عرض مشاركة واحدة
قديم 23 / 07 / 2016, 33 : 11 AM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ - تساؤلات بين يدي الكتاب - محمد توفيق الصوّاف

لماذا ما يزال مسلمو اليوم يعانون التشظِّي والضعفَ والتخلُّف، بينما نجحت أممٌ كثيرة غيرهم، كانت أكثر منهم معاناة لهذا الثالوث الرهيب، في تحقيق الوحدة وامتلاك أسباب القوة والتقدُّم والازدهار؟
وهل سبب استمرار معاناتهم لويلات هذا الثالوث، يكمن في استمرار التزامهم بمبادئ الإسلام وتعاليمه، كما يؤكد بعضٌ، أم في سوء تطبيقهم لهذه المبادئ والتعاليم، ماضياً وراهناً، كما يؤكد آخرون؟
وحتى في حال افتراض أن مبادئ الإسلام، لا سوء تطبيقها، هي سبب تخلفهم، بغضِّ النظر عن كلِّ الحجج والبراهين التي يسوقها معارضو هذا الافتراض، أليس من الضـروري التساؤل إن كان الإسلام وحده هو الذي وقفَ، وما يزال، عقبةً كأداء تَحُولُ دون خلاص المسلمين من ضعفهم وتخلفهم، وتُجهِض رغبتهم وكلَّ جهودهم التي بذلوها في محاولة اللحاق بركب الأمم التي تُوصَفُ بـ "المتقدمة"؛ أم ثَمَّة عقبات أخرى كثيرة غير إسلامية، بل لا صلة للإسلام بها، أدَّت متضافرة إلى تخلُّف المسلمين، ومازالت ناشطة في محاولة تكريس تخلفهم؟
وعلى افتراض وجود عقبات كهذه، بغضِّ النظر عن كلِّ ما يسوقه معارضو هذا الافتراض أيضاً من حجج وبراهين لنفيه، ألا ينبغي التعرُّف على نوعية هذه العقبات، وتحديدُ إن كانت مصادرها داخلية صِرْفاً أم خارجية صِرْفاً، أم مزيجاً من الداخلي والخارجي معاً، ثم الكشفُ عن تاريخ ظهورها لبيان إن كانت عقبات قديمةً أم حديثة أم مزيجاً من القديم والحديث أيضاً؟
وعلى افتراض نجاح البحث في تحديد نوعية كلٍّ من هذه العقبات ومصدرها وتاريخ ظهورها، ألا ينبغي أن يتخذ البحثُ فيها منحى آخر يتمثل في الشـروع بفرزها وتصنيفها حسب أهمية كلٍّ منها، لبيانِ أيِّها كان الأهم والأكثر فاعليةً وقدرة على التأثير والاستمرار، تمهيداً لتأكيد أو نفي إن كان للمسلمين أملٌ، الآن أو مستقبلاً، في وضع حدٍّ لاستمرار التأثير السلبي لتلك العقبات وفاعليتها، أم لا أملَ لهم، الآن أو مستقبلاً، بالشفاء منها كلّها أو بعضها، ولا حتى في وضع حدٍّ لاستمرارية تأثير نتائجها المدمرة، على حاضرهم ومستقبلهم معاً، لأنها عصيَّةٌ على المعالجة، وبالتالي، لا يمكن تغييرُها أو حتى تجميدها، ولو لفترة محدودة، الأمر الذي يُفضـي، في المحصلة، إلى الاستنتاج بأن التخلف حتمية مفروضة عليهم، لا خلاصَ لهم منها، ولا جدوى لأيِّ محاولة تسعى إلى تخطيها؟
لكن، حتَّى لو أَسْلَمَنَا البحث إلى التسليم، طوعاً أو كرهاً، بأن تخلُّف المسلمين حتمية مفروضة عليهم، أليس من الضـروري، على الأقل، كَشْف هوية ذاك الذي فرضَها عليهم، أيّاً كان، حتى ولو أعادهم البحث عن هويته إلى مربع تساؤلاتهم الأول حول سبب تخلفهم؟
بلى.. ذلك أن معرفةَ السبب والكشفَ عن هوية المسبِّب ضروريان لتحديد موقفٍ صحيح تجاه كليهما، حتى مع انعدام القدرة على تجاوزهما أو القضاء عليهما.. والحجة في ضرورة تَوَفُّر هذا النوع من المعرفة، أن المعرفة نورٌ، وفي النور مهما كان ضعيفاً، يظل ثَمَّ أمل بالعثور على مَخرَج للنجاة.
فإن تبيَّنَ لهم، بعد بحث موضوعي، أنَّ سبب تخلفهم وضعفهم يكمن في استمرارِ تمسُّكهم بإسلامهم والتزامهم مبادئَه وتعاليمه في سلوكهم الحياتي، فمَنْ ذا الذي يلومهم إنْ نبذوه وراء ظهورهم، وإن تبيَّن لهم أن السبب عدوٌّ داخليٌّ أو خارجي يخشـى أن يؤدي خلاصُهم من تخلفهم إلى تقليص مصالحه في بلدانهم، أو توجيه ضربة قاضية لها، فلماذا يَبْقَونَ على ولائه ويحرصون على محاكاة نهجه، وقد تأكدوا أنَّه إنَّما يسعى لتكريس تخلفهم، كي يبقوا ضعفاء عاجزين عن وضع حدٍّ لاستمرار هيمنته عليهم ونهب ثرواتهم، دون أن تصدر عنهم أدنى مقاومة؟
لكن، مرة أخرى، وقبل أن نجزم بأن الإسلام أو غيره، هو سبب تخلف المسلمين وضعفهم، أليس علينا أن نقارن، بموضوعية، بين ما أثمره التطبيق الصحيح لمبادئ الإسلام وما أثمره التطبيق الصحيح أيضاً لمبادئ سائر الأيديولوجيات التي يزعم أصحابُها ودعاتها أنَّ حتميةَ انسلاخ المسلمين من إسلامهم شرطٌ لخلاصهم من حتمية تخلفهم وضعفهم؟
بلى... ذلك أننا إذا قبلنا بفرضية الذين يزعمون أن الإسلامَ صانعُ حتمية تخلف المسلمين وإبقائهم ضعفاء، بجعله مَثَلِهم الأعلى في ماضيهم، ومحاربته لكلِّ محاولة تجديد أو تحديث، من منطلق النظر إليها كبدعة، فكيف نفسِّـر حضَّ الإسلام نفسه لأتباعه على طلب العلم من المهد إلى اللحد، ورفع طلبه إلى مرتبة الفريضة؟ وهل حقاً يجب حصـر هذا الحضِّ، على طلب العلم الديني وحده والإعراض عن طلب العلوم الدنيوية، كلياً أو جزئياً؟
وحتى لو سَلَّمْنا، جدلاً، بصحة هذا الاتهام، فكيف نُقيِّم محاولات قدامى علماء المسلمين واجتهاداتهم وجهودهم في تطوير الكثير من العلوم الدنيوية التي بلغوا في تطويرها شأوا بعيداً جعلهم مصدر إشعاع ومَثلاً يُحتذى لكلِّ أمم الأرض، في إتقان هذه العلوم وتعليمها؟
هل كان أولئك العلماء، من أمثال الفارابي والكندي وابن سينا وابن النفيس وابن الهيثم وغيرهم، مبتدعين ومحرِّفين وضالِّين مثواهم النار، أم كانوا مبدعين وعلماء عاملين سخَّروا ما آتاهم الله من مواهب وقدرات لرفعة شأن الإسلام والمسلمين، واستطاعوا بمنجزاتهم العلمية أن يجذبوا إلى الإسلام، من أبناء الأمم الأخرى وعلمائها، ما لم يستطع علماء الدين أن يجذبوا عُشـرَه، بل ما هو أقل من العشـر بكثير، وذلك حين ربطوا إنجازاتهم العلمية بالإسلام، وأقنعوا أبناء الأمم الأخرى بأنهم لولا تحفيز مبادئ دينهم وتعاليمه وتشجيعها وحضِّها لهم على طلب العلم، كلِّ العلم، وليس العلم الديني وحده، لما كانوا وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تلك المنجزات الباهرة؟
ألم ينجحوا في التحوُّل إلى منارات جعلت من الإنسان المسلم، في نظر الآخرين، حاملاً للحضارة الإنسانية ومُجَسِّداً لها، بطرفيها المادي والروحي، يتمنَّى غيرُه أن يُقاربه، فيما وصل إليه، على الأقل، إن لم يستطع أن يماثله؟! وإذا كانت هذه حال قدامى علماء المسلمين فعلاً، فكيف يجوز اتهام الإسلام بأنه سبب تخلف أتباعه المعاصرين وضعفهم؟!
من جهة أخرى، وإذا سلَّمنا أيضاً، بزعم القائلين أن أعداء الإسلام هم الصانع الحقيقي لحتمية تخلف المسلمين المعاصرين وضعفهم واستمرارهما، للتمكُّن من استمرار الهيمنة عليهم ونهب خيرات بلدانهم، فكيف نُفسـِّر استقبال هؤلاء الأعداء للمسلمين في جامعاتهم ومعاهدهم العلمية العالية، وتشجيعهم للمتفوقين بشتى السبل والوسائل؟
وهل هذا التشجيع وهمٌ أم حقيقة، ادعاءٌ أم واقع ملموس؟ أليس معظم علماء المسلمين المعاصرين، واللامعين منهم بخاصة، قد تَلَقَّوا علومهم الدنيوية، واختصاصاتهم الرفيعة في الكثير من هذه العلوم، في جامعات الغرب الذي يُتَّهَمُ بأنه صانع حتمية تخلف المسلمين المعاصرين وضعفهم؟ فكيف يكون صانع حتمية تخلُّفهم وضعفهم هو نفسه أستاذُ أجيال من علمائهم الذين، لو أرادوا وأُتيحت لهم الظروف المناسبة، لكانوا طليعة العاملين على إلغاء تلك الحتمية البغيضة والأخذ بيد شعوبهم إلى القوَّة والتقدم الحضاري، بكل صورهما وأشكالهما؟
هل ينطوي هذا السؤال على اتهام لعلماء المسلمين المعاصرين الذين درسوا في الغرب بالتقصير في النهضة بشعوبهم، أم أن الغرب الذي علَّمهم ونورهم ومنحهم أعلى الشهادات والألقاب العلمية وبجَّلهم، هو الذي حال دون رغبتهم في محاولة إنجاز هذه النهضة؟ أم أن الأنظمة الاستبدادية المهيمنة على غالبية الشعوب الإسلامية هي التي منعت أولئك العلماء من القيام بدورهم النهضوي، لأن الاستبداد والعلم ضدان لا يلتقيان، كما يقول عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه الفذّ (طبائع الاستبداد)؟! أم أن كلَّ ما سبق، مجتَمِعاً، قد شارك في منع علماء المسلمين المعاصرين من ممارسة دورهم النهضوي، وأقصد بكلمة (مُجْتَمِع) تقصيرَ أولئك العلماء وممانعة الغرب الاستعماري، ومعه كلّ المستبدين من حكام المسلمين، لأي محاولة نهضوية، أيّاً كان طابعها، إسلامياً أم غير إسلامي، وأيّاً كانت أهداف الممانعين لها، حكاماً مستبدين، أم مستعمرين خارجيين؟
هذه الأسئلة، وكثير أخرى غيرها، بدأ طرحها، منذ فجر ما يُعرَف بعصـر النهضة الذي تلا انهيار الخلافة العثمانية وانفراط عقد إمبراطوريتها التي كانت مترامية الأطراف؛ وما يزال طرحُها مستمراً إلى اليوم، وما تزال الإجابات عنها، جيلاً بعد جيل، تملأ الكتب والدراسات والأبحاث والمقالات، وتستقطب اهتمامات النخب المثقفة والسياسيين وأحاديثهم في الندوات والاجتماعات، داخل النوادي والقاعات والمراكز الثقافية وعلى شاشات التلفزة. ومع ذلك، وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن ونيف، على بدء النشاط في هذا الاتجاه تحديداً، لم يُحقِّق المسلمون، في معظم بلدانهم، خطوة حقيقية واحدة جديرة بالإعجاب، على طريق التخلص من تخلفهم وضعفهم؛ بل ما حدث كان على النقيض تماماً، بمعنى أن معظمهم صار أكثر تخلفاً وضعفاً، حتى بات كثيرون يشكُّون في إمكانية أن يستطيع أي بلد إسلامي، في أي مرحلة قادمة، الفكاك من أسر تخلفه وضعفه، ولو بشكل جزئي. فهل هذا الشكُّ في محله، أم أنه مجردُ وَهمٍ لا رصيد له على أرض الواقع؟
لا ريب أن الإجابة عن هذا السؤال وسائر الأسئلة التي سبقته، تتطلَّب أولاً توصيفاً موضوعياً لحالة التخلف والضعف التي تعانيها غالبية البلدان الإسلامية المعاصرة، في جميع ميادين الحياة، ولأسباب استمرار هذه الحالة واستعصائها على المعالجة، حتى الآن. ولإنجاز هذا التوصيف، ستحاول فصولُ هذا الكتاب التعريفَ بالجوانب الرئيسة لتخلف المسلمين الراهن وضعفهم وأسبابهما، مع إشارات سريعة إلى أبرز جوانبهما الفرعية أيضاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأخيراً،
ربما لا أكون مخطئاً لو وصفتُ إجاباتي عن مجمل التساؤلات السابقة وغيرها، بأنها تُشَكِّل غالبية مادة هذا الكتاب الذي اعتمدتُ في بنائه منهجين متداخلين، في آنٍ معاً:
منهجٌ عامٌّ ينتظم العلاقات والصلات بين مقدمته وخاتمته وسائر فصوله، ومنهجٌ خاصٌّ توخيتُه ملائماً، ما أمكن، لطبيعة مادة كل فصل. حتى لَيُمْكِنُ القول إنه كان لكل فصل منهجه الداخلي الخاص الذي يرتبط بعلاقاتٍ قوية ووشائجَ مع مناهج الفصول الأخرى، من خلال المنهج العام للكتاب.. وهذا ما سأحاول بيانه، من خلال الإطلالة السـريعة التالية، على كلا المنهجين والعلاقة بينهما.
في إطار المنهج العام، نلاحظ أنه كما تصدَّرتْ مقدمةُ الكتاب فصولَه، تصدَّر كلَّ فصل منها تمهيدٌ لما تضمَّنته فقراته من معطيات وأفكار ومواقف، تمَّ تضمينُ نتائجِ عرضها ودراستها ونقاشها، في خاتمته.
وكما حرصتُ على ألاَّ تكون خاتمة أيِّ فصل تلخيصاً يُكرِّر ما وردَ في فقراته، حرصتُ كذلك على أن تكون خاتمة الكتاب ككل، زبدةَ ما انتهى إليه البحث في فصوله، من نتائج، اكتفيتُ بعرضها محاولاً التزام عدم التحيُّز لأيٍّ منها أو ضده، حتى وإن كنتُ لأيٍّ منها مؤيداً، في قرارة نفسـي، أو رافضاً معارضاً، وذلك لرغبتي ترْكَ الخيار للقارئ، كي يناقش بحريَّة، جميع ما توصلتُ إليه من نتائج تقصَّدتُ تركَها له قابلةً للنقاش.
أما بالنسبة للمنهج الخاص الذي اعتُمِدَ لطرح الأفكار والمعطيات المختلفة، في كل فصل، فكان كما يلي:
اعتمد منهج كلِّ فصل على التقديم بين يدي مادته بطرحِ أي معطى يُراد درسُه فيه، أو فكرة تُراد مناقشتها، طرحاً توصيفياً حياديّاً بعيداً، ما أمكن، عن المؤثرات الشخصية والتأكيدات المؤيدة أو المعارِضة. وقد بدا الهدف من اعتماد هذا المنهج منسجماً، إلى حدٍّ كبير، مع طبيعة المعطيات المُكوِّنة لمادة هذا الفصل التي أردتُها أن تُنجِزَ، حالَ اكتمالِ عرضها، صورةً تُبيِّنُ أبعاد الواقعَ الراهن للعالم الإسلامي، بأكبر قدر من الموضوعية التي يمكن تأكيدها أو نفيها، عن طريق قياس درجة التقارب والانسجام بين ما يطرحه مضمون الفصل من معطيات وبين الواقع الحي للبلدان الإسلامية. وهذه إمكانية متاحة جرَّاء استمرار غالبية تلك المعطيات نابضةً بالحياة، في معظم تلك البلدان.
ولأن النتيجة الأهم التي أمكن استخلاصها من كل تلك المعطيات هي أن العالم الإسلامي الراهن أشبه بكائن مريض، فقد كان بديهياً أن يتمحور البحث، بعد تشخيص الأعراض، حول طبيعة مرضه والمعالجات التي خضع لها، وحول مستوى الذين عالجوه وأهدافهم، ونوعية الأدوية التي حقنوه بها ليشفى أو...، وما آلت إليه حاله المرضية من نتائج، بعد تناول تلك الأدوية، طوعاً حيناً، وكرهاً في غالبية الأحيان.
ولعرض ما سبق وبحثه، في إطار يُجَنِّبُني الاتهام باللاموضوعية، تجنَّبتُ ما أمكن الدخول في عملية تقييمٍ شخصية للأيديولوجيات والمذاهب الفكرية الوضعية التي تمَّ تجريبُها، خلال القرن الماضي، لشفاء العالم الإسلامي من أمراضه المزمنة. مُؤثراً، كلما اقتضت الضرورة، الاكتفاء بتعريفٍ وصفي سريع لكلِّ أيديولوجية أو مذهب فكري تمَّ تجريبهما في العالم الإسلامي لمعالجته من أمراضه، يلي ذلك عرضٌ للكيفية التي طُبِّقَت بها تلك المعالجة ولأهم نتائج تطبيقها.
وقد حرصتُ، كلما اقْتَضَتْني الضـرورة، على أن يواكبَ عرضي للمعالجات وطرائقها ونتائجها، عرضٌ وصفيٌّ لآراء مؤيدي كلِّ معالجة ومعارضيها، تليه محاكمة آراء الطرفين، إلى منطق العقل الذي مازلنا جميعاً نزعم أننا نحترمه ونحترم نتائجه، سواء جاءت هذه النتائج مؤيدةً لما نؤمن به أم معارِضة. وذلك على افتراض أننا ما زلنا جميعاً متمسكين بإيماننا أن آلية العقل العلمي المجرد لا تخضع للهوى، بل للمنطق الموضوعي الذي يعتمد عرضَ الآراء والحجج المختلفة، على حقائق العلم ومعطيات الواقع والتاريخ الثابتة والموثقة، قبل النظر فيها والحكم بقبوله ـ أي العقل ـ ما اتفق منها مع تلك الحقائق والمعطيات، ورفضه لما عارضها.
ولما كانت نتائج معاينة الواقع الراهن للعالم الإسلامي تؤكدُ مرَضَه، وكانت نتائج البحث في ما عُولِجَ به من أدوية وأساليب تؤكد زيادة أعراض هذا المرض واشتدادها وتزايد مخاطرها، أكثر من أي وقت مضـى، فقد كان من المنطقي، بل من الضـروري أيضاً، أن يتجه البحث إلى محاولة العثور على علاج مختلف، ومعالِجين مختلفين وأدوية أخرى مختلفة. لذا كان هذا النوع من البحث هو المحور الذي دارت حوله خاتمة معظم الفصول، إذ خُصِّصَتْ لبيان مزايا الدواء الوحيد الذي ما زال الجميع يرفضون تجريبه لشفاء العالم الإسلامي وفوائده... كما اشتملت على دعوة الجميع إلى الكفِّ عن رفضهم الأعمى لتجريب هذا الدواء، ثم لفتِ انتباههم إلى أن رفضَهم تجريبَه يناقضُ زعْمَهم التزامَ الموضوعية والمنهج التجريبي في كلِّ علومهم، كما يناقض حثَّهم الآخرين على التزامهما.
وإذا كنتُ أجدني مضطراً للبوح باسم هذا الدواء، في مقدمة كتابي، فإنني أناشد قراءَه، وأَخصُّ بالمناشدة مَن كانوا مِن مشاهير الدعاة إلى التزام الموضوعية والتجريبية، ألاَّ تدفعهم معرفة اسم ذلك الدواء، منذ مقدمة الكتاب، إلى العزوف عن قراءته، وإلى عدم الحكم عليه قبل محاكمته، إن لم يكن كرمى لخاطري وخاطر شعوب العالم الإسلامي، فكرمى لخاطر وفائهم لمبادئهم وشعاراتهم، على الأقل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 25 / 07 / 2016 الساعة 28 : 12 AM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس