رفات أديبة
[align=justify]
يقال عندما يشتد جنون الأحزان، إن جراح الروح وحدها لا تندمل، إلا أن الأدب نشأ ليكون الإستثناء في كل شيء، حتى الحكمة التي سطرها تاريخ البشر. هي جراح الجسد لا تندمل أيضا، تزداد قسوة كلما لاحت في الأفق قطرة أمل. تفاديا للإسهاب في كلام قد يرتدي وجاهة لا يستحقها، فإن مسيرة الأديبة المغربية مليكة مستظرف أثبتت أن آلام الجسد و الروح متكافئة، و باستطاعتها أن تقتل. على كل حال، فالبعث مستحيل، غير أن مناجاة رفات الأديبة ممكنة و فيها مركز العزاء
إذا، أضيئوا الشمعة، ذلك الشعار الرمزي القديم الذي يختصر الإحساس النقي بمرارة الذكرى، و احملوا الكفن المغلف بريش طيور مالك الحزين أو لا تحملوه، فمليكة لم تمت، إنها كمثل أولئك العظماء الذين يدخرون حياتهم لكتابة الحقيقة المتحررة من زيف الايديولوجيا، و بعد الموت البيولوجي التافه، يتحولون إلى نقط وامضة تسهل العثور المتجدد على المبحوث عنه و على المجهول الجميل. لقد شاء المجتمع المقفر الذي سعت مليكة إلى غرس شعور المسؤولية بين ثناياه، أن يقتلها، فهو المجتمع الوطواط، إذ يأوي مذعورا إلى وكره الحالك حالما يرسل الفجر خيوط النور الأولى:"إنهم يكرمون الأدباء بعد موتهم، لأننا شعب يقدس الجثث"، أجل سيدتي، نحن بكل فخر و اعتزاز، شعب جثة.
من الصعب أن ينثر يراع الحزن في ذكرى رحيل مليكة شركاء جريمة قتلها، كلنا شاهدناها تغرق، كلنا شاهدناها تنطفىء، كلنا قتلناها، لم تتحرك كواسر الرثاء على الأقل تلبية لواجب انساني ملح. دعوني أتساءل عن الوصف الملائم لمجتمع يقتل سفراء السماء؟ أ لم تؤكد مليكة في كتاباتها أنها تحس بأثقال المغاربة؟ لقد اقتسمت معهم خبز البؤس، و بذور حقول أنهكها الجفاف الأخلاقي قبل جفاف الماء. لا يهم الحزن المتأخر، فقد رحلت مليكة ملتحفة حديث النهاية و الموت يقترب منها بخطى عميقة و جريئة، كانت الوصية أن لا يسمح الإنسانيون للنسيان بافتراس ذكراها. ما أقسى أن يرى الإنسان بعينيه الضمير يحتضر، و ما أشد قسوة لمسه للخيانة في موقف مجتمع كان يعتبره قضيته الجوهرية. هذه المرارة عاشتها مليكة روحا و جسدا. غير أنها صمدت، فقد رفضت الحياة في البداية أن تهب وردة الفصول الأربعة ضحية هينة للموت.
هي بعيدا عن لواعج الأسى المستطيرة، رحلة لكاتبة قديرة، ربطت النص الأدبي الناطق باللغة العربية بالخصوصية الثقافية و تحديدا اللغوية و الإجتماعية المغربية، المفردات و رشاقة الأسلوب، فضلا عن المحتوى المعرفي، عناصر أساسية ترفع مليكة مستظرف إلى مستوى صفة الأديبة المغربية، إذ أن أغلب الإبداعات النسائية المغربية متأثرة بالغرب أو بالشرق، بينما تبقى مليكة مستظرف الوحيدة، في نظري، التي التزمت بترجمة الواقع المغربي وفق رؤية مغربية على صفحات كتاباتها الأدبية.
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|