين، وتساءل في سياقه: كيف نتفق مع قوم يقررون في مؤتمراتهم أنهم يعملون لإيجاد وطن يهودي في فلسطين؟ وكيف يمكن الاتفاق معهم وهم لا يريدون ان يتحولوا عن امتلاك فلسطين؟ إن اتفاق العرب والصهيونيين مستحيل . وكان عازوري الذي كشف الخطر الصهيوني عام 1905، احتل افتتاحية الكرمل في 10 نيسان 1914، رد فيها مداورة علي الباب العالي لمؤازرته الاستيطان اليهودي لفلسطين، حيث قال: يا قومي: الجامعة الصهيونية هي التي رفعت شأن العلم الصهيوني من العدم. فلماذا قومية العرب لا تعلي العلم الوطني العثماني في وطنها، ولماذا يترك العرب مجالاً لقومية غريبة في بلادهم؟ لا أقول هذا لاعتقادي أن قومي مجردون من كل مزية. حاشا. فإني أعترف بوجود قوات عظيمة كامنة في أمتي ولكنها محتاجة الي تكوين وتنظيم. وأنا لا أطلب إلا إيقاظ هذه القوي... لذلك اقترحت مراراً عقد مؤتمر لا صهيوني في مدينة نابلس يبحث أولاً في إيجاد الجامعة العربية علي العموم والفلسطينية علي الخصوص . وكان عازوري قد نوّه في مستهل الافتتاحية بمرضه الذي منعه الأطباء بسببه عن المطالعة والكتابة . والظاهر أنه كان مصاباً بمرض خطير، بدليل أنه توفي بعد أقل من عامين وهو في عنفوان شبابه.
[/align]