11 / 05 / 2018, 30 : 08 AM
|
رقم المشاركة : [6]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: استفتاء جماهيري - القراءات النقدية - مسابقة نور الأدب الكبرى 2018
5-
الهمس والجهر في قصيدة " العشق نهايات الأسرار" للشاعر محمد حمدي غانم
أنموذجا
لقد أ كد العديد من الباحثين على وجود علاقة بين الصوت والمعنى في دراسة النص الأدبي عموما والنص الشعري بوجه الخصوص رغم أن سوسير نفى هذه العلاقة في مقال له بعنوان:" اعتباطية الدليل اللغوي" من كتاب "درس في اللسانيات العامة"، لكن هل حقا هذه الاعتباطية حقيقية؟ فالمعروف أن الأصوات ليست مستقلة استقلالا تاما، أي أنها ليست ذات معنى خاص بها ، إذ أنها لا تعني شيئا في نفسها، وإنما وظيفتها تكمن في تكوين وحدات أكبر تتشكل بدورها لتخلق المعنى والدلالة في النص الأدبي.[1] لذلك يؤكد همبوليت وجسبرسن وماريوباي على هذه العلاقة يقول هذا الأخير: " إن أصوات العلة والأصوات الساكنة تكوِّن ما يسمى بجزيئات الكلام، ولهذا توصف بأنها فونيمات جزيئية أو تركيبية، أي أنها نقطة الإنطلاق للاهتداء إلى المعنى .
ثم إن مستويات الدرس اللساني تنطلق من المستوى الأصواتي، ثم المستوى الصوتي، فالتركيبي فالدلالي، وبعدها التداولي. وكل مستوى من هذه المستويات يخدم المستوى الذي بعده، لتخدم كل المستويات في الأخير الدلالة والمعنى.
لا يختلف اثنان في أن المؤثرات الصوتية النوعية في النص الشعري تتمثل في الإيقاع اللغوي الذي يتشكل بدوره من التماثل في الوحدات الصوتية مع بعضها البعض كالجهر والهمس والشدة والرخاوة والتفخيم والترقيق وعلامات الفصل والوصل والجرس الصوتي ، والأصوات الصفيرية والتكرارية، والأوزان الشعرية... تحدث أثرا في النص الشعري على مستوى المعنى والدلالة الإيقاعية.
إن ما يهمنا هنا بعد هذا التقديم النظري ، هو دراسة قصيدة " العشق نهايات الأسرار" من هذا المنظور، وسنقتصر على دراسة الجهر والهمس لنرى كيف تخدمان المعنى، وكيف أنهما لا تقفان عند حد التشكيل الإيقاعي فحسب، بل تساهمان في تشكيل المعنى الدلالي الذي يطرحه النص الشعري الذي بين أيدينا.
يشكل التناسب الصوتي للأصوات المجهورة والمهموسة مع بعضها البعض بعدا إيقاعيا على مستوى هذه القصيدة، وهذا الإيقاع بدوره يتناسب في كثير من الأحيان مع الحالات الشعورية والنفسية بل والدلالية التي تطرحها القصيدة التي بين أيدينا، إذ إن الملاحظ في المقطعين قيد الدراسة أن الأصوات المهموسة تتضارب مع الأصوات المجهورة بشكل يجعلهما في حرب مواقع، إلا أن الغالب فيها هو الأصوات المهموسة الرخوة، مثل ( حرف السين الذي يتكرر أكثر من سبعة عشر مرة في القصيدة بأ كملها، وحرف الكاف الذي يتجاوز العشرين، وحرف الشين والصاد والهاء والثاء والتاء)، أما بالنسبة لأصوات الجهر الشديدة ، فحضورها يعتبر قليلا بالمقارنة مع الأصوات الأخرى.
إن العاشق تظهر عليه علامات العشق حتى وإن أراد إخفاءها، ففي العشق كما قال الشاعر نهاية للأسرار، وبوح للمحجوب والمستور، فكل الأسرار تفضح داخل الحب والعشق، وقد أكثر الشاعر في استعمال الأصوات المهموسة للدليل على أن هناك الكثير من الأسرار التي تختلجنا ولا نقدر على البوح بها للعيان، لكنه ينهي قافية كل سطر شعري بحرف الباء، الصوت الجهري الشديد :( موهوب ، مقلوب، محسوب، المكذوب، مرهوب، غروب، معصوب، مصبوب، مححجوب، ثم مغلوب...) لكي يؤكد فكرة معينة هي أن نهاية كل سر إشهار وجهر به للعيان ، والجهر ببعض الحقائق والخبابيا صدمة في بعض الأحيان.
وقد ترتبط هذه الحقائق التي يخفيها الشاعر في بدايات أسطره ليعلن عنها في نهاياتها حقائق تتعلق بالأمة العربية جمعاء، هذه الأمة التي قال عنها الشاعر: "هل تهرب عاقلة من لذة عشق يترصدها كالكنز الموهوب" إنه يسألها سؤالا استنكاريا مفاده كيف يا أمتي أن تظلين ساكنة في ركودك وجمودك وبين يديك الحل للنجاة من مشنقة هذا التدهور ؟. كيف لك يا أمتي أن تبقين إمعة، غنما تابعة للراعي (الدول الكبرى)؟ إن هذا كله سر يختلج الشاعر وكل إنسان عربي، لكن حب الشاعر لأمته جعله يجهر بكل الخبايا فيقرر إنقاد أمته من هذا الظلم بقوله: '" لكن ما فات الوقت لكي أنقذها من هذا الفكر المكذوب، فبحبي سوف أعلمها...." ويرجع الحل إلى الوحدة بين الدول العربية التي تجعل الأمة العربية يدا واحدة تَهزم لا تُهزم عندما يجمع كل الدول هدفا وغاية واحدة ، يقول: "هل ضعف لو صارت ضعفا، حين يُوَحِّد غايتنا درب العمر قبيل الغروب". لكن هذه الوحدة تحتاج إلى الثقة في النفس يقول الشاعر: " لو سمَعَت حجَّة فطرتها ، فستعبر فوق مخاوفها واثقة ونهاها معصوب".
إننا إذا تمعنا في صيغة الكلمة التي ينتهي بها كل سطر شعري وجدناها على صيغة اسم المفعول، وهذا ما يؤكد على أن الشاعر يريد إيصال فكرة أن االأمة العربية أمة مفعول بها، دوما الدول القوية تفعل فعلها فيها، وهو الشيء الذي جعله يتحسر ألما وحزنا على أمته العربية التي يطمح إلى أن ترفع رأسها عاليا أمام الملأ تبرز ذاتها أمام كل الأمم، وحزنه هذا تمثل في هيمنة الأصوات المهموسة التي تدل على النبرة المنخفضة للشاعر وإحساسه بخيبة الأمل، لكنه لا يستسلم لهذا الوضع، والدليل هو الأصوات المجهورة التي تدل على أن الشاعر يتحدث بحرقة كبيرة هدفها التغيير .
وأخيرا إن الشاعر هاهنا يستعمل الأصوات المهموسة والمجهورة للعزف على أوتاره النفسية بشكل يتناسب ويتناغم مع تجربته الشعرية، فضلا عن المساهمة في تشكيل الإيقاع الداخلي ، ومن ثم تشكيل للمعنى" فلا يمكن أن يوجد أي معنى بدون صوت يعبر عنه"[1]
[1] : محمد صابر عبيد: القصيدة العربية للبنية الدلالية والبينة الإيقاعية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2001, ص، 23. [1] : مراد عبد الرحمان مبروك: النظرية النقدية من الصوت إلى المعنى، نحو نسق منهجي لدراسة النص الشعري، الجزء الأول، النادي الأدبي الثقافي بجدة، عدد 162، الطبعة الرابعة، 2012م.
[gdwl]
ملاحظة : حاولت كثيراً ولم أتمكن من إضافة الصورة التي أورها المشارك للقصيدة ... سأضيف رابط القصيدة لاحقاً
[/gdwl]
|
|
|
|