قراءة قصيدة " احملوني إلى الحبيب وروحوا''
للمرحوم فضيلة الشيخ الشاعر // عمر الرافعي
أقول أولا لهذه الذرى الروحية البهية أن تهبنا فرصة الاستمتاع والمتعة بهذا الوجد والصب النقي اللامع البراق .
فعلا فالقصيدة استحوذت لطيف العقل والفهم لتحرض يراع الروح على هذا الرفد الوجداني الثر .. الصافي.
-د // رجاء بنحيدا -
من أين أبدأ قراءة القصيدة الرائعة " احملوني إلى الحبيب وروحوا" لفضيلة الشيخ الشاعر عمر الرافعي؟؟ ، سؤال احترت في الإجابة عنه لشدة انبهاري بهذه الذرى الروحية البهية السامية المتلاحمة اللامعة بمدح خير الورى والإشادة بفضائله وبشائره .
سأبدأ بالعنوان ، والعنوان كما هو معلوم جزء لا يتجزأ من النص حيث به يكتمل العمل الأدبي
، وها هنا به يختم الشاعر عمر الرافعي قصيدته ، "فنجد نصين مشتركين متلاحمين (الجسد والعنوان) الأول طويل والثاني قصير وموجز ...
" احملوني إلى الحبيب وروحوا"هو خطاب أدبي قصير mini récit يتموقع فوق سطح النص ويطل عليه من الداخل بماء الروح والوجدان الصوفي المنبعث من هذه المعاني والبؤر الدلالية السامية والنبيلة ..
"احملوني إلى الحبيب وروحوا" هو اشتياق وغوص وعمق صوفي بفعل لغوي و شعري صريح.
هو شوق مكابد وصب مجهد من أجل إزاحة المسافة السرمدية والوصول إلى الراحة الأبدية ...
"حَلَّ فيهِ روحُ الوجودِ فَمَنْ بِنُـ
كرِ مَحْيا جسـم وفيهِ الرُّوحُ
حَلَّ فيـهِ فكانت الرُّوحُ تَلقى
كُلُّ روحٍ تَغدُو بـها و تَروحُ
نادِ مُسْتَشْـفِعاً و لُذْ مُستجيراً
وارجُ مُسْتَمْنِحاً فَطَهَ السَّـميحُ
وَترامَ في بابِهِ فهو بابُ اللَّـ
ـهِ و اللهُ بـابُـهُ مَـفتـوحُ
و تَحقـق منه القَبولَ بـِفَتْحٍ
.لَيسَ بعدَ القبـولِ إلاَّ الفُتُـوحُ"
هكذا هو شعر العاشق المتعب الذي أضناه الفراق والفصال وتاق إلى اللقاء والوصال ، هو شعر فيه مزج بين غبطة رائعة وبين حزن شفاف يرافق نفس الشاعر الملهمة من المهد إلى اللحد رغبة في نيل راحة الروح التواقة إلى الارتقاء.. ونيل الفوز العظيم.
آهِ لـو بِتُّ ليلـةً مُسْـتَريحاً
مِن عَـنائي أَوَّاهُ لَوْ أسْـتَريـحُ
برَّحَ الوجـدُ بي فقلبي عَليلُ
وغَـرامي ذاكَ الغَرامُ الصَّحيحُ
فالمطلق مفتوح والفراق ... عذاب وألم ، والغرام الصحيح الصادق يجدد الروح وينأى عنها العلة ويضفي عليها نفحا وتضوعا وتألقا وإشعاعا ،كيف لا ، وخير الورى هو روح الوجود وبه يحلو الثنا ويطيب المدح .. هو مدح نافع مُربحٌ للنفس والروح إذ هو إشباعٌ لمسغبة هذا العشق .. الصافي ، إذ به ترتوي النفس الظمأى والروح العطشى ويضيق الفسيح ويُزاح النوى....
فهذه الذرى الروحانية تنبض فيها الحركة والحياة والإبداع ،من شاعر فصيح العبارة كثير التشقيق ،مديد النفس ،مبدع في السجع الذي تأنس النفس به ويجنح إليه الميل ،لما فيه من حلاوة وطلاوة وسماحة ورونق إذ وقع في القصيدة سهلا متيسرا ،بلا كلفة ولا مشقة.
احملوني إلى الحبيبِ و رُوحوا*****واطرحوني في بابه واستريحوا
(( احملوني - اطرحوني )) (( روحوا- استريحوا ))
فالسجع قد تحقق من اتفاق وحدتين صوتيتين في آخر حرف فيهما ، فاللفظتين ((روحوا - استريحوا)) قد وقع في جملتين مستقلتين لكنهما موصولتان حققتان تكاملا في المعنى وتماثلا في المبنى ، فجاء البيت الأول في مطلع القصيدة مصرعا تصريعا كاملا وهوأعلى التصريع درجة ،إذ يمكن أن يكون كل بيت مستقلا في فهم معناه غير محتاج إلى صاحبه الذي يليه .
وسأتوقف عند هذا البيت المصرع الذي جاء بصيغة الأمر ، والذي خرج عن مقتضى الظاهر من معنى الإلزام والاستعلاء والتنفيذ إلى معنى تصوير حالة نفس الشاعر في فعل '' احملوني '' فالأمر هنا خرج إلى معنى طلب الرحلة والراحة السرمدية ..
ففعل الأمر " احملوني " هو اشتهاء النفس إلى الارتقاء الأعلى ، إلى الأعلى فالأعلى ، هو دفع إلى الفيء الحقيقي ..
سجع وتصريع، ووفاء للمعنى، ووفاء للحب ،والعشق الصافي ،وتجاوب مع النفس ،ومتعة للفكر، وراحةٌ للنفس ... هكذا هي أبيات الشيخ الفاضل عمر الرافعي .. كأنها قطعة موسيقية ،تحرك الوجدان الصافي، وتكشف الباطن الراقي ،والشوق الرابض في قلب الشاعر .. بلغة شعرية تحاور الذات العاشقة المتعبة ،وهي تبحث عن الراحة النفسية والروحية في رحاب ... الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام.
و حَبيبي وهُوَ الذي في عُلاه**لا يُـدانيـهِ آدمٌ و ألمسـيـحُ
مَلأَ الكَونَ نُـورُهُ فَهُـوَ ماحٍ***ظُلْمَـةَ الجَهلِ بالهدى و مُزيحُ
ملأ الكَـونَ مُعْجزاتٍ فَمِنهـا****كانَ بالـرُّعْبِ نَصْرُه الممنوحُ
نطقَ الذئبُ والغزالَةُ والضَّـ ****.ـبُّ وكُلٌ منه اللسـان فصيحُ
واسـتَجارَ البعيرُ حينَ رآهُ ***كذا الجزْعُ أَنَّ و هو يَنـوحُ
نَبَعَ الماءُ من يَدَيْهِ فـأرْوى*****ظَمَـأَ الجيشِ شَـفَّهُ التَّبريـحُ
وانتَضى العودَ يومَ بَدرٍ فَعا ****دَ العُودُ سَـيْفاً و كمْ بِهِ مَذبوحُ
هُوَ رُوحُ الوجودِ والكُلُّ فيهِ ***قَدْ سَـرَت بالجَمالِ تلكَ الروحُ
يا أبـا الطيِّبِ الذي فيـهِ طِبْنا ***بك طابَ الثَّنا و طابَ المديحُ
أقول : القصيدة تتجاذبها قوة الثنائيات الحب والشوق، المحبة والصب ، الشكوى والضنى ، الظمأ و الارتواء ، القرب والابتعاد ، النوى و اللقاء .
وهي قوة فجرت طاقة لغوية من الداخل فجاءت متفوقة، مكتملة من حيث القول الشعري والإيقاع ..
إن شَكَوْتُ الضنى وبُحتُ بِسِرّي ***رُبَّ مُضنىً بِسـرّه قد يبوحُ
لَمْ أُطِق للنّوى اصطِباراً فَجُدْ لي***باللِّقا بلسـماً فقلبي جريـحُ
جُدْ بقُربي واجمع عليكَ جميعي ***بَعُدَتْ شُقَّتي و ضاقَ الفسيحُ
وانتصر لي على العِدَى بِدُعاءٍ ***مُسْتَجابٍ فأنتَ في القَوْمِ نوحُ
إيهِ يا سَـعدُ قَدْ سَـعِدنا بطَه****كُلُّ فَضلٍ من فَضلـهِ ممنوحُ
طِبْ بطَه قلباً فَطَهَ الذي طـا ***بتْ به طَيْبَةٌ و طابَ الضَّريحُ
بقلم د // رجاء بنحيدا .
-يُــــــتــــبــــع -