09 / 05 / 2018, 19 : 10 PM
|
رقم المشاركة : [2]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: استفتاء جماهيري - القصة الموجهة للأطفال - مسابقة نور الأدب الكبرى 2018
1-
كانت في سالف الأزمان غابة تمتد فوق حد البصر، غابة مساحتها فوق ما يتخيله بشر، وبجانب الغابة امتد نهر رقراق، جاد عليها خيرا، فاخضرت الغابة، وأينعت أزهارها، واكتفى سكانها من فيض نعمه.
وكانت قي الغابة شجرة مباركة، بين زمن وزمن يسطع منها نور مشع؛ يضيء ظلام الغابة، ويزيل الخوف عن سكانها؛ من كل وحش يتربص بهم، فكانوا يعيشون مسالمين، لا خوف عليهم ما داموا متحدين تحت أضوائه.
مر زمن وجاء زمن، والغابة في نعيم دائم، تتهادى أغصانها وتتشابك في جو أخوي يزيدها غبطة وسرورا.
و في زمن غير بعيد، نزل وحش كاسر بالغابة التي طردته في غابر الأزمان؛ حيث عاش تائها متمردا؛ بسبب لعنة أصابته؛ لأنه كفر بنعمها. قرر أن ينتقم لنفسه، ويفسد على الغابة حياتها الرغيدة.
خافت الغابة من الوحش؛ وعوض أن تستمر في تكتلها وتهاجم عدوها، فكت ترابطها، وانكمشت كل شجرة على نفسها؛ حذرا من شر الغادر؛ الذي سره نجاح خطوته الأولى، في تمزيق ما وحدته أزمان طويلة، ولم يكتف بذلك؛ بل استطاع بدهائه الماكر أن يحرض الأشجار على بعضها، فتفرق جمعها وانقسمت فرقا.
تنازعت و تطاحنت كل فرقة حول من يسير أمورها، هنا ترك الوحش الكاسر كومة غضب هائجة تنفجر على بعضها، وحلق بعيدا في السماء وهو يقول:
- غريب أمر هذه الغابة الكثيفة، أصابها الرعب مني وأنا وحيد مكسور الجناح، لم تعلم أن الإتحاد قوة، و لو اتحدت ضدي لقضت علي!
و بدأ يخطط لهجوم شامل يمكنه من امتلاك الغابة، لكنه عدل عن الفكرة لأنه خاف أن يطرد مرة ثانية، وصبر إلى أن تشتد قوته ويتمكن من السيطرة عليها. و إلى ذلك الحين مهد الطريق للخطوة الثانية؛ بعد أن فكر ودبر، فوقع اختياره على الشجرة المباركة؛ التي كانت سببا في ذله، استفرد بها بعد أن خلى له الجو، فحطم أغصانها الغضة، وأتلف أورقها اليانعة ليضعف قوتها. فقدت لونها البهي لكن جذرها ظل صامدا؛ من جوفه يروي عروقها؛ فتنبث أغصان جديدة، تورق بنظارة لامعة. قاوم بكل ما أوتي من قوة، ولم تنكسر إرادته في الصمود، ضد عدوه الوحش الكاسر. لكن أشجار الغابة التي كانت سندا للشجرة المباركة تخلت عنها، ولم تسعفها وإن كان منها من استقر حالها وفاض خيرها.
غضبت الشجرة رمز الجهاد؛ مرارا وتكرارا، وسخطت على تشتت الغابة، وتبرأت من أخواتها اللآئي خذلنها. و بعد مدة من مقاومتها بعثت لهن رسالة مؤثرة؛ عبر ورقة صفراء ذابل لونها لكنها متشبثة بالحياة والحرية؛ تقول الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم، من الشجرة المباركة الخالدة في قلوب أهاليها إلى الغابة ومن فيها.
إن كنتم قطعتم العهد الذي كان بيننا، وتخليتم عن رابطتنا، فإني أتشبث بها مع أهلي وعشيرتي، ولا أتركها مطية لعدوي. وخوفي عليكم أن يصيبكم ما أصابني؛ فمهما كان، فنحن إخوة ويحزنني أن يستمر تشتتكم فتضعف قواكم وتنقرض فصيلتكم، وينعم العدو بخيراتكم.
و اعلموا أن النهر الذي ظل زمانا يسقينا ويجود علينا بخيراته، هو الخطوة التالية من مخطط عدونا، ولقد مدّ ريشه بعدنا على بعض الأشجار العريقة؛ الثابتة على ضفافه، ولن يتوقف الكاسر عن العدوان؛ حتى يجعل الغابة وما فيها تحت جناحيه.
أيتها الغابة الغافلة عن مصيرها، احذري أن ينقطع صبيب النهر عن ديارك؛ ولن ينفعك ندم؛ لأنه من فرط في جزء من حقه قد يسلب الحق كله.
و اعلمي أني سأظل أبدا صامدة؛ ما دام في عرق ينبض، ولن يحبطني تخليك عني؛ لأني شجرة مباركة لن يقتلعني أي وحش كاسر.
فاضت الغابة غضبا بعد أن قرأت الرسالة، وبدأت تتكتل ضد عدوها، إلا أن ريح الشر كان يباغتها بين الفينة والفينة، فتعود إلى ظلامها الدامس، وتبقى الشجرة المباركة في صراعها المستمر مع الوحش الكاسر. لكن السماء جادت بنور لامع بعث إلى الغابة رسالة تحذير من سباتها العميق. كثر حفيف الغابة والشر يداهمها، استجمعت هذه المرة قواها بفضل النور اللامع، فخرجت من ظلامها وأحرقت الشر المنبعث من فم العدو فتحول الكاسر إلى طائر وديع، فاحتضنته الغابة ولمت شملها، وعاشت في سعادة دائمة، والنور يسطع فوق الشجرة المباركة
|
|
|
|