[align=justify]
(( سيذكرني النايُ ذات َ مساء ٍ
قريب ٍ.. بعيدْ
سيسرح ُ بالأغنيات ِ وحيدا
ليرعى جميعَ فصول النشيدْ أدقّ ُ على باب ِ عمري
فيفتح ُ وجه ٌ غريب))
[/align]
[align=justify]
في ذكرى ميلاده هذا المساء عاد الناي مبحوحاً يعزف لحنه الحزين...
في مساء قريب منذ خمس سنوات كنا نعزف معاً على أوتار الحروف لحن الأمل بفجر عربي يشرق على الوطن السليب...
وحيدة مع قصائده والأغنيات هذه الليلة أسترجع لحنه القريب الحبيب.. في غد قريب .. شهر.. عام .. سنة.. سنوات.. سأرحل وأترك خلفي الناي مبحوحا ً يسترجع أنغامي .. ذاكرة أنفاسي وطول آمالي.. حبر كلماتي.. دموعي وأفراحي.. ثم ينقضي الزمان وتمحوني ذاكرة الحياة وتوصد من دوني الباب....
هنا...
ما زال الناي يعزف ألحان شاعر مذهل وإنسان بصفاء ونقاء النور.. وضياء غمامة تشرق وتتسرب قبل أن تمحوها حبات المطر، تحط كيمامة بيضاء على حافة نافذتي لأخلع ثوب جسدي وأتركه في زاوية الغرفة يسترسل في غفوة تراب وأتسلل منه إلى يقظة روح.. وأتبعها في رحلة إلى البعيد.. القريب.. أتسرب إلى صفحات عمره وأنتظر.. أفي مثل هذا اليوم له أن يعود؟
أترقب على حافة السور القزحي بين الباب والباب...
أراه .. يدق كنبضات قلب على باب عمره فيفتح له وجهٌ كئيب.. أصغي لحوارهما وأنا أتأهب لحمايته من جلف الغريب .. لأحتفي به وأطمئنه...
يسأله الغريب ماذا يريد؟؟
يخبره أنه كان هنا وبصفاء الروح يجيب:
((/ أنا سيدي كنتُ من قبلُ
داخل َ هذا المكان ِ
أنظف ُ بعض َ الحروف ِ
وأقطفُ وردَ الكلام ِ
أعيدُ الصباح َ النديَّ
إلى ضحكة ٍ من صفاء ٍ
وأركض ُ نحو الحكايات ِ
كي ينهضَ السروُ أحلى
وكي أستردَّ الزمان َ الشريدْ /))
تئن روحي وينزف جرح الحنين .. يضيع صوتي ويصرخ الغريب:
((قد سمعتك َ
هل من مزيدْ؟؟..
لقد قلت ما شئتَ هل من جديدْ ؟؟.. ))
أقترب لأفتح للغالي الباب وأطرد من خلفه ذلك الوجه المريب.. فأسمع صوته الشجي من جديد:
((/ أنا سيدي أعزفُ الآن صوتي
على سدرة الروح أحكي
لكلّ الذين يريدون وردة عشق ٍ
بأني سأغسل بالشمس ِ بعض الدروب ِ
سأرتدّ نحوي قليلا
وأرسل للزهر دفءَ الوريدْ /.. ))
يصرخ الغريب:
((ماذا تريد لماذا
تدقّ جدار الزمانْ
وما أنت إلا قصائدُ شعر ٍ
تلاشى المكان الذي كنت فيه ِ
تلاشى الزمان ُ
فأيّ زمان ٍ وأيّ مكانْ ؟؟.. ))
أقترب أكثر.. أحاول أن أفتح باب الحياة قبل أن يوصده الغريب، لكن يدي تدخل في دوامة السراب ...
والشاعر الجميل لم يزل يغرد:
((سيذكرني الناي ..ذات مساء ٍ
ويذكر أنّي
صعدتُ الدروب جميع الدروب ِ
بخفقة ِ قلب ٍ وهمسة ِ فنِّ
وما كنتُ يوما سوى ما أريدْ
زهورا وعطرا وروحا وحبا
وخفقا يضخّ دماء َ النشيدْ ))
أناديه ..لا تبتعد ما زال يذكرك الناي وما زالت الحروف تعزف على قيثارك لحن شعرك الفريد.. تعالَ.. أهديك من أيام عمري كي تضخّ مزيداً من الحب في دماء النشيد .. لا ترحل مجدداً ففي كأس عمري لك إن شئت مزيد..
لا ترحل مجدداً.. ما زالت فلسطيننا سليبة .. وبلادنا كلها تضيع وفي كل قطر فلسطين جديدة تنهب والسفينة بنا تغرق والعروبة مصلوبٌ جسدها الممزق المهان على أبواب الأمم ...
اللغة العربية جريحة مكسورة الخاطر وتحتاج من دفء وشموخ كلماتك إلى المزيد..
يبتسم.. أبتسم.. يشرق وجهه بالنور .. يشدو أو يكاد .. تقترب يداه .. تبتعد.. تحط بيننا غمامة قزحية تحمله ويضيئ وجهه صفحة الليل:
آه .. يا ابنة الخال .. ليتني أستطيع .. استمري في زرع بذور الأمل ولا تستسلمي لليأس أوتنسي رسالة الوطن لا تكبر إلا بالثقة والأمل، ففلسطين لأهلها ونحن أمة لن تموت ...
ترتفع به الغمامة ، يرفع يده ويلوح لي:
إلى لقاء قريب..
ويوصد ما بيني وبينه الباب.... بين بابين أقف.. باب الحياة الدنيا وباب الروح... أنا!...
[/align]