|  15 / 08 / 2008, 19 : 07 PM | رقم المشاركة : [1] | 
	| مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث  ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان 
 | 
				
				جِداريَّة محمود درويش
			 
 [align=CENTER][table1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/8.gif');"][cell="filter:;"][align=right]هذا هُوَ اسمُكَ /
 قالتِ امرأةٌ ،
 وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ…
 أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي .
 ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ
 طُفُولَةٍ أَخرى . ولم أَحلُمْ بأني
 كنتُ أَحلُمُ . كُلُّ شيءٍ واقعيٌّ . كُنْتُ
 أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً…
 وأَطيرُ . سوف أكونُ ما سأَصيرُ في
 الفَلَك الأَخيرِ .
 
 وكُلُّ شيء أَبيضُ ،
 البحرُ المُعَلَّقُ فوق سقف غمامةٍ
 بيضاءَ . والَّلا شيء أَبيضُ في
 سماء المُطْلَق البيضاءِ . كُنْتُ ، ولم
 أَكُنْ . فأنا وحيدٌ في نواحي هذه
 الأَبديَّة البيضاء . جئتُ قُبَيْل ميعادي
 فلم يَظْهَرْ ملاكٌ واحدٌ ليقول لي :
 (( ماذا فعلتَ ، هناك ، في الدنيا ؟ ))
 ولم أَسمع هُتَافَ الطيِّبينَ ، ولا
 أَنينَ الخاطئينَ ، أَنا وحيدٌ في البياض ،
 أَنا وحيدُ …
 لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ .
 لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا
 أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ
 الهواجس . لم أَجد أَحداً لأسأل :
 أَين (( أَيْني )) الآن ؟ أَين مدينةُ
 الموتى ، وأَين أَنا ؟ فلا عَدَمٌ
 هنا في اللا هنا … في اللازمان ،
 ولا وُجُودُ
 وكأنني قد متُّ قبل الآن …
 أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني
 أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما
 ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ
 ما أُريدُ …
 سأصيرُ يوماً ما أُريدُ
 سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها
 إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتابَ …
 كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من
 تَفَتُّح عُشْبَةٍ ،
 لا القُوَّةُ انتصرتْ
 ولا العَدْلُ الشريدُ
 سأَصير يوماً ما أُريدُ
 سأصير يوماً طائراً ، وأَسُلُّ من عَدَمي
 وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ
 اقتربتُ من الحقيقةِ ، وانبعثتُ من
 الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين ، عَزَفْتُ
 عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ
 رحلتي الأولى إلى المعنى ، فأَحْرَقَني
 وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ
 الطريدُ .
 سأَصير يوماً ما أُريدُ
 سأَصير يوماً كرمةً ،
 فَلْيَعْتَصِرني الصيفُ منذ الآن ،
 وليشربْ نبيذي العابرون على
 ثُرَيَّات المكان السُكَّريِّ !
 أَنا الرسالةُ والرسولُ
 أَنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ
 سأَصير يوماً ما أُريدُ
 هذا هُوَ اسمُكَ /
 قالتِ امرأةٌ ،
 وغابتْ في مَمَرِّ بياضها .
 هذا هُوَ اسمُكَ ، فاحفظِ اسْمَكَ جَيِّداً !
 لا تختلفْ مَعَهُ على حَرْفٍ
 ولا تَعْبَأْ براياتِ القبائلِ ،
 كُنْ صديقاً لاسمك الأُفُقِيِّ
 جَرِّبْهُ مع الأحياء والموتى
 ودَرِّبْهُ على النُطْق الصحيح برفقة الغرباء
 واكتُبْهُ على إحدى صُخُور الكهف ،
 يااسمي : سوف تكبَرُ حين أَكبَرُ
 سوف تحمِلُني وأَحملُكَ
 الغريبُ أَخُ الغريب
 سنأخُذُ الأُنثى بحرف العِلَّة المنذور للنايات
 يا اسمي: أَين نحن الآن ؟
 قل : ما الآن ، ما الغَدُ ؟
 ما الزمانُ وما المكانُ
 وما القديمُ وما الجديدُ ؟
 سنكون يوماً ما نريدُ
 لا الرحلةُ ابتدأتْ ، ولا الدربُ انتهى
 لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ
 كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ
 ولم نعرف من الأزهار غيرَ شقائقِ النعمانِ ،
 فلنذهب إلى أَعلى الجداريات :
 أَرضُ قصيدتي خضراءُ ، عاليةُ ،
 كلامُ الله عند الفجر أَرضُ قصيدتي
 وأَنا البعيدُ
 أَنا البعيدُ
 في كُلِّ ريحٍ تَعْبَثُ امرأةٌ بشاعرها
 - خُذِ الجهةَ التي أَهديتني
 الجهةَ التي انكَسَرتْ ،
 وهاتِ أُنوثتي ،
 لم يَبْقَ لي إلاّ التَأمُّلُ في
 تجاعيد البُحَيْرَة . خُذْ غدي عنِّي
 وهاتِ الأمس ، واتركنا معاً
 لا شيءَ ، بعدَكَ ، سوف يرحَلُ
 أَو يَعُودُ
 - وخُذي القصيدةَ إن أَردتِ
 فليس لي فيها سواكِ
 خُذي (( أَنا )) كِ . سأُكْملُ المنفى
 بما تركَتْ يداكِ من الرسائل لليمامِ .
 فأيُّنا منا (( أَنا )) لأكون آخرَها ؟
 ستسقطُ نجمةٌ بين الكتابة والكلامِ
 وتَنْشُرُ الذكرى خواطرها : وُلِدْنا
 في زمان السيف والمزمار بين
 التين والصُبَّار . كان الموتُ أَبطأَ .
 كان أَوْضَح . كان هُدْنَةَ عابرين
 على مَصَبِّ النهر . أَما الآن ،
 فالزرُّ الإلكترونيُّ يعمل وَحْدَهُ . لا
 قاتلٌ يُصْغي إلى قتلى . ولا يتلو
 وصيَّتَهُ شهيدُ
 من أَيِّ ريح جئتِ ؟
 قولي ما اسمُ جُرْحِكِ أَعرفِ
 الطُرُقَ التي سنضيع فيها مَرّتيْنِ !
 وكُلُّ نَبْضٍ فيكِ يُوجعُني ، ويُرْجِعُني
 إلى زَمَنٍ خرافيّ . ويوجعني دمي
 والملحُ يوجعني … ويوجعني الوريدُ
 في الجرّة المكسورةِ انتحبتْ نساءُ
 الساحل السوريّ من طول المسافةِ ،
 واحترقْنَ بشمس آبَ . رأيتُهنَّ على
 طريق النبع قبل ولادتي . وسمعتُ
 صَوْتَ الماء في الفخّار يبكيهنّ :
 عُدْنَ إلى السحابة يرجعِ الزَمَنُ الرغيدُ
 قال الصدى :
 لاشيء يرجعُ غيرُ ماضي الأقوياء
 على مِسلاَّت المدى … [ ذهبيّةٌٌ آثارُهُمْ
 ذهبيّةٌٌ ] ورسائلِ الضعفاءِ للغَدِ ،
 أَعْطِنا خُبْزَ الكفاف ، وحاضراً أَقوى .
 فليس لنا التقمُّصُ والحُلُولُ ولا الخُلُودُ
 قال الصدى :
 وتعبتُ من أَملي العُضَال . تعبتُ
 من شَرَك الجماليّات : ماذا بعد
 بابلَ؟ كُلَّما اتَّضَحَ الطريقُ إلى
 السماء ، وأَسْفَرَ المجهولُ عن هَدَفٍ
 نهائيّ تَفَشَّى النثرُ في الصلوات ،
 وانكسر النشيدُ
 خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ عالية ٌ…
 تُطِلُّ عليَّ من بطحاء هاويتي …
 غريبٌ أَنتَ في معناك . يكفي أَن
 تكون هناك ، وحدك ، كي تصيرَ
 قبيلةً…
 غَنَّيْتُ كي أَزِنَ المدى المهدُورَ
 في وَجَع الحمامةِ ،
 لا لأَشْرَحَ ما يقولُ اللهُ للإنسان ،
 لَسْتُ أَنا النبيَّ لأَدَّعي وَحْياً
 وأُعْلِنَ أَنَّ هاويتي صُعُودُ
 وأَنا الغريب بكُلِّ ما أُوتيتُ من
 لُغَتي . ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف
 الضاد ، تخضعني بحرف الياء عاطفتي ،
 وللكلمات وَهيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ
 كوكباً أَعلى . وللكلمات وَهيَ قريبةٌ
 منفى . ولا يكفي الكتابُ لكي أَقول :
 وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب .
 وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ
 الآخرين . وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم
 أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ ،
 هل أَنا الفَرْدُ الحُشُودُ ؟
 وأَنا الغريبُ . تَعِبْتُ من ” درب الحليب ”
 إلى الحبيب . تعبتُ من صِفَتي .
 يَضيقُ الشَّكْلُ . يَتّسعُ الكلامُ . أُفيضُ
 عن حاجات مفردتي . وأَنْظُرُ نحو
 نفسي في المرايا :
 هل أَنا هُوَ ؟
 هل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْرِي من الفصل
 الأخيرِ ؟
 وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض ،
 أَم فُرِضَتْ عليَّ ؟
 وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدَّوْرَ
 أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها
 لتعيش ما بعد الحداثة ، بعدما
 انْحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ
 وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ ؟
 وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ :
 هل أَنا هُوَ ؟
 هذه لُغَتي . وهذا الصوت وَخْزُ دمي
 ولكن المؤلِّف آخَرٌ…
 أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ
 أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ
 أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ :
 اكتُبْ تَكُنْ !
 واقرأْ تَجِدْ !
 وإذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ ، يَتَّحِدْ
 ضدَّاكَ في المعنى …
 وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدُ
 بَحَّارَةٌ حولي ، ولا ميناء
 أَفرغني الهباءُ من الإشارةِ والعبارةِ ،
 لم أَجد وقتاً لأعرف أَين مَنْزِلَتي ،
 الهُنَيْهةَ ، بين مَنْزِلَتَيْنِ . لم أَسأل
 سؤالي ، بعد ، عن غَبَش التشابُهِ
 بين بابَيْنِ : الخروج أم الدخول …
 ولم أَجِدْ موتاً لأقْتَنِصَ الحياةَ .
 ولم أَجِدْ صوتاً لأَصرخَ : أَيُّها
 الزَمَنُ السريعُ ! خَطَفْتَني مما تقولُ
 لي الحروفُ الغامضاتُ :
 ألواقعيُّ هو الخياليُّ الأَكيدُ
 يا أيها الزَمَنُ الذي لم ينتظِرْ …
 لم يَنْتَظِرْ أَحداً تأخَّر عن ولادتِهِ ،
 دَعِ الماضي جديداً ، فَهْوَ ذكراكَ
 الوحيدةُ بيننا ، أيَّامَ كنا أَصدقاءك ،
 لا ضحايا مركباتك . واترُكِ الماضي
 كما هُوَ ، لا يُقَادُ ولا يَقُودُ
 ورأيتُ ما يتذكَّرُ الموتى وما ينسون …
 هُمْ لا يكبرون ويقرأون الوَقْتَ في
 ساعات أيديهمْ . وَهُمْ لايشعرون
 بموتنا أَبداً ولا بحياتهِمْ . لا شيءَ
 ممَّا كُنْتُ أو سأكونُ . تنحلُّ الضمائرُ
 كُلُّها . ” هو ” في ” أنا ” في ” أَنت ” .
 لا كُلٌّ ولاجُزْءٌ . ولا حيٌّ يقول
 لميِّتٍ : كُنِّي !
 .. وتنحلُّ العناصرُ والمشاعرُ . لا
 أَرى جَسَدي هُنَاكَ ، ولا أُحسُّ
 بعنفوان الموت ، أَو بحياتيَ الأُولى .
 كأنِّي لَسْتُ منّي . مَنْ أَنا ؟ أَأَنا
 الفقيدُ أَم الوليدُ ؟
 الوقْتُ صِفْرٌ . لم أُفكِّر بالولادة
 حين طار الموتُ بي نحو السديم ،
 فلم أكُن حَيّاً ولا مَيْتاً،
 ولا عَدَمٌ هناك ، ولا وُجُودُ
 تقولُ مُمَرِّضتي : أَنتَ أَحسَنُ حالا ً.
 وتحقُنُني بالمُخَدِّر : كُنْ هادئاً
 وجديراً بما سوف تحلُمُ
 عما قليل …
 رأيتُ طبيبي الفرنسيَّ
 يفتح زنزانتي
 ويضربني بالعصا
 يُعَاونُهُ اثنانِ من شُرْطة الضاحيةْ
 رأيتُ أَبي عائداً
 من الحجِّ ، مُغمىً عليه
 مُصَاباً بضربة شمسٍ حجازيّة
 يقول لرفِّ ملائكةٍ حَوْلَهُ :
 أَطفئوني ! …
 رأيتُ شباباً مغاربةً
 يلعبون الكُرَةْ
 ويرمونني بالحجارة : عُدْ بالعبارةِ
 واترُكْ لنا أُمَّنا
 يا أَبانا الذي أخطَأَ المقبرةْ !
 رأيت ” ريني شار ”
 يجلس مع ” هيدغر ”
 على بُعْدِ مترين منِّي ،
 رأيتهما يشربان النبيذَ
 ولا يبحثان عن الشعر …
 كان الحوار شُعَاعاً
 وكان غدٌ عابرٌ ينتظرْ
 رأيتُ رفاقي الثلاثَةَ ينتحبونَ
 وَهُمْ
 يَخيطونَ لي كَفَناً
 بخُيوطِ الذَّهَبْ
 رأيت المعريَّ يطرد نُقَّادَهُ
 من قصيدتِهِ :
 لستُ أَعمى
 لأُبْصِرَ ما تبصرونْ ،
 فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي
 إلى عَدَمٍ …. أَو جُنُونْ
 رأيتُ بلاداً تعانقُني
 بأَيدٍ صَبَاحيّة : كُنْ
 جديراً برائحة الخبز . كُنْ
 لائقا ً بزهور الرصيفْ
 فما زال تَنُّورُ أُمِّكَ
 مشتعلاً ،
 والتحيَّةُ ساخنةً كالرغيفْ !
 خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ . نهرٌ واحدٌ يكفي
 لأهمس للفراشة : آهِ ، يا أُختي ، ونَهْرٌ واحدٌ يكفي لإغواءِ
 الأساطير القديمة بالبقاء على جناح الصَّقْر ، وَهْوَ يُبَدِّلُ
 الراياتِ والقممَ البعيدةَ ، حيث أَنشأتِ الجيوشُ ممالِكَ
 النسيان لي . لاشَعْبَ أَصْغَرُ من قصيدته . ولكنَّ السلاحَ
 يُوَسِّعُ الكلمات للموتى وللأحياء فيها ، والحُرُوفَ تُلَمِّعُ
 السيفَ المُعَلَّقَ في حزام الفجر ، والصحراء تنقُصُ
 بالأغاني ، أَو تزيدُ
 لاعُمْرَ يكفي كي أَشُدَّ نهايتي لبدايتي
 أَخَذَ الرُّعَاةُ حكايتي وتَوَغَّلُوا في العشب فوق مفاتن
 الأنقاض ، وانتصروا على النسيان بالأَبواق والسَّجَع
 المشاع ، وأَورثوني بُحَّةَ الذكرى على حَجَرِ الوداع ، ولم
 يعودوا …
 رَعَويَّةٌ أَيَّامنا رَعَويَّةٌ بين القبيلة والمدينة ، لم أَجد لَيْلاً
 خُصُوصِيّاً لهودجِكِ المُكَلَّلِ بالسراب ، وقلتِ لي :
 ما حاجتي لاسمي بدونكَ ؟ نادني ، فأنا خلقتُكَ
 عندما سَمَّيْتَني ، وقتلتَني حين امتلكتَ الاسمَ …
 كيف قتلتَني ؟ وأَنا غريبةُ كُلِّ هذا الليل ، أَدْخِلْني
 إلى غابات شهوتك ، احتضنِّي واعْتَصِرْني ،
 واسفُك العَسَلَ الزفافيَّ النقيَّ على قفير النحل .
 بعثرني بما ملكتْ يداك من الرياح ولُمَّني .
 فالليل يُسْلِمُ روحَهُ لك يا غريبُ ، ولن تراني نجمةٌ
 إلاّ وتعرف أَنَّ عائلتي ستقتلني بماء اللازوردِ ،
 فهاتِني ليكونَ لي - وأَنا أُحطِّمُ جَرَّتي بيديَّ -
 حاضِريَ السعيدُ
 - هل قُلْتَ لي شيئاً يُغَيِّر لي سبيلي ؟
 - لم أَقُلْ . كانت حياتي خارجي
 أَنا مَنْ يُحَدِّثُ نفسَهُ :
 وَقَعَتْ مُعَلَّقتي الأَخيرةُ عن نخيلي
 وأَنا المُسَافِرُ داخلي
 وأَنا المُحَاصَرُ بالثنائياتِ ،
 لكنَّ الحياة جديرَةٌ بغموضها
 وبطائرِ الدوريِّ …
 لم أُولَدْ لأَعرفَ أَنني سأموتُ ، بل لأُحبَّ محتوياتِ ظلِّ
 اللهِ
 يأخُذُني الجمالُ إلى الجميلِ
 وأُحبُّ حُبَّك ، هكذا متحرراً من ذاتِهِ وصفاتِهِ
 وأِنا بديلي …
 أَنا من يُحَدِّثُ نَفْسَهُ :
 مِنْ أَصغر الأشياءِ تُولَدُ أكبرُ الأفكار
 والإيقاعُ لا يأتي من الكلمات ،
 بل مِنْ وحدة الجَسَدَيْنِ
 في ليلٍ طويلٍ …
 أَنا مَنْ يحدِّثُ نَفْسَهُ
 ويروِّضُ الذكرى … أَأَنتِ أَنا ؟
 وثالثُنا يرفرف بيننا ” لا تَنْسَيَاني دائماً ”
 يا مَوْتَنا ! خُذْنَا إليكَ على طريقتنا ، فقد نتعلَّمُ الإشراق …
 لا شَمْسٌ ولا قَمَرٌ عليَّ
 تركتُ ظلِّي عالقاً بغصون عَوْسَجَةٍ
 فخفَّ بِيَ المكانُ
 وطار بي روحي الشَّرُودُ
 أَنا مَنْ يحدِّثُ نفسَهُ :
 يا بنتُ : ما فَعَلَتْ بكِ الأشواقُ ؟
 إن الريح تصقُلُنا وتحملنا كرائحة الخريفِ ،
 نضجتِ يا امرأتي على عُكَّازَتيَّ ،
 بوسعك الآن الذهابُ على ” طريق دمشق ”
 واثقةً من الرؤيا . مَلاَكٌ حارسٌ
 وحمامتان ترفرفان على بقيَّة عمرنا ، والأرضُ عيدُ …
 الأرضُ عيدُ الخاسرين [ ونحن منهُمْ ]
 نحن من أَثَرِ النشيد الملحميِّ على المكان ، كريشةِ النَّسْرِ
 العجوز خيامُنا في الريح . كُنَّا طيِّبين وزاهدين بلا تعاليم
 المسيح . ولم نكُنْ أَقوى من الأعشابِ إلاّ في ختام
 الصَيْفِ ،
 أَنتِ حقيقتي ، وأَنا سؤالُكِ
 لم نَرِثْ شيئاً سوى اسْميْنَا
 وأَنتِ حديقتي ، وأَنا ظلالُكِ
 عند مفترق النشيد الملحميِّ …
 ولم نشارك في تدابير الإلهات اللواتي كُنَّ يبدأن النشيد
 بسحرهنَّ وكيدهنَّ . وكُنَّ يَحْمِلْنَ المكانَ على قُرُون
 الوعل من زَمَنِ المكان إلى زمان آخرٍ …
 كنا طبيعيِّين لو كانت نجومُ سمائنا أَعلى قليلاً من
 حجارة بئرنا ، والأَنبياءُ أَقلَّ إلحاحاً ، فلم يسمع مدائحَنا
 الجُنُودُ …
 خضراءُ ، أرضُ قصيدتي خضراءُ
 يحملُها الغنائيّون من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ كما هِيَ في
 خُصُوبتها .
 ولي منها : تأمُّلُ نَرْجسٍ في ماء صُورَتِهِ
 ولي منها وُضُوحُ الظلِّ في المترادفات
 ودقَّةُ المعنى …
 ولي منها : التَّشَابُهُ في كلام الأَنبياءِ
 على سُطُوح الليلِ
 لي منها : حمارُ الحكمةِ المنسيُّ فوق التلِّ
 يسخَرُ من خُرافتها وواقعها …
 ولي منها : احتقانُ الرمز بالأضدادِ
 لا التجسيدُ يُرجِعُها من الذكرى
 ولا التجريدُ يرفَعُها إلى الإشراقة الكبرى
 ولي منها : ” أَنا ” الأُخرى
 تُدَوِّنُ في مُفَكِّرَة الغنائيِّين يوميَّاتها :
 (( إن كان هذا الحُلْمُ لا يكفي
 فلي سَهَرٌ بطوليٌّ على بوابة المنفى … ))
 ولي منها : صَدَى لُغتي على الجدران
 يكشِطُ مِلْحَهَا البحريَّ
 حين يخونني قَلْبٌ لَدُودُ …
 أَعلى من الأَغوار كانت حكمتي
 إذ قلتُ للشيطان : لا . لا تَمْتَحِنِّي !
 لا تَضَعْني في الثُّنَائيّات ، واتركني
 كما أَنا زاهداً برواية العهد القديم
 وصاعداً نحو السماء ، هُنَاكَ مملكتي
 خُذِ التاريخَ ، يا ابنَ أَبي ، خُذِ
 التاريخَ … واصنَعْ بالغرائز ما تريدُ
 وَلِيَ السكينةُ . حَبَّةُ القمح الصغيرةُ
 سوف تكفينا ، أَنا وأَخي العَدُوّ ،
 فساعتي لم تَأْتِ بَعْدُ . ولم يَحِنْ
 وقتُ الحصاد . عليَّ أَن أَلِجَ الغيابَ
 وأَن أُصدِّقَ أوَّلاً قلبي وأتبعَهُ إلى
 قانا الجليل . وساعتي لم تأتِ بَعْدُ .
 لَعَلَّ شيئاً فيَّ ينبُذُني . لعلِّي واحدٌ
 غيري . فلم تنضج كُرومُ التين حول
 ملابس الفتيات بَعْدُ . ولم تَلِدْني
 ريشةُ العنقاء . لا أَحَدٌ هنالك
 في انتظاري . جئْتُ قبل ، وجئتُ
 بعد ، فلم أَجد أحداً يُصَدِّق ما
 أرى . أنا مَنْ رأى . وأَنا البعيدُ
 أَنا البعيدُ
 مَنْ أَنتَ ، يا أَنا ؟ في الطريقِ
 اثنانِ نَحْنُ ، وفي القيامة واحدٌ .
 خُذْني إلى ضوء التلاشي كي أَرى
 صَيْرُورتي في صُورَتي الأُخرى . فَمَنْ
 سأكون بعدَكَ ، يا أَنا ؟ جَسَدي
 ورائي أم أَمامَكَ ؟ مَنْ أَنا يا
 أَنت ؟ كَوِّنِّي كما كَوَّنْتُكَ ، ادْهَنِّي
 بزيت اللوز ، كَلِّلني بتاج الأرز .
 واحملني من الوادي إلى أَبديّةٍ
 بيضاءَ . عَلِّمني الحياةَ على طريقتِكَ ،
 اختَبِرْني ذَرَّةً في العالم العُلْوِيِّ .
 ساعِدْني على ضَجَر الخلود ، وكُنْ
 رحيماً حين تجرحني وتبزغ من
 شراييني الورودُ …
 لم تـأت سـاعـتُنا . فـلا رُسُـلٌ يَـقِـيـسُـونَ
 الزمانَ بقبضة العشب الأخير . هل استدار ؟ ولا ملائكةٌ
 يزورون المكانَ ليتركَ الشعراءُ ماضِيَهُمْ على الشَّفَق
 الجميل ، ويفتحوا غَدَهُمْ بأيديهمْ .
 فغنِّي يا إلهتيَ الأثيرةَ ، ياعناةُ ،
 قصيدتي الأُولى عن التكوين ثانيةً …
 فقد يجدُ الرُّوَاةُ شهادةَ الميلاد
 للصفصاف في حَجَرٍ خريفيّ . وقد يجدُ
 الرعاةُ البئرَ في أَعماق أُغنية . وقد
 تأتي الحياةُ فجاءةً للعازفين عن
 المعاني من جناح فراشةٍ عَلِقَتْ
 بقافيةٍ ، فغنِّي يا إلهتيَ الأَثيرةَ
 يا عناةُ ، أَنا الطريدةُ والسهامُ ،
 أَنا الكلامُ . أَنا المؤبِّنُ والمؤذِّنُ
 والشهيدُ
 ما قلتُ للطَّلَلِ : الوداع . فلم أَكُنْ
 ما كُنْتُ إلاّ مَرَّةً . ما كُنْتُ إلاّ
 مرَّةً تكفي لأَعرف كيف ينكسرُ الزمانُ
 كخيمة البدويِّ في ريح الشمال ،
 وكيف يَنْفَطِرُ المكانُ ويرتدي الماضي
 نُثَارَ المعبد المهجور . يُشبهُني كثيراً
 كُلُّ ما حولي ، ولم أُشْبِهْ هنا
 شيئاً . كأنَّ الأرض ضَيِّقَةٌ على
 المرضى الغنائيِّين ، أَحفادِ الشياطين
 المساكين المجانين الذين إذا رأوا
 حُلْماً جميلاً لَقَّنُوا الببغاءَ شِعْر
 الحب ، وانفتَحتْ أَمامَهُمُ الحُدُودُ …
 وأُريدُ أُن أُحيا …
 فلي عَمَلٌ على ظهر السفينة . لا
 لأُنقذ طائراً من جوعنا أَو من
 دُوَارِ البحر ، بل لأُشاهِدَ الطُوفانَ
 عن كَثَبٍ : وماذا بعد ؟ ماذا
 يفعَلُ الناجونَ بالأرض العتيقة ؟
 هل يُعيدونَ الحكايةَ ؟ ما البدايةُ ؟
 ما النهايةُ ؟ لم يعد أَحَدٌ من
 الموتى ليخبرنا الحقيقة … /
 أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض ،
 انتظرني في بلادِكَ ، ريثما أُنهي
 حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي
 قرب خيمتكَ ، انتظِرْني ريثما أُنهي
 قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد . يُغْريني
 الوجوديّون باستنزاف كُلِّ هُنَيْهَةٍ
 حريةً ، وعدالةً ، ونبيذَ آلهةٍ … /
 فيا مَوْتُ ! انتظرني ريثما أُنهي
 تدابيرَ الجنازة في الربيع الهَشّ ،
 حيث وُلدتُ ، حيث سأمنع الخطباء
 من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين
 وعن صُمُود التينِ والزيتونِ في وجه
 الزمان وجيشِهِ . سأقول : صُبُّوني
 بحرف النون ، حيث تَعُبُّ روحي
 سورةُ الرحمن في القرآن . وامشوا
 صامتين معي على خطوات أَجدادي
 ووقع الناي في أَزلي . ولا
 تَضَعُوا على قبري البنفسجَ ، فَهْوَ
 زَهْرُ المُحْبَطين يُذَكِّرُ الموتى بموت
 الحُبِّ قبل أَوانِهِ . وَضَعُوا على
 التابوتِ سَبْعَ سنابلٍ خضراءَ إنْ
 وُجِدَتْ ، وبَعْضَ شقائقِ النُعْمانِ إنْ
 وُجِدَتْ . وإلاّ ، فاتركوا وَرْدَ
 الكنائس للكنائس والعرائس /
 أَيُّها الموت انتظر ! حتى أُعِدَّ
 حقيبتي : فرشاةَ أسناني ، وصابوني
 وماكنة الحلاقةِ ، والكولونيا ، والثيابَ .
 هل المناخُ هُنَاكَ مُعْتَدِلٌ ؟ وهل
 تتبدَّلُ الأحوالُ في الأبدية البيضاء ،
 أم تبقى كما هِي في الخريف وفي
 الشتاء ؟ وهل كتابٌ واحدٌ يكفي
 لِتَسْلِيَتي مع اللاَّ وقتِ ، أمْ أَحتاجُ
 مكتبةً ؟ وما لُغَةُ الحديث هناك ،
 دارجةٌ لكُلِّ الناس أَم عربيّةٌ
 فُصْحى/
 .. ويا مَوْتُ انتظرْ ، ياموتُ ،
 حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع
 وصحّتي ، لتكون صيَّاداً شريفاً لا
 يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع . فلتكنِ العلاقةُ
 بيننا وُدّيَّةً وصريحةً : لَكَ أنَتَ
 مالَكَ من حياتي حين أَملأُها ..
 ولي منك التأمُّلُ في الكواكب :
 لم يَمُتْ أَحَدٌ تماماً ، تلك أَرواحٌ
 تغيِّر شَكْلَها ومُقَامَها /
 يا موت ! ياظلِّي الذي
 سيقودُني ، يا ثالثَ الاثنين ، يا
 لَوْنَ التردُّد في الزُمُرُّد والزَّبَرْجَدِ ،
 يا دَمَ الطاووس ، يا قَنَّاصَ قلب
 الذئب ، يا مَرَض الخيال ! اجلسْ
 على الكرسيّ ! ضَعْ أَدواتِ صيدكَ
 تحت نافذتي . وعلِّقْ فوق باب البيت
 سلسلةَ المفاتيح الثقيلةَ ! لا تُحَدِّقْ
 يا قويُّ إلى شراييني لترصُدَ نُقْطَةَ
 الضعف الأَخيرةَ . أَنتَ أَقوى من
 نظام الطبّ . أَقوى من جهاز
 تَنَفُّسي . أَقوى من العَسَلِ القويّ ،
 ولَسْتَ محتاجاً - لتقتلني - إلى مَرَضي .
 فكُنْ أَسْمَى من الحشرات . كُنْ مَنْ
 أَنتَ ، شفَّافاً بريداً واضحاً للغيب .
 كن كالحُبِّ عاصفةً على شجر ، ولا
 تجلس على العتبات كالشحَّاذ أو جابي
 الضرائبِ . لا تكن شُرطيّ سَيْرٍ في
 الشوارع . كن قويّاً ، ناصعَ الفولاذ ، واخلَعْ عنك أَقنعةَ
 الثعالب . كُنْ
 فروسياً ، بهياً ، كامل الضربات . قُلْ
 ماشئْتَ : (( من معنى إلى معنى
 أَجيءُ . هِيَ الحياةُ سُيُولَةٌ ، وأَنا
 أكثِّفُها ، أُعرِّفُها بسُلْطاني وميزاني )) .. /
 ويامَوْتُ انتظرْ ، واجلس على
 الكرسيّ . خُذْ كأسَ النبيذ ، ولا
 تفاوِضْني ، فمثلُكَ لا يُفاوِضُ أَيَّ
 إنسانٍ ، ومثلي لا يعارضُ خادمَ
 الغيبِ . استرح … فَلَرُبَّما أُنْهِكْتَ هذا
 اليوم من حرب النجوم . فمن أَنا
 لتزورني ؟ أَلَدَيْكَ وَقْتٌ لاختبار
 قصيدتي . لا . ليس هذا الشأنُ
 شأنَكَ . أَنت مسؤولٌ عن الطينيِّ في
 البشريِّ ، لا عن فِعْلِهِ أو قَوْلِهِ /
 هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها .
 هزمتك يا موتُ الأغاني في بلاد
 الرافدين . مِسَلَّةُ المصريّ ، مقبرةُ الفراعنةِ ،
 النقوشُ على حجارة معبدٍ هَزَمَتْكَ
 وانتصرتْ ، وأِفْلَتَ من كمائنك
 الخُلُودُ …
 فاصنع بنا ، واصنع بنفسك ما تريدُ
 وأَنا أُريدُ ، أريدُ أَن أَحيا …
 فلي عَمَلٌ على جغرافيا البركان .
 [/align][/cell][/table1][/align]
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
 | 
    |  | 
	|   |   |