09 / 05 / 2018, 28 : 03 AM
|
رقم المشاركة : [8]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: استطلاع جماهيري - الرواية - المشاركة في مسابقة نور الأدب الكبرى 2018
يرغب الأمير برؤيتك على الفور، الآن وحدك!
كنت أرتدي ملابسي الاعتياديّة عندما طلبني موظّف الاستعلامات على عجل. أخبرني رجلٌ يضع نظّارات سوداء فوق عينيه بضرورة المضيّ معه بناءً على طلب الأمير، لم أدرِ كيف أتصرّف ولم أجرؤ على الرفض.
- أنا لست مستعدًّا للقائه الآن، أرجوك دعني أرتدي ملابسي لو سمحت!
- لا بأس يا قبطان، الملابس ليست مشكلة، فنحن في حالة طوارئ.
لم أصدّق ما يحدث في تلك اللحظة، كأنّ التاريخ بصدد كتابة صفحة فريدة ونادرة.
كنت أظنّ بأنّ كلّ شيء قد انتهى مع فشل الانقلاب على السلطة.
لماذا أعلنتم حالة الطوارئ؟
صعدت إلى العربة وأغلقت عينيّ. لكزني أحد المرافقين قائلا:
- الملابس؟
كانت دهشتي أكبر حين قدّموا لي بزّة عسكريّة. ارتديت اللباس الأخضر اللون على عجل ودون جدال.
انتابني إحساس بأنّني قد أصبحت أفعى في تلك اللحظة. كيف رضيت بخلع جلدي بهذه السرعة. كانت البزّة خالية من جميع الرتب والإشارات العسكريّة المميّزة. لم أكن أمثّل مركزًا في الهرم العسكريّ. لم أكن أمثّل شيئًا في المؤسّسات الحكومية ولم يكن لي أيّ دور رسميّ في تسيير شؤون البلاد، لذا بدوت مضحكًا في تلك اللحظة.
طلبوا منّي البقاء في إحدى الغرف، كان منظري مريبًا وأنا أجلس وحيدًا مرتديًا اللباس العسكريّ، يبدو بأنّني أصبحت جزءًا من سلطة الأمير شبه المطلقة!
بعد لحظات دَلَفَ عليّ الأمير مرحّبًا باسمًا. كان يضع شارات عسكريّة تدلّ على مرتبته الرفيعة كقائد عامّ للجيش، كانت النجوم والتيجان ترصّع صدره وكتفيه.
- عزيزي القبطان!
شعرت برغبة هائلة بالانحناء، لقد تعرّض هذا الرجل للاغتيال قبل أيام. منعني الأمير في اللحظة الأخيرة قائلا:
- حتى الأنهار تنحني لي في هذه البلاد، أرجوك يا قبطان. كُن الاستثناء الذي عرفته طِوالَ هذه الأيام.
- لقد طلبتني يا سعادة الأمير أطالَ الله في عمرك؟
عندها قرأت مشاعر الألم في عينيه وقال:
- تصوّر، انقلب عليّ أقرب الناس إليّ! صدّقني ليس لديهم أيّ برنامج بديل سوى الاستيلاء على السلطة.
- وهل هذا قليل يا سعادة الأمير؟ أجبت مبتسمًا. السلطة قمّة الطموح الإنسانيّ، هؤلاء المقرّبين يستشعرون مفاتيح السلطة أكثر من غيرهم.
- لم تجبني على سؤالي يا قبطان؟
- يبدو بأنّني قد سرحت قليلا، المعذرة يا سيادة الأمير، ذكّرني أرجوك. نظرت إليه مستغربًا، لكنّ انتظاري لم يطل.
- ما ثمن الحكمة يا قبطان؟
- آه، ذاك السؤال! تلك الأمسية، كان من الصعب عليّ الإجابة لكنّي اليوم أرى بأنّ ثمن الحكمة هو الحياة.
- الحياة هي ثمن الحكمة، يا لها من معادلة! حياة من تقصد يا قبطان؟ حياتي أم حياة وزيري وربّما حياتك هي الثمن؟
- الحياة بمفهومها العام. أنت وأنا ندرك بأنّ الانقلاب انتهى ويمكن تقييمه بأنّه فاشل يا سعادة الأمير. وزيرك غامر بحياته ومركزه وهو الآن جثّة هامدة، بالرغم من أنّه يتنفّس. انتهى دوره من الناحية العملية، اختفى عن الخارطة السياسية ولعبة السلطة.
- تتحدّث دائمًا بالألغاز يا قبطان!
- لقد تعوّدت قولَ الحقيقة دائمًا، الصراحة هي مفتاح الثقة. لا تحرمني هذه النعمة أرجوك!
ضحك الأمير بعد ذلك مطوّلا وقال:
- أنت حقيقة تحيّرني يا قبطان. لا يوجد بين حاشيتي من يجرؤ على مناقشة كلماتي أو أوامري! للسلطة هيبتها وحرمتها يا عزيزي، هذه حقيقة أزلية.
- ما الذي سيخسره الأمير إذا حافظ على حياتهم. إنّهم الآن في قبضة يدك على مدار الوقت، لقد جُرّدوا من كافة مناصبهم وامتيازاتهم.
- وما الذي أجنيه إذا فعلت ذلك؟ هل تشكّك بحجم جريمتهم وخيانتهم؟
- أنت الرجل الأول في البلاد، لا يمكن لسيادتك معالجة الأمور بمبدأ الربح والخسارة. من المفترض أن تكون أبًا للجميع! في هذه الحالة فقط يمكنك التسامي فوق الموت. الحفاظ على الحياة هو القرار الأصعب دائمًا. القتل لا يحتاج إلى جهدٍ كبير.
- أترى بأن أطلق سراحهم؟
- ليس بالضرورة يا سعادة الأمير، ليس بالضرورة.
أطرق الأمير مفكّرًا، هزّ رأسه وقال:
- وأنت ماذا تريد يا قبطان؟ ما هي أمنياتك التي لم تتحقّق في مدينتي بعد؟
- أمنية واحدة فقط. أمنية واحدة فقط.
- أمنية واحدة. قلها، ماذا تنتظر؟
- لا أريد أن أكون شاهدًا على وليمة الموت التي تنتظر المدينة، أرجو أن تسمح لي بمغادرة المدينة قبل أن تعلّق رقابهم على أعواد المشانق، هذه هي أمنيتي الوحيدة.
- ألهذه الدرجة تكره الموت؟
- أنا ابن الحياة. أنا ابن البحر.
- والبحر يقتل يا قبطان. ماذا لو قتلوني في محاولة الانقلاب هذه؟
- احتمال ضعيف لكنه وارد بالطبع. لاحظتُ بأنّ رجال الأمن يكنّون لك الكثير من الحبّ والإخلاص. لقد قضى دفاعًا عن سيادتك رجل قريب إلى نفسي واسمه سعدي.
- نعم، هذا صحيح، لكنّي أعيد السؤال عليك ثانية، ماذا لو قُتِلْتُ في تلك المحاولة؟
- عندها سأعمل جاهدًا الحفاظ على حياة حاشيتك وأهل بيتك. أنا ابن الحياة يا أمير البلاد. أنا دائمًا كذلك. على أيّة حال، أتمنّى أن يحفظك الله ويبعد عنك كلّ مكروه.
- كلامك جميل، لكن الحياة تصبح أحيانًا بلا قيمة! سأفكّر مليًّا في عرضك وفلسفتك الخاصّة. أعدك أن تكون بعيدًا عن المدينة إذا قررت تنفيذ أحكام الإعدام، لكنّي الآن أرجوك أن تبقى لتناول الطعام في القصر.
- لي طلبٌ آخر يا سعادة الأمير، هل تسمح لي بمقابلته؟ أقصد وزير الدفاع الذي قام بمحاولة الانقلاب. أوافق على مشاركة أيّ شخص من طرفك خلال اللقاء.
- لا، لا ضرورة لذلك يا قبطان، لكنّي أريد معرفة رأيك به بعد ذلك؟ أعتبرك منذ اللحظة مستشار البلاط الخاص في القضايا السياسيّة.
مستشار سياسي، يا له من منصب! لا أدري لماذا طلبت مقابلة الوزير المخلوع؟ ربّما كان هذا مجرّد عناد ورغبة في المضيّ في سبر الأمور حتى النهاية. عدا عن هذا، كان الوزير يعلم بما سيؤول إليه مصيره حال فشل الانقلاب ونجاة الأمير. كان يدرك بأنّ الموت بانتظاره. هل تغيّرت مشاعره الآن، هل كُسِرَتْ شوكته؟ لم أكن أشعر بالشفقة تجاهه حتى وإن نفّذ الأمير حكم الإعدام، وحال العفو عنه ستصبح حياته بلا قيمة، سيصبح عبدًا للقصر وللأمير، وسيضطرّ للدعوة بطول عمر حياة الأمير ليلَ نهار! طلبت مقابلته بهدف معرفة الأسباب التي جعلته يقوم بهذه الخطوة. أردت أن أسبر أعماقه، لماذا أراد الاستيلاء على السلطة؟ قد يكون تصرّفي أنانيًّا، لكنّي أحاول أن أكون مخلصًا لذاتي طِوال الوقت.
حصلت أخيرًا على بطاقة مغناطيسيّة تمكّنني من الدخول والخروج للقصر وقتما أشاء، دون العودة للأجهزة الأمنيّة المختصّة.
لماذا التصقتُ بهذه البقعة من الأرض التي تحمل لون الحنطة. تتلاطمُ الأمواج والأفكار في مخيّلتي وذاكرتي المتعبة، يناديني البحر بكلّ ما أوتي من عنفوان. في تلك اللحظة، كنت أمارس فعل الخيانة بحقّ مراكبي وأصدقائي ونجوى. ولكن ماذا عن نورا؟ تلك المرأة التي غيّبها القدرُ مرّة واحدة. هل تكفيني المعرفة بأنّها على قيد الحياة، هناك حيث المجتمعات المهزومة؟ مجتمعات غارقة في جحيمها الخاصّ، هناك حيث أصيبت عيناي بالشلل ولم أعد أميّزُ ما بين اللونين الأبيض والأسود، وكان عليّ أن أطوف الدنيا لأدرك أطياف الألوان ووهجها.
كلّ هذا العشق لا يكفي الليلة، وأنا تائه ما بين البحر واليابسة. أنا المصلوب عند حدود اللامعقول. لم أخشَ زنّار وعِنّابة، ومضيتُ نحوَ فضاء الروح، خسرت خمس سنوات من عمري القصير من أجل خلاص نورا. مضيت نحوَ إله الجبل، تحدّيت إرادته وجبروته فكافأني بماء الحياة. شربتُ لأنقذ عاطف من ظلمات النسيان، ورافقتني نجوى نحو المجهول، بالرغم من أنّها ترعرعت في بيادر ومدارات حرّة تتّسع لمخيّلة الشعراء والأدباء، أسلمتني هذه المرأة روحها دونما حساب. وأنا ما زلت أبحث عن ظلّي وسطَ هذا السراب. المعذرة يا أمّي، نسيتُ بصماتي وما زالَ في القصّة بقيّة.
إنّه الواقع الشرقيّ المضنيّ المخنوق في شفافيّته الرماديّة. لا يمكن للأمور أن تنعكس بصورة تناقضُ الإحساسَ بمأساويّة الحضور. حتى النار متّشحة بالسواد بدلا من اللون الأحمر القاني، كأنّها تعلن حالة حداد أزليّة! وما أن تبلغ الفتاة سنّ الرشد حتى تبدأ المساومة حول مصيرها الأنثويّ كأمٍ لجمهرة من الأطفال، ومرضعة وزوجة مطيعة مؤهلة لأن تصبح أرملة، وسط هذا الكمّ الكبير من الموت والحروب وقهرِ السلطة الموجّه.
أجيال من الرجال يذوبون في بحر من الألم والشقاء الشرقيّ المقيم. هنا وهناك يلوح في الأفق بعض الفرح، يتدفّق كنسيم البحر، يدغدغ المشاعر حتى الصباح. يدعو الفتيات والشباب الذين غزى الشعر الأسودِ وجوههم إلى شبك الأيدي في محاولة للرقص. تلطم أقدامهم الفتيّة الأرض، ويستمرّ جموح المشاعر حتى الصباح. يسقط القمر في الغسق الأحمر، يعلو قرصُ الشمسِ فوق الأفق، يدغدغ الأحلام الورديّة ويحضرُ في جعبته لكلّ فردٍ فوق البسيطة رزمة أحداثٍ، يخطّها دون تلكّؤ في كتاب لا يغلق دفّتيه أبدٍا.
فضّت جدائلها، فَرَشَتْها فوق البسط الخضر. استلقت تحت صفحة السماء، وأخذت تبحث عن نجمتها الساطعة. في تلك اللحظة، عبر حدود أحلامها فارس، ناجى شبابها وجمالها. كانت تثق بالريح الناعسة قبل أن تشتدّ وتصبح عاصفة عارمة، لكنّها بقيت مستلقية على ظهرها، تنتظر فارسها الموعود لعلّه يعود ويقتحم نهايات عالمها الأنثويّ.
إنّه الواقع الشرقيّ الغارق بالانقلابات العسكرية والقمع الممارس يوميًّا تجاه الفكر واستقلاليّة الذات المبدعة. لماذا كلّ هذه الخيانة؟ كان هذا سؤالي الأول. سرتُ في دهاليز مبنى مخابرات أمن الدولة، كانت الدرجات تبتعد أمام ناظريّ نحو الأسفل، وكنّا نتفادى المرور في معابر ودهاليز محدّدة، كانت على ما يبدو مخصّصة لسجناء رغبت السلطة إبقاءهم طيّ النسيان.
كنت أستمع لبعض الأنين ما بين الحين والآخر، وكانت الصرخات ونوبات التعذيب تتوالى مصحوبة بوابل من الشتائم. ولكن، ألم تبدأ الإنسانيّة مشوارها بالقتل بعد أن أفنى هابيل حياة أخيه قابيل أو العكس؟
لا يمكن للإنسانيّة أن تستمرَّ دون فعل القتل والهدم والتدمير، يتبع ذلك حالة تعمير وبناء ناطحات سحاب ترتفع في كلّ زاوية ومكان.
- قسم الأحكام الخاصّة. تردّدت هذه العبارة عدّة مرّات، ثمّ وجدت نفسي أخيرًا في مكتب مسؤول القسم المذكور. رحّب بي وأشار عليّ بالجلوس.
- حضرة القبطان، زيارتك شرفٌ كبير لنا. أخبروني بأنّك ترغب بمقابلة عبد السلام الديمومي، بالرغم من عدم ديمومته من وجهة نظرنا الأمنيّة.
- الديمومة له وحده. نظرت إلى الأعلى وتركت له حريّة فهم عبارتي.
- لم يجب على ملاحظتي. لكنّه أضاف وقد بانت شبح ابتسامة على وجهه.
- نصف ساعة تفي بالغرض؟
- بل ساعتين.
كنت أتحدّى إرادته وسلطته المطلقة وسط هذه النوافذ المغلقة.
- لديّ تصريح رسميّ موقّع من أمير البلاد.
- أطال الله عمر الأمير. انتهى الحديث عند هذا الحدّ، وطلب من الحارس إرسالي إلى الزنزانة رقم 2 والانتظار هناك لمدّة ساعتين.
- لماذا الزنزانة رقم 2 تحديدًا؟ سألت بحيرة.
- الزنزانة رقم 1 تودي إلى ساحة الإعدام مباشرة.
أطرقت رأسي ومضيت خلف الحارس دون التعقيب على كلماته، بالرغم من أنّها كانت محمّلة بمشاعر الثقة المطلقة. تُرى هل سيبقى عبد السلام الديمومي في الزنزانة التي تحمل رقم (2)، أمّ أنّه سينتقل إلى الزنزانة الأولى في انتظار لحظة الموت؟ على أيّة حال، كنت على ثقة تامّة من أنّ زيارتي ستؤثّر بشكلٍ ما على مصير هذا الرجل المنكوب.
- السجين رقم (235).
صاح السجّان بصوتٍ مرتفع مجلجل، فُتح باب الزنزانة وظهر السجين واقفًا على أهبة الاستعداد. كانت الزنزانة ضيّقة للغاية بالرغم من أنّها مخصّصة لشخصٍ واحدٍ فقط. أُغْلِقَ الباب من خلفي وصدر عن ارتطامه صوت مزعج وصرير ارتطام كتل الحديد الثقيلة.
- من أنت؟
- أنا في زيارة ودّيّة. صمتّ ولم أجد الكلمات التي أعبّر بها عن هذا الوضع الغريب الذي وجدتُ نفسي في غمرته.
- ولكنّي لا أعرفك!
- أنا أعرفك.
- الجميع يعرفوني الآن. لقد أصبحت مشهورًا مؤخرًا! سينفّذ حكم الإعدام بحقّي مرتين قريبًا، المرّة الأولى في ساحة السجن والأخرى وسط المدينة.
- وهل يضيرك الإعدام الثاني، بعد أن يصبح جسدك كتلة هامدة؟
- أكرّر سؤالي ثانية، من أنت؟
- حسنًا، أنا قبطانٌ سفينة رحّالة، شاءت الظروف أن أصبح جزءًا من اللعبة السياسيّة في هذه البلاد، أنا الذي أكره وألعن السياسة ليل نهار، أصبحت مستشار القصر في الشؤون السياسيّة!
- أنت تراهن على ورقة خاسرة. لا يمكنني أن أنجو من المقصلة يا قبطان، لماذا لا تركب البحر وتمضي بعيدًا عن هذه القذارة؟
- وهل يمنع هذا من إتمام هذه المقابلة؟
- حسنًا، أعرف الآن هويتك! بالمناسبة، لماذا لا تجلس على حافة دنياي هنا، عند طرف السرير؟ أنصحك بحرق ملابسك بعد عودتك إلى المنزل، كلّ شيءٍ هنا يطفحُ بالمخلوقات المؤذية وأقلّها وطأة القمل بشتّى أنواعه وألوانه.
حاولت أن أبتسم، لكنّي أحجمت عن ذلك في اللحظة الأخيرة، كان الرجلُ يعيش في عالم من الكوميديا السوداء، يمثّل هو شخصيًا دور البطولة المطلقة.
- سيّد عبد السلام، أنا مهتمٌّ بالمشرقِ بكلّ تناقضاته، أريدُ أن أسألَكَ مباشرةً، لماذا كلّ هذه الخيانة؟ هل الخيانة جزءًا من تركيب العقيدة في المشرق؟
- يا له من سؤال! لا أظنّ الوقتَ المتبقّي من حياتي يكفي للإجابة عن سؤالك! على أيّة حال، الخيانة أنواع، خيانة الوطن، خيانة الزوجة، خيانة الضمير. عن أيّ خيانة تتحدّث يا قبطان؟
- لنتحدّث عن خيانة الضمير والأمير.
نظر إلي عبد السلام مطوّلا وقال:
- خيانة الضمير قضيّة فلسفية يطولُ الحديث عنها. والولاء للأمير يصبح دون معنى حين يحاول الأمير نهب الثروات والتحكّم بمصائر الشعب.
- هذا حال السلطة في كافة أنحاء العالم، تختلف الوسائل من مكان إلى آخر بالطبع. وأنت تتمتّع بمركز مرموق، أنت تمتلك القرار، أنت وزير الدفاع، شخصيّة متنفّذة وقادرة على إحداث التغيير.
- لكنّ هذا لا يكفي لصنع مستقبل أفضل. أنا لست الرقم الأول!
- نعم، أنت لست الرقم الأول. ولكن أخبرني عن رؤيتك السياسية وبرنامج عملك، هل تختلف عن سياسة وتوجّهات الأمير؟
- تصلح للعب دور محامي الشيطان يا قبطان! قال عبد السلام ممتعضًا.
- بل أبحث عن الحقيقة، أبحث عن ذاتي أيضًا. مشكلتي أنّ لون بشرتي حنطيّ!
- وأين أنا من كلّ هذا يا رجل؟ دعني أواجه مصيري دون أن تتدخّل.
- دعنا نعقد صفقة أيّها الوزير. لقد سمحوا لي بلقائك ومحادثتك لمدّة ساعتين، يرغب الأمير بعدها أن يستمع لرأيي بشأنك. ساعتان فقط، ثمّ أذهب في طريقي، ربّما تنتقل بعدها إلى الزنزانة رقم (3). من يدري؟ بل قد تنتقل لأبعد من ذلك، من يدري؟
فكّر عبد السلام مليًّا وقال:
- حسنًا، ساعتان من الزمان ثمّ تمضي في سبيلك.
- ماذا تعني لك السلطة؟ لماذا قمت بمحاولة الانقلاب سيّد عبد السلام؟
- سأكون صريحًا معك، الآن وبعد انقضاء هذه المدّة، لا أجد تفسيرًا مرضيًا ومقنعًا لما قمت به، لم يكن لديّ تصورًّا محدّدًا بشأن مستقبل السلطة والبلاد. كنت غاضبًا وحانقًا، وكانت لا تتجاوز التغيير وبأيّ ثمن فقط.
- لكنّ هذا التصرّف مراهقة سياسيّة! كيف كان من الممكن أن تتحّكم بمجريات الأمور لو نجح الإنقلاب؟
- أسئلتك كثيرة عزيزي القبطان. هل تجدَ الأمورَ مختلفة الآن؟
- قلت بأنّك ترغب بالتجديد، لا بدّ بأنّ لديك البديل في هذه الحالة؟
صمت الوزير المخلوع قليلا وقال:
- قد يكون كلامك صحيحًا، يبدو بأنّ الجميع في هذه البلاد يعانون من المراهقة السياسية، لكنّ التغيير بحدّ ذاته مفيد وضروريّ. كيف يمكن لشخصِ واحدٍ أن يكون الرقم الأول طوال الوقت؟
- كان من الممكن أن تصبح صورة طبق الأصل عنه يا سيّد عبد السلام! لهذا سألتك عن تصوّرك لمستقبل الأمور حال نجاح انقلابك. هل كنت ستقتل وتعدم الأمير وأتباعه وحاشيته؟
- هل أنت محامي الأمير؟ قلت لك بأنّك تبدو كأنّك محامي الشيطان بعينه.
- لقد اتّفقنا على إجراء حوارٍ صريحٍ لمدّة ساعتين فقط.
- قد أفعل كلّ ما ذكرت، ولكنّي سأجري انتخابات برلمانية وتشريعيّة بين الحين والآخر.
أدركت عندها بأنّ هذا الرجل ينتمي إلى مدرسة الأمير السياسيّة نفسها، لأنّ الفكر الشمولي مترسّخٌ لديهم جميعًا، لا يوجد لدى هؤلاء بدائل عن سياسة الأمر الواقع، إنّهم يؤمنون بأنّهم الرقم الأول والوحيد طوال الوقت. الشعب لا يمثّل من وجهة نظرهم سوى أرقام متتالية طيّعة، تدفع الكثير خلال مسيرة العمر لتحصل على الفتات كلّ شهر. تمنّين لو كان هذا الرجل – الوزير الذي حاول الإطاحة بالسلطة متنوّرًا ويحمل أفكارًا إيجابية قادرة على تنمية وتطوير البلاد، لكنّ آمالي باءت بالفشل! انتهت مرحلة البحث لديّ. أنا على ثقة تامّة من عدم العثور على ضالتي في هذه البلاد، لا ولا حتّى في سجونها! هناك قصورٌ تاريخيّ في النهج السياسيّ الذي لا يعرف سوى التسلّط والانفراد في كلّ شيء في هذا العالم الحنطيّ اللون. نهجٌ لا يؤمن بالتعدّدية الحزبية وتبادل إدارة شؤون البلاد من خلال أطر قانونيّة يشرف عليها برلمان، وليس بين الحين والآخر كلّما شاء الرقم الأول أو أمثال عبد السلام الديمومي! في تلك اللحظة وبالرغم من جدران السجن الشاهقة، سمعت صوت الأمواج تتحطّم عند الشاطئ. قاربي كان في الانتظار، لقد حان وقت الرحيل.
- لماذا صمتّ يا قبطان؟
- انتهى الوقتُ يا عبد السلام؟
- وقتي أم وقت الزيارة؟ لا تنسَ ذِكري هناك على أيّة حال، أكره انتظار الموت، أكره انتظار الموت!
- لكلّ شيءٍ ثمنه، موتك الآن أصبح عديم الجدوى، موتك لا يلبّي أهداف الأمير ولا يفي بفواتيره، فجميعها باهظة الكلفة. أعتقد أنّك ستنتقل إلى الزنزانة العاشرة أو حتى الخمسين.
- تقصد بأنّني قد أصبحت نكرة؟ نظرت إليه مطوّلا ولم أجب على سؤاله، وسرعان ما ضربت الحديد بيديّ، كنت في عجلةٍ من أمري، لم يعد هذا العالم يتسّع لأحلامي وهمومي. أريد المضيّ نحو الحقيقة القابعة هناك بين الأمواج المتطايرة في الفضاء الرحب. أطلّ الحارس من النافذة الصغيرة، صرخت عليه بكلّ ما أوتيت من قوة:
- أريد مغادرة المبنى الآن يا ابني.
- وهو كذلك يا سيدي.
تنشّقت جرعة كبيرة من الواقعيّة في هذه المدينة الغارقة في همومها الخاصّة. شعرت بالذهول حين قابلت في طريقي إلى الفندق حفل زفاف صاخبن لكنّ سرعان ما عاودني الشعور بالهدوء والطمأنينة، كانت هذه إشارة تدعوني لمواصلة الطريق المرسوم بين الأمواج والأخاديد المائية.
حين وصلت إلى الفندق كانت نجوى تصرخ من شدّة الألم. لقد حان وقت المخاض، وقريبًا ستضعُ مولودنا الأوّل. أخيرًا سأصبح أبًا لطفلٍ يجوب البحار صغيرًا ورضيعًا. نقلتها إلى مستشفى قريب، حيث كان بانتظارنا طبيبُ الأميرِ الشخصيّ، جلست في ردهة الانتظار طويلا، شعرتُ كأنّي في صالة الترانزيت المؤديّة إلى واقعٍ آخر. تذكرت تفاصيل حياتي الماضية، كأنّي سقطت في دوّامة غير مرئية! كنت محاصرًا بالبحر ومفرداته اللعينة. كنت أسعى للخلاص من الذات الماديّة المتراميّة على جناب المشرق. هذا العالم الحنطيّ المترهّل. وأخيرًا سمعت صراخ طف، يبدو على ما يبدو صوت طفلي!
- ألف مبروك يا أبا حمّاد.
ليكن حمّاد مساعدي في طيّ صفحات النسيان ورفيقي في أعالي البحار، حيث ينتظر ضمير الماء المتقلّب كالأفعى! كانت نجوى مرهقة ومتعبة ذات الوقت، قالت لي ضاحكة:
- من كان يتوقّع أن أضع حمّاد في مدينة التناقضات هذه؟
- اسمه جميل يا نجوى وأنا والده القبطان.
- قريبًا سنرحل؟
- لقد نسيت اسمي في هذه المدينة، عدت بذاكرتي إلى أيام خلت في البعيد. أيام مليئة بالشجون. نسيت انتمائي للمياه المالحة، وقضيت سنواتًا طويلة تائهًا في سراديب الواقع الرماديّ. أنا كسير الجناح، أحتاج إلى الأمواج كما الآلهة حين ترسل برموزها - الأنبياء.
- أسمع صوتَ الكمان الحزين يا قبطان.
- الموسيقى رجعُ الحياة يا نجوى.
رفعتُ قطعة اللحم بين يدي. يا للبراءة! سيصبح ذات يوم إنسانًا قادرًا على التمتّع بالخطيئة، سيدرك معنى الجموح ولن يقف في وجهه حاجز. ذات يوم سيدرك دروب العشق والليل الذي لا ينتهي.
ذهبت في اليوم التالي للقاء الأمير بناءً على رغبته. كان فَرِحًا وقدّمَ لي قطعة من الماسّ عربون لصداقة وهدية متواضعة للصغير. هناك الكثير من الأسباب التي جعلته يبذل المستحيل، من أجل بناء حاشية من المُريدين. جيشٌ من المريدين وطابور من الزبانية. جمهور من المصفّقين الضاحكين الساخرين.
- أشكرك يا سعادة الأمير لقد أكرمت وأفضت.
- لا يا قبطان. أنت كالملحِ في الطعام في هذه المدينة، كم أوّد لو تبقى هنا لتتبوّأ مركزًا يليق بك وبشخصيتك الفذّة.
- شكرًا لمشاعرك النبيلة يا سعادة الأمير، لكنّي أنتمي للبحر ولا بدّ لي من السفر قريبًا.
- أخبرني يا أبا حمّاد عن اللقاء الذي تمّ في السجن؟
- نعم، هذا صحيح. ما زلت يا مولانا أفكّر بسؤالك عن ثمن الحكمة.
تفكّر الأميرُ قليلا ولاحت على وجهه ملامح جادّة. تفحّصني بعمقٍ وقال:
- يبدو بأنّ الثمن يتغيّر يومًا بعد يوم! بالأمسِ كان ثمن الحكمة الحياة.
- الحياة أثمن من الحكمة يا مولانا. لقد فكّرت بالأمرِ كثيرًا وتوصّلت إلى هذه النتيجة. ألا ترى بأنّ الحكمة تزول مع انتهاءِ الحياة. هزّ الأمير رأسه وقال:
- هذا أمرٌ نسبيٍّ للغاية، لقد تعلّمت احترام الحياة وسطَ هتاف الموتِ يا قبطان. الشرقُ يعاني من ركودٍ قاتل وكريه، والحياة تمضي ولا تمضي. جلّ ما أكره هذا النفاق الذي يحيط بي من كلّ جانب. لا أدري من سيرفع يده تّجاهي ومتى؟
- أنت محقّ، لهذا أرغب إن سمحت لي..
- كيف لا؟ أرجوك استمرّ في حديثك.
- مولانا، لا تجعل مصير البلاد مرتبطًا بشخصٍ واحد فقط، حتى وإن كان هذا الشخص سعادتكم. هذا أمرٌ مرهقٌ وغير مُجْدي! أتركوا الوزير يمارس مهمّته ووظائفه دون التدخّل في التفاصيل، حاسبه على نتائج أفعاله فقط فيما بعد.
- ليتك تجلس مكاني بعضَ الوقت. السلطة تحتاج إلى الكثير من الأمن والاستقرار لتنهض البلاد وتمضي في ركبِ الحضارة. أتدري يا قبطان؟ لقد تعلمت أمرًا ثمينًا منك خلال هذه الفترة القصيرة من الزمن. الحكمة قيمة غير ثابتة، لكنّها في نهاية الأمر تعني الحياة! هل وجدت بعض الفرق في شخصية عبد السلام الديمومي قبل الحادثة وبعدها؟
- إلا هذا السؤال يا مولانا الأمير.
- هذا السؤال ولا شيء غيره يا قبطان!
- لماذا ترى بأنّ رأيي مهمًّا إلى هذا الحدّ؟ أنا إنسان، وقد أخطئ كما الكثير في هذه الدنيا!
- أرى في رأيك عمقَ البحار.
- مجرّد طرح هذا السؤال يغيّر كلّ شيء. تصرّفاتك المستقبليّة سيدي الأمير ستحدّد مدى تميّز سعادتكم! لقد مررت بمرحلة تحدّ كبيرة للغاية، كانت حياتك وحياة عائلتك مهدّدة بالفناء. جرحك عميق، وأنا شخصيًا أجد تبريرًا لكافة تصرّفاتك، مهما كانت قاسية. لو كنت مكانك، لوجدت نفسي في حيرة لا تقلّ عن الحيرة التي تأكل قلبك. لا أدري كيف يمكن أن تحدّد قراراتك في اللحظات الحرجة يا سيدي، خاصة عندما يصبح الغضب والزهو سيد الموقف. سألتني عن عبد السلام، وأخبرك الآن بأنّه أصبح مجرّد اسم عابر في سماء البلاد. كنت أظنّه يمتلك طرحًا مستقلا لإدارة شئون البلاد، لكنّي وجدته عاريًا لا يملك سوى الرغبة بالاستيلاء على السلطة. اسمح لي بالرحيل يا مولانا. لقد تعبت من هذا الخواء السياسي.
- لك هذا يا قبطان، يا لك رجل!
لم أكن أتوقّع الكثير من الأمير، لكنّه أزال المشانق حقًّا من مركز المدينة، أبقى على مشنقة واحدة فقط! أبقاها لتذكير الجميع بأنّ استخدامها ممكنًا، وقد لا يطول انتظار المعنيين لتعليقهم في تلك الحبال. كانت ترمز إلى عنصر الترهيب من محاولة تطاول أحد ما على نظام الحكم القائم، وكنت على ثقة من أنّ عبد السلام الديمومي سيبقى في عالم النسيان. للمرة الأولى توجّهت نحو مركبي، وجدته غريبًا، واهنًا. أهذا هو المركب الذي جاب البحار يومًا ما؟ مركبي الذي وقف في وجه عتاة البحر ومردته. تترامى الأسئلة أمامي بلا نهاية. عالمي في تلك اللحظة كان نجوى وحمّاد. نسيت طيف نورا، بالرغم من أنّني ما زلت أرتعش كلّما سمعت اسمها، أو عبرت مخيّلتي على عجل. فهل أنا خائن؟ مجرّد رجل شرقيّ حنث بوعده تجاه امرأة، ومضى يبحث عن سراب. كيف أقسم قلبي بين امرأتين، الأولى رفضت مرافقتي وبقيت أسيرة كيانها وعالمها، والأخرى لم تتردّد لحظة واحدة في المضيّ معي حتّى آخر الدنيا! وها قد أصبحتُ والدًا للمرّة الأولى.
إنّه مركبي وعلى متنه جثّة رستم، لا، لم أنسَ هذه الحقيقة. في مكانٍ ما على هذه الخليقة، ينتظرني فارس وحورية، كأنّهم بالأمس صعدوا إلى مركبي. أشعر بالحنين لعالم التيه، لماذا لم أولد نورسًا يا حبيبتي؟ نورسٌ ليومٍ واحدٍ فقط.
كلّ هذا الرحيل!
كنت أقفُ وحيدًا إلى جانب مركبي، بدأت بغسله وتنظيفه دون انتظار مساعدة من أحد. انضمّ إليّ صاحب الدرك فيما بعد، ثمّ حضر بعض الرجال والنساء الذين لم يفقدوا الأمل بالعودة إلى الديار. حاولت المقارنة ما بين انطلاقتي الأولى وانطلاقتي نهار اليوم، التي أراها يتيمة وكئيبة. غريبٌ أمر هذه الدنيا! هناك، ليس بعيدًا عن مركبي، شاهدتُ رجالَ الأمن ببزّاتهم السوداء غامقة اللون ونظاراتهم السوداء. لم يجرؤ أحد من سكّان المدينة على الاقتراب من مركبي. كان عليّ أن أرحلَ وحيدًا مع ثلّة من أصحابي المخلصين. بدت لي المدينة صامتة وغارقة في ضجيجها الخاصّ. بدت لي أسيرة فرحها وترحها ومخاضها الدائم. كانت مدينة شرقية بكلّ ما تعني الكلمة من معنى. لم أكن أتصوّر فراقي دراميًا لهذه الدرجة، كأنّي أعود إلى رحم أمّي البحرَ ثانية. كنت أشعر بالخوف والقلق، كنت أشعر بالحزن يمزّق شرايين قلبي المثقل بهمومٍ يرفضها مبدأ الملاحة. إنّه الرحيل، وحمّاد يصرخ تارة، ويضحك تارة أخرى.
رفعت علمي الخاصّ أعلى الناصية، أطلقت العنان للألعاب النارية لوداع الشاطئ وأهله ومن بعيد، لاحت زوارق حربية خفيفة. وقفت بمحاذاتنا وأطلقت النيران في السماء الزرقاء تحيّة لي ولرفاقي، وقبل أن أبتعد في فضاء البحر الأزرق، شاهدت بقايا الحوت الأزرق الذي شدّني ورماني عند شواطئ المدينة. أخذت بعض عظامه الصغيرة كذكرى أحارب بها شبح النسيان، وسرعان ما مضيت في طريقي نحو التيه وغياهب الحقيقة.
ملأت رياحُ البحر رئتيّ الظمأى للحريّة. نسيت مرّة واحدة جميع المتاعب التي عانيتها في هذه المدينة حنطيّة اللون والهوى، وسرعان ما رمتني الأمواج إلى أعالي المحيط. أصبحت جزءًا من المياه المتلاطمة في الزرقة اللامتناهية. كنّا نعبّ دروب الدهر بعربات الزمن، كنّا نبحث عن أخاديد جديدة لمواجهة النسيان. للمرّة الأولى منذ سطر الوعي الحروف الأولى لإنسانيّتي أصبح حمّاد ونجوى ذاكرتي ومأواي، لهذا غبت في نومٍ عميق. تحرّرت أحلامي من الشوق، لأنّ الشوقَ أصبح يرقد إلى جانبي.
|
|
|
|