عرض مشاركة واحدة
قديم 09 / 05 / 2018, 10 : 04 AM   رقم المشاركة : [12]
هدى نورالدين الخطيب
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان


 الصورة الرمزية هدى نورالدين الخطيب
 





هدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين ( فلسطينية الأب لبنانية الأم) ولدت ونشأت في لبنان

رد: استطلاع جماهيري - الرواية - المشاركة في مسابقة نور الأدب الكبرى 2018

لم ينم تلك الليلة وهو يفكر في طريقة للتعامل مع الأمر دون أن يثير الشكوك حوله, لكنه قرر عدم الذهاب لئلا يدخل في متاهات هو في غنى عنها, كانت صورة أمه سارة أمامه على المكتب وكلما شاهدها تذكر كلام اسحق والرسالة التي وصلته فتؤرق مضجعه بحيث سيطرت على فكره ولم يستطع المذاكرة, كان يتمشى بين الغرف متكدرا عابسا يفكر ما عليه فعله للخلاص من هذا الموقف الصعب, أيتجاهل الأمر وكأن شيئا لم يكن, أم يذهب ويتأكد من صحة الكلام, كان يتمنى أن يكون اسحق كاذبا ليعيش حياته فالمستقبل الواعد أمامه, وهكذا قرر.
أشغل نفسه بالقراءة أخفى صورة سارة حتى لا يشاهدها, ابتعد عن طريق اسحق, ومرة أيام بسلام, كان يهم مغادرة الجامعة مساء ذلك اليوم فوجد رجلين بملابس رسمية يقفان أمام سيارة دبلوماسية, تفضل معنا سيد هارون!
- من أنتما؟
- نحن من السفارة الإسرائيلية.
تجمد الدم في عروقه, هل عرفا شيئا عني؟
هل وشى بي أحدهم؟
ماذا تريدان مني؟
- الملحق الثقافي بانتظارك!
صعد السيارة وقلبه يخفق, هذه المرة الأولى منذ دخوله الجامعة تطلبه السفارة, لماذا الآن؟ ماذا يريدون مني؟
-أهلا سيد هارون كيف حالك؟
-بخير سيدي.
-نحن نتابعك باستمرار, فالضابط مائير طلب منا الاهتمام بك شخصيا, سيد هارون في الفترة الأخيرة وردتنا معلومات أنك مضطرب وغير سوي, هل هناك أمرا ما يقلقك؟
-لا سيدي الأمور على ما يرام.
-نرجو ذلك, لكن علامتك الأخيرة كانت دون المستوى.
-نعم كنت مريضا ولم أستطع المذاكرة, أما الآن فأنا بخير.
-لا تتردد في الاتصال بنا في أي وقت نحن في خدمتك.
-شكرا سيدي.
لم يقتنع هارون بكلام الملحق الثقافي وخشي أن أمرا ما وصلهم عن الموضوع, وتذكر اسحق ورسالته الأخيرة وعاد له التفكير من جديد.
أخيرا قرر المغامرة ليقطع الشك باليقين وينهي هذا العذاب الذي يعيش, فتح رسالة اسحق وقرأها والتي تؤكد ما قاله له من قبل, فأخبر اسحق أنه على استعداد للذهاب وطلب منه تحديد موعد جديد, كانت السيارة بانتظاره ركبها وانطلقت به إلى مكان مجهول كانت النوافذ معتمة وهناك حاجز بينه وبين السائق فلم يعرف أين تأخذه السيارة, توقفت السيارة فوجد نفسه في بهو ياسرة فركبا المصعد وكان السائق يضع نظارات سوداء ويعتمر قبعة سوداء فكان من الصعب التعرف على ملامحه, توقف المصعد فدخل مكتبا كبيرا أجلسه الرجل على مقعد وفير وبينما كان يتفحصه سمع صوتا, أهلا بك ياسر, التفت هارون حوله فلم يجد أحد, هل تقصدني سيدي؟
-نعم, وهل غيرنا هنا؟
-أنا أسمي هارون, أعلم بني, ليس الأمر مهما على كل حال وأنت تتساءل لما أنا هنا؟
من حقك طبعا وحتى لا نطيل عليك لندخل في صلب الموضوع.
– كان رجلا وسيما رزينا شعره شابه بعض الشيب طويل عيناه عسليتان كان يبتسم مرحبا بهارون, عرف عن نفسه, أنا جمال, وقدم له ملف – أرجو الاطلاع عليه بينما تحتس القهوة ومن ثم نناقش الأمر, فتح هارون الملف وبدأ يتصفحه بذهول محموم والعرق يتصبب من جبينه بل من كل جسمه وكان يشعر بدوامة وقشعريرة في جسده الذي يهتز غير مصدق ما يقرأ, أغلق الملف, وعاد بخياله للماضي القريب كان يشعر بإحساس غريب عندما كان يلتقي بطلاب عرب في المدرسة أو عندما ير الجند يطاردون الفلسطينيون في شوارع القدس, نظر لجمال وكان مرتبكا فبادره جمال أنا أعلم أنك لم تصدق لكنها الحقيقة!
-من أين حصلتم على هذا الملف.
-ليس هذا هو المهم الآن, الأهم أن تتأكد من صحة هذا الكلام بنفسك!
-كيف لي ذلك ؟
- ألم تسمع بالحمض النووي؟
-أجل سمعت به!
-إذا قم بفحص الحمض النووي لك ولسارة التي تدعي أنها أمك, وإذا تأكدت أنها ليست أمك اجري فحص لوالدك الحقيقي وأعتقد انه ليس بالأمر الصعب لشاب ذكي مثلك عمل ذلك.
السيارة بانتظارك سيد ياسر, لكن قبل أن تغادر لا تخبر أحدا بالأمر لأن ذلك سيؤدي بحياتك.
عاد لغرفته مصدوما مذهولا, توقف عقله عن التفكير تماما, لكنه قام من النوم صباحا كتائه لا يعرف كيف وصل به الأمر أن نام لكنه كان صاف الذهن فحسم أمره وقرر التفرغ للإمتحانات ويترك الموضع لعودته للديار,
اختفى اسحق أيضا من الظهور وعزا ذلك لتفرغه للدراسة, ومرت الأيام مسرعة وانتهى الفصل على خير وعاد يحمل هما كبيرا وشوقا عظيما لسارة وداود والأصدقاء.
لا يعرف كيف خطر بباله اسم حسن, من هو حسن؟
هل ما زال حيا؟
كيف السبيل للتعرف عليه؟
وقبل ذلك كله هل جمال صادقا فيما قاله؟
كان يتأمل سارة التي يحبها حبا عظيما, كيف يعاملها إن صدق جمال؟
في المساء أخبرته سارة بأنها ستذهب إلى الصالون لقص شعرها, لكن هارون اعترضها وقال:- شعرك هكذا جميل جدا, لماذا تقصيه يا أمي؟
- أنا لا أحب الشعر الطويل بني يرهقني كل صباح وقد تعودت على القصير.
- إذا لنأخذ صورة سيلفي معا وأرجو إحضار شعرك لأخذه معه إلى الجامعة ليكون ذكرى جميلة في غربتي.
فيما كانت سارة في صالون السيدات عرج هارون للعم داود فاستقبله بحنان بالغ, وسأله ماذا يعرف عن والده فارتبك داود لهذا السؤال الغير متوقع, هل سألت أمك عن والدك بني؟
-نعم لكنني أحب أن أسمع منك, ليرتاح قلي!
-ماذا تقصد؟
هل سمعت شيئا ما أزعجك عن والدك وأمك؟
-لا, لكن أشعر أنني متبنى وليس الابن الحقيقي لهما, انظر جيدا لبشرتي وشعري وكيف هي أمي ووالدي, ألا يطرح ذلك سؤالا؟
-ليس بالضرورة بني, أرجو أن تهتم بدراستك الآن, فموعد سفرك على الأبواب.
انتهت الإجازة مسرعة وسافر هارون لجامعته يحمل هما كبيرا, فسارع يبحث عن اسحق:- أرجوك اسحق أنا بحاجة إليك ساعدني في مصيبتي.
-ماذا هناك هارون, أنت غير سوي أبدا؟
-أنا في متاهة كبيرة, أريد منك المساعدة في عمل فحص للحمض النووي لي ولأمي في مختبر خاص بعيدا عن السيد جمال حتى أتيقن من الحقيقة قبل لقاءه!
-أعرف مختبرا متعاونا في هذا المجال فكما تعلم هناك سؤال وجواب وتحقيق, هيا بنا.
وفي المختبر طلب اسحق فحص الحمض لشعرة من سارة وأخرى لهارون, فسأله موظف المختبر هل هذه الشعرات منك.
-لا وجدتها في مكتبة الجامعة!
-ما حاجتك لفحصها؟
- أنا احضر لبحث تخرج في الجامعة يتعلق بالجرائم.
حصل على الحمض النووي لهما وتفاجأ بالنتيجة فلا يوجد أي صلة تربطهما من قريب أو بعيد, وعندما ذهب لملاقاة جمال لم يخبره بنتيجة الفحص وطلب منه توضيحا لوجوده معه وما الهدف من المساعدة.
-ألا تحب أن تعرف من أنت!
-أجل!
- لهذا نساعدك, أنا أعلم انك حصلت على أثر لسارة وربما أجريت التحليل المطلوب, لا أريد أن تخبرني ولكن هذه شعرات من والدك الحقيقي حسن, أرجو أن تتابع البحث وعندما تحصل على نتيجة نتحدث في الموضوع.
لم يعلم هارون أنه مراقب, وذهب مسرعا للمختبر وطب منه تحليل للشعرات الجديدة ولم يجرؤ على معرفة النتيجة حتى يذهب لغرفته وقلبه مضطربا يكاد يغادر قفصه الصدري, فتح المغلف واطلع على النتيجة وعندما قارنها بنتيجة شعرته ووجد تشابها شبه كامل تجمد الدم في عروقه وجال في خاطره ألف سؤال لا وجود لأجوبة لها وشك أن جمال يعرف عنه أكثر من نفسه وعرف أنه مهدد بالقتل في أي لحظة لو اكتشف أمره.
يا الهي ماذا علي أن أفعل الآن؟
من هو جمال ولماذا مهتم بأمري؟
ماذا يريد مني بالتحديد؟
كيف سأعيش مع سارة بعد اليوم, وماذا لو عرفت أنني عرفت الحقيقة؟
هل ستقتلني؟
وعاش أياما لم يتصل بسارة, كان تائها مضطربا مشوش العقل لا يهدأ أبدا, وبعد أيام اتصلت به سارة ذات مساء تطمئن عليه ورد عليها يرتجف, خافت عليه ونبرة صوته مختلفة فسألته عن حاله فأجاب أنه مصاب بالرشح, وبعد حديث طويل أوصته أن يهتم بأمره ودراسته.
حاول جاهدا أن يبدو طبيعيا في الجامعة وفي البيت ينقلب الأمر إلى جنون فلا يهدأ أبدا ولا يستطيع الدراسة وكلما فتح كتابا تذكر سارة وتذكر داود والفلسطينيون الذين يعرفهم في المدرسة والسكن ويشاهد العنف بين الجانبين الذي كان يتعاطف معهم دون معرفة الأسباب, حزم أمره وقرر أن لا بد من لقاء جمال لوضع نهاية لمصيبته.
التقى اسحق وطلب منه موعدا للقاء جمال ووعده بترتيب لقاء قريبا وكان يترقب موعد اللقاء بفارغ الصبر ليعرف من هو ياسر وكيف سيقابل والده الحقيقي وما عليه فعله ليكون بأمان.
جلس في المكتب وصراع يدور في عقله ينتظر جمال وما سيحمل له من أخبار, أطل عليه بابتسامته وحياه وقال:-
-الآن وقد عرفت الحقيقة فأنت رجل مهم للغاية, لكن أحب أن أعرف منك ماذا يجول في خاطرك؟
-ماذا تخطط أن تفعل؟
-لا أعلم فالدنيا ضبابية تماما بالنسبة لي, أنا كمن هو تائه في صحراء.
-أعلم بني فالأمر ليس سهلا, إعلم أن هذا لقاءنا الأخير حتى تتخرج من جامعتك, سيكون لنا لقاء قبل ذلك بأيام, كل ما عليك فعله أن تكون طبيعيا تماما, لا تثر الشكوك حولك.
-أرجوك أنا لا أستطيع الدراسة حياتي أصبحت صعبة جدا, أريد أن أرتاح وأعرف ماذا علي أن أفعل الآن؟
لا شيء أبدا عزيزي, عش حياتك كما كنت من قبل, في لقاءنا الأخير ستعرف الكثير وتعود إلى فلسطين مرتاحا تماما, وأعدك أنه سيكون معك من يساعدك في مهمتك حتى تخرج من هناك بسلامة!
-هل تخطط لأغادر البلاد وأترك حياتي التي عشتها بكل بساطة!
- ستعرف ذلك في حينه سيد ياسر الآن عليك المغادرة والاهتمام بدراستك.
مضت سنته الجامعة الأخيرة بتباطىء ثقيل وقبل التخرج بشهر وجد رسالة في انتظاره تخبره بموعد جديد للقاء جمال, سارع للذهاب في الموعد المحدد واستقبله جمال بترحاب وأخذه إلى مكتب فتفاجأ هارون بوجود شخصان آخران هناك, سيد هارون أعرفك على السيد موشى, يعمل في السياحة ومكتبة في تل أبيب, سيكون حلقة الوصل بيننا في الأيام القادمة.
يا الهي هذا يهودي ومكتبة في تل أبيب, ماذا يفعل هنا بحق السماء؟
صافحه هارون وهو مرتبك,- هل هذا جاسوس - يفكر في نفسه, وتابع جمال, هذا السيد ناصر سيناقش معك الأمور المهمة, سأتركك معهم الآن.
غادر جمال الغرفة وبقي هارون مرتبكا لا يعرف ما يجري حوله وماذا يريد هذان السيدان منه, سيد هارون بعد أن عرفت من أنت عليك الآن أن تعرف ماذا عليك أن تفعل, قال ناصر؟
أنت مؤهل الآن لتكون في موقع حساس, بالتأكيد ستكون في مواجهة الفلسطينيون, في مواجهة أهلك ووطنك, وأمك تتابع عملك عن كثب, هي تحبك كثيرا, وتصدقك أيضا وهذا أمر هام ومن مصلحتك.
-هارون كن قاسيا مع شباب الانتفاضة, كشر عن أنيابك ولا ترحم, قال ناصر.
هارون متعجبا في متاهة, كيف له أن يكون قاسيا مع أهله وبني جنسه, أم معهم أم ضدهم.
-نريد أن تثير إعجاب مائير المسئول المباشر عنك وتعطي انطباعا جيدا من البداية وهذا يبعد عنك كل الشكوك.
- سنلتقي كثيرا في المناسبات ونتحدث أكثر في الخطوات القادمة, قال موشي, أنا قريب منك وسأتابعك باهتمام فلا تخشى شيئا.
وفي إثناء الحديث دخل اسحق ووقف بالباب, عندما شاهده هارون تبسم وكأن حمل ثقيل أزيح عن كاهله, قال اسحق:- تفضل أبتي, وعندما شاهد هارون والد اسحق صعق تماما وفرغ فاه غير مصدق ما يجري, لكنه قام من مكانه واحتضن الرجل بشدة وكانت فرحته لا تصدق بالرغم من ذهوله.
-كيف حالك بني؟
أنا أعلم أنك مرتبك ومذهول, يحق لك ذلك فهناك الكثير في هذا العالم فوق التوقعات, والكثير من حولنا كذبة كبيرة ولا يصدق.
-أجل عمي, أنا مصدوم وما زلت أعتقد أنني أحلم, أرجوك فسر لي ما يجري؟
هارون, أن لست يهوديا بني, أنا مصري, كنت أعيش في الإسكندرية وكنت يتيما, فتبناني رجل دين يهودي وكنت أخدمه بإخلاص, لكنني كنت واعيا وفي الثامنة من عمري, وكانت المخابرات المصرية تراقبني وتتحدث إلي دائما وترشدني لما علي فعله, اليهودي سجلني باسمه وسهلت المخابرات له ذلك, وعندما كبرت وتخرجت من الجامعة, كان الجميع يعتقد أنني يهودي فقد تعلمت منه التوراة والعبرية, وأرسلني لباريس للدراسة في الجامعة وعهد إلى صديق له في باريس كان متعصبا لليهودية ومحبا لها قام برعايتي ولم يبخل علي في المال, وبعدما تخرجت من الجامعة تزوجت بابنته وكانت كأبيها تريد مني أن أتفرغ للمعبد فرفضت وقلت أنا درست لأعمل وزادت خلافتنا فانفصلنا, مات اليهودي في مصر فعدت لحضور الجنازة ثم حولت الأموال إلى باريس بتسهيل من المخابرات أيضا وعرفتني المخابرات المصرية على فتاة يهودية فتزوجتها, بقيت عائلتي في باريس, اسحق ابني أخبرته عنك وطلبت منه التعرف عليك لتسهيل المهمة.
-لا تقل أن أمي سارة فلسطينية أيضا؟
-لا بني, سارة يهودية متعصبة جدا. لا تخف بني سنعمل على أن تكون بأمان, أنا أعرف والدك جيدا, لكن دون أن يعرف هو عني شيئا.
-والدي الحقيقي حسن, حقا تعرفه؟
-أجل وعمك يعمل عندي منذ سنوات.
في حفل التخرج حضرت سارة ووفد من السفارة وكانت مبتهجة جدا وستعود ومعها هارون ويبدأ العمل الذي ستسلمه له بتقاعدها من الخدمة, وستتفرغ لخدمته ورعايته, أياما مرت حتى استلم وظيفته في الخدمة العسكرية والتحق بدورات تدريبية قاسية كما هو الحال لكل شاب وفتاة في الكيان الصهيوني.
عمل هارون في وزارة الأمن الإسرائيلي مسئولا عن ملف الانتفاضة والتصدي لها في رام الله, كان يتخفي في ملابس عربية يتجول في البلدات الفلسطينية ويتعرف على ما يجري وساعده في ذلك لغته العربية الجيدة وملامحه الشرقية فلا يشك به أحد, وكان قاسيا وظالما في التعامل مع الشبان الفلسطينيين ولا يعرف الرحمة ويتفنن في قمع تلك الانتفاضة بكل ما أوتي من خبرة, وكانت سارة تتابع أخباره عبر المسئولين عنه وعلمت أنه ناجح تماما في مهمته فتنتشي فرحا إذ أن جهودها أثمرت.
في المناسبات العامة كان يلتقي هارون مع موشي ويتلقى بعض الإشارات ويتبادلا المعلومات دون أن يثيرا الشكوك حولهما.
كانت سارة تقضي جل وقتها في التسوق والرحلات وإعداد الطعام ومشاهدة الأفلام السينمائية فلا تشعر بالوقت وهو يمضي مسرعا, في المساء تسمع لهارون وهو يخبرها بأحداث كل يوم بيوم, كانت تنتشي تماما وتسمع ضحكاتهما من بعد كلما أشار هارون لمطاردة شباب الانتفاضة وصراخهم والقبض عليهم وتعذيبهم , يوما قامت سارة بزيارة الصديق داوود دون موعد مسبق, عندما وصلت المنزل وذهبت إلى الحديقة التي تعشق الجلوس فيها تحتسي الشاي, كادت عيناها تخرج من محجرهما عندما أطلت على النافذة المقابلة للحديقة.
تصلبت قدماها وتجمد الدم في عروقها عندما شاهدت داود يلبس ملابس الفلسطينيون, وتساءلت لماذا يفعل ذلك, والتقت عيناهما وهو يبتسم برقة وهي واقفة كصنم, خرج إليها لكنها أطلقت لساقيها الريح وانطلقت بسيارتها مسرعة على غير هدى, وصلت لحديقة عامة فأوقفت سيارتها وذهبت تسير تحت الأشجار في رأسها ألف سؤال وسؤال, وخشيت أنه يخفي عنها شيئا وأن تكهناتها عنه صائبة, عندما هدأت قررت مواجهة العم داود قبل أن تحكم عليه.
احتضنها بين ذراعيه كابنته كالعادة وأجلسها بقربه.
لم تنبس سارة ببنت شفه أمسك يدها وقال لها كشفت سري يا سارة, كان عليك الاتصال قبل أن تأتي, أليس كذلك؟
سارة مندهشة كأنها في دوامة, وبقيت صامته تنتظر تفسيرا مقنعا.
-كان هذا سري منذ أن تقاعدت ولا أحد يعلم به, أنا أتخفى في تلك الملابس وأذهب للقرى العربية وأتجسس عليهم وأعطي المعلومات للجهات الأمنية فتلقي القبض على الشباب الذين يحاولون زعزعة الأمن وملقي الحجارة على سيارات المستوطنين.
ـ حملقت سارة من جديد مندهشة؟
- لا تستغربي بنيتي, الحاخامات والكهنة دائما يحثوننا على قتل الفلسطينيون وتقديم الدعم لقواتنا الأمنية فهذا عمل يباركه الرب, كما أرجو أن لا يطلع على الأمر سواك.
ـ لماذا؟
سيكون ذلك من دواعي وسرور هارون.
- أعلم ذلك, كما يقال السر بين اثنين ينتشر بين الجميع وهذا ليس من مصلحتي, تعلمين أن هناك الكثير من العرب يعمل معي ولا أريد أن ينكشف أمري بينهم فيقتلونني بلا تردد.
----------
راقب هارون والده حسن من بعد باهتمام كبير ومدة طويلة, حتى عرف أنه ذهب إلى القدس للصلاة في الأقصى, تخفى هارون وهو يتبعه كظله حتى وصل إلى المصلى الأموي, اعترضه مصافحا ثم قال, سيد حسن كيف حالك؟
-الحمد الله بخير, من أنت؟
-صديق يحب أن يتعرف عليك, هل تبعتني لنجلس معا بعيدا عن الناس.
في المصلى .... الكل منهمك منهم من يصلي ومنهم من يقرأ القرءان ومنهم من يراقب عظمة البناء واتساعه .... جلس حسن ....يقابل هارون على ركن جانبي ...... لكن حسن كان معه ابن عمه, عندما التقى هارون به تبعه دون أن يشعر هارون.
هارون يتأمل والده بقلب ينبض ومشاعر حساسه وحسن يتعجب من هذا الرجل المجهول.
ـ كيف حالك؟
ـ الحمد لله.
ـ هلا تعرفني على نفسك بني, ما دمت تعرفني!
رقص قلب حسنا وكادت عيناه تدمع.
ـ لما العجلة؟
تحدثا قليلا في مجاملات جانبية عامه ثم سأل هارون.
ـ هل تذكر هذا التاريخ؟
وناوله ورقة مكتوب عليها 5|7|1984
حملق حسن, وانتابه شعور بالبكاء, اغرورقت عيناه, تماسك نفسه, تنهد, التفت نحو الرجل المجهول مندهشا, لم ينبس ببنت شفه.
ناوله ورقة أخرى مكتوب عليها اسم المستشفى الذي ولد فيه ياسر.
دمعت عيناه , تناول منديلا ورقيا من جيبه, مسح دموعه, هذه الكلمات فتحت جروحا متقيحة لم تندمل منذ ذلك التاريخ.
ثم ناولة ورقة مكتوب فيها ياسر, وضع حسن رأسه بين يديه متكئا على ركبتيه, أجهش بالبكاء, يتساءل من هذا الرجل الذي يذكرني بمصيبة عمري, أيعقل أن يكون ياسر, لما لا, يبدو في مثل سنه, لما لا أسأله وانهي هذا الحوار المجنون.
ـ من أنت؟
ناوله بطاقة هويته.
الأسم : هارون.
مكان الولاده : القدس.
الإقامة : القدس .
تاريخ الميلاد : 5/7/1984
قام حسن من مكانه, يفكر بأخذه بين ذراعيه, نفس تاريخ الميلاد, القدس, يعني في ما تسمى إسرائيل, هم من خطفوه, لما لا يكون هو, شهادة مزورة, نعم.
ـ من فضلك اجلس.
ـ من أنت, ماذا تريد مني؟
ـ أردت أن أتعرف عليك من قرب, أن أتحدث معك.
ـ لماذا؟
ـ هناك من يراقبنا عن كثب, هل تعرفه؟
-نعم هذا إبن عمي كنا معا عندما التقينا.
-إذا ما رأيك أن نتناول الغذاء غدا في رام الله.
أرجوك لوحدك, الساعة الواحدة من بعد الظهر, أنا بانتظارك.
أرجوك لا تخبر أحدا عن الحديث الذي دار بيننا.
تركه وانصرف, غادر حسن وأفكار متضاربة تدور في رأسه وهو يجزم أن هذا الرجل هو ياسر أو يعرف شيئا عنه, كان ينتظر الغد بفارغ الصبر, عاد للبيت لم يكلم أحد اختلى بنفسه وانزوى في ركن منعزل يعيش في حلم.
كانت تلك الساعات التي تفصل حسن عن الموعد دهرا بأكمله, أذن الفجر وخرج للصلاة دائم الدعاء أن يكشف هذا الرجل عن سر ابنه لينهي سنين من العذاب والألم والحسرة التي لازمت العائلة منذ اختطافه, لم يستطع الانتظار فذهب مبكرا إلى المطعم وتناول القهوة والشاي والعصير وكلما قرب موعد اللقاء يزداد توترا وقلقا وقلبه لا يكاد يهدأ أبدا وهو دائم النظر لساعته التي يبدو أنها توقفت تماما, لحظات قاتلة وفاصلة في حياته, ما كاد ير الرجل مبتسما حتى استشعر بالفرج ينتظر أن يأخذه بين ذراعيه بعنف بحب, وصل الرجل ومد يده مصافحا, أنا أبنك ياسر!
كاد القلب أن يقف والصدر أن يتمزق ووقف شعر رأسه وخدر كل ذرة في جسمه, كان مذهولا ... فلما تنفس رائحة قميصه فكأنما كان ضريرا فارتد بصيرا واحتضنه بين ذراعيه مجهشا بالبكاء.
ـ أرجوك إجلس, لا تثر الشكوك حولنا.
ـ أحقا أنت ياسر, لا أصدق, أعطني إشارة بني لأطمئن.
ـ نعم أبتي, أنا هو, إبنك ياسر, لا أستطيع شرح الأمر الآن خوفا من أن ينكشف أمري.
ـ إلى أين ستذهب, لن أسمح لك أن تعود لهم بعد إذ أنجاك الله منهم!
ـ أبتي سأعود إلى عملي, لو أتأخر سينكشف أمري, وسأكون في أيديهم في لحظات.
ـ لا أرجوك يجب أن تراك أمك على أقل تقدير.
ـ ليس الآن ... أنت تعرف النساء, ربما تكشف أمري دون قصد, سيقتلونني بلا تردد.
ـ ماذا ستفعل؟ كيف سنراك ونطمئن عليك.
ـ أنا أراقبكم وستكونون تحت نظري دائما, سأعود قريبا, لكن بأسم جديد وشكل جديد, وطبيعة جديدة ...
-أرجو, قبل أن أغادر, لا تخبر أحداً أبدا, أي كلمة منك ستؤدي لقتلي.
ـ سأتصل بك طالما ينتهي الأمر.
ـ متى, كم من الوقت؟
ـ ربما سنة تقريبا ...... فالأمر ليس سهلاً.
أوعز داود لشخص يثق به ليخطط لخروج حسن من إسرائيل بطريقة آمنة, وكان لذلك الصديق خبير في تزوير جوازات السفر كان يعمل مع الموساد الإسرائيلي ويعيش بأمريكا بعد تقاعده.
طلب داود جوازي سفر بأسماء مختلفة بجنسية أمريكية وفرنسية.
بعد شهور حصل هارون على إجازة سنوية وغادر إلى أمريكا, حجز غرفة في فندق بارك ساوث هوتل في وسط مانهاتن بنيويورك محطته الأولى, استقل سيارة أجرة إلى المطار, وخلال ساعة كانت الطائرة تحلق في سماء فلسطين, كان هارون قلقا للغاية, فالأمر الذي يقدم عليه في غاية الخطورة, وأن أي خلل سكون النهاية المؤلمة له فهو يعرف عاقبة الأمر جيدا, وصلت الطائرة بسلام وانتهت الإجراءات الدقيقة من التفتيش واستقل سيارة إلى الفندق, كانت غرفة جميلة مطلة على الكثير من المناطق السياحية في المدينة, تناول وجبة طعام شهية في مطعم الفندق, جلس قليلا في البهو الواسع ثم خلد للنوم, في الصباح الباكر تناول وجبة حفيفة وانطلق إلى حديقة نيويورك للنباتات في حي بروكلين ليستمتع بمناظر مئات الأنواع من النباتات الجميلة حتى منتصف النهار ثم توجها إلى جسر بروكلين فوق نهر الشرق بطول 5989 قدم وهو أول جسر معلق بالعالم ثم تناول طعام الغداء في مطعم بالقرب وعند الغروب توجه إلى مبنى إمباير ستيت الذي يعتبر أحد رموز نيويورك منذ عام 1931 وصعد إلى قمته ليشاهد جمال مدينة نيويورك عند الغروب, وأخيرا توجه إلى أوبرا ميتروبوليتان حتى منتصف الليل وعاد إلى الفندق ليخلد للنوم, أراد هارون أن تكون رحلته طبيعية لئلا يثير الشكوك حوله, في الصباح تابع جولته في مدينة نيويورك وتمثال الحرية المتربع فوق جزيرة الحرية في ميناء المدينة وهناك كان اللقاء مع الرجل الخفي حيث تسلم ظرفا دون أي كلمة وتابع الأخير طريقه متجولا في الحديقة, ومن ثم متحف المتروبوليتان والتمتع بالأعمال الفنية الرائعة التي يزخر بها المتحف ثم تناول طعام الغداء في أحد المطاعم القريبة من محطة قطار جراند سنترال تيرمينال وتجول قليلا قبل الذهاب إلى تايمز سويكر وهو قلب المدينة النابض بالحياة ثم شاهد فلما سينمائيا قبل العودة للفندق, اطمئن هارون عند استلامه جوازي السفر وفي الصباح غادرا الفندق بعد أن استأجر سيارة سياحية متوجها إلى جبال أديرونداك في شمال المدينة حتى وصل قمة جبل مارسي وهو أعلى جبال نيويورك, شاهد رجل يتسكع هناك بملابسه الرثة كأنه هبي وكانا ثملا تماما فأعطاه السيارة وترك جواز سفره الإسرائيلي فيها ثم اشتر سيارة من أحد المتنزهين وراقبها وكانت السيارة تسير مسرعة على غير هدى وإنحرفت عن الطريق لتهوي إلى الوادي السحيق وانفجرت واشتعلت فيها النيران إلى وسط المدينة فركب سيارة أجره إلى المطار حيث حجز الليلة الماضية إلى فرنسا.
هرع الناس إلى الوادي مشدوهين تماما والنار ما زالت مشتعلة في السيارة على أمل نجدة ركابها, وسارع من وصل إليها محاولا إخماد الحريق بالمطفأة الصغيرة, لكن النار أتت عليها ولم يتبق منها إلا هيكلها الحديدي وأصبحت رمادا, لحظات وحضر للموقع رجال الإطفاء والشرطة بطائرات عمودية, وبعد التدقيق عرفوا الشركة صاحبة السيارة ومن استأجرها, تم إبلاغ السفارة الإسرائيلية التي حضرت للموقع وباشرت التحقيق مع أمريكيين ونقلت رفاته إلى تل أبيب, وصل الخبر لسارة ولداود ففجعا بالمصاب الجلل وأقيم له جنازة عسكرية ووضع الورود على قبره, عاش داوود وسارة أياما من العزلة والندم على فراقه.
بالقرب من محطة توليريه للمترو نزل هارون في فندق لاموريس- Le Meurice –
وهو في شوق للمدينة التي عاش فيها سنوات, اختير الفندق لموقعه المميز وسط باريس بالقرب من منطقة الكونكرد والشانزليزيه ومتحف اللوفر وأيضا بعد استراحة قصيرة في الفندق توجه لمطعم لاموريس وهو المطعم الرئيس للفندق الذي يحمل نفس الأسم, تناول طعام الغداء من ألذ الأكلات الفرنسية الشهيرة, قضى يومان في باريس زار خلالهما معالم باريس الجميلة قوس النصر وبرج إيفل وكاتدرائية نوتردام ومتحف اللوفر ومنتزه العاب ديزني.
ثم غادر فرنسا إلى السعودية, خلال تلك الفترة أطلق هارون لحيته وكان اسمه محمد عبد الله, توجه إلى مكة المكرمة فأدى العمرة, ولبس ما يلبسه رجال الدعوة من كوفية و دشداش قصير و بنطال من نفس اللون, وكان الصديق الخفي قد رتب لمحمد عملا في شركة بمكة المكرمة.
في موسم الحج استعد محمد لأداء فريضة الحج وبينما هو في بيته رن الجرس فتح الباب وإذا والديه يقفان أمامه وألقت الأم بنفسها عليه تحتضنه وتقبله وتبكي.
التقى أخيرا ياسر بوالديه في مكة المكرمة وأدى الجميع مناسك الحج في جو من السعادة الغامرة, ثم توجها إلى الأردن وكان الوالدان قد طلبا يد فتاة مثقفة من عائلة من البلدة تسكن الأردن, وتم الزفاف في حفل بهيج بين الأهل والأصدقاء, ما زال ياسر وزوجته في مكة المكرمة فيما والداه يزورانه كل عام بقصد العمرة.

انتهت


-----------------

ملاحظة: الرواية أعلاه لم تكتمل تماماً كما أشار صاحبها ، لكن هو أراد المشاركة في المسابقة بهذه الرواية الوطنية حتى وإن لم ينته منها تماماً كما أشار.


توقيع هدى نورالدين الخطيب
 
[frame="4 10"]
ارفع رأسك عالياً/ بعيداً عن تزييف التاريخ أنت وحدك من سلالة كل الأنبياء الرسل..

ارفع رأسك عالياً فلغتك لغة القرآن الكريم والملائكة وأهل الجنّة..

ارفع رأسك عالياً فأنت العريق وأنت التاريخ وكل الأصالة شرف المحتد وكرم ونقاء النسب وابتداع الحروف من بعض مكارمك وأنت فجر الإنسانية والقيم كلما استشرس ظلام الشر في طغيانه..

ارفع رأسك عالياً فأنت عربي..

هدى الخطيب
[/frame]
إن القتيل مضرجاً بدموعه = مثل القتيل مضرجاً بدمائه

الأديب والشاعر الكبير طلعت سقيرق
أغلى الناس والأحبة والأهل والأصدقاء
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً = وحسب المنايا أن يكن أمانيا
_________________________________________
متى ستعود يا غالي وفي أي ربيع ياسميني فكل النوافذ والأبواب مشّرعة تنتظر عودتك بين أحلام سراب ودموع تأبى أن تستقر في جرارها؟!!
محال أن أتعود على غيابك وأتعايش معه فأنت طلعت
هدى نورالدين الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس