26 / 04 / 2018, 41 : 12 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
كاتب نور أدبي يتلألأ في سماء نور الأدب ( عضوية برونزية )
|
في ساحة......الوغى
ترددت كثيرا في الكتابة لأخبركم أيها الأحبة بما جرى لي في سابق الأيام
التي غبت فيها عنكم؛ و أخال أن بعضكم على الأقل قد أعتقد
أنني كنت عند ملكة الجن أو أن الحزن على الأشهب الذي فارقني
إلى الأبد قد كبلني و منعني من الكتابة . الأمر ليس هكذا البتة ولا أظن
أن أحدكم يستطيع التكهن بما جرى لي لأنه غريب جدا و استثنائي جدا.
ما حدث هو أنه في نهار يوم عادي إذ كنت جالسا قبالة لبوءتي تحاسبني
كالعادة على مصروف البيت وعلى ما أقتنيته في مقابل ذلك و ما تبقى
منه إذا بثلاثة رجال أشداء بزي عسكري يقتحمون علينا البيت فيقيدونني و يعصبون
عيني بقطعة سوداء لا يتسرب من خلالها ضوء أو وميض ، و حاولت لبوءتي بكل
قواها إنقاذي من هؤلاء الرجال ولم تهدأ إلا بعدما طلبت منها الكف و السكون
و حينها قال لها أحدهم :" لا تحزني ......سنأخذ زوجك إلى خير " ؛ ودون تريث رددت
عليه قائلا : وأي خير ؟ إلى أين تريدون أخذي ، أنا لا أعرفكم ؟
قال : إلى حيث الجهاد الحقيقي ؛ الذي إن لم تنتصر فيه ، دخلت الجنة .
عقبت : إلى أين ؟ أين يوجد هذا الجهاد الحقيقي ؟
أجاب أحدهم : سنأخذك إلى البقعة المحتلة؛ ألا تعرفها ؟
قلت : أعرفها، ورغم تقدمي في السن فلا مانع لدي من الجهاد فيها ؟
ثالثهم : لقد أفتى شيخ الشيوخ بوجو ....
قاطعته ولم أتركه يكمل : لست بحاجة إلى فتوى أو دعاية حتى أجاهد من
أجل تحرير تلك الأرض الأسيرة وذاك الشعب المظلوم .
أخذوني على تلك الحال ورموني في مستودع عرفت فيما بعد أنها طائرة
شحن كبيرة سرعان ما أقلعت. لكن ما أثار حيرتي هو إرتفاع الحرارة كلمت
تقدمت في التحليق بينما مناخ أرض الجهاد في الغالب لا يختلف عن مناخ
أرضنا ، لكن لم ألبث كثيرا حتى تبددت هذه الحيرة لما تذكرت أن الأحوال
في منطقتنا كثيرا ما تتغير وتتباين .
حطت الطائرة وأنا لا أقوى على معرفة الوقت فقادني الرجال إلى مكان،
بعدها قاموا بفك وثاقي وإزالة العصابة فوجدتني داخل قاعة كبيرة ، ثم
أعطوني بدلة وحذاء عسكريين و بندقية لم أرها قط في حياتي لعلها من
صنع أمريكي ، خلاف ما تعودنا عليه من أن أسلحة الثورات والتحرير غالبا
ما تكون من صنع روسي . لم أكترث للأمر كثيرا ، وتوجهت رفقة مسلح
آخر إلى ساحة القتال .
صوبت سلاحي نحو أحدهم فأصبته في ساقه اليمنى .تقدمت نحوه قليلا
فبدا لي أنني سمعت كلمات عربية .
"العبرية والعربية لا فرق بينهما إلا في ترتيب الراء والباء ....."هكذا أجبت،
أو به أقنعت نفسي.
تقدمت أكثر "ياللعجب ما أسهل الحرب هنا ...."بهذا تمتمت
أطلقت النار على قائد منتفخ الحنك لكنني لم أصبه وفر هاربا
تقدمت أكثر وأقتحمت بسلاحي قاعة فوجدتها مملوءة بأطفال
صفر الوجوه كالورس ..... نظروا إلي وقالوا: " لا تفعل ياعم ، لاتفعل"
صرخت بقوة : "أولاد الأفاعي حتى صغارهم يعلمونهم العربية حتى
إذا ما حوصروا أستعملوهم بها لنيل عطفنا .....أنا أريد الكبار ....أريد
الوزراء ورئيسهم الذين سلبوا الأرض وذبحوا الأطفال وسجنوا الشباب
وهتكوا الأعراض .....أين هم ؟
غادرت القاعة وأنا في هيجان شديد ووجدت بالقرب من الباب إمراة جالسة
مع صغارها كأنهم أشباح أو أشلاء في أثواب لم تجد مكانا في القاعة يأويها. نادتني بصوت ضعيف فيه استعطاف يهز بدن الجسور هزا : سيدي أعطني أجارك الله من كل مكروه قليلا من الماء لأطفيء شيئا من ضماء أبنائي .
لم أتمالك نفسي و ما استعطت إلا أن ألبي طلبها ، لكنني بالرغم من ذلك قلت معاتبا:
لو أن فلسطينية بأطفال طلبت منكم ما طلبت لأطلقتم النار عليها .
نظرت إلي باندهاش وقالت بعد أن تناولت جرعة من الماء وحمدت الله : عمن تتحدث يأسيدي ؟ الفلسطينية أختي وشرف أمتي ، ولا عاشت اليمنية ولا كانت ماضيا وحاضرا ومستقبلا إن فعلت ذلك .
تراخت أوصالي و سقط سلاحي مني كالمهزوم البائس اليائس من كل انتصار
وتكومت على نفسي جثة دون وعي ولا إدراك . أستفقت بعد طول إغماء ورأيت
المرأة قد حبست الماء عن أطفالها لترشه على وجهي فزاد ذلك من شدة ألمي
الحسي فأغمي علي من جديد .
أسترددت بعد فترة وعيي والمرأة لا تزال بجانبي ....نظرت إليها وقلت لها سائلا:
أين أنا يا آمة الله؟
أجابتني : أنت في اليمن.
قلت لها بلهجة صادقة : لماذا لم تقتلينني وسلاحي بين يديك ؟ هيا افعلي الآن
فأنا أستحق لذلك ؟
ردت : أنا أحتفظ بالسلاح أمانة لأردها إليك بعدما تسترد عافيتك وها أنت والحمد
لله قد عاد إليك وعيك .
قلت : عاد وعيي وليته لم يعد ......
قالت : لم ...؟
اجبتها كما يجيب الطفل أمه : لقد جاؤوا بي من هناك من أجل خوض معركة
تحرير الأرض المسلوبة والإنسان المقهور و المسجد المأسور ، جاؤوا
للجهاد الحقيقي من أجل تحرير القدس والضفة والقطاع، وإذا بي أجدني
أقاتل المعدومين و المحرومين والمكدحين و المرضى من أهلي في اليمن
من النساء والرجال ، أجدني أسد على إخوتي وفي الحروب نعامة .
حاولت الوقوف فلم استطع وماحزنت على حالي
فما يعانيه ضميري أدهى وأمر. حاولت مرة أخرى
وبمساعدة الأخت ولم أقوى إلا على الحبو فزحفت
مغادرا نحو المجهول .تبعتني المرأة وهي تقول
لك من الله الآمان وأبق هنا حتى تتعافى تم اذهب
حيث شئت .قلت لها وإحساس بالدونية يكاد يقتلني
وليته فعل : لا أرجو لبدني عافية وقد فعلت بأهلي
ما فعلت ، دعيني يا آمة الله حتى أهلك فلم تعد عندي
للحياة قيمة بعد اليوم .
تبعتبي المرأة وخلفها أطفالها ومن في القاعة جميعهم
وهم يهتفون : والله لن نتركك والله لن نتركك والله لن
نتركك .....
غمرني شعور عصي عن الوصف بالأخوة القحة ، فبركت كالجمل
لا أقوى ولا ألوي على شيء فالتف حولي الجميع محاولين إسعافي.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|