15 / 02 / 2017, 12 : 11 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
صراع الظلال...
خاطرة..
[align=justify]في ذلك العصر المُوغِل في الآنيَّة، خرج علينا قزماً يسحبُ خلفه ظلاً بطول تاريخنا المكتوبة أمجاده بحروف من سراب...
دقَّقتُ النظر في وجهه طويلاً، فألفيتُ ملامح أليفة وابتسامة متسامحة لا تكاد تغيب، تَرِفُّ على شفتين تقطران عسلاً ودفئاً وحناناً... اطمأن قلبي، وهدأَتْ حناجر القلق في هواجسي... لكنَّني حين التفَتُّ إلى ظلِّه الطويل مُستطلعاً مدى تطابق ملامحه مع ملامح صاحبه، راعني التناقض الصارخ بين الظلِّ وصاحبه... دقَّقتُ ثانية باحثاً في نقطة التقائهما عن فاصل يفصل الظلَّ عن صاحبه، فلم أجد، فاتسعَتْ عيناي دهشة، وغاص القلب في الوحل صرخةً بلا صدى...
تركتُه يرتع ويلعب، ورحلتُ مُيَمِّماً شاطئ البحر... وهناك، على طول الشاطئ الممتدِّ من الهزيمة إلى الهزيمة، ومن الإحباط إلى الإحباط، وجدتُ الأجساد تتوالد دون توقف، ثم تستلقي على الرمال الذائبة بتكاسل، وتتثاءب ببلادة قبل أن تغطَّ في سبات الصمت واللامبالاة، تاركةً نبضَ الحركة والفعل لظلالها التي احتلت كلَّ مساحة الشاطئ...
غادرتُ شاطئَ الظلال ناشداً المدن الواسعة، حيث الحركة مازالت، كما توهَّمتُ، لسكانها وليس لظلالهم.. فإذا بي أجدُهم وقد حلَّ بهم ما حلَّ بالذين على الشاطئ... لقد نام سكان المدن أيضاً، ماتوا أحياءً، وتركوا ظلالهم تمارس الحياة بدلاً عنهم...
في كلِّ الأمكنة التي ذهبتُ إليها، كانت الظاهرة نفسها تصفع قدرتي على الاستيعاب... فكَّرتُ في الأمر طويلاً... ما الذي حدث لأناس هذا العصر؟ وجوهُ هادئةٌ وكلام حلو يَقْطُرُ من الشفاه المُطْبَقَة.. تستمع لحديث أيٍّ منهم، إذا أيقظته، فيُدهشُك أن تجدَ الفضيلةَ محورَ أحاديثهم جميعاً، وأن تجدَ الدعوةَ إلى التزام الإنسانية في السلوك عُرْفَهم ودينهم الذي يتعصبون له، والخُلُقَ السامي النبيل أغنيتَهم الوحيدة التي تسمعها أينما سرتَ واتجهت... فتبتهج نفسك وتطيب، وتصبح عواطفك بحراً متلاطم الأمواج انفعالاً وسعادة وإعجاباً..
لكن، ما إن تُغادر أولئك المتحدثين عن الفضيلة والخلق والإنسانية، حتى يصمتوا ويعودوا ليغطُّوا في سبات لامبالاتهم من جديد، تاركين لظلالِهم أن تفعلَ، على أرض الواقع كلَّ ما يُناقض الفضيلةَ والإنسانية، لقهر كل مَن لا زال يرفض الاستسلام لطغيان تلك الظلال ويصرُّ على البقاء إنساناً!.. [/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|