[د.مرتضى بابكر الفاضلابي]

بسم الله الرحمن الرحيم

د. مرتضى بابكر الفاضلابي

أبوهشيم: صمود الحمام في وجه العقارب

في العام 2005 ذهبت إلى قرية أبو هشيم إحدى قرى محلية أبو حمد بجمهورية السودان معلما بالمرحلة الثانوية بعد معاناة كبيرة مع الرمال والاوحال وبين صعود وهبوط تارة ندفع ذلك البص المتهالك وتارة نحفر بأيدينا ونبعد الرمال عن عجلاته لنصل الى تلك القرية عند مغيب الشمس وجدنا حينها الطلاب يستعدون لأداء صلاة المغرب شعور بالرهبة انتابني وأنا انظر إلى تلك الجدران وتلك المباني التي تضج بالشكوى من قدر الزمان .
قرية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة لا يوجد فيها غير بضع ـ دكاكين ـ وهذه ـ الدكاكين ـ خالية إلا من السلع الأساسية من سكر وزيت وشاي وغيرها من الأشياء الكمالية ، مازلت أذكر تلك الضحكة المجلجه التي اطلقها صاحب الدكان حينما طلبنا منه ـ باردا ـ فرد علينا قائلا : " البارد ده إلا يجي الشتاء ونشربو من الزير " فالقرية لم يعرف التيار الكهربائي ولا شبكة المياه طريقه اليها فمازالوا يعتمدون على المولدات التقليدية في إنارة المنازل ومازالت الحيوانات وسيلة لنقل مياه الشرب لهم في كثير من الاحيان .
أما في ناحيه الصحه فالمركز الصحي اشبه بالبيت المهجور متهالك المباني تساقط جداره الخارجي لا يوجد به طبيب ، يشرف عليه أحد ممرضي القرية مازلت اذكر تلك الحادثة التي أصيب فيها أحد الطلاب بسكين وكانت الدماء تنزف غزيرة من جرحه فحملناه لذلك الممرض الذي وقف عاجزا فلا بنج ولا قطن ولاشاش ، ذهبنا إلى ذلك الرجل المسن الذي يطلق عليه لقب الحكيم مقرونا باسمه ولكن نظره لم يكن يسعفه ناهيك عن اسعافه لشخص أخر حملناه وذهبنا به إلى مركز صحي أخر يبعد حوالي 14 كيلو متر تقريبا فكتب الله له عمرا جديدا .
وللعقارب قصة ولضحايا العقارب الف قصة وقصة فقد توفي الكثيرون بسببها فأهالي تلك القرية والقرى التي بالقرب منها يقيسون كبر وضخامة العقرب بعدد الحمام الذي تقتله فحينما تلدغ العقرب أحدهم يأتون بالحمامه ويقوموا بتعرية صدرها من الريش ووضعها على مكان لدغة العقرب وما هي سوى دقائق حتى تلفظ الحمامة بعدها أنفاسها ثم ينظر للملدوغ أن كان مازال يحس بأن السم ينتقل في عروقها ثم يأتوا بحمامة أخرى وهكذا فحينما يقولون لك : أن فلان قتل ثلات أو أربع حمامات " فمعنى ذلك أن تلك العقرب كانت عقرب ضخمة .
ولكن ...........!!
ـ حتى متى سيظل الظلام مخيما على تلك القرى ؟
ـ حتى متى سيظل العطش يغتال أحلام التنمية والثورة الزراعية في تلك القرى ؟
ـ حتى متى سيغض المسؤولون الطرف عن تلك القرى فلا يزورونها إلا في فترة الإنتخابات ليطلقوا من خلالها الوعود التي يستجدون بها صوت ذلك المواطن البسيط الذي يحلم بواقع أجمل وحياة كريمة في قريته الصغيرة ؟ .
ـ حتى متى ستلتفت وزارة الصحة لتلك المراكز الصحية وتعيد ترميمها وتوفر لها الأدوية والمعينات الطبية وقبل ذلك الطبيب والممرض المؤهل ؟
ـ حتى متى يموت أطفالهم بسبب الإهمال وغياب منقذات الحياة ؟
ـ و حتى متى سيصمد الحمام في وجه العقارب ؟