رد: أين أنت أيها القارئ الناقد ؟
مقاربة لقصيدة الشاعر الفلسطيني طلعت سقيرق " رمح وردة في باطن الكف "
د . رجاء بنحيدا
أعترف بداية بالإحباط الذي يصيبني حين أرى غياب النقد الموضوعي عن المشهد الثقافي ، هل هي أزمة نقد في غياب قارئ ناقد ؟ أم هي أزمة ثقافة في غياب المثقف عن المشهد كله ...
وهل حقا فقد الشعر سحره وصولته .. وهل فقدنا الحس الجمالي والذوق الرفيع في ظل هذا الصخب وهذه الفوضى ...؟
لا أظن ذلك ، حين تقرأ مثل هذا الإبداع الفاعل والذي يحمل فاعلية واعية في اللغة وذات الكتابة ،في ذات النص ، في ذات الإبداع .. في ذات القصيدة
هو إبداع سيسحبك ولاشك أيها القارئ الناقد إلى المغامرة القرائية ، إلى الكشف ، إلى التعمق ، إلى التذوق ...إلى القراءة .
بهذه المغامرة القرائية أحاول ن أستحضر حالة الشاعر الناقد طلعت سقيرق ، وهو يختار عنوان قصيدته " رمح وردة في باطن الكف "فهو يبدو لي في حالة توتر تام ووجع كامل ،
ألم توتر حرقة ، تتداخل فيما بينها وبين ضلوع الشاعر وفي عتبة العنوان تتجسد ،هي عتبة استعارية مفصلة طويلة تعكس حالة القصيدة ، حالة الشعر ، حالة الشاعر .. حالة الوردة
فتتداخل الأوجاع داخل كل الحالات السابقة ، ليهتز باطن الكف وباطن القصيدة لآهات وحرقات مزروعة في خفقات صدر الشاعر ، وبين سطور القصيدة
كما نعلم أن النفس الإنسانية الشاعرية تنطوي على كثير من الأسرار ، وتغدو أكثر انغلاقا إذا غلفها الصمت لحظة الوجع ، لكنها تتحول إلى لوحة ناطقة أذا تدفقت الأحاسيس كشلال هادر تنطلق من الأعلى وبقوة ...كحزمة واحدة كقصيدة كاملة.
القدسُ في قلبي
القدسُ في بابي
للقدس ِ أغنيتي
عينايَ ..أهدابي
***
جرحٌ بحجم العمرِ من يدري ؟؟..
كمآهة ٍ مزروعة ٍ في خفقة ِ الصدر ِ ؟؟..
***
ما بيننا والبابْ
في زحمةِ الأحبابْ
شجرٌ من الأسبابْ
يا حرقة الغيابْ
أمشي على مهلي
***
في القلبِ من وجعِ الهوى
جرحٌ وأنـّات ٌ
دمعٌ وآهاتٌ
راح الذين أتوا ..
في غربتي ماتوا ..
أمشي على مهلي
***
ماذا يفيد إذا
قيدتُ أيامي ؟؟..
في دفتر العام ِ ..
نارٌ بأحلامي
والجرحُ قدامي
أمشي على مهلي
***
لا تشربي من جمرةِ الأيام من صمتي
سأدورُ في بابين من وجعٍ
وأروحُ مقتولا إلى ما وزعتْ كفايَ من موتي
يأتي الهوى من غربةِ الأحلام هل يأتي ؟؟..
في ساحةِ الموتِ ؟؟..
في هذه القصيدة منبع واحد ، ونبع واحد " هو القدس " نبع ممتد في أعماق الشاعر ، بين ثنايا القصيدة لفظا ومعنى ، منها انطلق الشاعرفي نسق زمني غائب حاضر ممتد ببنية درامية حوارية تستحضر صوتا داخليا خارجيا يوحد درامية القصيدة ٫ ويمنح ترابطا بين الداخل والخارج بين الرمزي التخييلي والواقعي المؤلم
القدسُ في قلبي ..
***
/ قالت تمرّ إلى يديّ َ قصيدة ً
/ قلت انكسرتُ على رياحين انتظاري
/ قالت سأفتح ياسمينَ القلب من عشق ٍ
/ قلتُ الهوى في خطوتي ناري
/ قالت ستبقى هائما أبدا
/ قلتُ ارتحلتُ لرعشة الدارِ
****
أحيانا تشربني الآه فأنسى أن أبني حلما عن وجع الذات وأبكي بين ذراعيها حتى تنتبهَ اإليّ فتسألُ عن فضـّةِ روحي ؟؟.. تسألني عن جرح ٍ يمتدُّ طويلا مثل الساقية السكرى ..جادلتُ طويلا حول الساقية السكرى !!.. قالتْ لا تنظرْ للأشياءِ الباردةِ فعصفورُ الوقتِ سينقرُ باب سماءٍ من حجرٍ في زمن ِ الرعب المجدولِ هنا وهناكَ سينقرُ هل تدري كم مرّ من الوقتِ الآنَ على تلك الريحِ ؟؟.. تنامتْ أسئلةٌ نامتْ في سلةِ حزنٍ ..لم أعرفْ كم سيطول الظلّ على جرس الأيام سأبكي حتى صباح الوقت الآتي ..هل يأتي هذا الوقتُ قليلا ؟؟.. قالتْ لا يأتي غيرُ دخانِ زمان ٍ مصلوب ٍ في الذكرى ..
بين الصوت الداخلي والخارجي تتنامى أسئلة الوجع عن السكون عن الوقت الممتد عن الحلم ، عن عن الزمان المصلوب ،في حركة إيقاعية تضمنها وحدة المقطع في محاولة جريئة تطوع السرد داخل الشعر بروعة ورونق .. وهنا أتذكر قولة هوميروس للشعراء"
فروعة الترتيب ورونقه ، لوصح تقديري ، تتلخصان في أن على ناظم القصيدة العصماء التي تتطلع إليها الدنيا بصبر نافد أن يتوخى ذكر ما يجب ذكرُه، وتأجيل الكثير إلى أن يأتي حينه، كما أن عليه أن يهتدي بذوقه فليحب هذا وليزدرِ ذاك "
حوار سردي داخل قصيدة شعر في فضاء ممتد متشعب ينقلنا بسلاسة من لغة إلى لغة ومن مبدأ إلى آخر ليكمل مقصدية الشاعر بالتخصيص والتدقيق عن طريق مقاطع محورية " القدس في قلبي " القدس في بابي " ليحقق نوعا من الانسجام في العلاقات المعجمية التركيبية الدلالية... الزمنية.
ولي عودة ...
|