المطران كبوجي
راجح الخوري - من جريدة النهار اللبنانية -
إنه أيقونة القضية الفلسطينية وصوتها الذي لا يتعب، غضبها الذي لا يلين ومناضلها الذي لا يكلّ أو يتراجع. هيلاريون كبوجي مطران القدس السابق للروم الكاثوليك. سيدنا الذي رفع ويرفع عصاه في وجه نار الاحتلال والعدوان، كما رفع موسى عصاه في وجه البحر.
سيدنا الذي ركب "أسطول الحرية" لكسر الحصار على غزة، وعندما نزل بعد جريمة التصدي الاسرائيلي الدموي للأسطول، شاء ان يقف ليختصر تاريخا في كلمات ويضيء على واقع في عبارات لا يجوز ان تضيع وسط الدوي الكبير، الذي أحدثه الهجوم الاسرائيلي الصفيق على الاسطول.
هيلاريون كبوجي ابن الثامنة والثمانين أطال الله في عمره وشدَّ من عزيمته، التي لا تلين، يقف عند الحدود السورية – الاردنية بعدما أطلق العدو الاسرائيلي سراحه ليقول: "لقد قمنا بتعرية اسرائيل واظهارها على حقيقتها وهي البلد الذي لا يسعى إلا الى تجاوز حقوق الشعوب العربية والفلسطينية".
لا سيدنا هـــذه المرة قمتم، وأنت تمتطي أمواج الحرية وترفع شراع الحق، بتعرية مثلثة البعد: تعرية اسرائيل دولة العسف الدموي والعدوان الاحمق. تعرية الانظمة السياسية في العالم العربي التي تعجز منذ ستة عقود عن مواجهة المحتلين القتلة.
تعرية الأمم المتحدة والشرعية الدولية والدول الكبرى وكل هذه القوى عجزت وتعجز عن الادلاء باعلان صريح وأخلاقي وشجاع مثل الاعلان الذي أدليت به. وأنت ابن الثامنة والثمانين و"خريج" المعتقلات الاسرائيلية تقف متوجا بأوسمة المجد، والمبعد قسرا الى "صقيع" روما وحاضرة الفاتيكان تحلم دائما بحرارة فلسطين ودفء القدس.
تقول: "لقد كبّلوني وأهانوني شخصيا وحاولوا رميي ايضا". لكنهم كانوا يكبلون الحق ويهينون العدل وحاولوا تعفير جبهة الفاتيكان والعالم بأرض السفينة التي تحمل المساعدات الى الذين يعانون في غزة.
عندما ضرب كبوجي أرض الغرفة بعصاه، كان من الضروري ان يستمع العرب من المحيط الى الخليج الى كلماته التي تختصر تاريخا يتصبب "عرقا" وتصف واقعا يتقوقع حياء:
"ان قوة اسرائيل نسبية وليست مطلقة. انها قوية لأننا نحن ضعفاء. ان ضعفنا ناتج من تفككنا... وكل بيت ينقسم على نفسه يضعف"!
فعلا لقد مضت اسرائيل بعيدا وهي تسير فوق ذلك الوهن العربي الذي لا ينتهي والقصة ليست في قوتها بل في ضعف العرب.
ربما على الذين يحاولون تحريك عجلة التسوية، مثل الرئيس باراك أوباما وموفده جورج ميتشل، أن يستمعوا ايضا الى شهادة كبوجي: "ان عدو اسرائيل اللدود والاكبر هو السلام. الخطر الاكبر على اسرائيل هو السلام". لانه يعني حدودا تتوقف عندها بالضرورة، كل سياسة التوسع وقضم الاراضي العربية.
نعم يا سيدنا. شيخوختك المفعمة بالقوة وبروح الشباب والحماسة، لم تدفع اسرائيل وحدها الى العراء، بل هناك صف من "العراة" يمتد من أقاصي الشرق الاوسط الى أقاصي اميركا مرورا بأوروبا والدول الكبرى، لكن الذين استحوا ماتوا
!.