16 / 09 / 2008, 30 : 12 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
17 أيلول ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت
استيقظت بيروت صبيحة 17 أيلول / سبتمبر 1982 ، على هول مجزرة مخيفة بحق لاجئي مخيمي صبرا وشاتيلا بجنوب بيروت، تحت إشراف قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال غزوها الشامل للبنان الذي حمل زوراً اسم «عملية سلام الجليل»، بقيادة رئيس الوزراء الصهيوني "مناحيم بيغن" ووزير الدفاع "أرييل شارون " ورئيس الأركان "رافائيل ايتان".
ها نحن اليوم وبعد مرور 26 سنة على المذبحة التي ذهب ضحيتها آلاف الفلسطينيين واللبنانيين، لم تزل فصول تلك المأساة الرهيبة حاضرة ماثلة في الأذهان وستبقى!
في الساعة الخامسة مساء 16 أيلول/ سبتمبر 1982 دخلت عصابات الموت إلى المخيم، وأطبقت على سكانه المدنيين تعذيباً وتمثيلاً وقتلاً ، وفيهم الأطفال في الثالثة والرابعة أغرقوا بدمائهم وحوامل بُقرَت بطونهن ونساء اغتصبن قبل قتلهِنّ ورجال وشيوخ ذبحوا.
نشرت تلك العصابات الرعب في المخيم وتركت لنا وللأجيال ذكرى مجزرة وحشية لا يتصورها عقل وألماً لا يمحوه مرور الأيام في نفوس الناجين.
بعد 48 ساعة من المجزرة الوحشية تحت سماء بيروت الغربية التي أنارتها القوات الإسرائيلية بالقنابل المضيئة، أحكمت آلياتهم إغلاق كل مداخل النجاة إلى المخيم، فلم يسمح للصحافيين ووكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة في 18 سبتمبر، ليجد العالم آلاف الجثث المشوهة لأطفال وشيوخ ونساء ورجال من الفلسطينيين واللبنانيين على السواء.
في ذلك الحين هزت هذه المذبحة في فظاعتها الضمير الإنساني والعالمي بمجرد نقل أجهزة الإعلام أخبار وصور ضحاياها إلى مختلف أنحاء العالم ، وروعت الناجين وتركت في نفوسهم ندوباً من الألم لا تمحى أبداً.
من تبقى من أحياء كانوا قد فقدوا كل شيء، آباءهم وأمهاتهم وإخوانهم وأطفالهم وبيوتهم وحتى صور الأحبة، ولم يتبق لهم من كل ذلك إلا ذكريات الجثث المشوهة وغبار الشوارع وأنقاض المنازل المهدمة.
نفذت مذبحة صبرا وشاتيلا بأيدي عصابات من حزب الكتائب اللبنانية بقيادة ومشاركة وإشراف وحماية القوات الإسرائيلية بقيادة شارون وايتان، وكانت قد تسربت للإعلام صور شارون وهو يحمل منظاره ويستمتع بمراقبة المجزرة والإشراف عليها، وتشير التقديرات إلى أن عدد القتلى بلغ 3500 قتيل، أغلبهم من الفلسطينيين، بينهم لبنانيون أيضاً. ففي ذلك الوقت، كان المخيم مطوق بالكامل من الجيش الإسرائيلي.
لجنة التحقيق الإسرائيلية «كاهان» نفسها اضطرت أن تقر لاحقاً بأن القيادة العسكرية الإسرائيلية التي كانت مسؤولة عن سلامة المدنيين في المناطق المحتلة تجاهلت إمكان حدوث مذبحة، ولم تفعل ما كان متوقع منها لوقفها عندما تلقت المعلومات عنها.
ويروي أحد سكان مخيم برج البراجنة والذي كان يومها في السادسة عشر من عمره كيف سمع للمرة الأولى عن مجزرة صبرا وشاتيلا، وذلك عندما كان خارجاً من صيدلية عثمان في منطقة "برج البراجنة" بعدما اشترى المهدئات لوالدته التي كانت على حافة الانهيار العصبي، بعد ثلاثة أشهر من القصف الإسرائيلي لبيروت الغربية. ويضيف أن شاباً فلسطينياً أخبره عن المجزرة في طريق عودته من الصيدلية.
وقال «ما زلت أذكر وجهه، كان أشقر وذا لحية قصيرة وعينين زرقاوين متعبتين. اسمه طارق». وأضاف: «لقد أخبرني وبعض المارة أن الإسرائيليين وبعض اللبنانيين يقتلون الناس بالسكاكين والبلطات وأنهم يقتلون الأطفال ويغتصبون النساء.
في البداية لم أصدقه أو على الأصح لم أرد تصديقه، لذا عدت إلى البيت وقمت بتشغيل الراديو وأخذت في الانتقال من محطة لأخرى لأتحقق من الخبر حتى تيقنت في الساعات المتأخرة من الليل أن شيئاً فظيعاً يحدث ومع مشاهدة القنابل المضيئة تنير ظلام مخيمي صبرا وشاتيلا تأكدت لنا الحقيقة المرعبة، لقد أمضيت بقية الليل على سطح المنزل قرب الراديو، وفي ساعات الصباح المبكرة بدأت إذاعة لبنان العربي باستجواب شهود عيان للمجزرة، وذكروا أن هناك مصادر مختلفة أبلغت عن حدوث مجزرة في صبرا وشاتيلا،وفي نشرةالصباح أعلنت إذاعة لبنان الرسمية حدوث المجزرة وأن الإسرائيليين وحلفائهم بحزب الكتائب اللبناني بعد تنفيذها قد انسحبوا من محيط المخيمين وأن الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي قد أخذوا بزمام الأمور هناك، وتدفق الصحافيون ومراسلوا التلفزيون اللبنانيون والأجانب إلى المخيمين ، عند الظهر قررت أن أذهب وأشاهد بنفسي ما جرى، المخيمان كانا على بعد ميلين من برج البراجنة لذا عزمت على أن أذهب سيراً، ما زلت أذكر المسار الذي سلكته: شارع الإمام علي (حيث كنت أسكن)، شارع عثمان، المنشية، شارع بعجور، حارة حْرِيك، الغْبَيْري، طريق المطار، نزلة السفارة الكويتية، حتى دخلت عبر المدخل الجنوبي لمخيم صبرا، وكانت المنطقة تزدحم بالجنود اللبنانيين ورجال الصليب الأحمر اللبناني والهلال الأحمر الفلسطيني والصحافيين، الجميع يضعون الكمامات، أول ما شاهدته كما أذكر جيفة حمار رمادي وقد اخترقه الرصاص وحام عليه الذباب، وعلى بعد أمتار أسفل الطريق كانت ملقاة جثة رجل عجوز، شعرت بالغثيان ومع هذا قررت المتابعة، رأيت امرأةً في منتصف عمرها ترقص بشكلٍ هستيري فوق كومة من جثث الأطفال وتشد شعرها وتلطم وجهها ، ورجل ينشج من البكاء وهو يحاول تهدئة روعها بينما يحتاج المسكين من يهدئ روعه، ما زلت أذكر وجهها الممتقع الدامي، وبجوار كومة أخرى من الجثث كانت تجثم امرأةً أصغر في السن من السابقة، وكان وجهها معفر بالتراب. فجأة رفعت رأسها وبدأت بشق ثوبها إلى أن منعتها امرأة أخرى تصيح: الله يا خدك يا إسرائيل».
وعلى الرغم من هول المذبحة وصور شارون التي تسربت عن طريق الكتائب أفلت من المقاضاة كالعادة، ولجنة التحقيق قامت بتبرئته وادانة الكتائبي اللبناني إيلي حبيقة ، والذي اغتاله الصهاينة في بيروت حين أعلن أنه سيشهد في المحكمة الدولية بكل تفاصيل مجزرة صبرا وشاتيلا التي تمت بقيادة شارون شخصياً.
جسدت مذبحة صبرا وشاتيلا علامة على مرحلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي بعد توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاق كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، الذي استثمروه لصالح التوسع وقاموا باحتلال أول عاصمة عربية " بيروت "بعد احتلال فلسطين.
ورغم محاولة أطراف كثيرة طمس الشراكة اللبنانية من جانب (طرف بعينه) إلا ان إسرائيل اتهمت في البداية قوات العميل سعد حداد بارتكاب المذابح التي وقعت في المخيمات وذهب ضحيتها ما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمئة شهيد من المدنيين.
وتدارك العدو الصهيوني موقفه لصالح عميله حداد، وعاد ينفي صلة قواته في المذابح وأعلن أن حزب الكتائب (أبان رئاسة بشير الجْمَيَِلْ) هو الذي قام بارتكاب المجازر الوحشية داخل المخيمات.
وقالوا: «حاولنا بما في ذلك استخدام القوة ضد العناصر المتطرفة من الكتائب لمنعهم من ارتكاب المجازر ضد اللاجئين».
وأعلن وقتها بيان الحكومة الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي «أجبر الميليشيات المسيحية الكتائبية على مغادرة المخيمين فور علمه بوقوع الحادث إلا أن القوات اللبنانية ومجلس الأمن الكتائبي نفيا ما تردد عن مشاركة عناصر كتائبية في الأحداث التي جرت في المخيمات الفلسطينية في بيروت الغربية.
الحقيقة أنه على امتداد 43 ساعة من أيام 16و17، و18 أيلول/ سبتمبر استمرت المذبحة بالتخطيط والتوجيه والإشراف المباشر والمشاركة من جانب آرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك وأكملها باغتيال " إيلي حبيقة " قائد القوات الكتائبية المشاركة والذي كان قد أعلن أن بحوزته الكثير من المعلومات والوثائق ضد شارون شخصياً وجنوده ، دون أن ينفي اشتراكه بالمجازر والذي كان قد أعلن أنه بشهادته يريد إراحة ضميره المثقل مهما كان الثمن ، فتم اغتياله قبل وصوله للمحكمة».
وكانت قد أعلنت لجنة تحقيق قضائية إسرائيلية برئاسة القاضي كيهان والذي عرفت باسمه في تقريرها النهائي العام 1983 بأن المسؤول المباشر عن قيادة هذه المذابح هو " إيلي حبيقة" الذي كان يقود ميليشيات الكتائب بلبنان، وأكدت أن شارون وعدداً من الضباط الكبار بالجيش الإسرائيلي كانوا مسؤولين مسؤولية غير مباشرة عن هذه المذابح، وبعد إعلان نتائج التحقيق استقال شارون أو أقيل من منصبه.
وتشكلت لجنة تحقيق دولية العام 1982 بمشاركة رجال قانون بارزون من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا برئاسة المحامي والسياسي الإيرلندي البارز شون ماك برايد الحائز على جائزة نوبل للسلام في العام 1974.
وأكدت اللجنة في تقريرها بأن "إسرائيل" تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية القانونية عن مذابح صبرا وشاتيلا وذلك لأن "إسرائيل" كقوة احتلال كانت تسيطر على منطقة المذابح وبالتالي فهي مسؤولة عن حماية السكان طبقاً لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي وقعت عليها دولة العدو الصهيوني، وأصبحت ملزمة بها.
واستخلصت اللجنة بناء على الحقائق المقدمة إليها أثناء الجولات التي قامت بها إلى كل من لبنان وفلسطين المحتلة والأردن وسوريا وبريطانيا والنرويج بأن "إسرائيل " قامت بالتخطيط والتحضير للمذابح ولعبت دورا في قيادتها وتسهيل عمليات القتل من الناحية الفعلية واعتبرت اللجنة مذابح صبرا وشاتيلا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ورأى أغلبية أعضاء لجنة التحقيق الدولية انها جرائم إبادة (جينوسايد).
في نيسان / ابريل 2003 صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت كتاب: صبرا وشاتيلا... للدكتورة "بيان نويهض الحوت" جمعت بين دفتيه شهادات الناجين من سكان صبرا وشاتيلا من الفلسطينيين واللبنانيين، لتقدم مشاهد حية على بشاعة حقول القتل الجماعي التي ارتكبها السفاحون والذين أكدوا جميعهم مشاركة الجنود الصهاينة في المجازر وأن الفرقة الكتائبية كانت تابعة لهم وتحت امرتهم.
أوردت كذلك د. بيان نويهض في كتابها تفاصيل لغز قذيفة الآر.بي.جي التي أطلقها شخص مجهول على تجمّع للقتلة وهرب القتلة المدججون بالسلاح خارج المخيّم لينقذ الجرحى المساقين للذبح.
وتلخص الحكاية في إيجازها على التناقض بين وحشية القاتل الإسرائيلي وعميله اللبناني من جهة، وخوائه وذعره الداخلي الذي يتفوق على ذعر الأطفال.
بعد نحو عشر سنوات في تموز / يوليو 2006 استهدفت " قانا" الأولى( وقانا الثانية 2006) بقصف إسرائيلي مما أدى إلى سقوط 300 مدنيًّا بينهم 30 طفلاً. ونفذت المذبحة في عهد حكومة حزب العمل وأطلقت عليها اسم «عناقيد الغضب» استنادا إلى قاعدة إطلاق أسماء توراتية على أبشع العمليات العسكرية.
مجازر «السلام الفتاك»
من الخطأ اختزال الإرهاب الصهيوني في مجرد مذبحة أو مجزرة نفذت فصولها سواء على أرض فلسطين أو على التراب اللبناني أو مصر أو في أي أرض عربية، بأيدي الإرهابيين الإسرائيليين.
والحاصل أن إسرائيل ككيان ودولة غاصبة لفلسطين في العام 1948 قامت أساسا على عقيدة تمجد الإرهاب والقتل وترويع المدنيين أصحاب الأرض وإجبارهم على النزوح وتشريدهم، حتى يمكن للمهاجرين اليهود القادمين من أرجاء العالم أن يرثوا هذه «الأرض التي بلا شعب».
وتستند عقيدة السفاحين الإسرائيليين إلى أدبيات الإرهابيين الأوائل من أمثال فيلاديمير جابوتنسكى الأب الروحي لأسطورة «إسرائيل الكبرى» ومنهم تلميذه مناحيم بيغين الذي نفذت مذبحة صابرا وشاتيلا أبان رئاسته للحكومة الإسرائيلية، فضلا عن كونه راعى مذبحة دير ياسين في 9 نيسان /أبريل 1948 والتي نفذتها منظمتان عسكريتان صهيونيتان هما: الآرغون (التي كان يتزعمها بيغين) وشتيرن (التي كان يترأسها إسحق شامير الذي خلف بيغين في رئاسة الوزارة)، وتم الهجوم باتفاق مسبق مع الهاغاناه، وراح ضحيتها زهاء 260 فلسطينيّا من أهالي القرية العزل، ناهيك عن مجزرة حيفا وكثير جداً من المجازر المماثلة.
وانطلاقا من عقيدته: «أنا اقتل إذن أنا موجود» أرسل بيغين برقية تهنئة إلى رعنان قائد الآرغون المحلي هنأه بهذا الانتصار العظيم، الذي صنع تاريخ إسرائيل. وفي كتابه (الثورة) أقر بيغين «لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل».
وحتى تكتمل أركان صناع المذابح يجيء دور آرييل شارون وزير الدفاع الذي هندس غزو لبنان، وسوقه إعلامياً باسم «سلام الجليل» مستندا إلى تاريخ ملطخ بدماء ضحايا مجازره طيلة مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي. فهو قاتل مئات الأسرى المصريين في حربي 1956 و1967. بطريقة لم يسبقه لها أي سفاح عبر التاريخ كله، حيث أجبر الجنود المصريين على حفر قبورهم بأيديهم قبل أن ينفذ عملية قتل جماعي لهم، بالإضافة لمجزرة مدرسة بحر البقر التي ذهب ضحيتها عدد كبير من الأطفال المصريين.
على أن ما جرى في مذبحة صابرا وشاتيلا يفوق كل ميراث المجازر الإسرائيلية، فهي أنموذج للقتل بشهوة الدم والرغبة في الثأر من أبرياء عزل، ذنبهم الوحيد انهم فلسطينيون أو أنهم لبنانيون تحالفوا وساندوا اخوانهم الفلسطينيون واحتضنوهم.
والمثير للدهشة أن دولة العدو الصهيوني هندست مذبحة صبرا وشاتيلا بعد مضي 14 يوماً على رحيل رجال المقاومة الفلسطينية عن بيروت وانقضاء يومين على انسحاب القوات المتعددة الجنسيات من لبنان. وفق اتفاق أبرمه فيليب حبيب اللبناني الأصل ومبعوث الرئيس الأميركي رونالد ريغن.
دروس مذبحة صبرا وشاتيلا على كثرتها تذكرنا اليوم في التهافت العربي إلى السلام مع الصهاينة والتطبيع معهم وفتح الأسواق لمنتجاتهم الكاسدة!
لدعم اقتصادهم الذي يصنع أسلحة الدمار والإرهاب والترويع والقتل.
نعم..
امضوا أيها العرب واستقبلوا الصهاينة وافتحوا لهم أسواقكم
فالسلام خيار استراتيجي للعرب مع قتلة شعوبكم
في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا نتذكر ونصفق للسلام هكذا!

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|