عرض مشاركة واحدة
قديم 10 / 05 / 2018, 13 : 08 PM   رقم المشاركة : [2]
هدى نورالدين الخطيب
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان


 الصورة الرمزية هدى نورالدين الخطيب
 





هدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين ( فلسطينية الأب لبنانية الأم) ولدت ونشأت في لبنان

رد: استفتاء جماهيري - القراءات النقدية - مسابقة نور الأدب الكبرى 2018

1-
ملامح الواقعية النقدية الساخطة في قصة "القلم الخامس" للأديبة بشرى كمال"



1- لمحة موجزة عن الواقعية في الغرب.
لاجرم أن الواقعية النقدية كمدرسة وفلسفة وتيار أدبي، ظهر في الغرب وانتشر في كل أصقاع العالم بفعل التثاقف والاحتكاك بين الشرق والغرب، مما خلف أدبا رصينا يحبل بمفارقات وتناقضات الواقع بكل آلامه ومأساته وعنفه وشراسته على الطبقات المسحوقة في المجتمع، والتي تعاني الويلات والظلم من الطبقات التي تعيش بدخا وثراء، لأنها تنتج البؤس والظلم وتستهلك حقوق الكادحين.
ولاريب أن الواقعية مدرسة فنية ليست محصورة في الرقعة الأدبية قط، بل في الفن التشكيلي والسنما أيضا وغيرها من ضروب التعبير الإنساني الذي عرفته البشرية مد زمن بعيد. وقد بزغ نورها بين أحضان الغرب ولعل من أعلام هذه المدرسة كما هو شائع دائع نجد "أونوريه دي بلزاك" الذي برزت موهبته في عام 1828م. فجمع رواياته التي قاربت المئة في (الكوميديا البشرية)، ويعد من رواد الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر من الفترة التي أعقبت سقوط نابليون، فبرع في السياق الواقعي لتعلقه بالواقعية الحالمة[1]، ثم نجد الكاتب الواقعي "ستنداك" أحد أساتذة الفكر في عصره، والذي أتى في أوج الرومانسية فرفضها رفضا قاطعا، وارتاد واقعية نفسية تنقب عن بواعث الأسرار وتحلل الأمور تحليلا ذكيا، حتى ذهب الأمر بالناقد هيبوليت تين للقول عنه:" لقد علمنا ستنداك كيف نفتح أعيننا وننظر"[2].
ثم برز لنور الوجود بعده الأديب والروائي المشهور" إيميل زولا" صاحب أعمال مشهورة "الأرض، الحلم، الوحش البشري، الانهيار..."، ليأتي بعده "موباسان" الذي تميزت أعماله بطابع السخرية والتشاؤم والعطف على البؤساء والمنكوبين، والذي أشتهر بأعمال عظيمة "حياة صاخبة، الصديق الجميل، قوي كالموت"، و"غوستاف فلوبير" الواقعي المتصف بالروح العلمية والتحليل الهادئ للحالات النفسية، فنزل للمجتمع وراقب أحوال المجتمع، وانتقد الطبقة البورجوازية، وله أعمال واقعية شهيرة منها روايته التي كتبها عام 1826م، بعنوان " التربية العاطفية" التي تميزت بالملاحظة الواقعية الدقيقة للأخلاق البورجوازية[3].
إضافة إلى علم واقعي مشهور عالميا هو "مكسيم غوركي" الروائي والمسرحي الروسي، الذي نشأ في عهد القيصرية وعاش مرارة الفقر واليتم، وقدم أعمال كبيرة وشاقة ليكسب لقمة العيش، فكتب أعمال خالدة منها "مواطنون مأفوفون، ذكريات من طفولتي، المشردون..."[4].
2 - نبدة وجيزة عن الواقعية في المشرق والمغرب.
لقد كان لعامل التثاقف والاحتكاك مع الغرب والصحافة دورا جوهريا في بزوع القصة في الأرض العربية، ولا مرية فالمدرسة الواقعية بوصفها (مدرسة للشعب) بعدما ظهرت في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر في الغرب كرد فعل على المدرسة الرومانسية إثر تعلقها بالعاطفة والخيال وتمردها على مشاكل الواقع الاجتماعي دون إيلائها أية أهمية تذكر للمحيط السوسيوثقافي، فقد ظهرت في الوطن العربي بداية من النصف الثاني للقرن العشرين الواقعية واستثمر الأدباء العرب فهمهم للواقعية في الغرب خير استثمار، فوظفوها مستثمرين مشاكل البلاد العربية بمحنها السياسية وتخلفها عن الركب اجتماعيا وثقافيا وفكريا، معبرين عن ظروف الأمة العربية الخاصة ضمن السياق العربي الذي يسعى لتدشين وعي خالص يفهم الواقع بكل أفانينه.
ولا ريب فهذه الدعوة أخذت منحى أدبيا وروائيا وقصصيا وشعريا، فكانت دعوتهم للإصلاح عبر فكرهم ضمن قالب أدبي، ولا أدل على ذلك مما قدمه الأزهري العظيم والناقد الحصيف عميد الأدب العربي "طه حسين " كداع من دعاة الاصلاح، خاصة في أعماله "المعذبون في الأرض" والتي صور فيها التفاوت الاقتصادي بين فئة استحوذت على كثرة كثيرة من المال الحرام وهي قليلة، وكثرة جائعة من عامة الشعب وهي كثيرة، مصورا ذلك في تفاوت طبقي صارخ دفع ثمنه الفراعنة ومن ثمة نفس الأوضاع في العالم العربي.
كما كتب المسرحي والأديب العظيم توفيق الحكيم عدة أعمال خالدة وسامقة من ألمعها "يوميات نائب في الأرياف"...وغيرها كثير، كما أبدع كتابات واقعية القاص المشهور "محمد تيمور" فأينعت ولمعت الأقصوصة وبلغت قمتها على يده، وتواصلت الإنتاجات الواقعية في مصرعلى يد الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل "نجيب محفوظ" رائد الواقعية في الأدب العربي من خلالنشره روايتَهُ الأولى "عبث الأقدار" التي تقدم مفهومَهُ عن الواقعيَّة التاريخيَّة، ثم" القاهرة 30"، اللص والكلاب"... وغيرها من الأعمال الكبيرة.
وبعدما شاع وذاع صيت الواقعية في المشرق جاء الدور على المغاربة لولوج هذا المنجز الهام في التعبير عن واقعهم كذوات لها تاريخها ومشاكلها ومأساتها بحيث عاش المغرب تحت رحمة الاستعمار الفرنسي، كما ظهر للوجود رواد يكتبون قصصا وروايات واقعية وعلى رأسهم نجد الأديب الواقعي ابن فتاة الرغيف "محمد شكري" الذي عرى عن المكبوتات وفضح الواقع كصورة مطابقة بأدب جميل وقمة في الواقعية، ولذلك يقول عنه الباحث هشام الحراك :"محمد شكري هو ذاك الكاتب الذي قال عن نفسه إن شهرة سيرته الذاتية "الخبز الحافي" سحقته سحقا.. والواقع أنها لم تسحقه كإنسان صارت الشهرة تجلب له بعض المتاعب، وإنما كقاص قدم روائع في مجال القصة القصيرة، وتحديدا في مجموعتيه القصصيتين: "مجنون الورد" و "الخيمة".[5] كما أن الكتابة عند هذا الأديب تتغدى من تجارب حياتية ومن إلتصاق باليومي المعيش، ولذلك كان يقول في هذا الصدد:" لقد علمتني الحياة أن أعي لعبة الزمن وأن أنتظر، بدون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته.. قل كلمتك قبل أن تموت، فإنها حتما سوف تعرف طريقها"[6].
كما نعرف أن الروائي المغربي " محمد زفزاف" يعتبر أن الكتابة مسألة مرتبطا أيان ارتباط بالمعيش اليومي ولا تفارقه مطلقا، ولعل من أبرز أعماله روايته الشهيرة "محاولة عيش" حيث عبر عن قمة الواقعية ونبش في أعماق المجتمع المغربي من خلالها، وهذا ما عبر عنه الباحث هشام حراك بقوله عن زفزاف أيضا :"إن كتابة القصة القصيرة عند محمد زفزاف هي كتابة "من المجتمع وإليه"...هي كتابة ملتصقة باليومي والمعيش لدى الشرائح الاجتماعية المهمشة… يقول في هذا الصدد: "أن يعرف الإنسان مجتمعه الحقيقي لا بد وأن يعيش داخله، وأن يعود إلى نفسه، وأن يتأمل ما رآه وعايشه وشاهده، وإذاك يستطيع هذا الكاتب استخلاص ما يمكن استخلاصه من التجربة الحياتية اليومية، لأن روح الكتابة هو محايتثها لليومي والمعيش"[7].
أما بالنسبة للقاص المبدع إدريس الخوري فهو نادى بالواقعية من خلال مجموعاته القصصية المعروفة "ظلال، حزن في الرأس والقلب، البدايات، الأيام والليالي...وغيرها". ويقول عنه هشام حراك: " فالخوري نمام، لكنه نمام إنساني محب للخير.. يقول في مقدمة مجموعته القصصية “ظلال”: الكتابة، إذن، في جانبها الحكائي القصصي، والروائي أيضا، نميمة مقروءة لأنها تقوم بعملية الإخبار عن أشخاص كناهم وسيكونون في زمان ومكان محددين ذهنيا (…) وهي تستمد مشروعيتها من واقعها، ولأن هذا الواقع جد متشابك، تصبح الكتابة-النميمة وسيطا بيننا وبين واقع كان وسيكون...هذا هو الاحتمال الممكن لعملية الكتابة التي تتأرجح بين الصدق والاحتمال. إنها تصبح ممكنا لما ينبغي أن يكون"[8].
3 - دراسة جوانية للمتن القصصي لقصة "القلم الخامس".
إن دراسة النصوص الإبداعية من الداخل مسألة هامة في الدراسات النقدية للقصة القصيرة، ولذلك سنسائل ونستنطق هذا النص مساءلة جوانية (داخلية) لا برانية (خارجية)، بحيث يظهر لنا السخط الواقعي في قصة "القلم الخامس" انطلاقا من قول المبدعة في بداية النص "يا إلهي هذا القطر لا يريد أن يتوقف"[9]. فهي تركع للرب وتناجيه مترجية وهي متأسفة بطريقة ساخطة متعجبة متفاجئة كي يتوقف هذا القطر عن سيلان الماء المباغث والفجائي، كما يزداد سخطها اللاذع وعدم تقبلها للوضع الراهن الذي صار مثل شلال باغث هذا اللامأوى المهمش البسيط، حيث تعود لتقول "تبا لهذا القطر الذي لايتوقف... سحقا لهذا المطر اللعين"[10]، فهي تنتقد هذا المطر وتتأسف على واقعها المأساوي بقولها "تبا، اللعنة" ساخطة ناخطة على وضعها الميؤوس والقلق الشقي المحزون، وتصل درجة غضبها إلى العدمية والبؤس القاتم، وهي تسب وتلعن المطر الذي يعده الإسان في الثقافة العربية مصدرا ومنبعا للخيرات، بحيث ينتظره المرء أثناء تأخره بالدعوات والصلوات (صلاة الاستسقاء)*[11] طوال الموسم على أحر من الجمر، لكن الوضع الخطير للمبدعة جعلها تيأس من هذا المطر وتسبه لا باعتباره منبعا لتراكم الخيرات؛ بل مصدرا للجحيم والمعاناة التي عاشتها هذه الأسر والحي بأكمله.
فحينما يتحول المطر من مصدر خير وبركة ليصبح موسم الفلاح وكل الناس قاطبة مباركا من لدن الإله، فإن هذه الفئة المتضررة تعاني بؤسا شديدا، فيتحول ما كان مصدرا للنعيم والعطاء الى جهنم جحيمية في بيوتات غير مهيكلة وبنيتها التحتية هشة بهشاشة ساكينها، ليغدو المطر لعنة إلهية خانقة وحارقة تكتوي بشواظ لهيبها أسر ضعيفة الدخل سلبت منها أبسط شروط العيش الكريم.
وتعبر المبدعة عن هذا السخط والهلع المفاجئ والماء يهاجم بيتهم الهش وهم لا حولة ولا قوة لهم بصده ورده لكي لا تسوء حياتهم وأحوالهم بقولها في مشهد صعب "وقفنا نراقب مستوى الماء وهو يرتفع رويدا رويدا، وقلبي يدق كالطبل وبلا طرق، ولا قرع، ولا أي صوت دخل الماء بيتنا كأنه من أصحابه"[12]، فيزداد خوفها وهوسها حيال هذه الكارثة الفاجعة التي أصابتها بمعية أسرتها، وهي انقطاع التيار الكهربائي بسبب المطر اللعين بقولها " حينها انقطع التيار الكهربائي عن الحي بأكمله، واشتغلت المصابيح اليدوية بعد ان انتفض كل واحد من مكانه"[13]. فهذا الاجتياح المفاجئ يبدو أنه يصعب إصلاحه بيسر لأن هذه الأسرة معوزة وضعها ميؤوس منه كأغلب الأسر المغربية التي تعاني الويلات في هذا الوطن، لأنه لما باغتهم التيار قامت الأم في مشهد تراجيدي بتكديس الأواني لكي لا تتبلل، وقام الأب برفع الكتب المدرسية والأوراق إلى مرفع قريب من السقف، والغريب في الأمر هو أن أباها صنع هذا المرفع القريب من السقف ليس لقضاء حوائج ضرورية، وتصميمه لا يدخل في وظائف طبيعية يؤديها وموجودة في أغلب البيوت؛ بل كما تقول القاصة " صنعه بنفسه للطوارئ، وبدأ إخوتي يعلقون ملابسنا المكدسة في الأكياس على الجدران"[14]، بمعنى أنه غدا لهذا المرفع القريب من السقف وظيفة أخرى صنعتها عبقرية الأب المتكيفة مع هذا الواقع اللاواقعي ليتمكن من انقاد الكتب وبعض الملابس أثناء مباغثة التيار المائي "المطر اللعين" الآتي لينغص عليهم حياتهم ويخربها ليزداد بؤسهم بؤسا مضاعفا وأكثر حدة.
ولعل تأزم وضع هذه الأسرة المأزومة والمكلومة المفجوعة يزداد معاناة نفسية خطيرة ويصل حده من الألم السيكولوجي والعقاب اللاواقعي عكس الفئات المستفيدة من خيرات الوطن، بحيث تصاب الأم باليأس والنحيب عندما يتبلل فراشها التي تقدسه كما تقدسه كل امرأة مغربية، لكونه يعتبر رمزا لما كسبته من دار أبيها كما هو معروف في موروثنا الشعبي الأصيل، فحيال المطر اللعين الفجائي يضيع ولايعود صالحا لأي شيء من الأشياء، ذاك أن البيت على حد تعبير القاصة " أصبح مسبحا بالكامل".
4 - المفارقات اللاواقعية ولامعقولية المطر.
تجلو هذه القصة ثلة من المتناقضات بحيث عمدت القاصة إلى تغييب مفهوم للزمن واضح وعملت على عدم بيانه وخاصة حينما يتعلق الأمر بتعاقب الفصول السنوية، لكونها لا تفرق بين الشتاء والصيف والليل والنهار والصباح والمساء فالزمن هنا زمن نفسي، زمن البؤس والألم وفواجع ومواجع الشخصيات التي تعاني بشدة، وتتضح المفرقات فيما يحياه هذا البيت الصفيحي المهمش "الخيام" الذي سكانه لا حول ولاقوة لهم، بحيث هدهم الزمن وهزمهم الواقع الفادح حتي في مطره الذي حول بيتهم إلى بركة مائية فواقعهم نتن بئيس بشع، وتعبر الكاتبة عن ضراوة هذا المشهد بقولها:" إن المسبح في الصيف شيء مستحيل...هو غال...وليس للفقراء مثلنا، غير أننا في كل شتاء يأتينا المسبح إلى بيتنا الفقير، ونسبح حتى البكاء"[15]، فهذه مشاهد تراجيدية بكائية تصل بشخصيات العالم القصصي حد النحيب عن آلام الذات القاسية وملاذ الفقراء الذين لا يجدون رعاية ولا رحمة من طرف المسؤولين نفسهم، فأن يسبح بيت وكافة سكانه في خطر مهول ومميت في غياب أبسط شروط الإنسانية التي يتمتع بها الكثير من البورجوازيين الذين يسكنون القصور ويستحودون على كل الرغيف مفارقة في زمن يدعون أنه متطور، فلواقع المبدعة والفتاة "نهد" الشخصية التي تعرضت للحادث وأشباهها الغوص حتى الأخمصين في شتاء الصيف المميت داخل بيت مهمش، هنا تبزع المفارقات في قساوة عنفها فينفلت مفهوم الزمان لانشغال هؤلاء السكان بطوق النجاة من الموت.
5 - اللاإنسانية والرحمة المفقودة عند الأم.
تظهر ملامح غياب الرحمة والعطف بين شخصيات المتن القصصي في حوارات عدة اتضحت بين ثنايا وتلابيب السرد، فنهد الفتاة قد تتعرض للعقاب من طرف الأم إذا لم تنجو بذاتها بسلام؛ لأن بصيص الأمل هذا ينبغي أن تستغله الطفلة وتكون أكثر ذكاء ولا تضيع قيد أنملة من دقائق النجاة من الموت والخطر المهول، بقول المبدعة:" مازال بإمكانك الخروج من هنا بأمان...لا لعب...لانزهات...لا أحاديث...لا صداقات في الطريق. ولو غرقت في بركة الشتاء سأبرحك ضربا". فلا موطن للرحمة لدى هذه الأم في ابنتها "نهد" والعنف هو جزاء المتضررين كعقاب من الكل حكاما وواقعا؛ بل حتى من طرف قوانين الطبيعة التي لم ترحمهم، وكذا التقسيم غير العادل لثروات هذا الوطن. ويتبين هذا بكل دقة بقول القاصة أيضا:" صاح أخي: إلى عمتي الآن...إذا أصابتك الحمى هذه السنة أيضا أنا من سأعاقب..."، فالأخ الذي يحتاج الرعاية سيتحمل هو وأخته مسؤولية إصابة العمة بالحمى، لكن من يتحمل مسؤولية كل هذا العذاب والمحن القاسية والممقوتة !
6 - الحلم والطموح كهروب من الواقع.
لا غرو أنه أمام واقع حزين كهذا لا يجد الفقراء سوى الحلم والطموح في غد مشرق كسبيل للتغلب على الواقع والتنكر له، فأضرار ومأساة اليوم يمكن التعويض عنها بالصبر الجميل والقبيح في ذات الوقت، ويظهر هذا الحلم في أبهى تجلياته بقول القاصة عن هذه الشدائد:" لا تنتهي حتى أكبر، وأصبح وزيرا، وأبني سورا يمنع المطر اللعين من الوصول إلى بيتنا[16]"، لكن هذا الحلم مندفع وكيف سيتحقق وهذه الأسر لا تملك أبسط حاجياتها لتحقيق حياة كريمة دون أن يباغثها المطر اللعين ويغرق بيتهم فيشكل خطرا على حيواتهم. وتقدم المبدعة الحل وهو عنوان القصة إنه "القلم الخامس"، نعم وحي القلم ببؤسه فهو الشيء الجميل الذي سقط ووجدته "ذاك القلم الفاخر الذي وجدته"، لكنها لشدة مأساتها وكآبتها رمته من النافدة الزجاجية الملونة وهي تقول في آخر القصة :"اغرق في المطر...اغرق في الوحل أيها القلم اللعين...أكرهك أيها القلم اللعين...أكرهك أيها العالم...أكرهك أيها القصر...أكرهك أيها القصر"[17]، فقد سلطت في الأخير جم غضبها بعد صبر طويل على القصر مؤكدة مدى عبثه بأقدار الشعوب والأسر في عالم لا يعرف تقسيما عادلا للثروات، وأعلنت بؤسها للعالم والمطر والقلم، لأن القلم كحلم أصبح يكتب الألم والحزن العميق بعمق ألم ضحايا هذا اللامأوى المقرف.
7 - رمزية المطر بين "أنشودة المطر" و"القلم الخامس".
يتلون المطر في قصة "القلم الخامس" للأديبة "بشرى كمال" بلون قاتم فيرمز للدمار والخراب عوض العطاء والخير، وبهذا يلتقي في رمزيته المدمرة مع ديوان "أنشودة المطر" للشاعر العراقي "بدر شاكر السياب"، ويبدو هذا من خلال تعبير المبدعة "اللعنة للمطر...وتبا لهذا المطر اللعين"، فهي تنظر للمطر نظرة انتقامية لأنه سبب الدمار والخراب، وبذلك تلتقي في هذه النظرة مع ما كان يقوله بدر شاكر السياب في قصيدة "أنشودة المطر":
"مطر/مطر/مطر /أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟/وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟/وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟/ بلا انتهاء-كالدم المراق، كالجياع /كالحب كالأطفال، كالموتى /هو المطر !... وفي العراق جوع/وينثر الغلال فيه موسم الحصاد/ ليشبع الغربان والجراد/...رحى تدور في الحقول حولها بشر/مطر/مطر/مطر"[18].
فالمطر في قصيدة السياب ليس تعبيرا عن الخيرات والنماء والخصوبة كما استوحى ذلك من أسطورة "عشتار"ّ*[19]، بحيث حور هذه الأسطورة ليمنح المطر صفة المدمر والعابث بأقدار الناس، فهو رمز للدمار والجوع والموت والخراب الذي عاشته العراق، ومن ثم يعبر عن وضع الأمة العربية انسجاما مع النكبة (1948) والنكسة (1967) اللتان غيرتا مجرى التاريخ، وكذا بطش الحكام والتكالب على القضية العربية وعزت وشرف الإنسان التي تعرضت للذل والمهانة.
8 - استنتاجات:
وصفوة القول إن قصة "القلم الخامس" للأديبة "بشرى كمال "حابلة بواقعية ساخطة ناخطة بروح تشاؤمية عدمية جراء المحن والمأساة التي تعرضت لها الطفلة نهد والأم وشخصيات القصة، ولعمري فهذه القاصة دشنت واقعية نحتاجها في إبداعنا وقصصنا المغربية، وكم أترجى أن تبدع بقلمها واقعية ساخطة أكثر من هذا النص، ورغم لعنها للقلم سر البوح عليها أن لا ترميه من النافدة الزجاجية لأن الواقعيين قلة قليلة في الكون وهي واحدة منهم وإلا سأرفع القلم وأمده لها ولو في عالم تخييلي، ولا أجد ما أقول سوى ترديد حكمة شهيرة لأحد الكتاب الذين شكلوا وجدان الاجيال في القرن العشرين وهو رائد من رواد الواقعية المصري "توفيق الحكيم": "لا شيء يجعنا عظماء غير ألم عظيم".






[1] - قحطان بيرقدار، مقالات متعلقة "لمحة عن بعض أعلام المذهب الواقعي في الغرب"، تاريخ الإضافة 25.08.2012.
[2] - المرجع نفسه.
[3] - المرجع نفسه.
[4] - قحطان بيرقدار، مقالات متعلقة "لمحة عن بعض أعلام المذهب الواقعي في الغرب"، تاريخ الإضافة 25.08.2012.
[5] - هشام الحراك، القصة القصيرة الواقعية في المغرب: الرواد المؤسسون، هسبريس، الاثنينن 04 يونيو 2012 - 11:54.
[6] - المرجع نفسه.
[7]- المرجع نفسه.
[8] - هشام الحراك، القصة القصيرة الواقعية في المغرب: الرواد المؤسسون، هسبريس، الاثنينن 04 يونيو 2012 - 11:54.
[9] - القلم الخامس، بشرى كمال.
[10] - المرجع نفسه.
[11]- صلاة الاستسقاء هي صلاة نافلة تصلى طلبا لنزول المطر ليقطع الجفاف أو يقضي حاجة أخرى في نية المصلي. وهي ركعتان تصليان جماعة بإمام.
[12] - المرجع نفسه.
[13] - المرجع نفسه.
[14] - القلم الخامس، بشرى كمال.
[15] - المرجع نفسه.
[16] - القلم الخامس، بشرى كمال.
[17] - المرجع نفسه.
[18]- بدر شاكر السياب، ديوان أنشودة المطر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، ص124.125.
[19]- (عشتار) هي إلهة الخصب والأم الأسطورية وهي عاشقة لتموز، الأسطورية البابلية التي تعتبر رمزا لإعادة الحياة إلى الأرض، وهذه الأسطورة يتحدث عنها في قصيدة تحت عنوان "أنشودة المطر"، من ديوانه المعنون بنفس عنوان هذه القصيدة.
-------------------------
توقيع هدى نورالدين الخطيب
 
[frame="4 10"]
ارفع رأسك عالياً/ بعيداً عن تزييف التاريخ أنت وحدك من سلالة كل الأنبياء الرسل..

ارفع رأسك عالياً فلغتك لغة القرآن الكريم والملائكة وأهل الجنّة..

ارفع رأسك عالياً فأنت العريق وأنت التاريخ وكل الأصالة شرف المحتد وكرم ونقاء النسب وابتداع الحروف من بعض مكارمك وأنت فجر الإنسانية والقيم كلما استشرس ظلام الشر في طغيانه..

ارفع رأسك عالياً فأنت عربي..

هدى الخطيب
[/frame]
إن القتيل مضرجاً بدموعه = مثل القتيل مضرجاً بدمائه

الأديب والشاعر الكبير طلعت سقيرق
أغلى الناس والأحبة والأهل والأصدقاء
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً = وحسب المنايا أن يكن أمانيا
_________________________________________
متى ستعود يا غالي وفي أي ربيع ياسميني فكل النوافذ والأبواب مشّرعة تنتظر عودتك بين أحلام سراب ودموع تأبى أن تستقر في جرارها؟!!
محال أن أتعود على غيابك وأتعايش معه فأنت طلعت

التعديل الأخير تم بواسطة نور الأدب ; 08 / 06 / 2018 الساعة 53 : 01 AM.
هدى نورالدين الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس