رئيس القسم الشعري
|
رد: هل غاب الشعر حقاً؟
هل غاب الشعر حقاً؟
سؤال طرحه الدكتور الصواف . جزاه الله عنا كل خير , ونود الآن أن نرد على مقولته المطولة بما تيسر لي من المخزون الثقافي الذي حصلت عليه من خلال تجاربي , ومن خلال الندوات الشعرية وأقوال النقاد والشعراء الذي يمكن أن تسهم جميعها بالرد على سؤال الدكتور الصواف , فأقول :
من يقرأ هذا السؤال ( هل غاب الشعر حقاً ؟) فلا شك بأنه يستشعر بغياب الشعر حقاً , علماً أن الشعر سيبقى ما بقيت لغتنا العربية , لا لشيء وإنما لكونه فطرة فطرها الله في مشاعر الإنسان أينما حل , ولم ينشأ الشعر إلا لكونه مرافقاً للنشوة الإنشادية والغنائية , ومرافقاً لدقات الطبل والدف , وصديقاً لدقات القلب وخفقانه مسايراً أفراحه وأتراحه , ومخلصاً لخرير ماء النهر , بل وهو خليل لهديل الحمام الذي يطربنا كل ساعات اليوم , وبمثل هذه الفطرة التي فطرها الله في الإنسان والحيوان , فهل يحق لنا الشك والريب والخوف من غياب الشعر غناءه وقافيته ووحداته الإيقاعية التي لا غنى للمنشد أو المطرب عنها , وكيف نشك بشعرنا العربي وهو يتماوج لحنه في الصحراء على أفواه الرعاة قديماً وحديثاً , وهل نشك بأقوالهم لنتهمهم بالعبث أو السخافة ونحن نفهم أقوالهم ورسالتهم الموجه من قلوبهم الصافية إلى قلوبنا المتلقية ؟ .
إن كان هناك أدني شك في غياب شعرنا العربي فأنا أنكر هذا الغياب , وبخاصة ما نشاهدة في الأمسيات الشعرية وفي المسابقات الدولية , وفي برامج ( شاعر المليون ) وفي المنتديات وفي الدواوين الحديثة والقديمة , هذا ما يجعل شعرنا وشاعرنا خالداً إلى يوم القيامة . فلا خوف عليه من الغياب أو الضياع , حتى لو كثر المتنطعون والمشوشون والمعارضون والحداثيون ومن هم وراء الحضارة الغربية التي تحاول طمس ما لم يمكن طمسه , حتى ولو صفق المتسلقون إلى الكبار والمنافقون إلى الرتب وأهل الجاه , حتى ولو كثر المتكسبون على أكتاف الشرفاء والأفذاذ من أصحاب النخوة العربية واللغة العربية والتراث اللغوي العربي الأصيل .
وبعد أن قرأت موضوع الدكتور الصواف , توقفت عند كثير من العبارات والأسئلة , لأجيب عنها بكل صدق وصراحة , وأول ما استوقفني قول الصواف :
# __ ((كثير يتبارون في إعلان غياب الشعر وانقراضه , ومقابل هؤلاء من يؤكد أن الشعر ما زال حياً لم يمت , فهو خطاب القلب الإنساني ولغة الشعور الرائع ))
نعم وأنا مع القائل بأن الشعر حي لم يمت , لأنه يسري في عروق الدم العربي منذ القدم وإلى ما شاء الله .
# __ ويقول (( فأنصار القديم تراهم يثورون على الجديد الذي يسميه مؤلفوه شعراً لاعتقادهم أن سبب تدهور الشعر يكمن في صيرورته مضغة في كل فم من عباد الشهرة والجاه والمال ))
وتصيح هذه المفاهيم , فإنه من حق أي إنسان حرية القول شعراً أم نثراً أو هذياناً أم تعسفاً , ويبقى الشعر مميزاً عن كل صنف من أصناف الكلام , وعلينا أن نأخذ بالأجود والأحسن من القول , فهناك بعض النصوص والعبارات جميلة جداً في سبك كلماتها ونقش حروفها ودلالاتها المعنوية وعمق مفاهيمها , بالرغم من خلوها من الوزن والقافية , ورغب هؤلاء في تسمية قولهم هذا ( شعرا) لكنه مفيد جداً , وعلينا أن نأخذ به كونه نثراً لا شعراً , لأن علماء العروض والصرف والنحو واللغة بشكل عام لن ولم يستطع أحدهم أن يضع للشعر تعريفاً دقيقاً سوى ( الوزن والقافية ) ونسو أن هناك ما يسمى ( بالنظم ) الموزون وله فوائد علمية ليسهل حفظها , فاختلطت الأمور , وكثر النقاد الذين لا يحملون أدوات النقد الكافية مهما كانت دراستهم إلا من رحم ربي, فإن كانوا نحويين فلربما يجهلون الكثير عن الإيقاع الشعري الموسيقي الذي انفصل عن العروض منذ البداية , لكنه موجود في نفوس وألسنة المنشدين منذ عصور قديمة , ولو قلنا لأحد النقاد , ما رأيك بالبيت الشعري الأتي والذي نسج الشاعر عليه قصيدة تامة على نفس المنوال وعلى نفس الوحدات الإيقاعية , هل هو لبحر الطويل أم لبحر الكامل , فسوف يقف حائراً دون أن يعطيك الجواب الذي يشفي غليل المتلقي , وهذا البيت على سبيل المثال هو :
يا راحلاً عنّي رحلتّ مكَرَّما ... يا نازلاً عندي نزلت مقربّا
ولو علم الناقد أن العروضيين قالوا في كتاب الكافي في العروض والقوافي (( ويجوز في فعولن في ابتداء أبيات بحر الطويل _ الخرم _ والخرم حذف أول متحرك من الوتد المجموع في أول البيت , ومنهم من يجيز الخرم في فعولن في الجزء الذي يقع في أول النصف الثاني من البيت , يشبه في الجزء الذي يقع في أول البيت ,)) لعرفوا الجواب وعرفوا البحر أهو للطويل أم للكامل . ( الكافي صفحة 27 .)
وليس المهم هو جواز الخرم في أول الطويل وأول الجزء الثاني منه , بل المهم جداً هو كيف ينشد البيت الشعري إن كان مخروم الأول ومخروم الأول في الجزء الثاني , فعندما نتقن فن الموسيقا وفن إلإيقاع الموسيقي , سنقول حتماً ما يلي :
ينشد البيت على أنه الطويل المخروم ( عولن مفاعيلن .... )
وينشد البيت على بحر الكامل بتفاعيله المعتادة بالزحافات المألوفة ) مستفعلن مستفعلن متفاعلن ... )
من هنا نعرف سبب اختلاف النقاد , وعدم مقدرتهم على تمييز الغث من السمين في كثير من القضايا التي تعترضهم , وأنا أوجه التهمة للنقاد أولاً قبل المتلقي , لأن الدكتور الصواف سألنا هذا السؤال :
(( من السبب في القطيعة بين الشاعر والقارئ ؟) وأجيب بالنيابة قائلاً : لا أجد أي انقطاع بين الشاعر والقارئ , فالشاعر يعبر عما يجيش في صدره , بينما المتلقي _ القارئ ) يأخذ ما يعجبه من قول , ويطرب لما يصادفه من شعور توافقه , فإن أعجبه القول أخذ به, وإن لم يعجبه ولم يفهمه تركه ببساطة دون أي إحباط أو نكد أو غضب .
والسبب في ذلك هو أن المتلقي أوالقارئ ,مختلف الثقافة ومختلف الإحساس , فما يحس به ويتذوقه يختلف عما يحس به ويتذوقه الآخرون , والمسألة هنا مسألة نسبية وليست حقيقة علمية .
ولم يكن الشاعر هو سبب الإنقطاع ولا هو القارئ أيضاً, بل قد يكون السبب هو الناقد الذي يمزق قلب الشاعر إن وجد هفوة ولو كانت رهيفة .
لقد حضرتُ ذات يوم أمسية شعرية لشاعر معروف ومألوف بين الشعراء , وبعد أن أنهى قصائده على مسامعنا , صفق له الجميع بقوة , مباركين له على إبداعه , وبعد أن انتهى التصفيق , قال الشاعر : الرجاء من الإخوة من كان له تعقيباً أو ملاحظة فليبدي رأيه .
نهض شاب لم يبلغ العشرين بعد فقال ( يا أخي الشاعر : والله إنني لم أسمع شعراً , هل الشعر هو زون وقافية فقط , فأنا لم أفهم شيئاً مما قلته ).
فرد عليه الشاعر قائلاً : إن كنت لا تفهم القول فما هو ذنبي أنا , فضحك الجميع , هذا هو الناقد وما أكثرهم في منتدياتنا والذين نفّروا الشعراء من حضورهم , بسبب تزمتهم .
والحديث ذو شجون وأشكرك أخي الدكتور الصواف , وبارك الله بك , فأنت وضعت مقالتك وبها عظيم الفائدة , وأنا أجبت على جانب منها , لعل غيرنا يستفيد , لكم باقات الورد وألف تحية للجميع .
أخوكم غالب الغول . في 22/10/2017
|