الموضوع: أجمل المعاني
عرض مشاركة واحدة
قديم 01 / 09 / 2008, 00 : 10 AM   رقم المشاركة : [3]
هشام الشويكي
كاتب نور أدبي مشارك
 




هشام الشويكي is on a distinguished road

رد: استيعاب النص القرآني ، فلسنتغل شهر رمضان

تأملات في سورة النجم
للشهيد سيد قطب ، رحمه الله .


كنت بين رفقة نسمر حينما طرق أسماعنا صوت قارئ للقرآن من قريب ، يتلو سورة النجم . فانقطع بيننا الحديث ، لنستمع وننصت للقرآن الكريم . وكان صوت القارئ مؤثراً وهو يرتل القرآن ترتيلاً حسناً .
وشيئاً فشيئاً عشت معه فيما يتلوه . عشت مع قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - في رحلته إلى الملأ الأعلى .
عشت معه وهو يشهد جبريل - عليه السلام - في صورته الملائكية التي خلقه الله عليها . ذلك الحادث العجيب المدهش حين يتدبره الإنسان ويحاول تخيله! وعشت معه وهو في رحلته العلوية الطليقة . عند سدرة المنتهى . وجنة المأوى . عشت معه بقدر ما يسعفني خيالي ، وتحلق بي رؤاي ، وبقدر ما تطيق مشاعري وأحاسيسي . .
وتابعته في الإحساس بتهافت أساطير المشركين حول الملائكة وعبادتها وبنوتها وأنوثتها . . إلى آخر هذه الأوهام الخرفة المضحكة ، التي تتهاوى عند اللمسة الأولى
ووقفت أمام الكائن البشري ينشأ من الأرض ، وأمام الأجنة في بطون الأمهات . وعلم الله يتابعها ويحيط بها .
وارتجف كياني تحت وقع اللمسات المتتابعة في المقطع الأخير من السورة . . الغيب المحجوب لا يراه إلا الله . والعمل المكتوب لا يند ولا يغيب عن الحساب والجزاء . والمنتهى إلى الله في نهاية كل طريق يسلكه العبيد . والحشود الضاحكة والحشود الباكية . وحشود الموتى . وحشود الأحياء . والنطفة تهتدي في الظلمات إلى طريقها ، وتخطو خطواتها وتبرز أسرارها فإذا هي ذكر أو أنثى . والنشأة الأخرى . ومصارع الغابرين . والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى!
واستمعت إلى صوت النذير الأخير قبل الكارثة الداهمة : { هذا نذير من النذر الأولى . أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة } . .
ثم جاءت الصيحة الأخيرة . واهتز كياني كله أمام التبكيت الرعيب : { أفمن هذا الحديث تعجبون . وتضحكون ولا تبكون . وأنتم سامدون؟ } .
فلما سمعت : { فاسجدوا لله واعبدوا } . . كانت الرجفة قد سرت من قلبي حقاً إلى أوصالي . واستحالت رجفة عضلية مادية ذات مظهر مادي ، لم أملك مقاومته . فظل جسمي كله يختلج ، ولا أتمالك أن أثبته ، ولا أن أكفكف دموعاً هاتنة ، لا أملك احتباسها مع الجهد والمحاولة!
وأدركت هذه اللحظة أن حادث السجود صحيح ، وأن تعليله قريب . إنه كامن في ذلك السلطان العجيب لهذا القرآن ، ولهذه الإيقاعات المزلزلة في سياق هذه السورة . ولم تكن هذه أول مرة أقرأ فيها سورة النجم أو أسمعها . ولكنها في هذه المرة كان لها هذا الوقع ، وكانت مني هذه الإستجابة . . وذلك سر القرآن . . فهناك لحظات خاصة موعودة غير مرقوبة تمس الآية أو السورة فيها موضع الإستجابة؛ وتقع اللمسة التي تصل القلب بمصدر القوة فيها والتأثير . فيكون منها ما يكون!
لحظة كهذه مست قلوب الحاضرين يومها جميعاً . ومحمد - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه السورة يقرؤها بكيانه كله . ويعيش في صورها التي عاشها من قبل بشخصه . وتنصب كل هذه القوة الكامنة في السورة من خلال صوت محمد - صلى الله عليه وسلم - في أعصاب السامعين . فيرتجفون ويسمعون : { فاسجدوا لله واعبدوا } ويسجد محمد والمسلمون . . فيسجدون . .
هشام الشويكي غير متصل   رد مع اقتباس