عرض مشاركة واحدة
قديم 02 / 08 / 2018, 18 : 01 PM   رقم المشاركة : [1]
حياة مسكين
باحثة - طالبة دكتوراه تخصص اللسانيات الأدبية والإعداد اللغوي – أستاذة في سلك التعليم الثانوي مهتمة بالنقد و الخاطرة مشرفة في قسم فيض الخاطر وفي قسم القراءات النقدية

 الصورة الرمزية حياة مسكين
 





حياة مسكين is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

أقول مثل محمد علي الرباوي: العصافير تنتفض".

على إثر العذابات التي يعيشها الشعب المعذب في الأرض، الألف للمأساة والحزن، المحكوم عليه بالقهر والذل والتعذيب المستمر، الشعب الفلسطيني الحي في موته، المستعين بالله في الخروج من أزمته، وعلى إثر أنياب العدو (المحتل) الحادة التي فتكت وتفتك اليوم وغدا بأجساد الأطفال البريئة، وعلى إثر السبات العظيم الذي حل وما زال يحل على أراضي وعقول وأفئدة الأمة العربية، وعلى إثر ما أنا بصدد قراءته، أقول مثل ما قاله الرباوي- وهو شاعر مغربي من مدينة تنجداد في الجنوب الشرقي من المملكة:" العصافير تنتفض"
" هاهي الأشجار تلتفُّ هنا، تحمل في أغصانها الرعب وتمشي، تحمل الأحجار في أوراقها الخضر وتمشي، تحمل النار وتمشي، النور تمشي، هي ذي تدنو من القلعة فجرا وعلى الأرصاد ها تلقي سحابا، مع حبات الندى تدخل جهرا فإذا الأشجار أطفال، إذا الأطفال مرّان، إذا المرَّان أشطان دلاء في لبان الأدهم المغتصب".
يبرز الرباوي في هذه الأسطر عدة قضايا، أبرزها الواقع المزري للشعب الفلسطيني، وتجاهل الدول العربية للقضية الفلسطينية، وللأطفال الفلسطينين الذين ينتفضون كالطائر الجريح جراء الحرب والعذابات التي يشنها الجيش المستعمر، الذي يفرض قوته عليه راجيا سلب الأرض والهوية . لكن رغم هذا فالطفل كالحجارة المشتعلة الملتهبة تدمي كل من اقترب إليها.
إن الشعب الفلسطيني عامة، والطفل منه خاصة كالرجل المغوار لا يهاب الموت ولا يهاب الدماء فهذه الأخيرة كالحناء تزين يد العروس والعريس، فالدم والموت عنده أصبحا عاديين، والاستشهاد أصبح أمرا مقدورا.
وهذه القصيدة تتقاطع مع ما يقوله الشاعر محموددرويش في قصيدته الديوان" حالة حصار":
"خسائرنا من شهيدين حتى ثمانية
كل يوم
وعشرة جرحى
وعشرون بيتا
وخمسون زيتونة..."
وقول أيضا:
" قالت امرأة للسحابة غطي حبيبي
فإن ثيابي مبللة بدمه"
لفرط رؤية الموت والحرب والدماء أصبح عند الشعب الفلسطيني أمر عادي استشهاد فرد من أفراده، لأنه بلا شك سيظل صامدا رغم كل شيء حتى تحقيق النصر واسترجاع الأراضي المحتلة.
ويصور الشاعر الرباوي هذا الصمود في قوله:
"مع حبات الندى جهرا فإذا الأشجار أطفال
إذا الأطفال مرَّان
إذا المرَّان أشطان دلاء
في لبان الأدهم المغتصب"
فالأطفال هنا كالرماح الحادة تفتك المغتصب فتكا، فتجعله طريح الأرض، وهم صامدون أشد الصمود، ف"هم جميعا بايعوا فاجتمعوا في أرضهم، لم يتركوها لبغاث الطير، لم ينسحبوا، لم يدفنوا أمواتهم في بلد غير فلسطين".
ولعل درويش قد صور من قبل صمود شعبه وتشبته بأرضه ووطنه، فالشعب الفلسطيني مشبع بالنضال والكفاح ، يقول:
"واقفون هنا، قاعدون هنا، دئمون هنا.
خالدون هنا، ولنا هدف واحد واحد
أن نكون."
وعندما قال أيضا:
" إلى حارس آخر: سأعلمك الانتظار
على باب مقهى..
فيوجعك الياسمين، فترحل."
في مقابل تصوير الشاعر الرباوي لمعاناة الشعب الفلسطيني وصموده وتشبته بهويته، صور لنا أيضا تجاهل الدول العربية للقضية الفلسطينية، واكتفائهم بذرف الدماع والبكاء، يقول الرباوي:
"نحن معكم، من كراسينا، نقاتل"
فأي قتال هذا يكون من على كرسي؟ ومنذ متى تحرر أمة ومناظلوها متربعين على الكراسي؟
ولعل الأبيات الدرويشية أيضا صورت موقفها من الدول العربية المكتوفة الأيدي، والمكتفية بالنظر والبكاء فقط، هذا الموقف يؤكده شعور الشاعر بالوحدة عنذما قال:
"وحيدون ، نحن وحيدون حتى الثمالة"
وهو يشير بذلك إلى عدم تضامن الدول العربية مع الفلسطينيين في محنتهم. يقول محمود درويش أيضا:
" لنا إخوة خلف هذا المدى
إخوة طيبون، يحبوننا.
ينظرون إلينا ويبكون
ثم يقولون في سرهم( ليت هذا الحصار هنا علني).
وفي آخر قصيدة "الأطفال تنتفض" لمحمد علي الرباوي، يحس وكأنه ارتكب ذنبا لا يغفر، لأنه انشغل بأرضه عن أرضهم ( الفلسطينيين)، وانشغل بأهله عن أهلهم... ويقول:
"أيها الأطفال يا زهر أراضينا الحبيبة
يومكم ثقاف، غدكم أيضا ثقاف يومنا نحن قحاف"
وهو يشير بهذا إلى أن الأمة العربية غارقة في الشراب والاستمتاع والملذات، تاركة فلسطين للدمار والهلاك، الشيء الذي جعل الشاعر يتحسر عليها وشعر بالذنب ويطلب منهم أن يستغفرو الله للدول العربية كافة، فينهي قصيدته بقوله: " استغفروا الله لنا" . وأنا أنهي قولي: بما قاله الرباوي مضيفة" لك الله يا أيتها الحبيبة"

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
حياة مسكين غير متصل   رد مع اقتباس