رسالة إلى طفل فلسطيني قادم
[align=justify]
إلى طفل فلسطيني سيأتي ذات يوم وفي يده قلم وعلم وأغنية ، وفي عينيه فضاء باتساع العالم .. إليك وحدك اكتب ، يا من أراك في البعيد ، ولا تراني .. وحين تأتى حاملا عمرك الندي ، تجد منا بقايا في كتاب ما ، أو ذكرى محفورة على صخرة في جبل الكرمل . أو ربما يا صديقي الذي لا أعرفه ، وحبيبي الذي لا أستطيع تخيل ملامحه ، ربما لا تجد من يذكرنا .. يكفي ساعتها أن تكون الأرض هناك ، والعلم الفلسطيني يرفرف عاليا ، عندها لا يهم كثيرا أن نكون في الذاكرة أو لا نكون، فنحن مجرد عاشقين في زمن كان عليه أن يقيس المسافة بين الروح والقلب في حضور الوطن ، حين جاء الغزاة ووقفوا على سياج الزمن واخذوا يلوكون افتراء العابرين ، فظلوا عابرين !!..
أيها الطفل الذي يأتي ذات يوم وفي يده وردة من نور وضوء شفيف ..
تذكر أننا كنا شهداء من الميلاد حتى الوداع .. كان كل واحد منا يحمل الوطن في القلب كي يكون اكبر من كل الأمنيات .. تذكر واذكر أننا ما استطعنا أن نسقط هوية الشمس في مستنقع الظلام ، فحوصرنا وذقنا المر مرات ، وما هنّا .. كان علينا أن نحمل حيفا إلى حيفا ، والقدس إلى القدس ، وفلسطين إلى فلسطين .. أرادوا أن يسلخوا الجلد والروح والقلب كي نكون فلسطينيين دون فلسطين ، وفلسطينيين منفيين ، فرفضنا ، وحملنا الكفن قصيدة وشهادة كي لا يقال إننا تركنا لكم هزيمة القلب والعمر والحياة ..
عرفنا يا صديقي أننا مطلوبون ملاحقون مطاردون في زمن صار فيه صاحب الحق متهما ، والجزار حمامة سلام !!.. ووقفنا .. ثم يا صديقي ذبحنا مرات .. باعونا في سوق الركوع والخنوع مرات .. لكننا كنا اكبر منهم ، كنا كما نريد نحن ، لا كما يريدون .. تذكر أن هذه الأرض التي تقف عليها شربت من دمنا حتى ارتوت ألف مرة .. تذكر أن رجالنا كانوا رجالا .. أن نساءنا كنّ الخنساء ، كل واحدة منهن كانت الخنساء على طريقتها .. وان أطفالا مثلك ، في عمرك ، كانوا يحملون على أكتافهم وطنا ويتحدون ويقاتلون ويرفعون الرأس في شموخ يعجز الوصف أمامه .. تذكر يا صديقي أن أرضك هذه ما هانت وما عرفت المهانة ، لأن الشباب والصبايا والأطفال كانوا قادرين على أن يكونوا قذيفة وشهادة واستشهادا لا يعرف الحدود .. هؤلاء زرعوا الرعب في قلوب العابرين فآثر هؤلاء العابرون ترك الوطن لأهله .. أهلك تعلموا من جبال فلسطين كيف يكون الصمود والرسوخ والثبات ، وعلموا جبال فلسطين كيف يبادلونها الحب ، فكانت فلسطين لك وحدك ..
أيها القادم الذي لا تعرف عني شيئا أو ربما تعرف بعض شيء .. زمننا يا صديقي كان صعبا ومرا وقاسيا ، لكن كان علينا أن نصل إليك في زمنك هذا كي تكون كما أنت الآن تنعم بخير بلادك ، وترفع رأسك بشموخ حتى السماء فوق تراب بلادك .. كان علينا أن نحبك قدر استطاعتنا كي تعيش طفولتك لا كما عاشها أطفال الزمن الذي نحن فيه .. أردنا أن يعود أبوك من عمله حاملا حبات برتقال لا محمولا ملفوفا بعلم ودم .. أردنا أن ترضعك أمك دون أن تشعر بالخوف الواقف وراء الباب .. فقدمنا الأرواح شموع زمن قادم ، هو زمنك أنت ، لا كي تقول كانوا ، لكن يا حبيبي كي تعيش مثل بقية الناس في الدنيا ..
أيها الطفل الذي سيأتي ذات يوم .. حاول أن تقرأ قليلا في دفاتر حبنا وعشقنا لهذه الأرض .. حاول أن تعرف كم كان التراب غاليا وكم كان علينا أن نقدم له ومن اجله كي نعطيك يومك هذا .. يا صديقي ربما تصل رسالتي لك وأنت الآن تكتب قصيدة لحبيبتك .. لا أريد أن آخذ من وقتك كثيرا ، لكن بالله عليك قل لها ، أخبرها ، أننا عشقنا هذه الأرض حتى الامتلاء والارتواء .. وقل لها يا حبيبي : في زمن ما ، كان أهلنا زاد الأرض وخبزها ، وأخبرها أننا في عبير كل وردة نطل عليكم كي نقول لكم كم هو رائع أن تصلوا إلى هنا ، وكم هو رائع أن نصل إليكم وإن في كلمة..
طلعت سقيرق
12/6/2003
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|