الموضوع: قصة حياة ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 23 / 04 / 2016, 43 : 01 PM   رقم المشاركة : [1]
شفيقة لوصيف
أديبة وقاصة
 





شفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond reputeشفيقة لوصيف has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

قصة حياة ..

دلفت القاعة في سكينة ..وجدتها شاسعة تمتد طولا وعرضا . وقد صفف في وسطها كراس وطاولات من جلد أسود حرّ . تتقدمها منصة يشغلها رجال بأثواب سود . كأنهم غربان تنوح على أطلال . و القاعة الضخمة تخضع للمنصة في صمت مهيب . يشبه هيبة الموت . ظلت القاعة تدين بالولاء للمنصة .إلى أن تقدم رجل ضخم الجثة قصير القامة مشرق الوجه يحمل كومة من الملفات بيده اليسرى . وبيده اليمنى يمسك ورقة يعتمد عليها في المناداة .
لمّا سمعت إسمها انتصبت واقفة تنتظر...حدجها الرجل الذي كان يتوسط المنصة برهة . فاستقرت في نفسه صورة امرأة ناضجة . متوسطة القامة . نحيلة الجسم . تميل بشرتها نحو السمرة . ويشي لباسها ووقفتها باحترامها لنفسها ..أخفض الرجل الذي كان يتوسط المنصة رأسه . يقلب أوراق الملف الذي بين يديه . ثمّ رفع رأسه وصوب عينيه نحوها وقال في وقار :
- أنت السيّدة حياة ..؟
ردّت وقد أحست باهتزاز قلبها كما يهتز العشّ بأفراخ زغب الحواصل . وقد امتدت هيبة الرجل تحاصر صدرها كم تمتد مخالب الضراغم نحو فرائسها . فانسل الوجل من غمده شاهرا أعلامه على سحنة وجهها . لكنها تماسكت وردت :
- نعم سيدي القاضي أنا حياة ..
- إسمك بالكامل ..وسنك .. ووظيفتك ..؟
- إسمي حياة جابر ..سني جاوز الثلاثة عقود ..وظيفتي إطار بوزارة التربية والتعليم .
رفع القاضي نحوها رأسه باهتمام . ثمّ سأله بصوت صاخب :
- ما سبب الدعوى ..؟
كانت الأسباب رابضة على باب شفتيها قبل الآن ..لكن يبدو أن صوت القاضي الصاخب قد أفلت عقالها فانفلتت. كما تنفلت الخيل من حبل مجريها ..
تقدم منها خطوة ثمّ خطوتين ..و لما كادت المسافة بينهما تنفض أنفاسها الأخيرة . تراجعت نفسه خطوات ..تعرى فيها من ثوب التردد . و لف شتاته تحت برنوس الإقدام و قال :
- حياة ..أود أن تكوني لي .!
اندفعت نبضات قلبها تسابق الدماء المتدفقة في شرايينها . تركض .. تهرول ..كالفار من انفجار . تبحث عن مأمن ..و أخيرا اهتدت إلى بيت قديم كان رابضا بصدرها . حيث كانت ترقد أحلامها . فراحت تدقه بقوة . و البيت صامت لا يجيب . رفعت رأسها نحوه ثمّ خلعت نعليها وراحت تطوف به كما يطوف الحجيج بالكعبة .
و قبل أن تفترس الظنون رأسها الصغير أضاف :
- أريدك زوجة لي يا حياة .
ارتفعت الزغاريد من حولها . و رأت العجوز تحمل لفة بيضاء و هي تقول :
- سمي بالله يا بنتي ..طفل كفلق الفجر .
امتد صراخ الرضيع يعربد كالموج المجنون . يدّك أسوار البيت القديم . يقتلع بقوة لججه دسر الأبواب والنوافذ . و ينزل بوقع أحذيته الخشنة على السقف . فيحيل البيت إلى ركام من حجارة متهالكة و ألواح مهترئة . ثمّ ما لبث أن بعثر أرضية البيت تحت لجة الصراخ.
لما قربت الصغير من صدرها . كانت العاصفة هناك قد أسدلت ستائرها . و خرجت الزرقة ترفل في ثوب شفيف تعمّر جرار السماء من ريقها . والعصافير من حولها تحطّ وترتفع . تشيد من جديد أعشاشها على شجرة الحياة . في حركة تشبه إيقاع الألحان على مدارج آلة الكمان .
نبهها صوت القاضي حين قال :
- الشهادات الطبية الموجودة أمامي تقول أنك تعرضت لضرب مبرح . أقعدك عن العمل لمدة تزيد على شهر ..أهذا صحيح يا حياة ؟!
ردّت بعد أن مدّت يدا إلى صوتها تسحبه من مستنقعات الدمع :
- صحيح يا سيدي القاضي .
قال وقد استكان صوته لشجن صوتها :
- اروي لنا ما حدث يا حياة بالضبط .
داست على شفتها السفلى وهي تلملم يديها عند خصرها ثمّ انعطفت على حقيبة يدها و كأنها تريد ان تشجب اللحظة . و أمام حدة عينيه . قاومت خجلها وردت بعد أن أخذت نفسا عميقا و هي تنتقل بين العيون التي كانت تحدق فيها . وقالت بصوت يغالبه الأسف :
- يا سيدي القاضي ..إن هذا الذي يسمى زوجي . كان في كل فترة ..قل في كل شهر مرة . يختلق الأسباب لضربي و إهانتي ..ثم يسوقني إلى بيت أهلي بصحبة أبنائي .. و أظل على ذلك أياما حتى إذا هدأت ثورته أصلح الأهل بيننا . فأقاد ثانية إلى بيته و أنا على يقين أنه لن يصوم عن عادته .
يتعاطف القاضي معها فيسألها مستفسرا :
- إلام ترجعين الأسباب ؟ هل له علاقات مشبوهة ؟ هل يتعاطى ممنوعات ؟
- لا يا سيدي ..لا هذا و لا ذاك . لكنه عصبي . و ينفعل لأتفه الأسباب. و لا تنطفىء جمرة غضبه إلاّ إذا جردني من ثوب إنسانيتي .!
- أما سألته لم يفعل هذا ؟
أخفضت رأسها هنيهة ثمّ قالت :-
- اليوم يا سيدي ابن بار للأمس . وزوجي ينتقم مني من جلاده . فالسياط لا تولد إلا الجراح .!
- و كيف استحملته كل هذه السنين ؟
- من أجل بني .
يستنكر القاضي عليها جوابها فيردد :
- آ...من أجل بنيك .! و أين أنت من كل هذا ؟
تخفض رأسها حياء ولا تردّ .
تكرر الأم سؤالها :
- هل فهمت يا بنتي ؟
- ... - ... - ... -
- لم لا تردين عليّ يا حياة ؟
- و شهادتي ..؟
ترد الأم بصوت حنق :
- إياك أن أسمعك تقولين هذا مرة أخرى . ليس للمرأة سوى زوجها وبيتها . أمّا الشهادة فانسيْ أمرها . تصلح فقط أن تبروز وتعلق على الجدران .
- أمي ..!
- انتهى الكلام .!
يدخل عليها الغرفة . يجدها منكبة تبسط الأفرشة و الوسائد على الأرض . حتى ينام أبناؤها . خاطبها بصوت غاضب :
- كم مرة نبهتك ألا تكسري كلامي ؟!
ترفع عينيها إليه في ذهول موجهة يدها إلى صدرها :
- أنا ..ماذا فعلت ؟؟
يحرك رأسه مستهجنا . ثمّ يرفع حاجبيه إلى الأعلى و هو يقول :
- ماذا فعلت ..؟ أنا أخبرك ماذا فعلت ..؟ بعد أن أمرت الصبي بأن يلتحق بفراشه . كسرت كلمتي أمام أختي وزوجها . و أبقيته للسهر معنا .
تردّ مستنكرة :
- لا ...لم أفعل هذا . أنا فقط نزلت عند رغبته . لأنه يريد أن يلعب مع أبناء عّمته . ثمّ إنه لم يقدم على فعل يعاقب من أجله .!
يتطاير شرر الغضب من عينيه . ويكرر جملتها مستهزئا :
- لم يقدم على فعل يعاقب من أجله ؟ تصرين إذن على تصغير شأني أمام أهلي . و تظهرين بمظهر الآمرة الناهية . السيدة المديرة هنا أيضا .
لما أحست بشدة انفعاله تراجعت إلى الخلف وهي تقول :
- لا ...لم أفكر في هذا ..
و قبل أن تكمل جملتها . انهال عليها بكلتا يديها . يلقم وجهها وجسدها بلكامات قوية . و في عمر لحظة تحول البيت إلى معزوفة نشزة من أصوات نحيب الأبناء وصراخ الزوجة التي سقطت على الأفرشة و هو يركلها بقدميه في كل مكان من جسدها . و سياط لسانه يجلدها بألوان من الألفاظ النابية والسوقية .و لم يتوقف إلاّ عندما نال منه التعب و رأى الدماء تكسو وجهها و أمكنة من جسدها .
يرفع الطبيب صورة الأشعة عاليا . ينظر مليا فيها ثمّ يقول :
- للأسف يا سيدتي ..لقد تحرك عمودك الفقري . ثمّ انظري لقد مالت آخر فقرة إلى اليمين .
يبادلها القاضي نظرة الأسف . و هو يتأمل اللون الأزرق المستفحل على سحنة وجهها .
قال المحامي :
- حتى لا تتميع مطالبنا . دعنا نحصرها في طلب واحد . و هو أن تستقيل زوجتك من عملها . بدعوى أن حقك و حق أبنائك قد ضاع جراء طغيان مسؤوليات العمل على مسؤوليات البيت .
انتظر المحامي طويلا لكنه لم يجبه . ظلّ فقط صامتا . يفكر كيف سيوفر حاجيات البيت . و راتب المعلم الذي يتقاضاه لا يسد نصف المتطلبات .
سألها القاضي بعد أن تأملها مدة :
- ما هو قرارك سيدتي :
ردّت بلغة الأسف :
- ليتني أجبت على هذا السؤال قبل اليوم بعشرة أعوام .!

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
شفيقة لوصيف غير متصل   رد مع اقتباس