02 / 03 / 2017, 39 : 01 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام
|
مقاربة نقدية للقصة القصيرة " واشتعل الرأس جنونا"
رابط القصة" واشتعل الرأس جنونا " :
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=7138
يقول جان لاكروا:" "الجنون يبتدئ بالضبط عند النقطة التي تضطرب فيها علاقة الإنسان مع الحقيقة" ************************************************** ************************************************** *******
إن جمال هذا النص القصصي يتجلى في اختلافه وفي بلاغته الجنونية الطافحة بالاستعارة في عتبته - العنوان - واشتعل الرأس جنونا - هذا الاشتعال الاستعاري المجازي الذي يفيد الشمول والشيوع هو اشتعال وجنون مصطنع للخروج من مأزق الجنون الحقيقي .
فالتقليب الأولي للعنوان يفصح عن جمالية طاغية بلاغية متنوعة في ثنايا النص ، لذا يتربص القارئ هذه الجماليات بحذر ، حتى يتلمسها ولا تنزلق منه ،
وهذا ما دفعني إلى قراءة النص مرات عديدة ، فأجد العودة إلى الوراء تلازم القاص طلعت أيضاً مما خلق أسلوبا تشويقيا ..
* **أين كنا ياسيدي.. أما قلت لك إن الأشياء تصبح في بعض الأحيان غائمة إلى حد مرعب.. تصور: أنا المدعو سحبان التائه أبو الندى، المجنون المسكين، يريدون شطب كلامي... لماذا ..؟؟؟ وما الداعي إلى ذلك، ما دام كلامي كلام مجانين ؟؟...
لا بأس.. لا بأس.. سأعود إلى الموضوع"""
هنا تصعيد في القول ، وتصريح بالنفي والرفض ،واندماج كلي في الجنون والتلذذ به والانغماس فيه ،
((((الجنون شرف أدّعيه، وأنت، أقصد سيادتك، ترفض أن تمنحني الحق في اكتساب هذا الشرف... !!..)))
الجنون رمز إلى رفض مايُلزم وما يُجبر ، ومقاومة للقهر والظلم، إن الجنون يحمل صفات التقلب وعدم الثبات والاضطراب ، لكن جنون -المدعوسحبان التائه أبو الندى -هو جنون معقلن تتحكم فيه مشاعر راقية بعاطفية جامحة ملتهبة .
((كما قلت لك، كنت ومازلت - وإن كنت مجنوناً - مسكوناً بحب الوطن. لا تظن أنني تغيرت.. حب الوطن لا يتغير ولا يتبدل-))
إن هذه القصة تضعنا أمام شخصية تعشق الابتسامة، وتعيش لأجلها ولكن حين حُرمت منها- بسبب الأحداث الأليمة المتوالية - اصطنعت الجنون واختبأت تحت ظله ، اقتناعا منها أن الحياة بدون إشراقة ابتسامة حقيقية هي جنون وحرمان .
حين يتسلط الظلم ، ويطغى القهر ، تختفي تحت جبروته، ملامح البسمة والنور ، تذوب فتغيب
في زمن الفعل غير الحقيقي ، يحاول السارد استعادة زمن الأمل ، في إطلالة أوسع وأعمق ، هو الزمن الأول زمن الابتسامة الحقيقية ،
(((الحب والجمال والروعة... ابتسامتي ابتسامة حقيقية، تنبع من الداخل.. سعادتي سعادة متوقدة تعبر عن صدق إحساسي بجمال الأشياء.. وهي لا تشبه أي سعادة معلبة تظهر على الوجوه دون مرتكزات حقيقية.. هكذا كنت، فتصور جمال الحياة، حين تكون هكذا)))
هكذا هو الزمن الأول والذي يطمح إليه السارد ، زمن نطمح إليه رغم تقلباته ، رغم جنونه، هو زمن الفعل الحقيقي .
لقد أسرنا السارد - طلعت سقيرق - بلغته البسيطة المتحكمة الرزينة ،لنُغرق معه في حكاية الشخصية الرئيسة - سحبان - المشحون بلحظة ، إشراقة ابتسامة غير مزيفة ،المترقب لولادة سلام حقيقي ، سلام لا يصطدم بقيود الغدر والزيف والكذب (((ثم كيف وعلى أي أساس يصير" السلام" مع القاتل قطعة حلوى يتناولها كل واحد وهو يرقص ويهلل، وكأنه حقق نصراً مبيناً؟؟ و الأنكى من كل ذلك، أن يتسابق المسؤولون، لفتح أبواب بلادهم أمام هؤلاء القتلة !!..ياسيدي دم الشهداء لم يجف بعد.. هذا حرام))))
ومن جوف هذا الترقب والحلم تنبعث تساؤلات عدة :
لماذا يحدث كل هذا "؟
أنا المدعو سحبان التائه أبو الندى، المجنون المسكين، يريدون شطب كلامي... لماذا ..؟؟؟ وما الداعي إلى ذلك، ما دام كلامي كلام مجانين ؟؟...
أي نظام شرق أوسطي جديد هذا الذي يريدون أن يقيموه ؟؟ وفي خضم هذا الفيض من التساؤلات يتململ سؤال جوهري نتقاسمه مع سحبان وهو سؤال الرقابة وسلطة التلصص ، والتحكم في المشاعر (((سيدي.. تصور أن تتحرك وأنت تشعر أن فوق كتفيك رقيباً عتيداً من البشر ..)) إيحاء قصصي يتوزع في ثنايا النص ، ليُزيح ثقلا في الفكر ورمادا غطى اليأس والقهر، لتعلو الفرحة من جديد محيا سحبان (((يا لسعادتي.. صدقني هذا من دواعي سروري وغبطتي.. هذا يعني أنني غير مطالب بالابتسام.. أنا المدعو سحبان التائه أبو الندى غير مطالب بالابتسام)))
لقد نجح القاص وبمهارات أسلوبه الإيحائي الرمزي أن يصور الصراع النفسي الداخلي للبطل ،.
(((لا أدري بالتحديد من أين أبدأ؟! -أعرف أن جملي أصبحت مفككة.. أظن وهذا أمر في غاية الأهمية)))
وأن يصف الإطار الخارجي للصراع،
((( بيريز راح، نتنياهو جاء.. نتنياهو راح بيريز جاء.. وجه واحد صدقني.. حتى الايدز حاولوا أن يهربوه إلى البلاد العربية) عبر تيمة أساسية تيمة الجنون التي حركت العملية السردية ، وجعلت الشخصية المحورية الأكثر تبئيرا في القصةالقصيرة تبين زيف الابتسامة .. وتحاول تبيان أن جنونها هو جنون مفتعل للتخفي والتستر ، وكذا هو جنون حكيم للكشف والبوح والفضح ..
هكذا هي الرؤيا القصصية عند طلعت سقيرق في قصته - واشتعل الرأس جنونا - تعبر عن حقيقة الجنون الرافض للابتسامة المزيفة بأسلوب رمزي ، غير عادي ، إيحائي ،تمكنت من إرباك القارئ ودفعه إلى التأمل بعد القراءة الأولى للوقوف عند تلك التلميحات والتقاط رمزية الإشارات..ورمزية الجنون المفتعل المقصود ..
...هو جنون متمرد وواعي .، هو جنون حكيم يكشف عن الحقيقة ويتوصل إليها ..
هو جنون بمحتوى إيحائي وبقلم مبدع متمكن..
رابط القصة :
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=7138
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
التعديل الأخير تم بواسطة د. رجاء بنحيدا ; 26 / 05 / 2017 الساعة 25 : 09 PM.
|
|
|