-الكبيرة الثامنة عقوق الوالدين
قال الله تعالى وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا "
أي براً و شفقة و عطفاً "عليهما إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما"
أي لا تقل لهما بتبرم إذا كبرا و أسنا و قال الله تعالى أن اشكر لي و لوالديك إلي المصير
-فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره
قال ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث ، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها ( إحداهما ) قول الله تعالى أطيعوا الله و أطيعوا الرسول فمن أطاع الله و لم يطع الرسول لم يقبل منه ( الثانية ) قول الله تعالى و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة فمن صلى و لم يزك لم يقبل منه ( الثالثة ) قول الله تعالى أن اشكر لي و لوالديك فمن شكر الله و لم يشكر لوالديه لم يقبل
1-و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم في الجهاد معه ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم أحي والداك ؟ قال نعم قال ففيهما فجاهد مخرج في الصحيحين ،
2-و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله و عقوق الوالدين فانظر كيف قرن الإساءة إليهما و عدم البر و الإحسان بالإشراك
3- و في الصحيحين أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يدخل الجنة عاق و لا منان و لا مدمن خمر "4- عنه صلى الله عليه و سلم قال لو علم الله شيئاً أدنى من الأف لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة و ليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار
5- و قال صلى الله عليه و سلم كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه ، يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة
-و قال كعب الأحبار رحمه الله إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه ليعجل له العذاب ، و أن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً بوالديه ليزيده براً و خيراً و من برهما أن ينفق عليهما إذا احتاجا
6- فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إن أبي يريد أن يحتاج مالي فقال صلى الله عليه و سلم أنت و مالك لأبيك
و سئل كعب الأحبار عن عقوق الوالدين ما هو ؟ قال هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمه لم يبر قسمها ، و إذا أمره بأمر لم يطع أمرهما ، و إذا سألاه شيئاً لم يعطهما ، و إذا ائتمناه خانهما
7-و في الصحيحين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك ، ثم الأقرب فالأقرب "-فحض على بر الأم ثلاث مرات ، و على بر الأب مرة واحدة و ما ذاك إلا لأن عناءها أكثر و شفقتها أعظم ، مع ما تقاسيه من حمل و طلق و ولادة و رضاعة و سهر ليل
-رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً قد حمل أمه على رقبته و هو يطوف بها حول الكعبة فقال يابن عمر أتراني جازيتها ؟ قال و لا بطلقة واحدة من طلقاتها و لكن قد أحسنت ، و الله يثيبك على القليل كثيراً
8-، و جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال يا أبا الدرداء إني تزوجت امرأة و إن أمي تأمرني بطلاقها فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه
9-و قال صلى الله عليه و سلم ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ، و دعوة المسافر ، و دعوة الوالد على ولده
10- و قال صلى الله عليه و سلم الخالة بمنزلة الأم أي في البر و الإكرام و الصلة و الإحسان
و قال أبو بكر بن أبي مريم قرأت في التوراة أن من يضرب أباه يقتل و قال وهب قرأت في التوراة على من صك والده الرجم
11- ، و جاء رجل و امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يختصمان في صبي لهما فقال الرجل يا رسول الله ولدي خرج من صلبي ، و قالت المرأة يا رسول الله حمله خفاً و وضعه شهوة و حملته كرهاً و وضعته كرهاً و أرضعته حولين كاملين ، فقضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمه
ومن السلسة الصحيحة للالبانى
918- وقال " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصحابه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي و قطيعة الرحم " الصحيحة" 2 / 623
919 - عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال : " كانت تحتي امرأة أحبها و كان عمر يكرهها ، فقال عمر : طلقها فأبيت ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال " " أطع أباك و طلقها " . الصحيحة" 2 / 624 :
1120- " عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق ، و زاد في أوله " من عال جاريتين حتى تدركا دخلت الجنة أنا و هو كهاتين و أشار بإصبعيه السبابة و الوسطى ، و بابان .... " . :. الصحيحة " 3 / 112 :
و مثله ما في " الجامع الصغير " من رواية البخاري في " التاريخ " " عن أبي بكرة بلفظ : " اثنان يعجلهما الله في الدنيا : البغي و عقوق الوالدين " . و جاء بلفظ آخر و هو : " من قطع رحما أو حلف على يمين فاجرة رأى و باله قبل أن يموت " . الصحيحة " 3 / 114
1397- " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه و مدمن الخمر و المنان عطاءه ، و ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه و الديوث و الرجلة " . الصحيحة " 3 / 387 :
الكبيرة التاسعة : هجر الأقارب
قال الله تعالى : و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام أي و اتقوا الأرحام أن تقطعوها و قال الله تعالى : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمى
و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يدخل الجنة قاطع رحم
2- و قال صلى الله عليه و سلم : من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليصل رحمه
3- و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ليس الواصل بالكافيء ، و لكن الواصل الذي من إذا قطعت رحمه وصلها
4-و قال صلى الله عليه و سلم : يقول الله تعالى أنا الرحمن و هي الرحم فمن وصلها وصلته و من قطعها قطعته
- و عن علي رضي الله عنهما أنه قال لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع
و تصديق ذلك في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه و سلم : لا يدخل الجنة قاطع
يعني قاطع رحم كالأخت و الخالة و العمة و بنت الأخت و غيرهم من الأقارب ، فنسأل الله التوفيق لطاعته إنه جواد كريم
و بعضه أكبر من بعض قال الله تعالى
ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا و قال الله تعالى و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهاناً * إلا من تاب
-قال العلماء هذا عذاب الزانية و الزاني في الدنيا إذا كانا عزبين غير متزوجين فإن كانا متزوجين أو قد تزوجا و لو مرة في العمر فإنهما يرجمان بالحجارة إلى أن يموتا كذلك ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه و
1- و ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن ، و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن ، و لا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها و هو مؤمن
2- و قال صلى الله عليه و سلم إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كاظلة على رأسه ثم إذا أقلع رجع إليه الإيمان
3-و قال صلى الله عليه و سلم ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم ، شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر
4-و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ، أي الذنب أعظم عند الله تعالى ؟ قال أن تجعل لله نداً و هو خلقك فقلت إن ذلك لعظيم ، ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أي ؟ قال أن تزني بحليلة جارك ـ يعني زوجة جارك ـ فأنزل الله عز و جل تصديق ذلك و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهاناً * إلا من تاب
فانظر رحمك الله كيف قرنا الزنا بزوجة الجار بالشرك بالله و قتل النفس التي حرم الله عز و جل إلا بالحق ، و هذا الحديث مخرج في الصحيحين
5-و في صحيح البخاري في حديث منام النبي صلى الله عليه و سلم الذي رواه سمرة بن جندب ، و فيه أنه صلى الله عليه و سلم جاءه جبريل و ميكائيل قال فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق و أسفله واسع ، فيه لغط و أصوات قال فاطلعنا فيه فإذا رجال و نساء عراة ، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ـ أي صاحوا من شدة حره ـ فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الزناة و الزواني ـ يعني من الرجال و النساء فهذا عذابهم إلى يوم القيامة
- 6-و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أن إبليس يبث جنوده في الأرض و يقول لهم أيكم أضل مسلماً ألبسته التاج على رأسه ، فأعظمهم فتنة أقربهم إليه منزلة فيجيء إليه أحدهم فيقول له لم أزل بفلان حتى طلق امرأته ، فيقول ما صنعت شيئاً سوف يتزوج غيرها ، ثم يجيء الآخر فيقول لم أزل بفلان حتى ألقيت بينه و بين أخيه العداوة ، فيقول ما صنعت شيئاً سوف يصالحه ، ثم يجيء الآخر فيقول لم أزل بفلان حتى زنى ، فيقول إبليس نعم فيدنيه منه و يضع التاج على رأسه ،
ومن السلسة الصحيحة للالبانى فى الزنا
106 - عن عبد الله ابن عمر قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا معشر المهاجرين ! خمس إذا ابتليتم بهن و أعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان عليهم و لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا و لم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم و ما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله و يتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " . الصحيحة" 1 / 167 :
( السنين ) جمع سنة أي جدب و قحط . ( يتخيروا ) أي يطلبوا الخير ، أي و ما لم يطلبوا الخير و السعادة مما أنزل الله .
و لبعض الحديث شاهد من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا بلفظ : " ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم ، و ما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز و جل عليهم الموت ، و لا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر " الصحيحة" 1 / 169 :
و عن ابن عباس قال : " ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، و لا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت ، و ما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين ، و ما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء ، و ما جار قوم في حكم إلا كان البأس بينهم - أظنه قال - و القتل " .: صحيح
370 عن أبي أمامة قال : " إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه و قالوا : مه مه ! فقال : ادنه ، فدنا منه قريبا قال : فجلس ، قال : أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : و لا الناس يحبونه لأمهاتهم ، قال : أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك ، قال : و لا الناس يحبونه لبناتهم ، قال : أفتحبه لأختك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : و لا الناس يحبونه لأخواتهم قال : أفتحبه لعمتك . قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : و لا الناس يحبونه لعماتهم ، قال : أفتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : و لا الناس يحبونه لخالاتهم ، قال : فوضع يده عليه و قال : اللهم اغفر ذنبه و طهر قلبه و حصن فرجه . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء " . - الصحيحة" 1 / 645 :
509- عن أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا زنى العبد خرج منه الإيمان و كان كالظلة ، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان " . الصحيحة" 2 / 22 :
2- وقال من رواية ابو هريرة عنة - " من وقاه الله شر ما بين لحييه و شر ما بين رجليه دخل الجنة " . الصحيحة" 2 / 22 :
الريح
-2186 " ليس على ولد الزنا من وزر أبويه شيء *( و لا تزر وازرة وزر أخرى الصحيحة " 5 / 318 :
الكبيرة الحادية عشرة اللواط
قد قص الله عز و جل علينا في كتابه العزيز قصة قوم لوط في غير موضع من ذلك قول الله تعالى-
فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها و أمطرنا عليها حجارة من سجيل
أي من طين طبخ حتى صار كالآجر منضود أي يتلو بعضه بعضاً ، مسومة أي معلمة بعلامة تعرف بها بأنها ليست من حجارة أهل الدنيا ، عند ربك أي في خزانته التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه ، و ما هي من الظالمين ببعيد ما هي من ظالمي هذه الأمة إذا فعلوا فعلهم أن يحل بهم ما حل بأولئك من العذاب
-و قال عليه الصلاة السلام من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به 1
-، قال ابن عباس رضي الله عنهما ينظر أعلى بناء في القرية فيلقى منه ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط
-و أجمع المسلمون على أن التلوط من الكبائر التي حرم الله تعالى أتأتون الذكران من العالمين * و تذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون أي مجازون من الحلال إلى الحرام
و قال الله تعالى في آية أخرى مخبراً عن نبيه لوط عليه السلام
-و روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عشر خصال من أعمال قوم لوط ـ تصفيف الشعر ، و حل الأزرار ، و رمي البندق ،و الحذف بالحصى ، و اللعب بالحمام الطيارة ، و الصفير بالأصابع ، و فرقعة الأكعب ، و إسبال الإزار ، و حل أزر الأقبية ، و إدمان شرب الخمر ، و إتيان الذكور ، و ستزيد عليها هذه الأمة مساحقة النساء النساء
و روي أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم كان فيهم أمرد حسن فأجلسه النبي صلى الله عليه و سلم خلف ظهره و قال إنما كانت فتنة داود عليه السلام من النظر و أنشدوا شعراً
كل الحوادث مبدؤها من النظر و معظم النار من مستصغر الشرر
و المرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس و لا وتر
يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
و كان يقال النظر بريد الزنا ، و في الحديث النظر سهم مسموم من سهام إبليس ، فمن تركه لله أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة
الكبيرة الثانية عشرة : الربا
قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة و اتقوا الله لعلكم تفلحون ،
و قال الله تعالى : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي قد مسه الشيطان و صرعه ذلك أي ذلك الذي أصابهم بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا
أي حلالاً فاستحلوا ما حرم الله ، فإذا بعث الله الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين إلا أكلة الربا فإنهم يقومون و يسقطون كما يقوم المصروع ، كلما قام صرع لأنهم لما أكلوا الربا الحرام في الدنيا أرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم يوم القيامة ، فهم كلما أردوا النهوض سقطوا ، و يريدون الإسراع مع الناس فلا يقدرون
و قال قتادة : إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً ، و ذلك علم لأكلة الربا فهم به أهل الموقف
1- و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لما أسري بي مررت بقوم بطونهم بين أيديهم ، كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم ، قد مالت بهم بطونهم منضدين على سابلة آل فرعون و آل فرعون يعرضون على النار غدواً و عشياً قال فيقبلون مثل الإبل المنهزمة لا يسمعون و لا يعقلون ، فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بطونهم فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون ، فيردونهم مقبلين و مدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا و الآخرة قال صلى الله عليه و سلم : فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
و عن أنس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الربا و عظم شأنه فقال : الدرهم الذي يصيبه الرجل من الربا أشد من ست و ثلاثين زنية في الإسلام ، و عنه صلى الله عليه و سلم قال : الربا سبعون حوباً أهونها كوقع الرجل على أمه و في رواية أهونها كالذي ينكح أمه و الحوب : الإثم
فصل : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا كان لك على رجل دين فأهدى لك شيئاً فلا تأخذه فإنه ربا و قال الحسن رحمه الله : إذا كان لك على رجل دين فما أكلت من بيته فهو سحت ، و قال ابن مسعود أيضاً : من شفع لرجل شفاعة فأهدى إليه هدية فهي سحت ، و تصديقه من قوله صلى الله عليه و سلم : من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا أخرجه أبو داود فنسأل الله العفو و العافية في الدين الدنيا و الآخرة
ومن السلسة الصحيحة للالبانى
1033- وفى الربا قال " درهم ربا يأكله الرجل - و هو يعلم - أشد عند الله من ستة و ثلاثين زنية " لصحيحة " 3 / 29 :
1433- " أربى الربا شتم الأعراض " . الصحيحة " 3 / 418 :
و له شاهد من حديث البراء بن عازب و سعيد بن زيد مرفوعا بلفظ : " و إن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه "
الكبيرة الثالثة عشرة أكل مال اليتيم و ظلمه
قال الله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً و سيصلون سعيراً ، و قال الله تعالى و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
1-و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في المعراج فإذا أنا برجال و قد وكل بهم رجال يفكون لحالهم ، و آخرون يجيئون بالصخور من النار فيقذفونها بأفواههم و تخرج من أدبارهم فقلت يا جبريل من هن هؤلاء ؟ قال الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً رواه مسلم
-قال العلماء فكل ولي ليتيم إذا كان فقيراً فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه و تنمية ماله فلا بأس عليه ، و ما زاد على المعروف فسحت حرام لقول الله تعالى و من كان غنياً فليستعفف و من كان فقيراً فليأكل بالمعروف
-و في الأكل بالمعروف أربعة أقوال أحدهما أنه الأخذ على وجه القرض و الثاني الأكل بقدر الحاجة من غير إسراف ، و الثالث أنه أخذ بقدر إذا عمل لليتيم عملاً ، و الرابع أنه الأخذ عند الضرورة فإن أيسر قضاه و إن لم يوسر فهو في حل و هذه الأقوال ذكرها ابن الجوزي في تفسيره
2-و في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا و أشار بالسبابة و الوسطى و فرج بينهما
3- و في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه و سلم قال كافل اليتيم له أو لغيره أنا و هو كهاتين في الجنة و أشار بالسبابة و الوسطى
-كفالة اليتيم هي القيام بأموره و السعي في مصالحه من طعامه و كسوته و تنمية ماله إن كان له مال ، و إن كان لا مال له أنفق عليه و كساه ابتغاء وجه الله تعالى و قوله في الحديث له أو لغيره ـ أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبياً منه ، فالقرابة مثل أن يكفله جده أو أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه ، و الأجنبي من ليس بينه و بينه قرابة
4-و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من ضم يتيماً من المسلمين إلى طعامه و شرابه حتى يغنيه الله تعالى أوجب الله له الجنة إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر
و مما جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة و اليتيم عن بعض العلويين ـ و كان نازلاً ببلخ من بلاد العجم و له زوجة علوية و له منها بنات و كانوا في سعة و نعمة ، فمات الزوج و أصاب المرأة و بناتها بعده الفقر و القلة ، فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء ، و اتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة ، و مضت تحتال لهم في القوت فمرت بجمعين جمع على رجل مسلم و هو شيخ البلد ، و جمع على رجل مجوسي و هو ضامن البلد فبدأت بالمسلم و شرحت حالها له ، و قالت أنا امرأة علوية و معي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة ، و أريد الليلة قوتهم فقال لها أقيمي عندي البينة أنك علوية شريفة فقالت أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها ، فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسي فشرحت له حالها ، و أخبرته أن معها بنات أيتام و هي امرأة شريفة غريبة ، و قصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام و أرسل بعض نسائه ، و أتوا بها و بناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام ، و ألبسهن أفخر اللباس و باتوا عنده في نعمة و كرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت ، و قد عقد اللواء على رأس النبي صلى الله عليه و سلم ، و إذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ و الياقوت و فيه قباب اللؤلؤ و المرجان ، فقال يا رسول الله لمن هذا القصر ؟ قال لرجل مسلم موحد فقال يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أقم عندي البينة أنك مسلم موحد
قال فبقي متحيراً فقال له صلى الله عليه و سلم لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة أنك علوية ، فكذا أنت أقم عندي البينة أنك مسلم فانتبه الرجل حزيناً على رده المرأة خائبة ، ثم جعل يطوف بالبلد و يسأل عنها حتى دل عليها أنها عند المجوسي ، فأرسل إليه فأتاه فقال له أريد منك المرأة الشريفة العلوية و بناتها فقال ما إلى هذا من سبيل و قد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال خذ مني ألف دينار و سلمهن إلي ، فقال لا أفعل فقال لا بد منهن فقال الذي تريده أنت أنا أحق به و القصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي بالإسلام ؟ فوالله ما نمت البارحة أنا و أهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية ، و رأيت مثل الذي رأيت في منامك ، و قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم العلوية و بناتها عندك ؟ قلت نعم يا رسول الله قال القصر لك و لأهل دارك و أنت و أهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمناً في الأزل قال فانصرف المسلم و به من الحزن و الكآبة ما لا يعلمه إلا الله فانظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة و الأيتام نا أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا !
5-و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال الساعي على الأرملة و المساكين كالمجاهد في سبيل الله قال الراوي أحسبه قال و كالقائم لا يفتر و كالصائم لا يفطر
، و الساعي عليهم هو القائم بأمورهم و مصالحهم ابتغاء وجه الله تعالى وفقنا لله لذلك بمنه و كرامه أنه جواد كريم رؤوف غفور رحيم