رد: رواية تبحث عن مؤلف
[align=justify]
تابع
أدار وجهه إلى الحائط و استسلم للنوم .. أحلام و كوابيس انهالت عليه .. رأى نادرة تنظر إليه من بين السحاب متوسلة ألا يتركها بينما كان السحاب يبتلعها إلى أعلى .. ثم تراءى له الأولاد شعثا غبرا وهم يمدون إليه أيديهم مستعطفين ، لكنه كان لا ينبس ببنت شفة و لا يحرك ساكنا .. جامدا وكأن قدميه غاصت في الأرض وتفرعت جذورا .. تبدلت نظرات الأولاد إليه شزرا لكن درية ظلت على توسلاتها قبل أن تغيبها الغيوم .. عندئذ لمع البرق وقصف الرعد وتعالت الصيحات .. صراخ و بكاء وعويل .. فتح عينيه ليجد الكل مشتبكين بالأيدي و الدماء تلطخ الوجوه والجدران :
- توقفوا – صاح بوهن – ألا تستحيون و أنتم أهل ؟
لكن صيحاته ونداءاته ذهبت أدراج الرياح .. نهض متحاملا على نفسه و ارتدى ثيابه ثم تسلل خارجا دون أن يلقي أحد بالا لخروجه .. حتى الممرضة لم تكلف نفسها عناء النظر إليه بسبب انشغالها كباقي الممرضات .. وهرولتها فزعة مما يحدث .. هاهو الآن خارج المشفى .. إلى أين ؟.. هل يذهب إلى البيت ؟ خيل إليه أن الطريق لم يعد مألوفا لديه ، و أن عليه الابتعاد قدر الإمكان عن هذا المكان المحتقن .. لم لا يذهب إلى القرية المجاورة ويرتاح هناك قليلا عند خال الأولاد .. أخي نادرة من امها ؟ .. ربما يأنس للحديث معه رغم الجفاء الذي طبع علاقتهما منذ وفاة الأب وعدم حضور أمجد الجنازة ، ثم ما تلا ذلك من زواج ثان للخال وانتقاد أخته له نظرا للعلاقة المميزة بينها وبين زوجته الأولى .. أمجد نفسه كان ممن حملوا حملة عشواء على هذا الزواج الذي وصفه بتصرف نزق و طائش ..
كان السكون يسود الطريق وهو يخطو حثيثا نحو القرية .. لكنه انتبه إلى أشخاص يهرولون بين الفينة والأخرى في هذا الاتجاه أو ذاك . واستمر في مشيه لا يبالي بمن يقبل أو يدبر .. لكن تناهى إلى مسامعه وقع خطوات ولهاث .. التفت ليجد الممرضة مقبلة نحوه وقد علا وجهها القنوط و الإرهاق .. سألها :
- ماذا بك وإلى أين أنت ذاهبة هكذا ؟
لم تجب ، وجلست على صخرة بجانب الطريق تلهث .. انتظر طويلا قبل أن تقول :
- هي النهاية .. ولا شك .. المدينة على فوهة بركان .
- لم ؟ ما الذي حدث ؟
- الاشتباك صار قتالا .. والضحايا بالعشرات .. تركت كل فريق يستنجد بعشيرته وأهله .
- لكنهم أهل ..
- لم يعودوا كذلك .. وسوف ترى أن القرية ذاتها لن تكون في مأمن .
ينظر أمجد إلى الأفق .. ما الذي يحدث ؟ .. كان يفكر في أن المشكلة تخصه وحده فإذا بالمصائب تشتعل كالنار في الهشيم ..
- و ما الذي نويت على فعله أنت ؟ و إلى أين تقصدين يا .. تشرفيني باسمك ؟
صمتت برهة قبل أن تجيب متنهدة :
- زهرة .. اسمي زهرة .. لا أدري .. قصدت القرية مؤقتا ربما لأنني رأيتك متجها إليها .. سأرى إن كنت سأجد ملاذا أخر ..
- في الحقيقة .. لا أدري إن كنت سأقدر على مساعدتك .. أنا نفسي لا أعلم هل سأجد من يستضيفني ..
- لا عليك .. شكرا على شهامتك .
يستشف من صوتها رنة نادرة .. أين أنت يا نادرة ؟.. وهنا وقف شعر رأسه .. هل يصيب نادرة و الأولاد مكروه ؟.. هل يتركهم لمصيرهم وهو في مأمن ولو إلى حين ؟ .. توقف ، فنظرت إليه ظهره مستفهمة ..
- تركت عيالي ولا معين لهم ..
- لا بأس ... عليك بالعودة و اصطحابهم معك .. أنا سأكمل لوحدي .
- أبدا .. سوف أوصلك حتى القرية .. هيا بنا .
[/align]
|