رد: همسات دمشقية
[align=justify]الهمسة (2)..
أهيمُ في صبوة عشق دمشقية تمتدُّ، في البال المشتعل بحرائق القلق والخوف، حَارَةً طينيةً قديمة تغفو وادعةً على ذراع طفلةٍ أبدية اسمها (دمشق)..
حارَةٌ... وأيُّ حارَة تلك التي ما زلتُ أهيمُ عشقاً بها.. إنَّها ذاكرةُ انتمائي الدمشقية التي مازال يسري في جدرانها الرطبة حنينُ التراب إلى التراب؛ ومازالت تفوح، من أطراف حدائقها المُخبَّأة وراء الجدران العالية لبيوتها، روائح كثيرة تأبى أن تُمحى من الذاكرة:
أولاها، رائحة أبي وهو يخطُرُ، في باحة الدار، مُتألِّقاً بنخوته وكَرَمِه، وبدفء ذلك الحبِّ الخاص الذي يتسعُ للجميع، الحبُّ الذي امتاز به الإنسان السوري على مرِّ الدهور..
وثانيتُها، رائحة أمي التي امتزجَت فيها، على نحو غريب رائع، روائح خبزها التنُّوري وقهوتها المُطيَّبةِ بالحبِّ وغسيلها المعطَّر بالحنان..
وثالثتُها، روائح المكان الدمشقي المُمَيَّزَة التي يستحيلُ أن تُغادر أيَّ ذاكرةٍ دخلَتْها.. إنها روائح زهر النارنج والكبَّاد والياسمين البلدي والورد الجوري، ممتزجةً ومُعَتَّقةً معاً، في وطنٍ اسمه سوريا، يرتسمُ ابتسامة حبٍّ صادقة اعتاد أبناؤه أن يُطوِّقوا بها كلَّ مَن دقَّ بابهم ضيفاً أو لاجئاً أو خائفاً أو طالبَ حاجة..
ولسبب ما، مازال غامضاً، اتهمَ العالم الماديُّ القاسي كلَّ هذه الروائح بالإرهاب، خصوصاً بعدما تأكَّد له أنَّ كلَّ مكوناتها طبيعية..
ولسبب ما، ما يزال غامضاً أيضاً، اتخذ قراره الظالم بإحراق مُوَلِّدات كل تلك الروائح بنار الكراهية والحقد والفتن..
فهل ثمة من يأتي ليُصحِّحَ مسار النظر الخاطئ هذا، ويؤكد لهذا العالَم المادي الأبله أنَّه حين يُحرِق بلدَ تلك الروائح الرائعة، فإنَّه يُحرق ذاكرة العطر الأسمى والأقدم لإنسانية الإنسان وحبِّه لأخيه الإنسان؟![/align]
|