22 / 07 / 2015, 47 : 08 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
أديب روائي
|
محمد زفزاف.. الكاتب الكبير
محمد زفزاف.. الكاتب الكبير
إدريس الملياني
عُرِف السي محمد زفزاف بلقب «الكاتب الكبير»، وهو، فعلاً، كاتب كبير، إبداعاً وإمتاعاً، في حياة الكتابة وكتابة الحياة والناس والأشياء. كاتب مبدع ومجدد في القصة والرواية.
وكاتب ممتع في حياته اليومية، التي كانت مفتوحة على كل الصداقات والعلاقات. وكاتب متنوع، بدأ شاعراً رومانسياً جميلاً، في مطلع الستينيات، ثم سرعان ما تألّق قاصاً وروائياً، علاوة على كتابة المقالة الأدبية والترجمة عن الفرنسية لكثير من النصوص الشعرية والسردية والزوايا الصحافية والحوارات الثقافية، المقروءة والمسموعة والمرئية، التي كان فيها جميعاً مثقفاً وأديبا واعياً ورقيقاً وعميقاً وصريحاً إلى أبعد الحدود، لم يجامل ولم يتحامل. الكاتب الكبير إنسان بسيط ومتواضع، عاش قريباً من الناس وبين الناس في أي مكان.
وكثيراً ما كان يعاني في حياته الخاصة، مع الوظيفة، مع المرأة، وأحياناً، حتى من بعض الصداقات والعلاقات. ولكنه حوّلَ تلك المعاناة إلى أدب إبداعي رفيع. كانت شخصيته الإبداعية والاجتماعية مستقلة ومقبلة على الحياة ومؤثرة وفاعلة في المغرب الثقافي، بوجه عام.
كانت لي معه، كغيري، من أصدقائه الكتاب، صداقة حميمة وقوية وصادقة ومتتبادلة التّحابّ والإعجاب، خلال سنين طويلة، منذ أيام الدراسة الثانوية، قبل عام الباكلوريا (1965)، حين كنا في جمعية «روّاد القلم»، التي كنتُ أحد أعضائها من الشعراء والكتاب الشباب، نستدعيه إلى أنشطتها الثقافية وإلى أمسياتها القصصية والشعرية. هو أيضاً كان ما يزال شاباً، ولكنه كان «نجم» القصة القصيرة، إلى جانب نجوم آخرين، من كتّابها الكبار والكثر، وليسوا خمسة أو ستة أسماء فقط، كما يحلو للبعض أن يذكروا عادة...
بعد ذلك، توطدت عرى الصداقة داخل اتحاد الكتاب، وفي بيته وفضاءات أخرى كثيرة، في الجوار، داخل المغرب أو في باريس عند المرور إلى بغداد. ومنذ الستينيات إلى وفاته الفاجعة، كانت لي معه ذكريات كلها جميلة، لم يُكدّر صفوَها أي شيء، على الإطلاق.
أجريتُ معه حواراً نُشر في الملحق الثقافي لجريدة «البيان». وكتبت عنه شهادة أدبية عاشقة منشورة ألقيتُها، بحضوره، في حفل تكريمي له كان لي شرف تسييره باسم المكتب المركزي لاتحاد الكتاب. ورثيتُه بقصيدة يحمل كل مقطع منها عنوان بعض مجاميعه القصصية، كمجموعته الأولى «حوار في ليل متأخر» أو عنوان أقصوصته «أن نحلم بموسكو»، وبطلتها صديقة كتاب المغرب، المترجمة والمستعربة الروسية أولغا فلاسوفا، التي كانت له معها صداقة قوية، وكلما جاءت إلى المغرب، كانت تزوره في بيته في «المعاريف». وفي بيت الصديقة أولغا فلاسوفا في موسكو، رأيت صورته تتصدر صور بعض كتاب وفناني المغرب، مثل محمد القاسمي وآخرين.
في مطلع السبعينيات، تجشم عناءَ البحث عني طويلاً، حتى وجدني في إحدى الثانويات أثناء تصحيح امتحانات الباكلوريا، من أجل قصيدة الأنطولوجيا عن الشعر المغربي، ترجمها مع صديق له فرنسي، كانت بعنوان «المعرفة» مكتوبة أثناء محاكمة الشهيد عمر بنجلون، وقد اختارها بنفسه من ديوان «في مدار الشمس رغم النفي»، الصادر في عام 1974. ورغم شهرته الواسعة، كان زفزاف يرتاد المقاهي الشعبية ويركب الحافلات ويسير بين الناس في الطرقات والأسواق.
في صباح ذات يوم، وجدتُه في مكتب مدير المركز التربوي الجهوي، في درب غلف، الصديق والرفيق أحمد سالم لطافي، الذي انهال عليّ بالعتاب، لأنني لم أفعل شيئاً، لإعفاء الكاتب الكبير، بادي المرض والعياء والشحوب، من عناء العمل في مكتبة إعدادية قريبة، ومن سؤال الخروج والدخول اليومي الممل والرتيب والحسيب والرقيب لأبي الهول المقعي أمام كل باب، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى منح الكاتب الكبير حق التفرغ بطلب من اتحاد الكتاب، قدّمتُه بنفسي لديوان وزير التربية والتعليم مولاي إسماعيل العلوي.
ومن الصعب حصر أسماء الكتاب الأقارب والأجانب الذين صادقوا وعاشروا الكاتب الكبير محمد زفزاف، المغربي والعربي والعالمي، الذي تُرجمت بعض أعماله إلى عدة لغات وكانت موضوعاً لدراسات نقدية وأطروحات جامعية كثيرة. وكان جديراً بلقب الكاتب الكبير وجديراً بأكثر مما ناله في حياته من تكريم وتقدير، وهو جدير، أكثر فأكثر بعد رحيله، باستعادة ذاكرته الإبداعية المضيئة والخالدة باستمرار الحياة.
محمد زفزاف
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|