عرض مشاركة واحدة
قديم 28 / 07 / 2016, 04 : 03 AM   رقم المشاركة : [1]
المصطفى حرموش
مدير تربوي يكتب الزجل المغربي

 الصورة الرمزية المصطفى حرموش
 





المصطفى حرموش is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

القبيلة في العينين...

بالرغم من السيرورة التاريخية التي طبعت التاريخ البشري .بظهور نُظم سياسية متباينة ،أملتها عوامل ذاتية وموضوعية ، ساهمت في رسم معالم النظام العالمي بكل مقوماته . ولم يتوقف عقل الإنسان الغربي عن الفعل - لا زالت الضفة الأخرى من وطننا العربي ترتدي جلباب القبيلة باعتبارها النواة الصلبة والعمود الفقري لجسدها المثقل بطعنات "الصعاليك". فكياناتنا بجناحيها المشرقي والمغاربي ،و بشتى تلاوينهما-ملكيات كانت أو جمهوريات أو إمارات -،ظلت سجينة المرجعية القبلية..لا المشروع الإسلامي بنصوصه قطعية الثبوت و الدلالة، ولا كاريزمية قاداتها التاريخيون ،ولا النظم الليبرالية والإشتراكية التي حُقنت بها هده البلدان - نجحت في خلخلة ''صخرة سيزيف ''هدا الموروث الثقافي..وحسبنا دليلا على ما نقول تجليات وتمظهرات الفكر القبلي التي ما انفكت ترخي بظلالها في شتى مناحي حياة الإنسان العربي إلى يومنا هدا،رغم أنف السيرورة التاريخية...
من باب الإنصاف،وحتى لا نكون عدميين في مقاربتنا لهدا المفهوم الأنثروبولوجي..فللقبيلة عدة مزايا إد كانت في القرون السالفة أرقى ما توصل إليه الإنسان في ضبط إيقاع علاقاته الإجتماعية والإقتصادية والثقافية..كما ذهب فريديريك إنجلز في كتابه : أصل الملكية الخاصة والعشيرة...بحيث ساهم هدا النمط من العيش في نسج علاقات متميزة ومحددة في الزمكان .تمخضت عنها شبكة من العلاقات البنيوية..هدا فضلا عن ترسيخ البعد الهوياتي لمكوناتها،كشرط لضمان بقاءها وتميزها عن باقي التجمعات البشرية الاخرى..فلكل قبيلة شعائرها تتمظهر في نمط عيش أفرادها ..هدا دون أن نعدم باقي الميزات الأخرى,,
والظاهر أن معظم الكيانات السياسية..-وبحكم التطور الطبيعي لنمط عيشها -ابتكرت أنظمة حياتية تُسير بها نفسها ...ولنا في النموذج الليبرالي والإشتراكي،ما يزكي طرحنا..وفي المقلبل –وبدون مركب نقص-
ظلت الشعوب العربية رهينة نظام واحد ووحيد طيلة هده العقود..ألي وهو النظام القبلي.فظلت تجترثـوابثه وبهدا الصنيع رسمت لنفسها دائرة صغيرة لمستقبل أجيالها.بالنتيجة أودعت نفسها السجن المؤبد دون علمها..
عين العقل ،ان الإنسان بطبيعته كائن عاقل ،مدني واجتماعي كما ذهب:أرسطو وهيغل وإيميل دوركا يم فضلا عن علامتنا إبن خلدون.لكن أولياء أمورنا يطبقون مضمون الآية بالخُلْف إننا هاهنا قاعدون..ولن نتزحزح قيد أنملة.. حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .وهي لعمري قمة الإنتكاسة والإنغلاقية في أبهى زينتها..
والغالب على الظن أن الإنسان العربي بدوره شهد طفرة في شتى منا حي الحياة طيلة هده العقود. إد إحتك بحضارات وثقافات أخرى..ومنهم من إختار طوعا الإندماج فيها.لكن بنية عقله لم تقطع الحبل السري بينها وبين الموروث الثقافي الماضوي(بنية القبيلة) .إد سرعان ما يدب في عروقه هدا العود والحنين وهوما يتجسد بوعي او بدونه في عدة مواقف:الزواج من داخل العائلة الصغيرة أو الكبيرة ..التعصب والتماهي مع النسيج القبلي.. الإيمان المطلق بالغيبيات والترهات..القبول برأي" الزعيم "دون جدال,,نُصرة بني جلدتهم حتى وإن تطهروا وتطيبوا بصعيد الخطايا .. الحنين إلى الماضي وإظهاره بألوان قزحية ،حتى وإن كذبت مرآة التاريخ زور أضغات أحلامهم..
كم من مثقف وباحث في صنف العلوم الانسانية ،ضحى بعلمه امام هده الطلاسم التي تكلست في وجدان المواطن العربي. كونه يغازل التغييروالتجديد في المضاجع ويرفضه تقية. وهو ما يتجلى في نوبة الانفصام التي تطبع حياته. وتلدده في جلد الذات.
فالأحزاب السياسية بدورها -كمؤسسات مدنية دخيلة على شعوبنا -لبست جلباب القبيلة. إد تم تفريغها من محتواها الاصلي ونُسمت أجهزتها بتوابل ومفاهيم وفق المقاس :فرئيس الحزب يُعين بدل أن يُنتخب..قراراته قطعية التبوث..مناضلو الحزب في عرف الزعيم أرانب قلبه ومٌريديه .القرابة والولاء والمحسوبية والزبونية هي الآلية التي تتشكل بها هده الاجهزة.. في عرفهم الديمقراطية والخروج عن الإجماع بدعة وظلالة ،والأمثلة كثيرة في هدا الباب.
ليس بخاف على المهتمين بعلم الإجتماع في رصدهم لتطور المجتمعات ,من خلال أنماط العيش المتبعة.أن هده الاخيرة قامت بالقطيعة الإبستمولوجية في شقها العلمي مع ماضيها المغبون. وبالمقابل حافظت على موروثها الثقافي، بتنقيته من الشوائب التي تعيق تنميتها ..وبالتالي رسمت خريطة الطريقلمستقبل اجيالها وفق منهجية محددة ,عن طريق خلق مؤسسات وطنية وديمقراطية في خدمة المواطنين بمعزل عن تباين مرجعتيهم العرقية والفكرية والمذهبية.. وهلم جرا.
والمواطن العربي ليس استثناء من هده الحتمية التاريخية... إن قرر لوحده هدم هده الخيمة التي تجتم على أنفاسه...أليس هو من حاك وثاقها ،وشد أزرها بحبال قيدت آفاقه.. وصنع الأوتاد التي دق بها إسفين نعشه ..فنصب الأعمدة التي صلب عليها ...فأمسى كفزاعة الحقول. ليصبح ملجأ القبرات التي لا تُهادنها الفخاخ..


إخبار : العنوان الدي إخترته لهده المقالة هو إقتباس للرواية الخالدة :''الوطن في العينين ''للاديبة اللبنانية حميدة نعنع

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
المصطفى حرموش غير متصل   رد مع اقتباس