[زين العابدين إبراهيم]

أخبرني خلي أنه:
كفلته جدته بعد وفاة والديه .. كان منطويا على نفسه، لكنه سعيد بالعطف والمودة التي تربطه بها..
دخل الجامعة فرحا مبتهجا، استهواه الحراك الثقافي والنضال السياسي، والآمال اليانعة التي تطير كالفراشات حول المدينة الفاضلة، كما في الأحلام أو أوراق الكراسات الملونة..
في ذكرى عيد العمال، خرج الطلاب ينادون بالحرية والتغيير والمساواة، لكنه اعتقل مع من كانوا يصرخون يهتفون: حرية حرية حرية
صدر الحكم بحقهم ثلاث سنوات نافذة، بدعوى التحريض على الفوضى والفتن...
أطلق سراحه بعد انقضاء المدة، وعاد لبيته الضيق، لم يجد جدته، كانت قد فارقت الحياة كمدا على ما حل به، جمع كل الكتب التي كانت مرفوفة على مكتبته الصغيرة، وأضرم فيها النار وسط باحة البيت.
صاريقضي يومه كله بالغابة المجاورة، يحدث الطيور والعصافير، ومياه الوادي، ونسمات الرياح التي تهب تارة يمينا وطورا شمالا، لا أحد يراه أو يسمع غمغماته من حين لآخر، ظل على هذه الحال سنوات، طالت فيها لحيته وبلغ شعر رأسه منكبيه، أصبح مظهره يشي بالبؤس والاكتئاب.
حين عودته يوما إلى سكنه، صادف مجموعة من الناس متظاهرين، مطالبين بالحقوق ومحاربة الفساد، لم يبالي ولم يهتم لأمرهم لكن في لحظات، وجد نفسه مخفورا مساقا مع بعضهم ممن حق عليهم القول، دون أن يحرك ساكنا أو ينطق ببنت شفة..
وبسبب حالته ومظهره، أحيل لجهة ثانية وقسم مختلف، اتهم فيه بالتحريض على الارهاب...
وفتح المحضر في ساعته وتاريخه:
إسمك .. سنك وهويتك؟
صرخ بأعلى صوته:
_ حرية

زين العابدين إبراهيم