[align=justify]
الأديب الأستاذ محمد الفاضل تحياتي لك..
أود أن أروي لك حادثة حصلت عندنا في كندا منذ بضع سنوات:
دخل أحد الوزراء إلى محل ( سوبر ماركت ) وبينما كان يتبضع ويضع ما يريد في عربة التسوق نسي في يده شفرات حلاقة ثمنها لا يزيد عن دولار واحد ولم يحاسب بها، وطبعاً بوجود كاميرات المراقبة، ما أن خرج من باب المحل قبض عليه الحراس وساقوه إلى الداخل ريثما تحضر الشرطة ، وبالفعل جاءت الشرطة وألقت القبض عليه، وفي اليوم التالي نشرت الصحف صورة وخبر الوزير السارق..
هذه الحادثة تعطينا فكرة عن معنى وماهية المساواة أمام القانون في الثواب والعقاب وأهمية المحاسبة، هل تتخيل أن يحدث مثل هذا في أي بلد عربي؟!
المسؤول موظف عند الشعب في الدول الديمقراطية، وفي وطننا العربي نصف إله إن لم يكن أكثر بكثير.
الطفل في الدول الديمقراطية يمنع ضربه والإساءة الجسدية له تحت طائلة القانون ولم يزل في بلادنا أطفالاً يضربون وتداس كراماتهم وتكسر معنوياتهم ويرتعشون خوفاً حين يعود الأب إلى المنزل!!
الكمال غير موجود في أي مكان والفساد تجده في كل مكان ، لكنه يختلف وتختلف معالجته والتعامل معه تماماً عما هو عليه عندنا والأسباب كثيرة.
المجتمع الأبوي وآثاره المدمرة على النفوس وكسر الشخصية منذ الطفولة غالباً تُخرج حكاماً آلهة يحاسِبوا ولا يحاسَبوا ويستمر النفخ بهم وتضخيمهم، ومواطناً خانعاً مكسوراً يظل مهدداً خائفاً طوال عمره ممن يفوقه قدرة وقوة وفق الأمثال الشائعة ومنها: ((بمشي الحيط الحيط وبقول يا رب أوصل عالبيت )) ..
حتى مفهومنا للأحزاب والتنظيمات والمسؤولين يختلف في ما هو عليه بالدول الديمقراطية مما هو في المجتمعات الأبوية، ففي الأول ناس فاعلين يناقشون ويعملون ويعترضون ويضعوا برامج ويبتكروا وينتخبوا فيُنجِحوا ويُسقطوا ويقدموا آرائهم التي تناقش وتحترم في كل الأحوال أما عندنا فهو غسيل أدمغة واستلاب إرادة وترديد شعارات تملى وتصفيق بما يشبه ما اصطلح على تسميته بدين العجائز، الذي يستغفر الله ويطرد الفكرة من رأسه لو خطر على باله سؤال أو استفسار إلخ...
في المجتمعات التي تآلفت مع الديمقراطية وتعودت ممارستها، المجتمع المدني هو الأقوى فهو القائد وهو الفاعل وهو المحرك والمحاسب ، بينما المجتمعات الأبوية تبحث عن القائد الفرد والزعيم يقودهم ويحركهم وهم له تابعون...
لو فكرنا لحظة في الأجداد القدماء حين كانوا يعبدون الأوثان التي يصنعونها بأيديهم ويصلّون لها ويقدمون الأضاحي ويحاربون من أجلها.. عبدة الأوثان ما زالوا بيننا تحت مسميات مختلفة...
الأتباع أنواع ، هناك المصلحة والفائدة والاندماج بين فساد المال وفساد السلطة، ومنهم المستلَب كلياً أو جزئياً ومن يؤخذ بالشعارات الرنّانة والذي يصدق فعلياً كل ما يملى عليه ويكرره في كل مناسبة ولا يرى أو يسمع إلا ما يراد له أن يراه ويسمعه ( الصورة مهما بلغت قساوتها والصوت مهما علا ووضح هنا لا يصلان إلى ذاته وإنسانيته وضميره ) وهذا معروف في مجال علم النفس .. غالباً بحاجة نفسياً أن يصدق ، وهناك الخائفون من أو على ومن يرون أمامهم البدائل المخيفة وهناك العصبيات على أنواعها إلخ...
المثقف وغير المثقف جزء من المجتمع ، فالإنسان بطبعه يصدق ما يريد أن يصدقه وما يجده مناسباً له ولميوله وآماله وتطلعاته أكثر، الفرق أن المثقف يوظف ثقافته في تأكيد النهج الذي يتبعه أكان مغسول الدماغ مستلَباً أو كان مستفيداً...
هناك فرق أيضاً بين المثقف ومدّعي الثقافة ، وغالباً ما يستعمل المدعون زينة يتقنعون بها لتسويق الأفكار التي كلفوا بتسويقها..
ما يهم في كل هذا هو أهلية العقل والرشد ومدى الوعي والقدرة على الرؤيا والتحليل السليم وحيادية وصحو الضمير، فالضمير السليم الحر من التبعية والعصبية لا يكون انتقائياً.
تفضل بقبول فائق آيات تقديري واحترامي
[/align]