- -
يقول ابن طباطبا في عيار الشعر : " وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه ، وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه ، فإذا جمع للفهم مع صحة وزن الشعر صحةُ المعنى ، وعذوبة اللفظ، فصفا مسموعه، ومعقوله من الكدر ، ثم قبوله له، واشتماله عليه " -١-
وفي القصيدة التي بين أيدينا نجد صواب الوزن ، وحسن التركيب واعتدال الأجزاء وصحة المعنى وعذوبة اللفظ وكلها مقاييس للجودة والقبول والأثر الجميل لوقع الحركات والسكنات في النفس .
وأقول أن للإيقاع بلاغة أخرى إضافية تحققت في القصيدة من خلال الألفاظ المسجوعة ، والجناس ( الصبَّ ، صب ٌّ-الغرامُ ، غرامي -العودَ ، العودُ - الروح ، روح ٍ- طاب ، طاب - فضل بابِه ، بابُهُ - القبولَ - القبولِ )
فالجناس يعتمد على الكلمة ومعانيها المعجمية الحقيقية والأخرى المكتسبة التي بدونها يغيب التجانس ويغيب الوقع ولا يكتمل الإيقاع .
وبحضورها وتأكيدها يصل الشاعر إلى درجة الإبداع والتفرد وصحة المعنى ويتولد الإيقاع الوفي للمعنى المحافظ عليه ..وبحضورهما يحضر المعنى ويتولد الإيقاع ...
إذن فالجناس مكون لغوي هام داخل النسيج الإيقاعي مادام يحمل في صورته هذا التشابه والتماثل والإيضاح الذي يعين على إغناء الإيقاع وتنويعه وتحريك النفوس وتطريبها " إن للنفوس في تقارن المتماثلات وتشافعها، والمتشابهات والمتضادات وما جرى من مجراها ،تحريكا وإبلاغا بالانفعال إلى مقتضى الكلام ، لأن تناصر الحسن في المستحسن المتماثلين والمتشابهين أمكن من النفس موقعا من سُنوحِ ذلك في شيء واحد " ٢-
القصيدة التي بين أيدينا كائن حي " يعيد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها ، ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووقاها " ٣-، فهو نص إبداعي يحمل بين كلماته وأبياته دلالات ومعاني وصور صادقة نابضة بالصب والمحبة تجعلك تدخل في حوار مستمر دائم معه وفي كل سؤال تجد جوابا مقنعا شافيا مانعا ، لذا فالنص لا يقبل القراءة الواحدة بل يتطلب أكثر من قراءة ، وأكثر من أداة وإجراء لإعادة حواره واكتشافه في ضوئها ....
وأخيرا فإن قراءتي تبقى محاولة، ومحاورة صادقة لنص إبداعي ،كُتب بمداد صافٍ نقيٍّ طاهر.
********************************** ********************************* *************************
١- ابن طباطبا : عيار الشعر ص52 تحقيق د/محمد زغلول سلام ط1984م.
٢- حازم القرطاجني : منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص 46.
٣-أسرار البلاغة ص5-