عرض مشاركة واحدة
قديم 15 / 05 / 2016, 59 : 06 PM   رقم المشاركة : [1]
هدى نورالدين الخطيب
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان


 الصورة الرمزية هدى نورالدين الخطيب
 





هدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين ( فلسطينية الأب لبنانية الأم) ولدت ونشأت في لبنان

:sm120: شياطين الدم - قصة قصيرة - هدى الخطيب

[align=justify]
سألته زوجته قبيل خروجه من باب البيت:

(( عمر.. أما زلت تخرج إلى البرّية والجبال الوعرة دون بارودة صيد؟! ))

- نعم يا عائشة .. تعرفين أني لم أعد أجرؤ على قتل العصافير!.. رحلة سلام مع الطبيعة وطيورها .. لا بارود ولا دم.

في طريقه إلى الجبل والطريق أمامه يتلوى كثعبان ضخم، تفجّر في رأسه بركان الصور المرعبة بأبعادها .. أشلاء الأطفال والشيوخ.. جحيم الطائرات القاتلة والصفير الذي يسبق ما ترسله من حمم.. النار والدخان الأسود.. رائحة الدم واللحم الآدمي المحترق.. صراخ الناس الذي يفتت الحجر وينتشي له السفاحون القتلة!!..

ذات جحيم / سألته شقيقته الصغيرة قبل أن تغفو وتنام إلى الأبد: (( لماذا يتساقط الأطفال موتى ويعلو وينتشر فحيح القتلة؟!!))

سافر في حدقات عيون الأطفال وهم يتساقطون محاولاً أن يصدّ عنهم الحمم.. وعاوده الشعور بالغثيان وذلك الألم الذي يحفر رأسه كلما استعاد تلك الصور .. وسقط.. سقط في لحظات العدم!!..

منذ ذلك الحين أصبح نباتياً ولم يعد يجرؤ على قتل حشرة صغيرة.. وتذكر كيف اضطروا لأكل لحوم القطط والفئران لسد الرمق!!..

لم يزل الدم ينزف في وجدانه جريحاً ولم تزل الحرائق في روحه مشتعلة!...

في ذلك الزمن.. البحر الأبيض احمرّ لونه ولم يعد يعرف النوم من كثرة أعداد الضحايا في أعماقه وانتحار ضمائر البشر على شواطئه .. يوم قدمت البشرية استقالتها من إنسانيتها !!..

على مرأى الطبيعة فكر بذلك الصنف من القرود الصغيرة الحجم الغادرة التي تأكل صغار جيرانها من ذات فصيلها!.. هي تشبه إلى حد ما البشر .. لكن لا ريب أن وحشية البشر الأشد دموية وغدر بين كل المخلوقات!!...

ركن سيارته في آخر الطريق المفتوح وبدأ يصعد سيراً على الأقدام بين الصخور والنباتات والشجيرات البرّية مستجيباً لنصيحة طبيبه النفسي يستمد العون من جمال الطبيعة البكر...

استغرق بعد حين في هذا الجمال الأخاذ مرتاحاً لعدم وجود صيادين أو صوت بندقية يخرق هذا السكون البديع.. وملأ رئتيه بالهواء النقي واستمر في السير .. جدولٌ هنا وهناك ومهرجان من الزهور الطبيعية على ضفافها.. خرير المياه وهو يوشوش الحصى وزقزقة العصافير وهي تغرد وتشدو طليقة حرّة....

مرّ عليه أكثر من ساعة ونصف الساعة يسير قليلاً ويجلس بين الفينة والأخرى إلى أن صادف رجلاً يجلس عند أحد الجداول.. تقدم منه وألقى عليه السلام.. لكن حين رفع الرجل رأسه ليرد السلام جفل منه بصورة واضحة لم يستطع مداراتها!..

كان أنف الرجل مجدوعاً وآثار جروح وحروق على محيّاه بينما كان كفه الأيمن مقطوعاً!!...

عاجله الرجل حتى يخفف روعه قائلاً: " لا تخف.. لن اؤذيك "

تمتم باعتذار وسأله: من أنت؟!

- أنا إبليس.. تستطيع أن تناديني " إبليس " فأنا رجل مبلس أعيش هائماً في هذه الجبال.

· ماذا تقصد بأنك إبليسٌ ومبلس.. هل أنت من الشياطين أم بشر من الناس؟؟!

- أنا بشرٌ يائس نادم مذنب.. شيطاني الماضي مبلس الحاضر.. خائف من الموت والمحكمة الإلهية.. وخائف من الحياة!!.

· لا تقنط من رحمة الله.. إن الله يغفر الذنوب جميعاً ورحمته وسعت كل شيء.

- إلا ذنوبي .. تشويه الدين وارتكاب الجرائم باسمه وتحت رايته.. ظلم العباد وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق!!

· يا إلهي.. ماذا فعلت؟!!

- اجلس لأروي لك.. حتى تعرف كيف يبلس الناس ويكيف يكون البشر أبالسة كالشياطين!.

· حسناً.. أخبرني..

- ولدت لأسرة مسلمة رقيقة الحال.. كنت أبعد ما أكون عن الدين وفهمه أو التعمق به..

لا صلاة وصيام رمضان كان مجرد عادة وطقوس أتظاهر بها.

رأيت أبي ذليلاً مكسوراً ينافق الأغنياء / وأمي تزور هذه أو تلك تساعدهن أحياناً بصنع الولائم / حتى تأتينا بالأطايب من أصناف الطعام.. أو بعض ألبستهم وكتب أولادهم القديمة التي يتصدقون بها علينا.. ووجدتني أسير على نفس النهج مع زملائي منذ الصغر.. وارتضيت أن أكون تابعاً لأحدهم أسير خلفه.. وكبرت على هذا أنافقهم وأطيعهم.. فارتكبت الزنا وسهرت في الملاهي الليلية معهم وشربت الكحول بصحبتهم وجربت تعاطي المخدرات، دون الوقوع في براثن الإدمان على أي شيء .. لكني كنت أستفيد مادياً مما أشتري لهم من مخدرات وكحول .. وشيئاً فشيئاً تطورت مهاراتي، فعملت عيناً على الشباب لصالح المخابرات وقدمت في بعضهم تقارير.. وكنت ألفق أحياناً حتى أحصل على المزيد من النقود.. إلى أن حصلتُ على ترقية وتم فرزي مع أحد المشايخ بعد تدريبي، فأطلقت لحيتي وارتديت العباءة ( الدشداشة) وحفظت آيات العذاب من القرآن الكريم.. واستبدلت الكثير من مفرداتي العامية بالفصحى.. سافرت ونقلت أسلحة وتدربت على مختلف أنواعها في دولة أقليمية، كانت تدرب المتشددين على غير مذهبها وتؤمن لهم الجوازات المزورة لتستفيد منهم لاحقاً في مشروعها.. دخلت السجن وعملت على كسب ثقة عدد غير قليل من المتشددين دينياً ..واستطعت الحصول على كثير من المعلومات...

حين بدأ بركان الشعوب بالانفجار كان مطلوب مني أن أقوم بكل ما تدربت عليه واكتسبت الخبرات والمهارات من أجله .. قمت بالانضمام لأكثر الفرق تشدداً .. واستطعنا أن نكسب ثقة عدد غير قليل من الشباب المتحمس الفقير، ممن لا يفقهون الدين الحقيقي ويمكن غسل أدمغتهم.. وسجلنا كثير منهم استشهاديين، بعضهم كان ينهار ويصدم وغالباً ما كنا نستطيع القبض عليهم وإعدام من لا نتمكن السيطرة على عقله مجدداً...

إثارة الرعب كانت سبيلنا الأمثل للسيطرة.. اقترفت الكثير من الموبقات وسفكت الكثير من الدماء.. وكان هذا ديدن كثير منا.. وقد تحولنا شيئاً فشيئاً إلى وحوش لا ترحم.. وجمعت الكثير من المال ، ما لا يحلم به أمثالي ومارست ساديتي المختزنة على الناس بعدما عشت عمري عبداً للآخرين وتابعاً...

لا أنكر أني كنت أصاب أحياناً بوخز الضمير / خصوصاً على ما يتبين من أمور مخزية / كنا مجموعات من الأبالسة بكل ما تعني الكلمة من معنى ومرتزقة يتخفون برداء الدين ورايته.. قالها لي شاب صغير السن وأنا أتهيأ لقتله عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((التجارة بسمّ الثعبان ولا التجارة بالإيمان)) وقال لي آخر: ((أيها الخوارج أنتم كلاب أهل النار))...

لم نكن فرقة واحدة، بل فرق متعددة من المرتزقة.. لكل من يدفع.. فنحن لم نكن سوى عصابات إجرامية تتستر برداء الدين / والأداة الأنجح في التخريب والتفتيت الجغرافي / وجنود المخططات التي تستهدف البلاد والعباد !.. ولم نكن نعمل فقط بالتنسيق مع مخابرات بلادنا ، بل كان فينا مرتزقة لكل مخابرات العالم.. وكان فينا مندسون غربيون لا يعرفون شيئاً عن الإسلام ، إسرائليون أيضاً ومن مذاهب وديانات وأجناس!....

كل هذا لم يكن كافياً ليردعني، فلقب " أمير " والمال الوفير والفتيات المحظيات والسيادة على العباد وقفوا حاجزاً بيني وبين أي بقايا إنسانية أو ضمير......

أخذ نفساً عميقاً وبدا وكأنه في صراع / زائغ النظرات / يحدق في صوره الشيطانية .. وحين طال صمته استحثه عمر:

· إبليس حقاً .. أكمل.. أكمل قصتك!!..

- سأكمل.. شاء لي القدر أن ألقى ما أستحق في الدنيا قبل أن ألقى ما أستحق في الآخرة.. في صدمات توالت واحدة بعد الأخرى!..

كنت أقوم بإعدام الأشخاص بنفسي أحياناً رمياً بالرصاص / رائحة الدم تورث الإدمان / وفي يوم.. بعد أن قمت بتفريغ رصاصاتي باستهتار في تلك الأجساد الغضّة / ووقعت أمامي مضرجة بالدماء/ انتبهت لوجه أحدهم والذي لم يكن سوى ابن شقيقي البكر!....

كانت صدمة لي.. خصوصاً وأنا أعرف أن هؤلاء الشباب اللذين نقوم بإعدامهم بعد اتهامهم بالكفر / أو غيره من الاتهامات الباطلة / لم يفعلوا في الحقيقة شيئاً مما نقوم نحن به سراً خلف الجدران.. لكن كانت تأتينا أوامر مدفوعة الأجر بالتخلص منهم.. هذه الصدمة أخذت منّي أياماً لكنها لم تكن كافية لتردعني وتعيد لي بعض إنسانيتي!.

الحادثة الثانية.. كانت مشاهدة صورة جثة ابن عمي في أحد المعتقلات وقد تحول لهيكل عظمي جراء الجوع والتعذيب!!.. هذا أيضاً عرضني لصدمة لكنه لم يكن كافياً.. بعدما أبلست وفقدت إنسانيتي ويئست من استحقاق المغفرة!...

إلى أن جاء الزلزال القاصم .. قصف واجتياح واعتقالات.. وأنا على ضفة القتلة والمتواطئين معهم .. جثة أمي المتفحمة واخوتي وابنة أختي المغتصبة ومنزلنا المحترق!!...

وقفت أمام جثة أمي وبعض اخوتي ورائحة لحمهم المحترق تحرقني .. شعرت بهول الفاجعة وبهول ما قمت به!! .. جن جنوني.. وبيدي جدعت أنفي الذي شم تلك الرائحة / وقطعت بيدي اليسرى يدي اليمنى الجانية / وألقيت بها في حجر ابنة أختي!..

جننت.. ولم أجرؤ حتى على الاستغفار وطلب العفو الذي أعرف أني لا أستحقه.. سرت وابتعدت.. وبقيت هائماً بين الجبال لا أعرف أرض ولا حدود ولا مكان!...

بماذا يختلف عني إبليس الجن / هو أبلس وأنا أبلست / ولعلي سفكت من الدماء الطاهرة ما لم يسفك؟!...

أخشى الموت .. والوقوف أمام كل الضحايا من العباد اللذين ظلمتهم وسفكت دمائهم أو تواطئت على سفكها!..

لات ساعة مندم .. لات ساعة مندم..

· حقاً يا هذا / أي إبليس أنت وأمثالك؟! / قاتلك الله وقاتل كل من على شاكلتك؟!!...

عاد عمر أدراجه بخطوات متثاقلة / كأن جسده صخرة يصعب تحريكها / الظلال تسقط أمام ناظريه والإنسانية تنهار.. ولم يستطع رغم مرور سنوات أن ينسى معاناته ومعاناة أبناء وطنه ولا استطاع أن ينسى ذلك الشيطان المبلس وتلك العصابات الإجرامية من المرتزقة التي اتخذت الدين قناعاً تعين الظالم وتتظاهر بالعكس.. لتجمل وجوه القتلة.. والدين منها براء!!.



لم يزل عمر يحاول أن يظبط عقارب ساعته على زمن إنساني يتسع فيه هذا العالم للناس البسطاء كي يعيشوا أحراراً بكرامة وأحلامهم طليقة وبراءة الأطفال تحيا وتنمو وتزهر في أوطانها دون أن يصلب أحد مستقبلها .. و...

ولم يزل نباتياً يكره الصيد بأنواعه ولا يقوى على قتل حشرة صغيرة.
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع هدى نورالدين الخطيب
 
[frame="4 10"]
ارفع رأسك عالياً/ بعيداً عن تزييف التاريخ أنت وحدك من سلالة كل الأنبياء الرسل..

ارفع رأسك عالياً فلغتك لغة القرآن الكريم والملائكة وأهل الجنّة..

ارفع رأسك عالياً فأنت العريق وأنت التاريخ وكل الأصالة شرف المحتد وكرم ونقاء النسب وابتداع الحروف من بعض مكارمك وأنت فجر الإنسانية والقيم كلما استشرس ظلام الشر في طغيانه..

ارفع رأسك عالياً فأنت عربي..

هدى الخطيب
[/frame]
إن القتيل مضرجاً بدموعه = مثل القتيل مضرجاً بدمائه

الأديب والشاعر الكبير طلعت سقيرق
أغلى الناس والأحبة والأهل والأصدقاء
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً = وحسب المنايا أن يكن أمانيا
_________________________________________
متى ستعود يا غالي وفي أي ربيع ياسميني فكل النوافذ والأبواب مشّرعة تنتظر عودتك بين أحلام سراب ودموع تأبى أن تستقر في جرارها؟!!
محال أن أتعود على غيابك وأتعايش معه فأنت طلعت
هدى نورالدين الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس