رد: حوار شعري جديد مع الشاعر طلعت سقيرق في الذكرى الخامسة لرحيله
في سالفِ الزمان وقبل هذا الخراب الذي يحصل الآن ، كان يسكن في جسدي شيطان ينظم الشعر بكل أنواعه ، كانت الحروف تنساب من فمي على شكل أناشيد وأغان .
إن رأيت صبية جميلة كان غزلي لها على شكل قصيدة شعر.
وإن كنت حزيناً كان فمي شلال دموع على بحر من بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي.
فجأة ، بدون مقدمات متُّ ، أو لأكن دقيقاً ماتت روحي وبقي الجسد ، لا أعرف بدّقة متى حصل هذا؟
لا أعرف ، حقاً لا أعرف!.
ربّما بسبب تعثري في هذه الحياة ،
ربّما فقداني لكل الأحبة
ربّما للمصائب التي أصابتني في هذه الحرب
لا .. لا ، لماذا لا أستطيع الكتابة .
أصابتني موجة من الكآبة ، قلت ربما نسيت اسمي ، ونسيت حروف العرب ولغة الضاد ، وحفظت مصطلحات جديدة ، مصطلحات تناسب مرحلتنا الجديدة ، البحث عن ملجأ آمن ، عن بيت آمن ، عن علبة حليب للطفل ، عن ابتسامة صادقة ، عن جار لا يثرثر ، عن غريب لا يقتلنا .
بحثت حولي فازداد همّي ، فعدت لأوراقي القديمة ، مثل أي مفلس ، وتذكرت قصيدة كتبـتها في سالف الزمان ، يوم كان قلبي ينبض بالحب والحياة وبدأت أغني أغنيتي القديمة:
دَمّرينيْ
دَمّرينيْ
اِحْرقيْ جثتيْ
بالرمالِ ادفنينيْ
ثُمَّ قولي للجميع....
كان لاجئاً فلسطينيْ
اتركيني وابعديْ
عنْ دربيّ الطويل
اهجرينيْ
ولا تباليْ بالسائلينْ
وقولي هوَ ليسَ إلا
فلسطينيْ
ادفنينيْ
ادفنينيْ
بالسجونِ ادخلينيْ
ثم قولي للملأ
ليسَ إلا حيفاوي الجبينِ
دمرينيْ
اهجرينيْ
لا يهمُّني أَنْ تتركيني
لَنْ أُسَاومْ ، لَنْ أُسَاومْ
ولأجل حقي سأقاومْ
وانظري ليْ واعرفينيْ
يا قوةَ الكونِ لا تجهلينيْ
فأنا
سأفني الفناء إن كان سيحيني
وأحيي الحياةَ إنْ كانتْ ستحينيْ
لأنيْ إن أكُنْ مضطهداً وجائعْ
لا تنسوا بأنيْ فلسطيني....
ومضى الوقت ولم أنم ، وأشرقت شمس هذا الصباح لأجد طلعت سقيرق يأتي باسماً بوجهه يغني لي :
أنت الفلسطيني أنت
لا الشمسُ غائبة ٌ .. ولا ..
صوتُ الجذورِ .. ولا .. ولا ..
إنَّ الأغاني عالياتْ ..
ورؤوسنا ..
أعلى .. وأعلى .. عالياتْ ..
ونحبُّ أنْ ..
وتحبُّ أنْ ..
نمضي .. ونمضي في الطريقْ
أطلقْ رصيفَ الذكرياتْ ..
أطلقْ نشيدَكَ عالياً ..
أطلقْ شموسكَ والجبينْ
أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ
أعلى من السجانِ أنتْ
أعلى من القضبانِ أنتْ ..
أعلى .. وأعلى ..
أنتَ .. أنتْ ..
أنتَ الفلسطينيُّ يا رئةَ الزمانِ إلى المطرْ
أنتَ الفلسطينيُّ أنتَ
وأنتَ أنتْ ..
الأرضْ أنتْ ..
والدارُ أنتْ ..
والبرتقالْ ..
أنتَ السهولُ جميعُها
أنتَ الجبالْ
أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ
أنتَ المطرْ ..
أنتَ الجذورُ وأنتَ في
جذعِ الشجرْ ..
* * *
حيفا يداكْ
والكرملُ المجدولُ من شمسٍ هواكْ
عكّا تراكْ ..
يافا على أشجارها ..
شدّتْ خطاكْ ..
أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ ..
سرُّ الهوى الملتمِّ في شفة الجليلْ
يهفو إليكَ وأنتَ تحتضنُ الخليلْ
أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ ..
سرُّ انتصابِ السنديانْ
أنتَ الأصابع حين ينطلقُ الحجرْ ..
أنتَ المواويلُ التي ..
شدّتْ على خصرِ الشجرْ ..
* * *
للسجنِ والسَّجانِ قضبانُ الحديدْ
ولكَ النشيدْ ..
ولكَ النهاراتُ التي تأتي إليكْ ..
من أرضكَ السمراء ِ تأتي
من قبضةٍ شدّتْ على خصرِ الحجرْ ..
من كلِّ .. لا ..
من خيمةٍ من كلِّ دارْ ..
من طفلةٍ قبضتْ على حدِّ النهارْ ..
دمنا منارْ ..
سنظلّ نصرخُ في الطريقِ إلى الطريقِ ..
إلى الديارْ
للأرضِ إنّا عائدونْ ..
إنّا إليكم عائدونْ ..
يدنا تشدُّ على الزنادْ ..
دمُنا منارْ ..
خطواتنا من كلِّ دارْ ..
ستهبُّ إنّا عائدونْ ..
فلكَ النهارُ لكَ النهارْ ..
أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ ..
شجرٌ وميلادٌ .. وأنتْ ..
هذا النهارُ إلى النهارْ ..
للسجنِ والسجانِ قضبانُ الحديدْ ..
ولهم ظلالُ ظلالهمْ ..
ليلٌ لهم ..
ولهم زوالْ ..
أطلقْ جميعَ الأغنياتْ
والذكرياتْ
الأرضُ لكْ ..
والدارُ لكْ ..
ولكَ النشيدْ ..
أنت الذي فجرتَ في الشجرِ الثمرْ
أنت الذي عبّأتَ بالماء المطرْ
أنتَ الذي أرّختَ في الأرضِ الجذورْ
أنتَ الذي أعطيتَ للزمنِ البذورْ
أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ ..
في زهرةِ الليمونِ أنتْ ..
في حبّةِ الزيتونِ أنتْ ..
في البرتقالْ ..
فليصرخوا ..
وليقبعوا خلف الأكاذيبِ القصارْ
وليرفعوا سجناً وقضباناً ونارْ ..
فإلى زوالْ ..
لابدّ أن يأتي النهارْ ..
أنتَ الطليقُ .. وأنتَ أنتْ ..
في صرخةِ الميلاد أنتْ ..
في خطوةِ التاريخ أنتْ ..
الشمسُ أنتْ ..
الأرضُ أنتْ ..
الدارُ أنتْ ..
لابدَّ أن يأتي النهارْ ..
لابدَّ أن يأتي النهارْ .
وفجأة ابتسمت وصرت أغني للحياة من جديد .
|