عرض مشاركة واحدة
قديم 28 / 04 / 2018, 14 : 12 AM   رقم المشاركة : [5]
فهيم رياض
كاتب نور أدبي يتلألأ في سماء نور الأدب ( عضوية برونزية )
 





فهيم رياض is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: في ساحة......الوغى

ترددت كثيرا في الكتابة لأخبركم أيها الأحبة بما جرى لي في
سابق الأيام التي غبت فيها عنكم؛ و أخال أن بعضكم على الأقل
قد أعتقد أنني كنت عند ملكة الجن أو أن الحزن على الأشهب الذي
فارقني إلى الأبد قد كبلني و منعني من الكتابة . الأمر ليس هكذا
تماما، ولا أظن أن أحدكم يستطيع التكهن بما جرى لي لأنه غريب
جدا و استثنائي جدا.
ما حدث هو أنه في نهار يوم عادي إذ كنت جالسا قبالة لبوءتي
تحاسبني كالعادة على مصروف البيت وعلى ما أقتنيته في مقابل
ذلك و ما تبقى منه إذا بثلاثة رجال أشداء بزي عسكري يقتحمون
علينا البيت فيقيدونني و يعصبون عيني بقطعة سوداء لا يتسرب
من خلالها ضوء أو وميض . حاولت زوجتي بكل قواها إنقاذي من
هؤلاء الرجال ولم تهدأ إلا بعد أن طلبت منها الكف و السكون
و حينها قال لها أحدهم :" لا تحزني ......سنأخذ زوجك إلى خير " ؛
ودون تريث رددت عليه قائلا :" وأي خير ؛ إلى أين تريدون أخذي،
أنا لا أعرفكم ؟ قال : "إلى حيث الجهاد الحقيقي ؛ الذي إن لم
تنتصر فيه ، دخلت الجنة" .
عقبت : و أين يوجد هذا الجهاد الحقيقي؟
أجاب أحدهم : "سنأخذك إلى البقعة المحتلة؛ ألا تعرفها ؟"
قلت: "بلى، أعرفها، ورغم تقدمي في السن لا مانع لدي من
الجهاد فيها ؟
ثالثهم :" لقد أفتى شيخ الشيوخ بوجوب ...."
قاطعته ولم أتركه يكمل:" لست بحاجة إلى فتوى أو دعاية
حتى أجاهد من أجل تحرير تلك الأرض الأسيرة وذاك الشعب
المظلوم ".
أخذوني على تلك الحال ورموني في مستودع عرفت فيما بعد
أنها طائرة شحن كبيرة سرعان ما أقلعت، لكن ما أثار حيرتي
هو إرتفاع الحرارة داخلها كلما تقدمت في التحليق بينما مناخ
أرض الجهاد في الغالب لا يختلف عن مناخ أرضنا، لكن لم ألبث
كثيرا حتى تبددت هذه الحيرة لما تذكرت أن الأحوال في منطقتنا
ليست مستقرة ومتباينة من بقعة إلى أخرى رغم تشابه المناخ.
حطت الطائرة وأنا لا أقوى على معرفة الوقت فقادني الرجال إلى
مكان، و بعد ولوجه قاموا بفك وثاقي وإزالة العصابة فوجدتني
داخل قاعة كبيرة.
البسوني بدلة وحذاء عسكريين واعطوني بندقية لم أرها قط في
حياتي لعلها من صنع أمريكي ، خلاف ما تعودنا عليه من كون أسلحة
الثورات والتحرير هي من صنع روسي. لم أكترث للأمر و توجهت رفقة
مسلح آخر إلى ساحة القتال .
صوبت سلاحي نحو أحدهم فأصبته في ساقه اليمنى. تقدمت نحوه
قليلا فبدا وكأنني أسمع كلمات عربية !؟
"العبرية والعربية لا فرق بينهما إلا في ترتيب الراء والباء ....."
هكذا أجبت، أو بهذا الكلام أقنعت نفسي.
تقدمت أكثر "ياللعجب ما أسهل الحرب هنا ...."بهذا تمتمت.
أطلقت النار على قائد منتفخ الحنك لكنني لم أصبه وفر هاربا.
تقدمت أكثر وأقتحمت بسلاحي قاعة فوجدتها مكتظة بأطفال
صفر الوجوه كالورس ..... نظروا إلي وقالوا: "رجاء، لا تفعل
ياعم، لاتفعل" صرخت بقوة : "أولاد الأفاعي حتى صغارهم
يعلمونهم العربية حتى إذا ما انهزموا أستعملوهم بها لنيل
عطفنا.....أنا أريد الكبار....أريد الوزراء و رئيسهم وقادة جيشهم
الذين سلبوا الأرض وذبحوا الأطفال وسجنوا الشباب وهتكوا
الأعراض .....أين هم.....أين هم ؟
غادرت القاعة وأنا في هيجان شديد فوجدت بالقرب من الباب
إمراة جالسة مع صغارها كأنهم أشباح أو أشلاء في أثواب لم
يجدوا مكانا في القاعة يأويهم. نادتني بصوت ضعيف فيه
استعطاف يهز بدن الجسور من الرجال هزا :" سيدي أعطني؛
أجارك الله من كل شر؛ قليلا من الماء لأطفيء شيئا به قليلا من
ظماء أبنائي" .
لم أتمالك نفسي فلبيت طلبها، لكنني بالرغم من ذلك قلت
معاتبا: "لو أن فلسطينية بصغارها طلبت منكم ما طلبت لأطلقتم
النار عليها".
نظرت إلي باندهاش وقالت بعد أن تناولت جرعة من الماء وحمدت
الله: " عمن تتحدث يأسيدي ؟ الفلسطينية أختي وشرف أمتي، ولا
عاشت اليمنية ولا كانت ماضيا أوحاضرا أومستقبلا إن فعلت ذلك".
تراخت أوصالي و سقط سلاحي مني كالمهزوم البائس اليائس من
كل انتصار وتكومت على نفسي جثة دون وعي ولا إدراك .
إستفقت بعد طول إغماء ورأيت المرأة قد حبست الماء عن أطفالها
لترشه على وجهي فزاد ذلك من شدة ألمي فأغمي علي من جديد .
أسترددت بعد فترة وعيي والمرأة لا تزال بجانبي .... نظرت إليها و
قلت سائلا: "أين أنا يا آمة الله"؟
أجابتني : أنت في اليمن، ألا تعرف ؟
قلت لها بلهجة صادقة: "لماذا لم تقتليني وسلاحي بين يديك ؟ هيا
افعلي الآن فأنا أستحق لذلك" ؟
ردت : أنا أحتفظ بالسلاح أمانة لأرده إليك بعد أن تسترد عافيتك،
و ها أنت والحمد لله قد عاد إليك وعيك ".
قلت : "عاد وعيي وليته لم يعد ......".
قالت : لم ...؟
أجبتها كما يجيب الطفل أمه : "لقد جاؤوا بي من هناك من أجل
خوض معركة تحرير الأرض المسلوبة والإنسان المقهور و المسجد
المأسور ، جاؤوا بي للجهاد الحقيقي من أجل تحرير القدس والضفة
والقطاع، وإذا بي أجدني أقاتل المعدومين و المحرومين والمكدحين
و المرضى من أهلي في اليمن من النساء والرجال، أجدني أسد على
إخوتي والعدو هناك يعيث فسادا" .
حاولت الوقوف فلم أستطع وماحزنت على حالي فما يعانيه ضميري
أدهى وأمر. حاولت مرة أخرى وبمساعدة الأخية ولم أقو إلا على الحبو
فزحفت مغادرا نحو المجهول. تبعتني المرأة وهي تقول: "لك منا أمام
الله الآمان فأبق هنا حتى تتعافى تم اذهب حيث شئت". قلت لها و
إحساس بالدونية يكاد يقتلني وليته فعل: "أية عافية و قد فعلت بأهلي
ما فعلت، دعيني يا آمة الله حتى أهلك فلم تعد عندي للحياة قيمة بعد
اليوم ".
تبعتبي وخلفها أطفالها ومن في القاعة جميعهم وهم يهتفون:" و
الله لن نتركك والله لن نتركك والله لن نتركك تغادر .....".
غمرني شعور عصي عن الوصف بالأخوة القحة، فبركت كالجمل الأجرب
لا أقوى ولا ألوي على شيء فالتف حولي الجميع يحاولون إسعافي.
توقيع فهيم رياض
 إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ....
اللّهم إني عبدك ابن عبدك ابن آمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك ، أسألُك بكل إسم هو لك
سميت به نفسك أو انزلته في كتابك او علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل
القرآن ربيع قلبي و نور صدري و جلاء حزني وذهاب همي .
فهيم رياض غير متصل   رد مع اقتباس